عصفـــــــــــــوري الأخضـــــــــــــــر
أملُك قفصا جميلا ، به أربعة من العصافير، ألوانهم جميلة للغاية، أصفر وأزرق، أخضر وبنفسجي، كلهم في نشاط دائم، عدا الأخضر، هادئ ولا أعي السبب. حتى عندما أخذته للبيطري، لم يحاول الهرب، أو الطيران كبقية العصافير، وبرغم أنه بصحة جيدة، لكني لازلت أشعر تجاهه بالقلق. كلما التفت للقفص وجدته ينظُر لي، وكأنما يود إخباري بشيء ما. وفي يوم، كنت أشاهد عصافيري الجميلة تلهو كعادتها، بعد أن شبعت
وشربت، وإذا بالعصفور الأخضر يجلس بزاوية القفص، لا يود مشاركتهم، وللغرابة كنت ألمح بعينيه بعض الدموع- فهل تبكي العصافير؟! اعتقدت أنه بحاجة لعالج ما بالعين، ربما عينيه حساسة بعض الشيء.
كل هذا أفعله وهو ال يُقاوم، أو يتحرك، فقط ينظر لي، تمنيت لو بإمكانه أن يُخبرني عما ألم به، ولكن هيهات أن يحدث ذلك .
فقررت أن أقوم بشيء غريب وأرى ما النتيجة، مددت يدي داخل القفص، وحملته بهدوء، ومن ثم وضعته على سريري بعد أن أغلقت القفص مرة ثانية. وكان العجب العُجاب لقد أستلقى بالسرير، وسحب الغطاء عليه بمنقاره، وكأنه بشرا وليس عُصفُورا ، ثم راح في نوم عميق لساعات طويلة.
عندما عُدت لغُرفتي بعدها، كان ُمستيقظا ، ولم يحاول الهرب، أو الخروج من اَلشبَّاك الذي نسيته مفتوحا ، مما أكد ظني أن هذا العصفور يحمل سرا غريبا ، بل كان صنيعي هو الأغرب، عندما قررت التحدث معه، وكنت في دهشة جمة، حين وجدته يُحدثني بدوره ويُخبرني بقصته! نعم... تحدث معي، وراح يسرد حكايته الأعجب، اتضح أن عصفوري الأخضر ما هو إلا أمير، تم إلقاء تعويذة سحرية عليه، وهذا ما كان.
أعلمني أنه كان يعيش بأرض جزيرة بعيدة، كل أيامها جميلة سعيدة، عدد أفرادها ليس بالكثير، لكن يملكون القلب الكبير، ليس بينهم أية بغضاء، ولا يعرفون التشاحن، فيها الأشجار تُزهر كل يوم بلون جديد،
والأزهار تُخرج عبق كالمسك بل أجمل، والطيور تُكمل ذلك النسج السحري بالتغريد، كل ما حولك جميل، بل لن يكون هناك أجمل بعد ذلك سوى الجنة.
وأكمل قائلا : كل هذا نتمتع به، ولكن بشر ط عرفنا إياه الآباء والأجداد، وهو ألا نُخبر أحدا مهما كان عن جزيرتنا، فشرط جمالها ونِعمها، أن تظل طي الكتمان، ولا يكن بها سوانا، ونسِلنا، ونسِلهم بالتالي، وإلا
سيحدث ما لا يُحمد عقباه. وفي ليلة، هربت أنا وصديق لي دون أن يرانا أحد، أردنا معرفة العالم
الخارجي، لم نحمل نية سيئة أبدا ، فقط وددنا الاستكشاف، مع أن كلانا بالذات، تم التنبيه عليه كثير ا ، لما رأونا المرة تلو الأخرى نقترب- في فضول- من أطراف الجزيرة. خرجت أنا وصديقي نعتبر أنفُسنا من المغاوير، وأننا سنصل لاكتشافات لا حصر لها، وسنُثبت لكبار الجزيرة الذين منعونا دوما من
الخروج، أنهم كانوا على خطأ.
القــــــــراصنــــــــــــــــة
بدأت رحلتنا بقارب صغير، فقد كان مفهومنا أننا بعد وقت قليل، سنقترب من جزر أخرى، نتعرف على أهلها، وربما استطعنا توسيع العلاقات معهم والتعاون، ويزورنا أية شخص غريب ولو مرة على غير العادة. استقل كلانا القارب، وجدفنا في هدوء، حتى أنفاسُنا نكاد نحبسُها، وبالفعل انطلق في رحلته، يحملنا، وينتفض بقلبنا الشغف، جدفنا طويلا ، وبعُدت الجزيرة حتى رأيناها من بعيد، صغيرة حجم قطعة السكر، دون الوصول لأية جزيرة جديدة. نعم كنا نظن أن العالم عبارة عن ُجزر، ونفذ الطعام والماء، ونفذت طاقتنا كليا ، من كثرة التجديف، فصعُب علينا العودة لجزيرتنا، تمنينا لو يأتي من يُنقذنا، و لو كان من كبار الجزيرة، وسنعتذر لهم أشد الاعتذار عن فِعلتنا، ولن نكررها. كنا على وشك ُمفارقة الحياة، الجزيرة كنُقطة بعيدة، نراها ولا تقوى ذراعانا على التجديف نحوها، نفذت قوتنا بنفاذ الماء والطعام،
والساعات التي قضيناها بعدها أنهت المسألة، كنا هالكين لا محالة،
فأغمضنا أعيننا واستسلمنا للنوم، أو الموت. وبالفعل راح كالنا في نوم عميق، ال نعلم كْم مر علينا من وقت الليل والنهار، بعدها أفقنا على لمس المياه العذبة لشفاهنا، وقطرات بسيطة بأ حولنا، حول قاربنا وبه، يرتدون ثيابا ُ توضع بفمنا، وإذا ناس غريبة، كما ترتدون أنتم، بل تعجبوا هم من لباسنا، وأثار هذا اَلِلبَاس فضولهم لمعرفة من أي مكان وأرض نكون؟ نظر كلانا للآخر، فهذا سر، أقسمنا عليه حتى الممات، ورفضنا بالبداية إعلامهم بمكان جزيرتنا.
لكن إصرارهم، ورغبتهم- كما اعتقدنا- أن يوصلونا، ويطمئنوا على سلامتنا، ولأننا لا نملك مزيد من الخيارات وقتها، فكلانا ُمنهك بدرجة قاسية، ولن نعود دون مساعدة، جعلنا نُرشدهم للطريق، شريطة ألا
يقتربوا بنا أكثر من الالزم، وسنُكمل رحلة العودة وحدنا، وكان هذا خطانا الذي لا يغتفر.
فما أن اقتربنا حتى افتعلوا الوداع، شَكَرنا كرمهم و ُحسن صنيعهم، ودخلنا الجزيرة من نفس الطريق الذي خرجنا منه، وبنفس الأسلوب، تسللنا لبيوتنا ظنا منا أنه لم يلحظ غيابنا أحدا، ولكننا وجدنا الجميع
بالانتظار. تم تعنيفنا من كبير الجزيرة والأجداد، أشد التعنيف، لطيشنا، وقبل أن نعتذر بأية كلمة، فوجئنا بأصوات مهولة تطق في السماء، وسرى الفزع والخوف بين أفراد القبيلة.
ما هذا؟ إنهم من أنقذوني أنا وصديقي! ما الذي أتى بكم لجزيرتنا؟ وماذا تفعلون؟
فوجئنا بوابل من طلقات الرصاص فوق رؤوسنا، والأسلحة موجهة للجميع، لم يكن المنقذون سوى قراصنة بالبحار، ومن الواضح أن قصتنا أعجبتهم، فأرادوا السطو على خيرات جزيرتنا، التي لم يعلموا
بوجودها من قبل، وما دامت موجودة في طي الاختباء والكتمان، فلا بد أنها تعج بتلك الخيرات والثروات، ولعل بها أيضا نفائس مغرية لهم.
ازدوج الخطأ الكبير مع آخر أكبر، لقد خرجنا وكسرنا ما أقسم الجميع عليه، وها نحن عُدنا لا نجر أذيال الخزي فقط من فعلتنا، بل عدنا لهم بمحتل لا يعرف أدبا ولا رحمة. تمنى كلانا أنا وصديقي، لو تنشق الأرض وتبتلعنا، لما تسببنا به، حتى الاعتذار سيكون قاتلا الآن، ولم يُسمح لنا ولا لغيرنا للنطق ببنت
شفه، دخلنا غصبا عنا كالفئران لبيوتنا الخوصية ، أو لنقل لجحورنا، ف الفئران ُرعبا في تلك اللحظات، لم نتعود ولم نرى مثل تلك ُ فلقد الأسلحة من قبل، ولم نعي كيفية التعامل معها، ومن حاول كان الموت
مصيره ُمباشرة .
بدأ القراصنة يجوبون المكان، ويسرقون ما يودون، حتى الملابس لم يتركوا لنا غير ما نرتديه، ثم توصلوا لبيت خزين القبيلة، وكانت به الثمار والحبوب ُمخزنة لاستخدامها لعام كامل، فنهبوه هو الآخر،
وللأسف وصولوا لمنجم الذهب، الذي تتمتع به جزيرتنا، وهنا قرروا المكوث بها ونهبها أبد الآبدين.
التحـــــــــول للجحيـــــــــــــم
جنتي التي كنت أعيش بها أميرا ، تحولت لجحيم نعيش به كُلنا كالعبيد، نعم حولنا القراصنة لخدم وعبيد لهم، ومن يتوانى لا تترك جسده الجسمانية على ُ السياط، الكبار منهم من هلك في خدمتهم، لعدم درته
الاستمرار، وتلبية أوامرهم، سامحوني أجدادي ففعلتنا الطائشة هي السبب بكل هذا.
أيام وشهور، لا نعلم عددها ونحن جميعا نلبي أوامر الأسياد بالسلاح والقوة، الأسياد بحق أو ُحجة، حتى صارت الأم تخشى على وليدها، تحت الأرض، لنخفي فيه وبغفلة بسيطة منهم، بدأ بعضنا يحفر ملجأ
النساء والرضع والأطفال، فلا ينالهم بطش وغباء المحتل العنيد، الذي برغم نهبه كل ما توقعه وأكثر، لا يرضى الخروج ولا الرحيل.
ولما كسرنا عهدنا، واستحللنا قسمنا، وأتى الأغراب ينهبوننا، كان لا بد من وقوع ما لا لم نتخيل يوما ، كسرنا الحلقة السحرية التي كانت تُغلف الجزيرة، وتهبنا كل أنواع الثمار بلا توقف، وكان أول الأمر لو مددت يدك لثمرة تقطفها، لخرجت من نفس مكانها أخرى مباشرة ، أما الآن لا يلتئم للإنبات مكان، ولا تُعطي أية ثمار بدلا منها، ُحزنا وقهرا على ما ألم بنا، وحتى الروائح التي كانت تفوق المسك زالت، لا تجد َسوى رائحة الحزن والخزلان، أو رائحة المحتل النتنة، الطيور لم تعد تطوف بالمكان حتى الطعام زالت حلاوته، فكله في فمنا حنظل، وبفمي أنا وصديقي، كان سُما لا حنظلا .
لا أمان أو طعام، سوى ما يتفضل به علينا من نهبونا، حتى الأماكن المقدسة، دُنست، والشجرة الكبيرة بوسط الجزيرة، أكبر شجرة تتخيلها، أو تراها عينك، كانت تقطُر عسلا ، في معجزة ربانية، عسلا لا مثيل له ولا يُثمن بأموال العالم، يُعطينا من الصحة والشباب، ما قد يقتتل عليه الناس لو علموا بسره، توقفت الشجرة عن تقطيرها، وتركت الأغصان اخضرارها، وذهبت راضية بالجفاف والموت، فهو
أفضل من أن تُذيق هؤلاء الأنطاع حلاوتها.
أي إثم فعلنا؟ وماذا للجميع جلبنا؟ هل سيُسامحنا أهلونا يوما ؟ أو هل سيُسامحنا الله على عدم شكر نعمته؟ أو التفريط في يميننا؟ أو ما القاه الجميع بسببنا؟
كنا لا نرفع أعيننا في أحد، ومهما نالنا من كلمات اللوم والغضب، لا نفتح فمنا، فحتى المدافعة عن النفس الآن غير مرغوبة، ولا تُجدي أية نفع.
الطـــــــرد و اللــــــــــعنة
لم يعد كلانا يتحمل تلك النظرات القاتلة، فبُغض أهلنا يزداد كلما تسبب القراصنة بسوء لأحدهم، وطالوه بالضرب أو غيره.
كنا نجتمع بالقبو الكبير الذي حفرناه بعيدا عن أعين المحتل، لنتشاور فيما يمكننا فعله، أو بالأصح هم كانوا يتشاورون، فلم يسمحوا لنا بفتح فمنا للحديث، وجاء ما كنا نخشاه، إنه وقت العقاب.
وكنا كما وهبنا الله قُدرات خارقة تتميز بها أرضنا، وأجسامنا، ولكننا منذ انكسرت الحلقة السحرية، لم يعد هناك لا هذا ولا ذاك، سوى بعض الكبار ممن نقدسهم لفرط كبرهم وعظمتهم، لم يفقدوا كل ما يملكون من قدرات، وخاصة في هذا القبو الكبير.
يا ليتهم فقدوها، فلقد كان أول استخدام لها في عقاب كلانا، انعقد بخطئنا الجسيم، ونالنا ُوابل صعب اللوم وموجع الكلمات.
الدموع التي لم يعرفها أي منا من قبل، سارت تجري على وجنتينا، وبدأ الخوف يتسلل للقلب أكثر من الحزن لفعلتنا، فماذا سيصنعون بنا الآن؟
وبالفعل أتى الوقت القاتل، ولأن جزيرتنا لم تنبت إلا طيبا من قبل، فلقد ألقوا علينا تعويذة سحرية، لتحويلنا إلى عصافير، ورغم أن هذا ليس في صالح أيا منا، لكنه أفضل، فماذا لو كانت التعويذة السحرية حولتنا
لقرود -أعزك الله- أو غير ذلك.
تحولنا لعصفورين أخضر وأزرق، وبالحال تم أمرنا بالخروج بلا عودة من أرض الجزيرة، تركتها أميرا برغبتي من قبل، وخرجنا منها تلك المرة مجبرين مطرودين، ولم يكن أمامنا سوى السمع والطاعة.
طرنا بعيدا ، وبالطبع لم يشك أي من أفراد القراصنة فينا، ولم يعلموا هويتنا، فماذا سيريدون من عصفورين بالهواء؟ كنا بقمة الغضب، للطرد هذا، وشاء هللا أن تقوم عاصفة كبيرة، لتفرق
كالنا عن للآخر، لتزيد ُمعاناتُنا مرة أخرى، بافتراقنا، طرت أحاول البحث عنه، ولكن ضاع مني الطريق.
كنت أهبط لأقتات- كما كنت أرى الطيور- ببعض الحبوب الملقاة على الأرض، مثلي مثلهم، لا فرق الآن بين عصفور وأمير. أخذتني الأرض تلو الأرض، ومكان بعد المكان، ورأيتكم أيها البشر،
وحين رأيت حياتكم، علمت كْم كنا بنعمة كبيرة جدا ، فكل الأرض ليسبها أي من مميزات جزيرتنا، ولا كرتنا السحرية التي كانت تغلفنا من قبل، ولا الخيرات والمعجزات لشجرتنا الكبيرة ولاأرضنا الطيبة، ولا
أشم رائحة ِمسكنا بأية مكان.
بيـــــــــــــــت لطــــــــــــيفة
وبينما كنت أجلس على جزع شجرة، أشاهد تلك الأرض وسُكانها من أعلى إثره بالدوار، ُ بعيد، إذا بشيء قوي يرتطم برأسي، صبت وسقطت مغشيا علي، آخر ما أتذكره، سقوطي بين يدي إنسان.
كْم مر علي في تلك الحالة، ولكني وجدت نفسي أفقت بعدها، ولا أعلم في قفص، نعم انتهى الأمر بالأمير في جزيرته، أن يكون بقفص كبير،ووجدت الناس من حولي، يتزايدون على وضع سعر لي، وأسمعهم
يقولون يا له من طير أخضر جميل، إنها أول مرة نرى بها عصفورا رائع الجمال مثل هذا.
جلست صامتا ، فأنا أعي كلامكم جيدا ، ولكن ماذا سيفعلون بي أكثر من وضعي بالقفص، حين يعلمون أن العصفور الجميل يتحدث أيضا . وزاد رفع السعر، وفاز أحدهم بالشراء، فحملني مع بضعة عصافير
ُأخرى لأبنته، هدية قد طبتها كثيرا من قبل، والآن هو يُلبي َرغبتها.
أتيت معه لبيتكم يا لطيفة، ولم أكن أشاء الفصح عن أي شيء يخصني، أنهكني الجلوس بالقفص، وأجنابي تتلوى من هول التعب، وهذان الجناحان من الإنهاك ثقيلان للغاية، كنت أتمنى لو أخرج ولو
لساعة واحدة، للارتماء في هذا الفراش الوثير، وأيضا كنت أرى في عينيك تساؤلات فتاة ذكية، لماذا هذا العصفور لا يُقلد باقي الطيور؟
حين اقتربت مني اليوم، علمت أنه سيكون بيننا حديث طويل، وعفوا أني بدأت التعارف بالاستسلام للنوم العميق، فلقد كنت ُمنهكا للغاية، آه لو تعلمي كْم مضى من الوقت علي دون أن أضع جسدي المسكين على سرير، تقريبا منذ شهور، منذ أن تمت لعنتي وطردي من الجزيرة.
نظرات لطيفة كلها تعجب، تعجب لا يخلو من الإشفاق نهائيا على حاله، فلقد ندم أشد الندم عما بدر منه من قبل، ويكفي ما هو فيه، ولعنته ليتحول من أمير لمجرد عصفور وقع في فخ الصياد، وطرده،
فلم يعد له بين أهله مكان. هنا عِلمت أنها لا بد من أن تُساعده بأية طريقة ممكنة، جلست على
أريكتها وهو بجوارها، يتحدثان بصوت خافت، فلو علم والديها، لن يسمحا بعصفور مسحور بالبيت، وأول ما سيُفكران به هو التخلصمنة مباشرةَ.
جلسا يقدحان زناد فكريهما، كيف يمكن أن يساعد أهل جزيرته؟ فهو وصديقه المتسببان بكل هذا الضرر من البداية، ولكن أولا ، كيف سيتخلص من لعنة كونه عصفورا ويعود لشكله الطبيعي، فالله معك
أيها الأمير المكلوم، ومع أهل جزيرتك، الذين يقبعون ليلا نهارا تحت قهر المحتل.
زوال اللعــــــــنة
كانت لطيفة تقضي أغلب وقتها، بعد أن تُغلق باب غُرفتها في الحديث مع األلأمير الذي أصابته اللعنة، هي تُصدقه في كل ما قال، ولكن كيف يمكنها ُمساعدته، هنا فكرت في عمل بحث على حاسوبها، لمعرفة
تفاصيل عمن يُمكنه المساعدة حقا في تلك المسألة، وأن يكون خبيرا لا مجرد دجال أو مدعي، وتكون النتيجة مزيدا من الخسائر حينها. وبالفعل اهتدت لعالم قدير، وليس مشعوذا ممن يدق بابه الكثير من
مغيبي العقول، وهذه المرة كان العالم ضليع بالقوى الخارقة، من كثرة تفحصه للكُتب والدراسات التي ت ُخص هذا العالم. حملت عصفورها الأخضر في قفص صغير، أو لنقل الأمير المسحور،
وراحت تدق باب هذا العالم، الذي منذ أن فتح الباب لهما، وهو ينظر للعصفور نظرات غريبة، وكأنه يعلم بداخله، أن هذا ليس عصفورا حقيقيا ، فهم سر زيارة لطيفة له، وبالفعل حكي كلاهما القصة التي
كانت، طلب منها العالم جيكار، ترك العصفور عنده، ليُجري ُمحاولات لإفساد تلك اللعنة، وقد حدث.
تركت لطيفة العصفور الأخضر في أمانة العالم، وهي تتمنى بالفعل لو أن بمقدوره ُمساعدته، لأنه لا يستحق أبدا هذا المصير، كما أن جزيرته تحتاجه جديا ، فهي بأسوأ حال بوجود هؤلاء القراصنة الغزاة.
وبدأ جيكار يقوم بالمحاولة تلو الأخرى، والتعويذة لا تود ترك الأمير،مضت أيام، والأمير في ُحزن وخوف أن يظل هكذا طيلة حياته، لكن العاِلم لم يفقد الأمل أبدا . وفي اليوم العاشر، توصل لنوع من الرموز، لو قرأها بشكل صحيح وبترتيب معين، فهي تفك سحر المسحور، لا بد من ترياق يصنعه خصيصا ، وبنسب لا تزيد ولا تنقص، يتناوله الأمير، وإلا تحول لشيء آخر لن يود أحدا معرفته، في حالة الخطأ.
ثم كانت اللحظة الحاسمة، الترياق جاهز، والكلمات تم سردها ومراجعتها مرات عديدة، وهنا بدأ العالم بالتوجه للعصفور الذي أخرجه من قفصه، فلو تحول لأمير مرة أخرى- بنجاح تلك التجربة-
بالطبع لن يكون القفص كافيا حتى لرأسه. وضع العصفور على المنضدة وجلس أمامه، بدأ يُغمض عينيه، ويكرر تلك الكلمات التي تَوصل لها، ومن ثم أمر العصفور بشُرب الترياق،
وفي لحظات، بدأ الأمير يشعر بتقلصات قاسية مؤلمة، يصرخ بقوة على إثرها، بدأ الريش يسقط، والمنقار، والجسم يكبُر، ويستطيل، تحول العصفور لأمير من جديد.
لم يُصدق العالم عينيه، فهي أول تجربة من ذلك النوع بحياته، ولم يُصدق الأمير الجميل نفسه، في عودة جسده له، فسجد يشكر الله بقوة، ويحمده، هنا أتي له العالم بثياب من عنده، وستره، وتبادل
كالاهما العناق، شكرا وفرحا بما كان.
حـــــــــــــرب التحـــــــــــــــــرير
انتفضت لطيفة من مكانها، عندما تلقت اتصالا من العالم جيكار، يُخبرها أنه تمكن من إزالة اللعنة، راحت تهرول لبيته، ولا تعلم كيف بتلك السرعة أضحت على عتبة بابه تدق الجرس، وتستأذن في
الدخول، وما أن دخلت حتى وجدت شابا جميلا ، بجوار العالم، هل هذا هو العصفور الأخضر؟ أومأ لها كلاهما بالإيجاب، كانت فِرحة أشد الفرح، سعادتها لا توصف، أنها استطاعت ُمساعدة الفتى، أو الأمير.
هنا دار الحديث الأهم بين ثلاثتهم، عما ينوي الأمير فعله بعد أن تخلص -بحمد الله- من حبسه بجسد عصفور، أخبرهم الأمير أن من صنع خطأ لا بد أن يقوم بتصحيحه، وقبل أن تأخذه لهفة وعنفوان الشباب في قرارة والتعجل، تدخل العالم بخبرته ناصحا : لو وددت أن تُخرج هؤلاء اللصوص من جزيرتك بلا عودة، لا بد من شيئين بغاية الأهمية، أولهما سلاح فتاك لا يقوون على مواجهته، والآخر أن تصل لأفراد قريتك، ويتعاونوا معك في عملية التحرير هذه، وكل تلك التفاصيل تتم في غيبة عن أعين الغزاة أولا ، حتى لا يفقد أهل الجزيرة استخدام عنصر المفاجأة.
وبالطبع، أمضى العالم جيكار وتلك المرة يعاونه الأمير ولطيفة، وقتا طويلا في صنع سلاح له قُدرات غير عادية، لن يقدر القراصنة على لنا لا بد من اللعب على عُنصر المفاجأة.
صنع سلاحا لن يقتُل، فالعالِم ليس بقاتل، عبارة عن أجهزة تُعطي من يقربها إشارات كهربائية قوية تصيبهم بالإغماء لساعات طويلة متواصلة.
وتم تجهيز العديد من تلك الأجهزة، وإعداد مركب خاص، مجهز بموتور قوي، تم تعليم الأمير الذي لم يكن يعرف سوى التجديف بكيفية استخدامه، فالتجديف لجزيرة الأمير سيقتله تعبا قبل أن يصل،
وأيضا تم تعليمه طريقة إمداد هذا الموتور بالوقود، الموت الذي ُصمم بطريقة خاصة، تجعله لا يصدر أدنى صوت، وإلا سيكون كشف حضور الأمير سهلا .
ومعه أيضا كبسوالات غذائية، الكبسولة الواحدة بمقام وجبة، وبالطبع معه الأجهزة التي تصدر تلك الإشارات الكهربائية، التي سيستخدمها لإنقاذ أهله وجزيرته.
رحل الأمير بعد الوداع، وراح يُبحر نحو الجزيرة، فلقد عادت له قُدرته في تحديد مكانها، برفع اللعنة وبعودته لجسده كأمير، أبحر حتى رقب موطنه الحبيب من بعيد.
سيــــــــــــــد قومــــــــــــه
كان لا بد من أن يتسلل بغاية الهدوء، حاملا تلك الأجهزة الحديثة، التي لم يعلمها أحدا من قبل من اللصوص، ولا أهل الجزيرة أنفسهم، وأن يصل للقبو الذي حفروه سابقا ، وبالفعل وصل، وعندما رآه أهل
المكان، ورأوا زوال اللعنة، كانوا بشدة الفرح لعودة ابنهم الأمير، وعلموا أنه ما أتى إالا ليُخلصهم مما هم فيه. وبكل السرية، علمهم الأمير كيفية استخدام تلك الأجهزة، وكان اليوم المنشود، تسللوا في ُجنح الليل، ووضع كلا منهم جهازا بجوار أفراد عصابات القراصنة، النائمين، ومن ثم قاموا بتشغيل تلك الأجهزة من
بُعد، فراحت أجسام القراصنة تنتفض دون قدرة على السيطرة عليها، إثر تلك الموجات الكهربائية القوية، تساقطوا الواحد تلو الآخر، في حالة عجيبة من اإلغماء، حتى كانوا جميعا ُمسطحين بالأرض، بلا وعي.
وبهدوء... تم حملهم، و ُوضعوا بسفينتهم، ثم أبحر بهم شباب الجزيرة، ألبعد مكان، ومن ثم عادوا وتركوا الريح وقوة الموج، تقوم بباقي المهمة، ليذهب القراصنة في طريق بلا عودة، والله أعلم عندما
يستيقظون بعد ساعات طويلة، بأي أرض ستكون تلك السفينة.
تخلص أهل الجزيرة من القراصنة، والفرح ساد، والغناء، خرج جميع النساء والأطفال حينها من القبو الكبير، بعودة الأمان، وكأنما هي أول مرة تُشرق فيها الشمس، منذ دخول اللصوص الملاعين للأرض
الطيبة المقدسة. راحوا يحملون الأمير في فرح ويطوفون به كل مكان، ومن ثم توجه الكبار ملكا للجزيرة، تقديرا لما قام به لنجدتهم، فكان في غاية السعادة حينها، لفرح أهله، ولأن الله أعانه على إنهاء تلك المرحلة الصعبة، التي عاشها الجميع بسبب خطأ منه كان غير مقصودا .
الجنــــــــــــــــــة تعـــــــــــــــــود
ويشاء القدير، بعد أن أبتعد الحزن وغير المرغوب فيهم عن الجزيرة، أن تعود الهالة السحرية، لتُغلف الجزيرة بأكملها من جديد، وتعود الشجرة العظيمة السحرية بدورها، لإدرار العسل، ليرتوي منه الكبار
والصغار، ومن ثم تعود لهم قُدراتهم الجسمانية والعقلية القوية.
أما المسك فعاد عبقه لكل مكان، عادت الأشجار تتجدد بكل الألوان، ِوالفروع التي يبست ، اخضرت، وباتت تُخرج ثمارا أجمل مما كان، كلما قطفت منها ثمرة، تنبت األخرى مكانها في نفس اللحظة.
تنفس الجميع الصعداء، وكأنهم كانوا بكابوس ُمخيف، راحوا يلتفون ، نحو الملك في ساحة العظماء بالجزيرة نبلاء وفرسان أطفال وكبار، راحوا يرددون القسم، بعدم الخروج من الجزيرة وعدم الإفصاح عن أسرارها، وإلا ستنكسر الهالة السحرية من جديد، ويعود الهم والألم ليسكن دُورهم، ولكن األمير هنا أشار بيده، طالبا السماح من كبير الحكماء والجميع، أخبرهم بما قامت به الفتاة لطيفة من أجله، وكذا
العالم جيكار، وأن دون تعاونهما، لظل ملفوفا في لعنته ما تبقى من حياته طلب أن يسمحوا له فقط بزيارتهما، أو بالسماح لهما بالحضور في طي الكتمان للجزيرة، وهما خير من يكتُم سرا ، وبهذه الحالة
سيتمكنون جميعا من شُكرهما، ومكافأتهما وقد كان، وتلك المرة قام العلماء من أهل الجزيرة، ذوي القُدرات السحرية العُظمى- التي عادت لهم بعودة الهالة السحرية- قاموا بعمل ترياق بدورهم، يُمكن الأمير من الخروج لزيارة صديقته الصغيرة، والعالم الجليل، دون كسر هالة الجزيرة، وأعطوه المزيد من الترياق، حتى يتمكن كلا منهما – العالم ولطيفة- من دخول الجزيرة بدورهما، دون التأثير أيضا على تلك
الحالة.
زيــــــــــــارات الصـــــــــــــــديق
بُيوم مشرق ، استيقظت لطيفة لتجد الأمري، أو الملك بعد توليه ، واقفًا خلف زجاج نافذتها ، يدق عليه ، فتحت له وهي سعيدة كل السعادة لرؤية صديقها مجددًا أعلمها أنه لن يتوقف عن زيارتها ولن يفرط أبدا صديقته الصدوقة ، التي وقفت بجواره حتى اخر لحظة وكانت سببا رئيسياً في محو اللعنة ، وكذا العالم
ُ جيكار ، الذي قام بمساندته ، و استطاع حينها تخليص جزيرته من اللصوص القراصنة ـ
ً طلب منهما أن يقوما بزيارة الجزيرة ، و ،
طلب منهما أن يقوما بزيارة الجزيرة وأنه ترك لهما مركبًا صغيرًا مخفيًا بمكان أعلمهم أياه وأنهما بمجرد الصعود على متنه سيتوجه بهما مباشرة للجزيرة دون قيادة ولا تجديف.
أمضى معهما طيلة اليوم ، و أح لهما من ثمار الجزيرة الكثير، فكانت أول مرة يتذوقان فاكهة بتلك الحلاوة و الطعم ، الذي يأخذك لعالم آخر لا تستحضر فيه إلا الجمال .
لكن بعد ساعات ، اضطر الملك الصغير للعودة لأرضه ، و أخربهما أنهما من سيقومان بالزيارة التالية ، و عند الوصول ، عليهما ارتشاف القليل من زاك الترياق ، ليتمكنا من الدخول عبر الهالة الكبيرة السحرية دون عناء ، و لا تأثير على أهل الجزيرة .
و قد كان ، و ذهب العالم و لطيفة لتلك الزيارة ، و ما أن جلسوا بالقارب ، حتى أبحر وحده ، و وجدا أمامهما مكان لا يمكن أن يوصف جماله ، لن تفيه أية كلمة حقه ، كانا مشدوهان من كل ما يريان ، روعة المكان و جمال الرائحة ، الثمار والزروع التي ليس لها مثيل حتى أهل الجزيرة مختلفين،كأنهم ملائكة تمشي على
الأرض. تم تحضير وليمة عظيمة بما لا يتخيله عقل بشر ، دقت الدفوف الموسيقى هنا وهناك حتى الطيور جميعها اشتركت بالغناء ، تعزف سيمفونية بديعة تطير وترفرف بجناحيها، مسقطة الورود كان يوما بديعا أجمل من الخيال ولا وصف لأي تفصيلة فيه، فقط وقفا مشدوهين في حضرة هذا الجمال الفاتن ، وكأنهما يمضيان يوماً من حين لآخر بحق الجنة، توالت الأيام وتوالت الزيارات هنا وهناك وكسبت لطيفة صديقًا غير عاديًا مدى الحياة.
تمت
....................................................................................................................................................................................