للحظةٍ، جسدي فارق الحياة... ثم استيقظت روحي عند رمقٍ، لا أظن أنه يجدر القول إنه كان الأخير.
للحظةٍ، بدأ قلبي يخفق بشدة… يخفق وأنا لا أشعر بشيء.
وللحظةٍ أخرى، شعرت كما لو أنني على حافةٍ، وعلى وَشَك أن أهوي من على جرف كياني.
كان كل شيء صامتًا من حولي...
لا ريح، لا ضوء، لا ألم، لا أصوات.
فقط فراغ... كأنني معلّقة في نقطةٍ بين الحياة والموت، لا تسندني أرض، ولا تحويني سماء.
مرت لحظات... أو ربما سنوات؟
لا أدري، فإحساسي بالزمن قد تلاشى مع أول شرارةٍ اخترقت الظلام.
ثم...
أغمضت عينَيّ، أو ربما كانت مغمضة طوال الوقت.
وعندما فتحتها، أول ما نطقت به، كأنها ليست كلماتي بل صدى شيء أقدم مني:
من أنا؟
نهضت ببطء، وكل طرف في جسدي كان كمن يستيقظ من موتٍ طويل.
جسدي ثقيل... لكن روحي؟(تصمت للحظة ثُمَّ تُكمِل)
كأنها لا تزال في منتصف الطريق، لم تصل إليّ بعد.
تلمست وجهي، شعري، صدري... لا جراح واضحة، لا دم، لكن شعورٌ غريب يسكن صدري، شعورٌ لا اسم له.
نظرت حولي... لا شيء مألوف،كان هناك شيء داخل جيبي، كأن يدي قادتها غريزة لا أذكرها.
أخرجت شيئًا يشبه الكتاب، غلافه مشقوق، رموزه غريبة تلمع للحظة وتخبو في اللحظة التالية، بَدت أكثر شيء فهمته من حولي.
لا أتذكره… لكنّه يشعرني كأنني كنت أحمله منذ ولادتي.
كتاب عليه اسمي (رين).
أشجار سوداء محترقة من حولي، أطرافها كأنها صراخٌ متجمّد. السماء باهتة، لا لون لها، وكأنها ترفض البوح بمصيرها.
وفي الأفق... أطياف أبراج عالية منهارة، كأن مملكةً كاملة قد طُمرت تحت صمتٍ عميق.
تردد إلى ذهني العديدُ مِنَ الأسئِلة: من أكون؟ لِمَ نهضتُ وحدي من بين الرماد؟
كل شيءٍ في المكان كان يهمس لي أن أهرب، أن أختبئ، أن أعود من حيث أتيت.
لكن... من أين أتيت؟
وإلى أين أهرب إن كان العالم ذاته غريبًا عليّ؟
خطوت إلى الأمام... الأرض تتشقق تحت قدمي، ليس كزلازل، بل كأنها تفتح عينيها لتريني ما تُخفي عن الأنظار.
شُهب تتساقط من بعيد، بقايا نيازك لا تزال تسقط بعد الحادثة، تشعل السماء وتذكرني بشيء… شيء لا أتذكره.
في الأفق البعيد، لمحَت عيناي ظلالًا سوداء تتحرك… عباءات سوداء، خطوات صامتة… أشخاص لا وجوه لهم، لكن حضورهم يخنق الهواء.
اقتربوا.
أصواتهم كأنها تنبعث من صدري لا من أفواههم.
أدركت حينها أنني لم أكن وحيدة.
وأن هذا الكتاب… لم يكن لي وحدي.
وقبل أن يَلتَفِتوا نَحوي سَمِعتُ ذلِك الصوت الثقيل من خلف الأشجار يقول : اختَبِئي بِسُرعَه.