بعد أن أنهي شريف دراسته الجامعية بامتياز، لم يكتف بهذا القدر، ولكنه كان يتطلع لما هو أكثر، فاجتاز الماجيستير استعدادا لمناقشه رسالة الدكتوراه في تخصصه: علم الهندسة الوراثية. واعتاد شريف التردد على منزل العائلة الكبير، حيث إنه يجد متعته في غرفه مكتب جده إبراهيم بك الجيزاوي، فبها توجد مكتبته الخاصة.
كانت مكتبه أثرية عتيقة الطراز، ورغم كونها عتيقة ومتهالكة، إلا أنها كانت تدب شبابا وحيوية بما تحتويه من مراجع وكتب ذات قيمة عالية، فهي متخمة تقريبا بجميع المراجع وجميع الكتب، في شتي المجالات، ناهيك عن طريقة ترتيبها وتنظيمها الاحترافية المتناسقة. لقد كانت مرتبة بمهارة فائقة، حسب الحروف الهجائية من الألف حتى الياء، وذلك لتسهيل عمليات البحث.
فجميع الكتب تندرج تحت حروف معينة، كل حسب تخصصه، حقا إنها بمثابة كنز ثمين!
في ذلك اليوم ذهب شريف إلى هناك كي يستعير بعض الكتب والمراجع، التي قد تساعده على تحضير رسالة الدكتوراه الخاصة بمجاله، وبالتالي مناقشتها.
كان منزل العائلة هذا يقع بمنطقه شبرا منت بالجيزة على أطراف المدينة، وهناك حيث مشهد الأهرامات بعظمتها، كانت فيلا إبراهيم بك تطل عليها من الجانب الآخر.
عندما وصل شريف كانت جدته فايزة تجلس على أريكة بحديقة الفيلا، استقبلت حفيدها وهي تبتسم له ابتسامة ود وحنان، وهمت بالقيام من مجلسها لتحتضنه وتقبله، إلا أن الأخير استوقفها وانحني ليقبل يديها وجبهتها ويسترسل قائلا:
"لا عليك يا جدتي"، وراح يداعبها ببعض الكلمات المعهودة منه ويضحكها كما في كل مرة يأتي إليها، ابتسمت الجدة وهي تقول: نفس شقاوة والدك، ثم اعتدلت من مجلسها هذه المرة مكملة حديثها: سوف أحضر لك بعض الطعام أكيد أن.... قاطعها: لا.. لا. يا جدتي إنني فقط أريد بعض الكتب، بعدها سأغادر، واستطرد: وأعدك في المرة القادمة سأجلس معك كثيرا و ... قاطعته في عدم رضا قائله: لا يصح ما تقوله ي ا بني، ثم سألته: قل ل ي كي ف؟ كيف تأتي لعندي ولا تتناول شيء؟ نظر إليها في صمت ثم رد عليها قائلا: أوامرك يا جدتي، لن يمكنني أن أعصي لك أمر ا. ثم احتضنها وقبلها، وحينها شعرت الجدة بكل السعادة.
بعد أن ذهبت جدته لتعد له الطعام، اتجه لغرفة مكتب جده ودلف إليها قاصدا المكتبة، وبدأ في البحث عن الكتب والمراجع التي ينشدها.. بدأ يبحث ويتنقل من رف لآخر وبينما وهو يأخذ آخر كتاب في الرف الأخير من المكتبة.. شاهد شيئا غريبا، وغير منطقي! فهناك في طرف الرف.. كانت توجد لوحة صغيره يحيطها إطار خشبي قديم متهالك، كانت مرسومه علي ورق من البردي، ترك الكتاب من يده ثم مد يديه وأمسك باللوحة ورفعها أمام عينيه ليتفحصها جيدا، وعند مطالعته كان مرسوما عليها ما يشبه الخلية النباتية ممزوجة بأخرى حيوانيه! وكانت بجوارها مجموعه متراصة من المعادلات الكيميائية وكذا الأعداد الحسابية، نظر إليها ولم يفهم منها شيئا.
لم يعطها شريف اهتماما، وحينما هم بإرجاعها لموضعها، وقعت عيناه على كتيب صغير في حجم كف اليد وكان مسنودا خلف تلك اللوحة، وخط عليه عنوان التجربة الرهيبة، أخذه وقلبه بين يديه وقد عزم على إرجاعه، إلا أن ذلك العنوان جذبه، فاحتفظ به وهو ملهوف على الاطلاع على محتواه، وفي شغف فتح أول صفحه من صفحاته وبدأ في قراءته بنهم شديد.