(وفي تلك الأيام القريبة أو البعيدة؛ أزحنا جانباً من الغطاء الذي كنا قد اعتدنا أن نتدثر به في عز الحر؛ عندما تتوسط الشمس كبد السماء؛ فلم نبصر شيئاً!
كان كل شيء يبدو غائماً؛ وبدلاً من أن نستيقظ ونرفع الغطاء استمرأنا النوم ونحن نواري ضوء الشمس بأيدينا؛ بينما أجسادنا مشدودة بأوتادها الهرمة إلى الأرض؛ داستنا أقدام كثيرة؛ فشكونا حالنا إلى أنفسنا ونحن نتلذذ بأحلام اليقظة والنوم معاً.
ارتحنا إلى التفكير بمشاعرنا ونحن من عجب نتكيف مع صنوف القهر والفقر والذل؛ فتبدلت عقولنا وصارت مثل أجسادنا في انتظار أن تمتد إليها يد الإحسان!)
(... لما وضعته وحيداً وغريباً في هيئته عن كل كلاب القرية أيقن الرجل أن كلبته قد وطأها بالضرورة حيوان يغاير جنسها، فحملها مع وليدها في جوال من " الخيش " تعالى نباحها المكتوم من داخله، ورمى بهما وسط المقابر العتيقة الرابضة على امتداد الوادي الأجرب، فجرت منه إلى شاهد قبر تعتليه وإلى جانبها ابنها، ثم زامت وأرسلت نباحاً عالياً أشبه بعواء الذئاب رددت أصداءه كل المقابر الساكنة منذ آماد بعيدة، فارتعد من نظراتها المتوحشة، ومن فمها المفتوح على أنياب مسنونة بالشر أحســها تغرس في لحمه تنهشه، فقبض مرتعشاً على آخر ذرة من شـــجاعته، وهمس لنفسـه وهو يتقهقر عائداً: هاأنذا قد اســترحت منك وتطهرت من عارك، ولا أظنك تعودين!، ولما اطمأن لثباتها وتسليمها بما ارتآه ، رفع عصاه متردداً وهو يصيح بصوت حاول أن يكون واضحاً: فإن عدت قتلتك..!)