hindawiorg

Share to Social Media

نَعِمتُ منذُ بِضع سنواتٍ ماضية بتَجرِبة فريدة؛ كُنتُ ألُاحِق فيها رَجُلًا متَّهمًا بجريمة،
وكنتُ أسعى للحصول على دليلٍ يُثبِت تَورُّطه في أخرى. وعلى الرَّغم من تبرئته من الجريمة
التي كنتُ أسعى وراء إثبات تورُّطِه فيها، فقد اتُّهِمَ بجريمةٍ أخرى أشدَّ خطورة. ومع ذلك
فقد نجحَ هو وشركاؤه في الهُروب والإفلات دُون عقابٍ في ظروفٍ أعتزِمسردَها الآن.
كان زَوجُ المرأة الِمسكينة ،« بيداليا هيرودزفوت » ، قد تتذكَّرون في قِصَّة روديارد كيبلينج
يُواجِهُ خطرَ القبضعليه لِكونه سِكِّيرًا فحسْب، بينما كانت دِماءُ زَوجتِه تُلَطِّخ حِذاءه بعدما
قَتَلَها. أمَّا قضية رالف سمرتريز، فكانت على النَّقيضتمامًا؛ إذ كانت السُّلطات الإنجليزية
تُحاول أن تُلصِق به تُهمةً كادت تكون بِفداحة جرائم القتل، بينما كنتُ أنا أجمع الأدلَّة
التي تُثبِت إدانَتَه بفعلٍ أكثرَ وأشدَّ جَسامةً من السُّكْر.
دائمًا ما كانت السُّلطاتالإنجليزية، حينتُدرِك وجوديمن الأساس، تتفضَّل بمُعامَلتي
بِدونِيَّةٍ مَشوبة بالتَّلَذُّذ. فإذا سألتَ اليوم المُفتِّش سبنسر هيل، من شرطة سكوتلانديارد،
عن رأيه في يوجين فالمونت، فسَيرسُم هذا الرَّجُل المَزهُوُّ بنفسه تِلك الابتسامة المُتكبِّرة التي
تُعبِّر تمامًا عن شخصِيَّته. أمَّا إذا كُنتَ أحد أصدقائه المُقرَّبين، فقد يَخفِضُ جَفنَه الأيمن
وهو يُجيب قائلًا:
وكأنَّه بهذه العِبارة لم «. أوه! أجل، إنَّ فالمونت رَجُلٌ مُحترَم للغاية، ولكنَّه فرنسي »
يكُن ثَمَّةَ حاجةٌ إلى قول المَزيد.
شخصيٍّا، أحُبُّ هذا المُفتِّشالإنجليزي كثيرًا. وإذا ما تَورَّطْتُ يومًا في شِجار، فلن أختار
أن يكون إلى جانِبي أيُّ رجلٍ سوى سبنسر هيل. سيكون صديقي هيل رفيقًا نافِعًا في أيِّ
مَوقفٍ أحتاج فيه إلى قبضةٍ قويَّةٍ يُمكِنها أن تَطْرحَ ثَورًا أرضًا، ولكن فيما يَخصُّ التفكير
والفِطنة وسَعةَ الحِيلة؛ أوه، حسنًا! أنا أكثر الناسِ تَواضُعًا ولن أقول شيئًا.
سيكون من المُمتِع أن تَرَوا هذا العِملاق وهو يدخُل غُرفتي مساءً ويدَّعي كَذِبًا أنه
يرغَب في تدخين غليونٍ معي. إنَّ الفرق بيني وبين هذا العِملاق الطَّيِّب كالفرْق بين غليونِه
الأسود الغليظ وبين سجائري الرَّقيقة التي أدُخِّنُها بِشراهةٍ في وجوده لأحمي نفسي من
دُخان تَبْغِه الكريه. أنظرُ بِسرورٍ إلى هذا الرجل الضَّخم وهو يُحاوِل هباءً، بِخفَّة ظِلٍّ ولَمْعةٍ
في عينَيه ظنٍّا منه أنه قد نَجَح في خِداعي، الحصول مِنِّي على تلميحٍ يُساعِده فيما يَخصُّ
أيَّ قضيةٍ تُحيِّرُه في تلك اللحظة، بينما أرُبِكُهُ أنا بِسهولةٍ تمامًا كما يُراوِغ كلبُ صيدٍ كلبَ
دِرواس ثقيل الوَزْن، ثُمَّ في النهاية أقول له ضاحِكًا:
«. هيَّا يا عزيزي هيل، أخبِرْني بالأمر وسَأسُاعِدك إن استَطعْت »
في البداية كان يهزُّ رأسهُ الضَّخمَ مرَّةً أو مَرَّتَين ويقول إن السِّرَّ لا يَخُصُّه. في آخِر
مرَّةٍ فعل فيها هذا طمأنْتُه بأنَّ ما قاله كان صحيحًا تمامًا، ثمسرَدْتُ له التفاصيل الكامِلة
للمَوقِف الذي وَجَد نفسه فيه، فيما عدا الأسماء لكونه لم يذكرها. لقد استَشْفَفْتُ حِيرتَه
من بعض أجزاء حديثه معي على مدى نِصف ساعةٍ وهو يُحاوِل اصطِياد نَصيحتي التي
كان يُمكِنه بلا شكٍّ أن يأخُذَها إذا طلَب منِّي ذلكصراحة. ومنذ ذلك الوقت لم يعُد يأتِيني
إلَّا بالقضايا التي يَستشعِر حُريَّة إفشاء تفاصيلها. ولِحُسن الحظِّ تَمكَّنتُ من حلِّ مُعضِلةٍ
أو اثنتَين له.
ولكن بِقَدْر إيمان سبنسرهيل الراسِخ بأنه لا تُوجَد دائرة تحقيقات على كوكب الأرض
يُمكِنها أن تتفوَّق على دائرة تحقيقات سكوتلانديارد، إلَّا أنَّ ثَمَّةَ نَشاطًا بِعيْنِه حتى هو
نَفسه يَعترِف بأنَّ الفرنسيين يتفوَّقون فيه، وإن كان يُخفِّفُ مِن اعترافِه هذا بِالقول إنَّنا في
فرنسا يُسمَحَ لنا دَوْمًا بفعل ما يُحظَر فِعلُه في إنجلترا. ما أشُِير إليه هنا هو عمليَّة التَّفتيش
الرِّسالة » الدَّقيق للمَنْزِل أثناء غياب مالِكه. إذا كنتُم قد قرأتُم قصَّة إدجار آلان بو البَديعة
فستَجِدون سَردًا لما أقصِده، وهو أفضلُ من أيِّ وَصْفٍ يُمكِن لشخصٍ مِثلي، ،« المسروقة
كثيرًا ما شارَك في مِثل عمليَّات التفتيش هذه، أن يُسجِّله.
منزل الرَّجُل » حاليٍّا يَفتخِر هؤلاء الناس الذين أعيشُ بينهم بِعبارتِهم الشهيرة
إذ لا يُمكِن حتى لرَجُل شرطةٍ أن يَخترِقَه دُون أمرٍ قضائي. ؛« الإنجليزي هو حِصنُه
وهو ما قد يبدو من الناحية النظرية جَيِّدًا جدٍّا، ولكنَّكم إذا اضطُرِرتُم للذَّهاب إلى بَيت
أحدهم للتفتيش وأنتم تَنفُخون الأبواق وتَقرَعون الطبول، إذن عند الالتزام بجميع القُيود
القانونية، لا داعِيَ للشُّعور بالإحباط إذا فشِلتُم في العثور على ما قد أَتيتُم بحثًا عنه. إن
الإنجليزَ أنُاسٌ مُمتازون بلا أدْنى شك، وهي حقيقةٌ أفتخِرُ دائمًا بقَوْلِها على الملأ، ولكن
لا بُدَّ أن نَعترِف أنَّ الفرنسيين يَفوقونهم بكثيرٍ في استِخدام المَنطِق السَّديد. فإذا رَغِبتُ
في الحصول على وَثيقةِ إدانة في باريس، لا أرُسِلُ إلى المالِك بِطاقةً بريدية أطُلِعُهُ فيها على
رَغْبَتي، وهو إجراء يُؤيِّده الشَّعبُ الفرنسي بِكلِّ عقلانية. بل لقد عرَفتُ أشخاصًا يُلقون
بِمفاتِيحهم إلى حارِس المبنى، حين يخرجون لقَضاء سهرةٍ بالخارج، قائلين:
إذا سَمِعتَ أنَّ الشرطة تقوم بالتَّفتِيش في الأنحاء وأنا غَير موجود، فأرجو مِنك أنْ »
«. تُساعِدَهم وأن تُعبِّر لهم عن وافِر احترامي
أتذكَّر أنَّني أثناء عملي كبيرًا للمُحقِّقين في الحكومة الفرنسية، كان يُطلَبُ مِنِّي أن
أتَّصِل في ساعةٍ مُعيَّنة بالفندق الخاص بوزير الخارجية. كان ذلك في الوقت الذي كان
يُخطِّط فيه بسمارك لهجومٍ ثانٍ على بلادي. ويَسرُّني القول إنَّني لعِبتُ دَورًا مِحوريٍّا في
تزويد المكتب السِّرِّي بِوثائق حَجَّمَت أهداف هذا الرجل الحديدي، وهوَ ما جعلَني أستَحقُّ،
كما أعتقِد، العِرفان بالجميل من بلادي. وهذا لا يَعني أنَّني قد طالبتُ بهذا الحقِّ أو حتَّى
أشرتُ إليه عندما تَنْسَى إحدى الوَزارات اللاحِقة الخدمات التي قدَّمتُها. فكما قال رجلٌ
أعظم مِنِّي بكثيرٍ إنَّ ذَاكِرة الجمهورية قصيرة المدى. ومع ذلك، فكلُّ ما سَردْتُه آنِفًا ليس
له أيُّ علاقةٍ بالواقِعة التي على وَشْك قصِّها. أنا فقط أذكُر هذه الأزمةَ لألتَمِس لهم عُذرَ
النِّسيان المؤقَّت الذي ربما تَسبَّبَ لي في أيِّ بلدٍ آخر في عَواقِب وَخِيمة. ولكن في فرنسا؛
حسنًا، نحن نتفَهَّم تلك الأمور، ولم يَحدُث أيُّشيء.
كما يقولون في الغرب الكبير، أنا آخِرُ شخصٍ في العالَم يفقِد أعصابه. فأنا يوجين
فالمونت الهادئ الرَّصِين الذي لا يُمكِن أن يُعكِّر صفوَهُ أيُّ شيء، ولكن تلك الفترة كانت
من الفترات التي ازدادت فيها حدَّة التوتُّر، فأصبحتُ شاردًا. كنتُ وَحدي مع الوزير في
مَنزلِه الخاصِّ، وكانت واحدةً من الأوراق التي كان يرْغَبُ في الاطِّلاع عليها في مَكتبِه بِوَزارة
الخارجيَّة؛ أو هكذا كان يَظُنُّ، وقال:
«! أوه، إنها في دُرْج مَكتبي بالمكتب. يا له منشيءٍ مُزعِج! لا بُدَّ أن أرُسِل في طلَبِها »
وعِندما لمستُ زُنبرك أحدِ «. إنها هنا » : انتفضتُ واقِفًا وصِحتُ ناسِيًا نفسي تمامًا
الأدراج السِّرِّية، فتَحْتُه وأخرجتُ منه الوَثيقة التي يرغَبُ فيها وَسلَّمتُها إليه.
لم أدُرِك وَقْعَ ما فعلتُه إلَّا حينما التقَتْ عيني بنظرتِه الفاحِصة الحادَّة، ورأيتُ
الابتسامة الباهِتة التي ارتَسَمتْ على شَفتَيه.
«؟ لِصالح من فتَّشتَ مَنزِلي يا فالمونت » : قال بهدوء
سعادة الوزير، تَنفيذًا لأوامِرِك سأقوم » : أجبتُ بنبرةٍ لا تَقلُّ لُطفًا عن نَبرتِه قائلًا
بزِيارةٍ مَنزليَّة لقَصرالبارون دومولان الذي يَحظى بتقديرٍ عالٍ ومكانةٍ بارِزةٍ لدى رئيس
جمهورية فرنسا. إذا عَلِم أيٌّ مِن السَّيِّدَين المُوقَّرَين بِزيارتي غير الرَّسميَّة وسألاني لِصالِح
«؟ مَن قُمتَ بتلك الزِّيارة المنزليَّة، فما الرَّدُّ الذي تَودُّ أن أجُِيب به
«. ستقول يا فالمونت إنَّك قُمتَ بذلك لِصالِح وَكالة الاستِخبارات »
هذا ما سأقوله يا سِيادة الوزير، وردٍّا على السُّؤال الذي طرحتَه الآن، فقد شَرُفْتُ »
«. بتفتيش هذا القصرلِصالح وَكالة الاستِخبارات الفرنسية
ضحِك وَزير الخارجية ضحكةً من القَلْب لا تَحمِل أيَّ ضَغينة قائلًا:
أردتُ أن أثُني عليك فحسْب يا فالمونت، وعلى كفاءة تَفتيشِك وبَراعَةِ ذَاكِرتك. هذه »
«. هي فِعلًا الوثيقة التي اعتقدتُ أنَّني قد تركتُها في مكتبي
أتساءلُ ماذا كان سيقول اللورد لانسداون لو أظهَرَ سبنسر هيل مَعرِفةً مُشابِهةً
بأوراقِه الخاصَّة؟! ولكن الآن بعد أنْ عُدْنا إلى صديقنا العزيز هيل، فلا يَجِب أن نَدَعَهُ
يَنتظِر أكثر من ذلك.
أتذكَّر جيِّدًا أحد أيام شهر نوفمبر عندما سمعتُ لأول مرَّةٍ عن قضية سمرتريز. ففي
ذلك اليوم غطَّى الضباب الكثيف لندن، حتى إنَّني ضللتُ طريقي مرَّتين أو ثلاثَ مرَّات،
ولم تَقبل أيُّ عربة أجُرة إقلالي مهما كان الثمن. فقد كان سائقو عرَبات الأجُرة القليلون
الموجودون في الشارع يَقودون حيواناتهم ببطءٍ عبر الشارع ليَضَعوها في إسطبلاتها. كان
واحدًا من تلك الأيام اللَّندَنية الكئيبة التي ملأتنيضَجَرًا وحنينًا لمدينتي باريسذات الأجواء
الصافية، التي إن حدَث وزارَنا فيها الضبابُ الخفيف، فإنه يكون عبارةً عن بخارٍ نقيٍّ
أبيض اللون، وليس كهذا الخليط اللندني المُشبَّع بغازات الكربون الخانِقة. كان الضباب
شديدَ الكثافة لدرجةٍ تَعذَّر معها على أيِّ عابرٍ قِراءة العناوين الرئيسية للصُّحف المُلصَقة
على الرصيف، ولما لم يكن ثَمَّةَ أيُّ سباقاتٍ في ذلك اليوم على الأرجَح، كان بائعو الجرائد
يَصيحون مُعلنين عمَّا اعتَبَروه الحدَث القادم الأهم، ألا وهي انتخابات الرئاسة الأمريكية.
اشتريتُ صحيفةً ودَسَسْتُها في جَيبي. كان الوقتُ مُتأخِّرًا حين وصلتُ إلى شقَّتي، وبعد أن
تناولتُ طعامي فيها على غير عادتي، ارتديتُ نَعليَّ واتَّخذتُ كُرسيٍّا مُريحًا أمام الِمدفأة،
وبدأتُ في قراءة الصحيفة المسائية. شعرتُ بالأسى عندما علِمتُ أنَّ السيِّد برَيان المُفَوَّه قد
هُزِمَ. لم أكن أعلم سوى القليل عن قضيَّة الفِضَّة، لكنَّ قُدراته الخَطابيَّة جَذَبتني وأثارت
تَعاطُفي؛ لأنه كان يمتلِك العديد من مَناجِم الفِضَّة. وعلى الرَّغم من ذلك كان سِعر المعدِن
مُنخفِضًا بشدَّة لدرجةِ أنَّه لم يكن قادِرًا، كما بدا، على كسب قُوتِه من خلال تشغيل تلك
المناجم. ولكن بالطبع تَسبَّبت الضَّجَّة التي أثارتها الدَّعاوى التي تردَّدَت مِرارًا وتِكرارًا عن
كونه مِليونيرًا من طبقةِ الأغنياء ذَوي النفوذ في هزيمته في ديمقراطيَّةٍ يكون فيها الناخِب
العادي شديدَ الفقر وغيرَ مَيسور الحال، كما هي الحال مع الفلَّاحين في فرنسا. لَطالَما
أوليتُ اهتمامًا كبيرًا لشئون الجمهورية الشاسِعة التي تقعُ غربًا بعد أن بذلتُ جُهدًا كبيرًا
في تثقيف نفسيتثقيفًا دقيقًا فيما يتعلَّق بِسياستها. وكما يَعلَم قُرَّائي، على الرَّغم من أنَّني
نادرًا ما أقتبِس أيَّ مَديحٍ يُقالُ عنِّي، فقد اعترَفَ أحدُ عُملائي الأمريكيِّين مرَّةً بأنَّه لم يكن
على علمٍ قط بِبَواطِن — أعتقد أنَّ هذه هيَ الكلِمة التي استخْدَمَها — السياسة الأمريكية
حتى سَمِعَني وأنا ألُقي محاضرة عنها. ولكنه عاد وأضاف أنه كان دَومًا رجُلًا مَشغولًا
طوال حياته.
تركتُ الصَّحيفة تنزلِق من يدي على الأرض؛ إذ كان الضَّباب في الواقِع يَخترِق حتى
شَقَّتي، فأصبَح من الصَّعب القراءة، على الرَّغم من وجود ضوء المصباح الكهربي. دخل
خادِمي وقال إن السيِّد سبنسر هيل يرغَب في رؤيتي، والحقُّ أنني في أيِّ ليلة، لا سيما في
ليلةٍ مَطيرةٍ ضبابية كهذه، أكون أسعَدَ كثيرًا بِتَجاذُب أطرافِ الحديث مع صديقٍ من قراءة
صحيفة.
يا إلهي، عزيزي السيِّد هيل، يا لك من رَجُلٍ شُجاع أنْ تَخرجَ في مِثل هذا الضَّباب »
«! الكثيف الليلة
أوه سيِّد فالمونت، لا يُمكِن أن تَتحمَّلوا ضبابًا كهذا في باريس. أليس » : قال هيل بِفَخر
«؟ كذلك
«. بلى، أنتُم تتفوَّقُون في ذلك » : أجبتُ مُقرٍّا وأنا أنهضلِتَحيَّة ضَيفي وإجلاسه
أرى أنك تقرأ آخِر الأخبار. أنا مسرورٌ بشدَّةٍ أنَّ هذا » : قال وهو يُشير إلى صحيفتي
«. الرجل برَيان قد هُزِمَ؛ الآنَ سنَحظَى بأوقاتٍ أفضل
لوَّحْتُ بيدي وأنا أعُاوِد الجلوس مرةً أخرى. لا أمانِع مُناقَشة الكثير من الأشياء مع
سبنسر هيل، إلَّا السياسة الأمريكية؛ فهو لا يَفقَه فيها شيئًا. فَمِن العيوب الشائعة لدى
الإنجليز ما يُعانونه من جَهلٍ تامٍّ فيما يتعلَّق بالشئون الداخلية للبِلاد الأخرى.
من المؤكَّد أنَّ أمرًا مُهِمٍّا هو ما دَفَعَك للخروج في ليلةٍ كهذه. لا بُدَّ أنَّ الضباب كثيفٌ »
«. جدٍّا في سكوتلانديارد
لم يفهَم هيل هذا التَّشبيه الرَّقيق إطلاقًا، وأجاب بِبلادةٍ قائلًا:
«. إنَّ الضَّباب كثيفٌ في جميع أنحاء لَندن، بل في مُعظَم أنحاء إنجلترا »
ولكنَّه لم يَفهَم هذا الردَّ أيضًا. «. نعم إنه كذلك » : وافقتُه الرَّأي قائلًا
ولكن بعد بُرهةٍ أبدى مُلاحظةً لو تَفوَّه بها بعض الناس الذين أعرفُهم، لدلَّتْ على
قليلٍ من الفَهم.
أنتَ رَجُلٌ شديد الذكاء يا سيِّد فالمونت؛ لذا كُلُّ ما أحتاج لقولِه هو أن المسألة »
التي دَفعَتْني للقُدوم إلى هنا هي نفسها التي كان يَتنافَس عليها المُرشَّحون في الانتخابات
الأمريكية. حسنًا، لو كنتَ مُواطِنًا عاديٍّا، كنتُ سأضُطرُّ لتقديم المزيد من الشرح، ولكن
«. بالنسبة لك يا سيِّدي، لن يكون ذلك ضروريٍّا
في بعضالأوقات أبغَضُتلك الابتِسامة الماكِرة وإغماضة العَينَين الجزئيَّة اللَّتَين دائمًا
ما تُمِيِّزان سبنسر هيل عندما يَطرَح قضية يَتوقَّع أنها سَتُحيِّرني. سأكون مُخطِئًا بالطَّبع
إذا قلتُ إنَّه لم يُحيِّرني قط؛ فأحيانًا ما تدفَعُني البساطة الشديدة للألغاز التي تُؤرِّقه إلى
تعقيدٍ لا دَاعيَ له تمامًا للأمور في ظِلِّ الظروف المُحِيطة بها.
ضغَطْتُ أطراف أصابعي معًا، وحدَّقْتُ لبِضع لحظاتٍ في السَّقْف. كان هيل قد أشعَل
غليونه الأسود، ووضعَ خادِمي الصامِت عندَ مَرفِقه الويسكي والصودا ثُمَّ خرَج من الغُرفة
بهدوءٍ تام. وعندما أغلَقَ الباب، تحرَّكَتْ عينايَ من السَّقفِ إلى مُستوى وَجْهِ هيل الضَّخم.
«؟ هل هَربوا منك » : سألتُه بهدوء
«؟ من »
«. مُزيِّفو العُملات »
وقعَ غليون هيل من فمه، ولكنَّه نجَح في التقاطه قبل أن يصِل إلى الأرض، ثم احتسى
جرعةً من الكأس.
«. كان هذا التَّخمين مُجرَّدضربة حظ »
«. بالضبط » : أجبْتُ بلا مُبالاةٍ قائلًا
«؟ اعترِف الآن يا فالمونت! كانتضربةَ حظ، أليس كذلك »
هززتُ كَتِفيَّ بلا مُبالاة؛ إذ لا يَصِحُّ أن يُخالِف المرء ضَيفَه في الرأي وهو في مَنزلِه.
عادةً ما يميل هيل قليلًا لاستِخدام «! أوه كُفَّ عن ذلك » : صاح هيل بِوقاحةٍ قائلًا
«! أخبِرني كيفَ خَمَّنْتَ ذلك » . التعبيرات الحادَّة بل السُّوقيَّة عندما يكون مُرتبِكًا
الأمر بسيط للغاية يا عزيزي؛ المسألة التي كان يتنافَس عليها المُرَشَّحون في »
الانتخابات الأمريكية هي سِعر الفِضَّة المُنخفِض بِشدَّة، لدرجة أنه قد دَمَّر السيد برَيان
بالفعل، ويُهدِّد بتدمير جميع مُزارعي الغرب الذين يَمتلِكون مَناجم فِضَّة في مَزارعهم. إن
الفِضَّة تُثير قَلَق أمريكا؛ وبالتالي فهي تُثير قَلَق سكوتلانديارد.
حسنًا، الاستِنتاج الطَّبيعي هوَ أنَّ شَخصًا ما قد سرَق سبائك الفِضَّة، ولكنَّ واقِعةَ
السَّرِقة هذه حدثَتْ قَبل ثَلاثةِ أشهُرٍ أثناء تفريغ المعدِن من سفينةٍ بُخارية ألمانية في
ساوثامبتون، وصديقي العزيز هيل قَبَضعلى اللُّصوصبذكاءٍ شديد بينما كانوا يُحاوِلون
إذابَةَ العَلامات من فوق السَّبائك باستِخدام الحِمض. إنَّ الجرائم الآن لا تُرتكَب بِتسلسلٍ مِثل
الأرقام في لُعبةِ الروليت بمونت كارلو؛ فاللُّصوصأشخاصٌأذكياء. هُم يقولون لأنفسهم:
أليس «؟ ما فُرصتُنا في سرقة سبائك الفضة بنجاح والسيد هيل يعمل في سكوتلانديارد »
«؟ كذلك يا صديقي العزيز
بحقٍّ يا فالمونت، في بعضالأحيان تُقنِعني بأنَّك » ، قال هيل وهو يحتَسيرَشفةً أخرى
«. تَتمتَّع بقدراتٍ استدلالية
الفضة؛ « سرقة » أشكرُك يا رفيقي. إذن فما علينا التَّعامُل معه الآن ليس عملية »
فالمعركة في الانتخابات الأمريكية كانت على سِعر الفضة؛ فلو كان سِعرها مُرتفعًا، لما
وُجدَت هذه المسألة من الأساس. إذن فالجريمة التي تُؤرِّقك نابِعة من السِّعر المُتدنِّي
للفضة، وهو ما يُشير إلى أنها لا بُدَّ أن تكون قَضيَّة سَكِّ نُقودٍ بصورةٍ غير شرعية. وهنا
يأتي دَور السِّعر المُنخفِضللمعدن. لقد كَشَفْتَ على الأرجح فِعلًا غيرَ قانوني لم يكن ظاهِرًا
من قبلُ كما هو الآن؛ ثَمَّةَ شخصٌيَسُكُّ عملات الشِّلِن والنِّصف الكراون التي تَستخدمونها
من الفِضَّة الحقيقية بدلًا من المعدن الأساسي الرَّخيص، وعلى الرَّغم من ذلك، يُحقِّق رِبحًا
كبيرًا لم يَتَسَنَّ تحقيقه حتى الآن مع ارتِفاع سِعر الفضة. لقد كنتُ مُلِمٍّا بالوَضع سَابقًا،
ولكنَّ هذا العنصرالجديد الذي أضُيف يُلغي صِيَغَكم السابقة بالكامل. هذه هي الطريقة
«. التي فَسَّرتُ بها الأمر
حسنًا، لقد أصبتَ كبِدَ الحقيقة يا فالمونت. أنت مُحقٌّ تمامًا. تُوجَد عصابةٌ مُحنَّكة »
من مُزيِّفي العُملات الذين يَصنعون عُملاتنا من الفِضَّة الحقيقية ويُوزِّعونها للتَّداول،
ويَسُكُّون عُملةَ الشلن على عُملة النِّصف الكراون. لا يُمكِنُنا أن نَجِد أيَّ أثرٍ لمُزَيِّفي العُملات،
«. ولكنَّنا نعرِف الرجل المسئول عن تسيير هذه الأمور
.« يُفترَضأن يكون هذا كافيًا » : أشرتُ قائلًا
أجل، ولكن لم يَثبُت هذا حتى الآن؛ ولقد أتيتُ الليلةَ لأرى إذا ما كان يُمكِنك أن »
«. تُساعِدنا بإحدى حِيلِكَ الفرنسيةسِرٍّا
تساءلتُ ببعضِ الحِدَّة ناسِيًا لوهلةٍ كيف أنَّ هيل دائمًا ما يكون غير مُهذَّبٍ عندما
«؟ أيَّ حيلةٍ فرنسية تَقصِد يا سيِّد سبنسر هيل » : ينفعل
هكذا ردَّ هذا الشُّرطي الأحمَق الذي هو في الحقيقة شخصٌ «. لم أقصِد أيَّ إساءة »
أريد شخصًا » : طيِّب، ولكنَّه دائمًا ما يردُّ رُدودًا مُحرِجة ثُمَّ يعتذِر عما قاله. ثم أوضح قائلًا
يدخُل منزِل أحدِهم دُون أمر تَفتيشٍ ويعثُر على الأدِلَّة ثم يُخبرني، بعد ذلك سَنُهرَع إلى
«. المنزل قبل أن يَتمكَّن من إخفاء آثاره
«؟ من هذا الرجُل وأين يعيش »
اسمه رالف سمرتريز، ويعيش في مَسكنٍ صغير الحجم وفخمٍ يقَعُ في شارع بارك »
«. لين الذي يُعدُّ، كما تَصِفه إعلانات العقارات، أكثَرَ الشوارع رُقيٍّا
«؟ فهمتُ قصدَك. وما الذي أثار شُكوكَكَ تِجاهَه »
حسنًا، كما تعلَم، إنَّ تكاليف المعيشة في ذلك الحيِّ باهِظة؛ لذا لا بُدَّ أن يكون لدَيك »
ما يكفي من المال لتنفيذ الحِيلة. هذا المدعو سمرتريز ليس لدَيهِ أيُّ عملٍ واضِح، ولكنَّه
يذهب كلَّ يوم جُمعة إلى بنك المال المُتَّحِد في بيكاديللي ويُودِعُ كيسًا من النُّقود التي عادةً
«. ما تَكون كلُّها عبارةً عن عُملات فضيَّة
«؟ أجل، وماذا عن هذه الأموال »
ما نعرِفه حتى الآن أنَّ هذه الأموال تحتوي على الكثير من هذه القِطَع النقديَّة »
«. الجديدة التي لم تَمُرَّ على دارِ سَكِّ النُّقود البريطانية أبدًا
«؟ إذَن فليستْ كُلُّ الأموال من العُملات النقديَّة الجديدة. أليس كذلك »
أوه كلَّا، إنه أذكى بِكثيرٍ من أن يفعَل شيئًا كهذا. كما ترى يُمكِن لأيِّ شخصٍ أن »
يجوب لندن وجُيوبه مملوءةٌ بالعُملات المعدنية الجديدة من فئة الخمسة الشلنات، ويَشتري
هذا وذاك وتلك، ثم يعود إلى مَنزِله ومعه الباقي على هيئة عُملاتٍ قانونية من الفئات نفسها:
«. عملاتُ النِّصف الكراون والفلورين والشلنات والستَّة البِنسات وما إلى ذلك
فهمت. إذن لماذا لا تَقبِض عليه في أحد الأيام التي تكون فيها جُيوبه مُمتلِئةً بِقِطَع »
«؟ الخمسة الشلنات غير الشرعية
يمكِن تنفيذ ذلك بالطبع، وقد خطَر ببالي بالفعل، ولكنَّنا نرغَب في الإمساك بالعِصابة »
كلِّها كما تعلَم. فَبِمُجرَّد القبضِ عليه دُون معرفة مصدر الأموال، سيهرُب المُزَيِّفون
«. الحقيقيون
«؟ ومن أين جاء لك أنه ليسَ المُزيِّف الحقيقي »
هنا أصبحَ هيل المسكين ككتابٍ مفتوح. فقد تردَّد قبل أن يُجيب على هذا السؤال،
وبدا مُرتبِكًا كأنه مُجرِم أمُسِكَ به مُتلبِّسًا بفعلٍ احتيالي.
لا داعِيَ للخَوف من إخباري، لقد جَعلْتَ » : قلتُ مُطمئنًا له بعد فترة صَمتٍ قصيرة
أحد رِجالك يدخُل إلى مَنزِل السيِّد سمرتريز بالفعل، ومن ثَمَّ عرفتَ أنَّه ليسَ هو مُزيِّف
«. النقود. ولكن لم يَنجَح رَجُلُك في الحصول لك على أدِلَّةٍ لإدانة الآخرين
لقد أَصبْتَ مرَّةً ثانية يا سيِّد فالمونت. لقد عَمِل أحد رجالي رئيسًا للخدَم في منزل »
«. سمرتريز ولكنه، كما قُلتَ، لم يَعثُر على أيِّ أدِلَّة
«؟ هل لا يزال يعمل خادِمًا لديه »
«. أجل »
حسنًا أخبرني بآخر ما تَوصَّلتَ إليه. ما تَعرِفه هو أنَّ سمرتريز يُودِع كِيسًا من »
النُّقود المعدنية كلَّ يوم جمعة في بنك بيكاديللي. وأعتقِد أنَّ البنك قد سمحَ لك بِفَحْصكِيسٍ
«. أو اثنين من أكياس نُقوده
أجل يا سيِّدي، ولكن كما تَعْلَم، مِن الصَّعب كثيرًا التَّعامُل مع البنوك؛ فهم لا يُحبُّون »
أن يَجوب المُحَقِّقون المكان ويُزعِجوهم. وعلى الرغم من أنهم لا يقِفون ضدَّ القانون، فهم
لا يُجيبون على أيِّ أسئلةٍ أكثر ممَّا يُوجَّه إليهم، وقَد كان السيد سمرتريز عميلًا جيدًا لدى
«. البنك لسنواتٍ عديدة
«؟ ألم تكتشِف مصدر الأموال »
بلى فعلنا؛ يُحضِرها كلَّ ليلةٍ رجل يبدو كأنه كاتِب مُحترَم بالمدينة ويضَعُها في خِزانةٍ »
«. ضخمة، هو من يحمِل مفاتيحها، وهذه الخِزانة في الطابق الأرضي، في غُرفة الطعام
«؟ هل تَتَبَّعتَ الكاتب »
أجل، إنه يبيتُ في منزل بارك لين كلَّ ليلةٍ ويذَهب في الصباح إلى مَتْجرٍ قديم للسِّلَع »
الغريبة في طريق توتنهام كُورت ويَظلُّ هناك طوال اليوم، ثُمَّ يعود بِحقيبةٍ من النُّقود في
«. المساء
«؟ لماذا لا تُلقي القَبضعليه وتَستجْوِبه »
حسنًا يا سيِّد فالمونت، المانع الذي يَحول دُون اعتقالِه هو عينُه الذي يَحول دُون »
اعتقال سمرتريز. يُمكِنُنا بِسهولةٍ القَبضُعليهما، ولكن ليسلدَينا أيُّ دليلٍضِدَّ أيٍّ منهما،
«. ثم إنَّنا إذا زَجَجْنا بالوُسَطاء في السجن، فسيهرُب أعتى مُجرِمي العِصابة
«؟ هل يُوجَد أيُّشيءٍ يُثير الرِّيبة فيما يَخُصُّمَتْجر السلع الغريبة القديم »
«. لا، يبدو عاديٍّا تمامًا »
«؟ منذُ متى بدأتُم مراقبة هذه اللعبة »
«. منذ نحو ستَّة أسابيع »
«؟ هل سمرتريز مُتزوِّج »
«. لا»
«؟ هل تُوجَد أيُّ خادِمات في المنزل »
«. لا، فيما عدا تِلك الخادِمات الثلاث اللاتي يأتينَ كلَّ صباحٍ لتنظيف الغُرف »
«؟ مَن يَسكُن معه في البيت »
«. كبير الخدَم والخادِم، وأخيرًا الطبَّاخ الفرنسي »
أوه، الطبَّاخ الفرنسي! هذه القضيَّة تثير اهتمامي. إذَن هل نَجَح » : صحتُ قائلًا
«؟ سمرتريز بالكامل في إرباك رَجُلِكَ؟ هل حالَ دُون تفتيشه المَنزِل تَفتيشًا شامِلًا
أوه لا، لم يُعطِّله بل سَاعَده؛ فقد ذَهَب في إحدى المرَّات إلى الخِزانة وأخذَ المال وجعل »
بودجرز — هذا هو اسم رَجُلي — يُساعِده في عَدِّهِ، ثم أرسَلَ بودجرز إلى البَنْك ومعه كيس
«. النقود
«؟ وهل تَجوَّل بودجرز في جميع أنحاء المكان »
«. نعم »
«؟ ولم يجِد أيَّ أماراتٍ لعمليَّة سَكِّ نقود »
لا، من المُستحيل تمامًا أن تَتِمَّ أيُّ عمليات سَكٍّ هناك. علاوةً على ذلك، كما قلتُ لك، »
«. من يجلُب له المال هو هذا الكاتِب المحترَم
«؟ أظنُّك تُريدني أن أَحُلَّ مَحلَّ بودجرز. أليس كذلك »
حسنًا يا سيد فالمونت، أصدُقُك القول، أنا لا أفَُضِّل ذلك. فقد فعل بودجرز أقصىما »
يُمكِن لأيِّ إنسانٍ فعله، ولكنَّني فكَّرتُ في أنك إذا دخلتَ المنزل بمساعدة بودجرز، فَسيُمكِنك
«. تفتيشه تفتيشًا دقيقًا كلَّ ليلةٍ في وَقتِ فَرَاغِك
فهِمْت، أعتقدُ أنَّ هذا الأمرَ خطير بعضَ الشيء في إنجلترا. أظنُّ أنَّني أفَُضِّل تأمين »
نفسي بأن أكونَ الخَلَفَ الشَّرْعِيَّ للسيد بودجرز اللطيف. تقول إن سمرتريز ليس لديه
«؟ عمل
حسنًا يا سيدي، ليس ما يُمكِنُك أن تُسمِّيه عملًا؛ إنه مُؤلِّفٌ بالمناسبة، ولكنَّني لا »
«. أعتَبِرُ ذلك عملًا
«؟ أوه، مُؤلِّف؟ متى يجلِس للكتابة »
«. إنه لا يَبرَح مَكتَبه مُعظَم اليوم »
«؟ هل يَخرُج لتَناوُل الغداء »
لا، إنه يُضيء مِصباحًا خافتًا داخل مكتبه كما يخبرني بودجرز، ويَصنَع لنفسه »
«. فنجانًا من القَهوَةِ ويَحتَسِيه مع شَطيرةٍ أو اثنتين
«. هذا طعامٌ رَخيصبالنِّسبة إلى شخصٍيَسكُن في بارك لين »
صحيح يا سيد فالمونت، إنَّه كذلك، ولكنَّه يُعوِّضذلك في المساء عندما يَتناوَل عشاءً »
طويلًا ممَّا لذَّ وطاب من الأطباق الأجنبيَّة التي تُحبُّونها أنتم، والتي يَطهُوها طبَّاخه
«. الفرنسي
إنه رجلٌ عاقل! حسنًا يا هيل، سأتطلَّع بِكلِّسُرورٍ إلى التَّعرُّف على السيد سمرتريز. »
«؟ هل تُوجَد أيُّ قيودٍ على تَحرُّكات رَجُلِك بودجرز
«. لا، على الإطلاق، يُمكِنُه الخروج ليلًا أو نهارًا »
رائع ياصديقي هيل، أَحضِرْه إلى هُنا غدًا بِمُجرَّد دخول مُؤلِّفِنا إلى مَكتبه، أو الأفضل، »
كما أعتقِد، بِمُجرَّد مُغادَرة الكاتب المُحترَم إلى طريق توتنهام كورت الذي أعتقِد، وبحسْبِ
ما قُلت، يقَع على بُعد حَوالي نِصف ساعة، بعد أن يُسَلِّم سَيِّده مَفاتيح الغُرفة التي يكتُب
«. فيها
«؟ أنت مُحقٌّ في هذا التخمين يا فالمونت، كيف توصَّلْتَ إليه »
إنه مُجرَّد تَكهُّن يا هيل. هذا المَنزِل شديد الغرابة؛ لذا فلا يُفاجِئني إطلاقًا أنَّ السيد »
يبدأ العمل قبل خادِمه. وتُساوِرُني شُكوكٌ أيضًا في أنَّ رالف سمرتريز يَعلَم تمام المَعرِفة
«. سببَ وجود السيد بودجرز المُحترَم في مَنزله
«؟ ما الذي يَجعلُك تَظنُّ ذلك »
لا يُمكِنني أن أقُدِّم سببًا سوى أنَّ رأيي في فِطنةِ سمرتريز يتأكَّد تَدريجيٍّا طوال »
حديثك، بينما يَتَراجع تقييمي لِمَهارة بودجرز باطِّراد. ومع ذلك، أَحضِرْه معك إلى هنا غدًا
«. لكي أسألَه بعضالأسئلة
في اليوم التالي في حوالي الساعة الحادية عشرة، تَبِع بودجرز المُتعَبُ رئيسه إلى شقَّتي مُمسِكًا
قُبَّعته في يده. وَجْهُه الجامِد العريض والأملَس جعلَه يبدو كرئيس خدَمٍ بالفعل أكثر مما
تَوقَّعت، وقد عزَّزَت البزَّة الرَّسمية التي كان يرتديها مَظهرَه بلا شك. كانت إجاباته على
أسئلتي تعكس أنه خادِم مُدرَّب جَيدًا على ألَّا يقول الكثير إن لم يكُن يَستحقُّ الأمر ذلك.
لقد فاقَ بودجرز تَوقَّعاتي عُمومًا، وكان لصديقي هيل حقٍّا بعضُالعُذْر لاعتباره انتِصارًا
لجبهته، وهو ما كان بالفِعل على نحوٍ جَلِي.
«. اجلِس يا سيِّد هيل، وأنت يا بودجرز »
تجاهَلَ بودجرز دَعوتي له بالجلوسوظلَّ واقِفًا كالصَّنَم حتى أشار له رئيسه؛ حينئذٍ
خارَ جالِسًا على الكرسي. إن الإنجليز رائعون فيما يَخُصُّالانضِباط.
والآن يا سيِّد هيل، لا بُدَّ أنْ أهُنِّئك أوَّلًا على هيئة بودجرز، إنها مُمتازة؛ فأنتُم تَعتمِدون »
هنا على المُساعدة الاصطناعية بِصورة أقل ممَّا نفعَل في فرنسا، وأعتقد أنكم مُحقُّون في
«. ذلك
«. أوه، إنَّ لدَيْنا مِن العِلم ما يكفي هنا يا سيِّد فالمونت » : ردَّ هيل بفخرٍ يُمكِن غُفرانه
«؟ والآن يا بودجرز، أرُيد أن أسألَكَ عن هذا الكاتِب، في أيِّ وقتٍ من المساء يصِل »
«. في تمام السادسة يا سيِّدي »
«؟ هل يرنُّ الجرس أم يدخل باستخدام مِفتاح مِزلاج الباب »
«. يدخل باستِخدام مِفتاح الِمزلاج يا سيِّدي »
«؟ كيف يَحمِل المال »
«. في حقيبةٍ جِلديَّة صغيرة ومُقفَلة يحمِلُها على كتِفِه يا سيدي »
«؟ هل يتَّجِه إلى غُرفة الطعام مُباشرةً »
«. أجل يا سيِّدي »
«؟ هل رأيتَه وهو يَفتح الخِزانة ويَضَع المال داخلها »
«. أجل يا سيِّدي »
«؟ هل تُفتَحُ الخِزانة باستِخدام مِفتاحٍ أم كلِمة سِر »
«. باستِخدام مِفتاحٍ يا سيِّدي، إنها مِن الطِّراز القديم »
«؟ ثمَّ يَفتح الكاتِب حقيبة النقود الجلدية التي يحملها حينئذ »
«. أجل يا سيِّدي »
هذا يعني أن ثلاثة مَفاتيح قد استُخدِمت في غُضون بِضع دقائق؛ هل هي مُنفَصِلة »
«؟ أم موضوعة في سلسلة
«. في سلسلة يا سيِّدي »
«؟ هل رأيت سيِّدَك على الإطلاق وهو يحمِل سلسلة المفاتيح هذه »
«. لا يا سيِّدي »
«؟ علمتُ أنَّك قد رأيتَه وهو يفتَح الخِزانة في إحدى المرَّات. أهذا صحيح »
«. أجل يا سيِّدي »
«؟ هل استخدَم مِفتاحًا مُنفصلًا أم أحد المفاتيح الموجودة في السلسلة »
حكَّ بودجرز رأسَه ببطءٍ ثُمَّ قال:
«. لا أتذكَّر يا سيِّدي »
آه يا بودجرز، إنك تُهمِل الأشياء المُهِمَّة في ذلك المنزل. هل أنت مُتأكِّد أنك لا تستطيع »
«؟ تَذكُّر هذا الأمر
«. لا يا سيِّدي »
«؟ وبِمُجرَّد أن يَستقرَّ المال داخل الخِزانة ثُمَّ تُقفَل، ماذا يفعَل الكاتِب »
«. يذهَبُ إلى غرفته يا سيِّدي »
«؟ أين تقَع غُرفته »
«. في الطابق الثالث يا سيِّدي »
«؟ وأين تنام أنت »
«. في الطابق الرابع مع بقيَّة الخدَم يا سيِّدي »
«؟ وأين ينام سيِّد المنزل »
«. في الطابق الثاني بِجوار غُرفة مكتبه »
«؟ يتكوَّن المنزِل من أربعة طوابق وبدروم. أليس كذلك »
«. بلى يا سيِّدي »
«؟ لقد توصَّلتُ بطريقةٍ ما إلى الشكِّ في أنَّ المنزل ضَيِّقٌ للغاية. فهل هذا صحيح »
«. أجل يا سيِّدي »
«؟ هل يجلِس الكاتِب مع سيِّدك لتَناوُل العَشاء »
«. لا يا سيِّدي، لا يَتناوَل الكاتب الطعام في المنزل أبدًا »
«؟ هل يخرج قبل ميعاد الإفطار »
«. لا يا سيدي »
«؟ ألا يُحضِرُأيُّ شخصٍوَجبةَ الإفطار إلى غُرفتِه »
«. لا يا سيِّدي »
«؟ في أيِّ وقتٍ يُغادِر المنزل »
«. في العاشرة يا سيِّدي »
«؟ متى تُقَدَّم وجبة الإفطار »
«. في التاسعة يا سيِّدي »
«؟ في أيِّ ساعةٍ يأوِي سيِّدُك إلى غُرفة مَكتبِه »
«. في التاسعة والنِّصف يا سيِّدي »
«؟ وهل يُغلِق الباب من الداخل »
«. أجل يا سيِّدي »
«؟ ألا يَقْرَع الجرسَ طالِبًا أيَّشيءٍ خلال اليوم على الإطلاق »
«. على حَدِّ عِلمي، لا يا سيِّدي »
«؟ أيُّ نَوعٍ من الرجال هو »
هنا كان الأمر مألوفًا بالنِّسبة لبودجرز، واسترسَل في وَصفٍ دقيقٍ لكلِّشيء.
ما قَصدْتُه يا بودجرز هوَ هل هوَ ثَرثارٌ أم هادِئ؟ هل يَغضَب؟ هل يبدو ماكِرًا، »
«؟ مُتشكِّكًا، قَلِقًا، مَرعُوبًا، هادئًا، مُنفعلًا، أم ماذا
حسنًا يا سيِّدي، إنه يَتَّسِم بالهدوء الشديد ولا يقول الكثير، ولم أرَه غاضِبًا أو مُنفعلًا »
«. من قبل
حسنًا يا بودجرز، لقد قضيْتَ أسبوعين أو أكثر في منزل بارك لين، وأنت رجلٌ حاذقٌ »
«؟ حادُّ الانتِباه ويَقِظٌ، فما الذي يحدُث في ذلك المنزِل وترى أنه غير عادي
ردَّ بودجرز وهو ينظُر بِبؤسٍ نوعًا ما إلى رئيسه، ثُمَّ إليَّ، ثُمَّ إلى رئيسه مرَّةً ثانية:
«. حسنًا، لا يُمكِنُني القَطْع بِشيءٍ يا سيِّدي »
لقد كانت واجِباتُك المهنيَّة تضطرُّكَ في الغالِب أن تلعَبَ دَور رئيس الخدَم من قبل، »
«؟ وإلَّا لما كُنتَ بهذه البَراعَة في أدائه. هل أنا مُحِق
لم يُجِب بودجرز بل استرَقَ نَظْرةً إلى رئيسه خِلسة. كان مِن الواضِح أنَّ هذا السؤال
من الأسئلة المُتعلِّقة بدائرة التحقيقات، والتي لا يُسمَح للمرءوسين بالإجابة عليها. غير أن
هيل سارَع فورًا بالردِّ قائلًا:
«. بالتأكيد، لقد خدَم بودجرز في العديد من الأماكن »
حسنًا يا بودجرز، فقط تذكَّرْ بَعض المنازل الأخرى التي عَمِلتَ فيها وأخبِرْني عن »
«. التفاصيل التي يختلِف فيها مَنزل السيد سمرتريز عن غيره من المنازل
فَكَّرَ بودجرز طويلًا ثم قال:
«. حسَنًا يا سيِّدي، إنه مُتعلِّق بالكِتابة بِشدَّة »
أوه، إنها مِهنَتُه كما تعلَم يا بودجرز؛ إنه ينكَبُّ على الكِتابة من الساعة التاسِعة »
«؟ والنصف حتى السابعة كما أعتقِد. أليس كذلك
«. بلى يا سيِّدي »
«؟ هل لديك أيُّشيءٍ آخر تُريد أن تُضِيفَه يا بودجرز مَهما كان تافِهًا »
«. حسَنًا يا سيِّدي، إنه مُولَع بالقراءة أيضًا، مُولَع بقراءة الصُّحف على الأقل »
«؟ متى يقرأ »
لم أرَه قطُّ وهو يقرؤها يا سيِّدي؛ بل، على حسب عِلمي، فالصحف لم تُفتَح مُطلقًا، »
«. ولكنَّه يأخذُها كلها داخل الغُرفة يا سيِّدي
«؟ ماذا؟ كلُّ الصحف الصباحيَّة »
«. أجل يا سيدي، والمسائية أيضًا »
«؟ أين تُوضَع الصحفُ الصباحيَّة »
«. على الطاولة في غُرفة مَكتبِه يا سيِّدي »
«؟ والصحف المسائية »
حسنًا، عندما تأتي الصحفُ المسائية يا سيدي، تكون غُرفة المكتب مُقفَلة؛ لذا تُوضَع »
«. على طاولةٍ جانبية في غُرفة الطعام ثُمَّ يأخذها معه إلى الطابقِ العُلويِّ إلى غُرفة مكتبِه
«؟ هل يحدُث هذا الأمر كلَّ يومٍ منذ أن عَمِلتَ في المنزل »
«. أجل يا سيِّدي »
«؟ وقد ذكرتَ هذه الحقيقة المُدهِشة لرئيسك بالطبع. صحيح »
«. لا يا سيِّدي، لا أظنُّني قد فعلتُ » : قال بودجرز مُرتبِكًا
كان عليك أن تُخبِره. فقد كان السيد هيل سيعرِف كيف يَستفيد أقصى استفادةٍ »
«. مُمكِنة من معلومةٍ مُهمَّة كهذه
أوه بربِّك يا فالمونت، إنك تُمازِحنا! كثيرٌ من الناس يَشترون كلَّ » : قاطَعَني هيل قائلًا
«! الصحف
لا أظنُّ ذلك، فحتَّى النوادي والفنادِق لا تشترِك إلا في الصُّحف الرئيسية فقط. لقد »
«؟ قلتَ كلَّ الصحفِ يا بودجرز كما أعتَقِد. أليس كذلك
«. يا سيدي « تقريبًا » حسنًا، كلُّها »
«. ولكن أيٌّ منها؟ فثَمَّة اختلافٌ كبير بين الصحف وبعضها »
«. يأخُذ الكثير منها يا سيِّدي »
«؟ كم يأخذ »
«. لا أعلم يا سيدي »
يُمكِن اكتِشاف ذلك بِسهولةٍ يا فالمونت إذا » : صاح هيل بالقليل من نفادِ الصَّبر قائلًا
«. كُنتَ تعتقِد أنه أمرٌ مهمٌّ حقٍّا
أعتقِد أنَّ الأمر شديدُ الأهميَّة لدرجة أنَّني سأعود مع بودجرز بنفسي. أعتقدُ أنَّك »
«؟ يُمكِنُك أن تُدخِلَني إلى المنزِل عند عَودتِك. أليس كذلك
«. أوه، بلى يا سيِّدي »
«؟ لِنَعُد للحظةٍ إلى الصُّحف يا بودجرز. ماذا يَفعلون بها »
«. تُباع إلى أحد تُجَّار الأشياء البالِيَة مرَّةً كلَّ أسبوع »
«؟ ومَن الذي يأخُذُها من غُرفة المكتب »
«. أنا يا سيِّدي »
«؟ وهل تبدو أنها قد قُرِئت بِعنايةٍ شديدة »
حسنًا، لا يا سيدي، يبدو بعضها على الأقلِّ لم يُفتَح إطلاقًا، أو طُوِيَت بعنايةٍ شديدةٍ »
«. مرَّةً أخرى
«؟ هل لاحظتَ أنَّ بعضأجزاءٍ منها قد قُصَّت »
«. لا يا سيدي »
«؟ هل يحتفِظ السيد سمرتريز بسِجلِّ قُصاصات »
«. لا أعرف يا سيِّدي »
قلتُ وأنا أضطجع في مقعدي وأتفحَّص وجه هيل الحائر ووَجْهي يرتَسِم عليه ذلك
أوه، إن القضيَّة » : التعبير الملائكي الذي ينمُّ عن رِضًا ذاتي، وهو ما أعلمُ أنه يُزعِجُه كثيرًا
«. واضحةٌ تمامًا
«؟ ما هو الواضِح تمامًا » : ردَّ بخشونةٍ زائدة ربما تخرِق آدابَ السُّلوك قائلًا
«. سمرتريز ليس مُزيِّف عُملةٍ وليس على علاقةٍ بأيٍّ من عِصابات مُزيِّفي العُملات »
«؟ ما دَورُه إذن »
آه، هذا يَفتحُ مَجالًا آخَرَ للتَّحقيق. كلُّ ما أعرِفه هو أنه على العكس مما نتصوَّر، قد »
يكون أكثرَ الناس صِدقًا. قد يبدو في الظاهر أنه تاجِر كادِح إلى حدٍّ كبير في طريق كورت
توتنهام يَشعر بالقلق من عدم وجودصِلةٍ واضِحة بين مجال عمله العادي ومَسكِنه الفَخم
«. في بارك لين
عند هذه النُّقطة، ارتَسَم على وجه سبنسر هيل بريق الفَهم الذي نادِرًا ما يَظهر،
ويُدهِش أصدقاءه دومًا عند ظُهورِه.
هذا هُراء يا سيِّد فالمونت؛ فالرجل الذي يَخجَل من الصِّلة بين عمله » : ردَّ هيل قائلًا
ومَنزِله هو شخصٌ يُحاوِل الانخِراط في المجتمع، أو تُحاوِل نساء عائلته ذلك، كما هي
الحال في أغلَب الأحيان. وسمرتريز ليس لديه عائلة، وهو نفسه لا يذهب إلى أيِّ مكان، ولا
يَستضيف الناس في منزله ولا يقبل منهم دعوات، كما أنه غير مُشترِك بأيِّ نادٍ؛ ومن ثَم،
فالقول إنه يَخجَل من صِلتِه بالمتجر الكائن على طريق توتنهام كورت يُنافي العقل. إنه
«. يُخفِي هذه الصِّلة لسببٍ آخر يَحتاج النَّظر فيه
أوه يا عزيزي هيل، حتى إلَهةُ الحِكمة نفسها لم تكن لتُدلي بملاحظات بهذا القدْر »
من المنطقيَّة. والآن يا عزيزي، أما زلتَ ترغَبُ في مُساعدتي أم لديك ما يكفي من المعلومات
«؟ لتُواصِل القضية
ما يَكفي من المعلومات لأوُاصِل القضية؟! ليس لَدَينا أيُّ معلوماتٍ أكثرَ مما كان »
«. لدينا حينما اتَّصلتُ بك ليلةَ أمس
ليلة أمس يا عزيزي هيل كنتَ تفترِضأنَّ هذا الرجُل مُتواطئٌ مع مُزيِّفي العُملات، »
«. واليومصِرتَ تعلَم أنه ليس كذلك
«. إنه ليس مُتواطئًا معهم « تقول » أعلم أنَّك »
هززتُ كتِفيَّ ورفعتُ حاجبيَّ وابتسمتُ له.
«. الأمر سِيَّان يا سيِّد هيل »
ولكن هيل الطيِّب لم يَستطِع الاستِفاضة أكثرَ من «… حسنًا، من بين كلِّ المغرورين »
ذلك.
«. إذا كنتَ تحتاج مُساعدتي، فهي لك »
«. جيِّد جدٍّا، بِمُنتهى الصَّراحة ودون خَجَل، أجل، أحتاجُها »
في تلك الحالة ستعود يا عزيزي بودجرز إلى مَنزِلصديقنا سمرتريز وستَحزِم جميع »
صُحف الأمس الصباحية والمسائية التي تمَّ تَوصيلها إلى المنزل وتُحضِرها لي. هل يُمكِنك
«؟ فِعل ذلك، أم أنها في كَومةٍ غير مُرتَّبة في قَبو الفحم
يُمكِنُني فِعل ذلك يا سيدي. لديَّ تعليمات بأن أضَعَ صُحف اليوم في كومةٍ مُنفصِلة »
حال احتاجوها مرَّةً أخرى. تُوجَد دائمًا إمدادات أسبوعٍ كامل من الصحف في القَبْو، ونبيع
«. صحفَ الأسبوع السابق لتاجرِ الأشياء البالية
ممتاز! حسنًا، خاطِر باستِخراج صُحف يومٍ واحد وجهِّزها لي. سأمرُّ عليك في تمام »
الثالثة والنصف وبعدها أريدُك أن تأخُذَني إلى غُرفة الكاتب بالطابق الثالث، والتي أعتقِد
«؟ أنها لا تكون مُقفَلةً خلال النهار. أليس كذلك
«. بلى يا سيدي، لا تكون مُقفَلَة »
همَّ بودجرز الصَّبور بالرحيل، ونهضَسبنسر هيل عندما رحلَ مُساعِده.
«؟ هل ثَمَّة أيُّشيءٍ آخر يُمكِنني فِعله » : سألني قائلًا
أجل، أعطِني عنوان المَتجَر الموجود في طريق توتنهام كورت. هل لديك واحدةٌ مِن »
«؟ قِطع الخمسة الشلنات الجديدة التي تَعتَقِد أنها سُكَّت على نحوٍ غير قانوني
فتح محفظة جَيبِه وأخرَجَ منها قطعةَ المَعدِن الأبيَضوأعطاني إياها.
سأمرُّ قبل المساء لأعُيدَها إليك وأتمنَّى ألا يُلقي أحدٌ من » : قلتُ وأنا أضعها في جيبي
«. رجالك القبضعليَّ
«. لا عليك » : ضحِك هيل وهوَ يهمُّ بالخروج قائلًا
كان بودجرز في انتظاري في تمام الثالثة والنصف وفتح الباب الأمامي بينما كنتُ
أصعَد الدَّرَج، مما أعفاني من دقِّ الجرس. بدا المنزل هادئًا على نحوٍ غريب. كان من
الواضِح أنَّ الطبَّاخ الفرنسيفي البدروم، وكان الجزء العُلويُّ بأكمله مُتاحًا لنا على الأرجح،
اللهم إلَّا إن كان سمرتريز في غُرفة مكتبه، وهو ما أشك فيه. قادَني بودجرز إلى أعلى
مُباشرةً إلى غرفة الكاتب في الطابق الثالث وهو يسير على أطراف أصابعه في تكتُّم وصمتٍ
مُطبِق على نحوٍ مُبالَغ فيه، وهو ما وَجدتُه غيرضروريٍّ على الإطلاق.
«. سأفحَصُهذه الغرفة. رجاءً انتظرْني بالأسفل عند بابغرفة المكتب » : قلتُ لبودجرز
اتَّضَح أن حجم غُرفة النَّوم يُعتبَر كبيرًا مُقارنةً بصِغَر حجم المنزل. كان السَّرير مُرتَّبًا
بإتقان، وكان في الغرفة مقعدان، ولكن الحوض المخصَّص لغسل الوجه واليدين ومرآة
الزِّينة لم يكونا ظاهرَين. ولكن حينما رأيتُ ستارة في نهاية الغُرفة أزَحْتُها، وكما توقَّعت،
وجدتُ حَوضًا في أحد الأركان عُمقه أربع أقدام وعَرضُه خمس تقريبًا. وبما أن الغرفة
كانت بعرْض خمس عشرة قدمًا تقريبًا، فقد كان ثُلثا المساحة المُتبقِّية غير مُستغلَّة. بعد
لحظةٍ فتحتُ بابًا ظهر خلفه خزانة تمتلئ بالملابس المُعلَّقة على خطَّاف، وهو ما ترك
مساحة خمس أقدام بين خزانة الملابس وحوضالغسل. اعتقدتُ في البداية أنَّ المدخل إلى
السُّلَّم السريِّ لا بُدَّ أن تكون بِدايته من عند الحوض، ولكن بفَحْصالألواح الخشبيَّة جيدًا،
وعلى الرَّغم من أنها بدَتْ جَوفاء حتى المفصَّلات، فقد كان واضحًا أنها كانت مُجرَّد ألواحٍ
مُعشَّقة، وليست بابًا خفيٍّا. إذن، لا بُدَّ أنَّ المدخل إلى السُّلَّم يبدأ من خزانة الملابس. ولكن
اتَّضح أنَّ الجِدار الأيمن شَبيهٌ بالألواح الخشبية المُعَشَّقة الموجودة عند الحَوض من حيث
الشكل والملمَس، ولكنَّني لاحظتُ على الفَور أنه كان بابًا. اتَّضح أن مِزلاج الباب يُفتَح ويُغلَق
بصورةٍ مُبتَكرة عن طريق واحدٍ من الخطَّافات التي تحمِل سراويل قديمة. اكتشفتُ أنَّه
بالضغط على الخطَّاف لأعلى، يُفتَح الباب إلى الخارج فوق بداية السُّلَّم مُباشرة. وبالنزول
إلى الطابق الثاني، قادَني مِزلاجٌ شَبيهٌ إلى خِزانة ملابس مُشابهةٍ في الغُرفة السُّفليَّة. كانت
الغُرفَتان مُتماثِلَتَين في الحجم، إحداهما فوق الأخُرى مُباشرة. كان الفرْق الوحيد هو أنَّ
باب الغُرفة السُّفلية يُفضيإلى غُرفة المكتب، بدَلًا من أن يُفضيإلى الرَّدهة كما هي الحال
في الغُرفة العُلويَّة.
كانت غرفة المكتب أنيقةً ومرتَّبة على نحوٍ استثنائي، إمَّا لأنها لم تُستخدَم كثيرًا، أو
لأنَّ ساكِنَها رجلٌ مُنَظَّم بشدَّة. لم يكُن على الطاولة أيُّ شيءٍ سوى كَومةٍ من صُحف هذا
الصباح. مَشيتُ إلى نهاية الغرفة، وأدرْتُ المفتاح في القُفل وخرجتُ لأجِدَ نفسي في مُواجَهة
بودجرز الذي ارتَسَمتْ على وجهه أمارات الاندِهاش.
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.