Naoot

Share to Social Media

سِجْن


إنَّهم
يكرهونَ الشَّدوَ
يا حبيبي!
لهذا
يُصوِّبون نِبالَهم
نحوَ جَناحيّ العَزلاوين
حتى
تُسقِطَ حَصواتُهم
ريشةً
وحُلُمًا
فلا أطيرُ
إلي حيثُ صوتُك
يُغنّي فوق الشَّجر:
تعاليْ يا حبيبتي!

***
سهِروا لياليَ
إثرَ ليالٍ
يجدلونَ قضبانَ الحديدِ
وتَرساناتِ رصاصٍ
ويفرشون الأرضَ الحزينةَ
بالخرسانةِ المسلحة
حتى يصنعوا سِجنًا مُحكمًا
يليقُ بجموحِ أفكاري
التي تطيرُ
-رغمًا عنهم
ورغمًا عنّي-
فيما وراء الحُجُبِ
نحو السمواتِِ العُلا.

***

ألمْ يُخبرهم العارفونَ
أن خيطًا نحيلاً من الحريرِ
كان يكفي
ليربِِطَ مِعصمِي
ويكسِرَ جَناحي؟!

***

ألم يُخبرْهُم ذوو المعرفة
أن حَصوةً ضئيلةً
من أقواسِهم
تشُقُّ طريقَها
نحو قلبي
كانت تفِي
بما عزَموا عليه عزمَهم؟!

***

ألم يُخبرهُم العرّافونَ
أن العصافيرَ
لا تحتاجُ أكثرَ
من عودِ قشٍّ نحيلٍ
لنَحرِِ أعناقِها؟!

***

لو كانوا يعلمون
لوفَّروا أطنانَ الحديدِ
وشكائرَ الأسمنتْ
من أجلِ الفقراءِ
يبنون لهم
منازلَ
وأكواخًا
تحمي أجسادَ العرايا
من ويلاتِ الصقيع.

***

لكنَّهم يا حبيبي
يكرهونَ الموسيقى
لهذا
أغضبَهم همسي إليكْ:
أدركْني
يا بعيدَ الدارْ
هاتِ قِيثارتَكْ
وغنِّ لي
أغنيةَ الفرح.

***

أيها السجّانون الغِلاظُ
وفِّروا زنازينَ العتمة
لسافكيْ الدمِ
وقاتليْ الأحلامْ
...
وخلّوا عني كلبشاتِ الفولاذِ التي
أولى بها
لصوصُ العقولِ
وسارقو الأوطانْ.

***

لا تُشْهِروا أمامَ وجهي
سيوفَكم
فلا حاجةَ لي بها لأُنحَر
أنا
تقتلُني كلمةٌ
تخرجُ من فمٍ عبوسْ
لا يحِبُّ النغَم.

***

أمهِلوني برهةً
حتى ينتهي شهرُ الربيعْ
وعهدًا:
سآتي إليكمْ
طائعةً
عاصِبةً العينينْ
بورقةِ شجرٍ
رابطةً مِعصميَّ
بسَعفةِ نخيلٍ خضراءَ
حاملةً فوق ظهري
مِخلاةً
تحملُ أفكاري التي
ستطيرُ
من ثقوبِ الجدران الخرسانية
إلى حيث لا تطالُها
أياديكم
...
ثُمَّ لا تسألوا عن قلبي
فقد أودعتُه قبل مجيئي
في كفِّ حبيبي
حتى يجعلَه ريشةً
يعزفُ بها
على قِيثارتِه.
القاهرة/ ٢٥ فبراير ٢٠١٦




نهودُ الصبايا


قبلَ أن
يحمِلوا فؤوسَهم
ويرحلوا إلى دُورِهم النائيةْ
...
يتأكَّدُ الفلاحون
أنَّ بذورَهمْ
التي نثروها في الأراضي البعيدةْ
منزوعةُ النواةْ
فاسدةٌ
لن تأتي بالثمرْ
...
لأنهم يخافون
أن يأتيَ الغرباءُ
ويحصدوا ما زرعوا.

***

جاءوا من أقاصى الأرضْ
إلى حيث القريةِ البائسةْ
وراحوا
يجوبونَ الدروبَ الآمنة
...
يثقبونَ عيونَ العذراواتْ
بأسِِنَّةِ الإبرْ
يُشَرِِّطون نهودَهنَّ
بالمناجلْ
يُمزِّقونَ الأوصالَ
ليُفرِّغوا الأجسادَ الغِضّةَ
من السُّقيا
...
ثم يحصدونَ أرواحَهن
بقلبٍٍ باردْ
كقلوبِ البرابرةْ
...
ويمضونْ
قبل أن يسمعوا الصرخةَ الأخيرةْ
في الهزيع الرابعْ
...
ودونَ أن يُلقوا السلامَ
على فقراءِ الحَيِّ.

***
جاءوا
يحملونَ أحلامَهم
فوق ظهورِهم
...
حَلِِموا
أن يصعَدوا مع الغَيمِ الطالعِ
مِن أغصانِ الشجرْ
لتُكتَبَ أسماؤهم
في دفاترِ الشعراءْ
حتى
إذا ما كلَّلَتْ هاماتِهمْ
صلواتُ الصَّبايا
يرفعون فؤوسَهم
فوق أعناقِ البناتْ
ويغرسونَ النِّصالَ القاسياتْ
بين عظامِ النحْورْ
حتى يموتَ الصوتُ الواهنُ
في الحناجرِ
و...
يختفونْ.

***
لا شيءَ يُطعِمُ العصافيرَ
سوى حباتِِّ الشَّعيرْ
التي تتدفأُ
في صدورِ البنات.

***

لهذا
يخبئُ الفلاحون نهودَ الصبايا
داخلَ مِخلاتٍ
يحملونها
على ظهورهم
ويمضون.

***
لكنّهم قساةٌ
وبُخلاءْ
كلّما امتلأتْ مِخْلاةٌ
أفرغوها في النهرْ
وصبّوا البنزينَ
على أجنحةِ العصافيرِ النحيلةْ
ثم أشعلوا النارْ.

***
أثناء سفرِ الفلاحين
تقتنصُ الزوجاتُ الفرصةَ
لينقلنَ الأسِِرَّةَ الباردةَ
إلى الغُرفِ المهجورةْ
...
حتى إذا ما عادَ فحولُ الفلاحينَ
من أسفارِهم
تتهيأُ النسوةُ لموسمِ التزاوجْ
والإثمارْ
...
فلا يجِدِ الفلاحون بُدًّا
من بذرِ البذورِ السليمةْ
في الأراضي البورْ
...
ثم يجلسونَ على عتباتِ الدُّورْ
ينتظرونَ الثمرَ
ويفكّرون في بذورِهم الفاسدةْ
التي زرعوها في بُطُون الأرضِ البعيدةْ
بعدما أفرغوها من النَّوى
ليتأكدوا من عدمِ إثمارِها
في حقولِِ الغرباءْ.

***
الفلاحون
غيرُ مَلومينَ
حين شقّوا بُطُونَ الصَّبايا
ليُخرجوا حبَّاتِ اللؤلؤْ
والتمرَ الأحمرَ
...
وحدَهُن العذراواتْ
يحمِلْن الإثمَ الذي
لا غفرانَ يَمحوه
...
حين سمَحْنَ للعابثينْ
أن يُدَنِّسوا أجسادَهنَّ البِكْرَ
برذاذِ المطرِ الأسودْ
الذي دسَّتْه الشياطينُ
بين طيّاتِِ السماءْ
...
وحين أنفقنَ أعمارَهُنَّ
في ضبطِ
مواقيتِ الصلاةْ
حسبَ توقيتِِ المُدنِ النائية.

***

الفلاحونَ
يحصدونَ الحقولْ
...
والصبايا
يحملُهنَّ التوابيتْ.
القاهرة/ ٩ مايو ٢٠١٧



حُلم


رأى البعيدُ
- فيما يرى النائمُ-
جيوشًا
وقوافلَ عُربانًا
يقطعون أزقةَ الحيِّ الهادئِ
ودروبَه
بحثًا عن الفتاةِ الحزينةْ
التي
قصّوا ضفائرَها
وعصَبوا عينيها
وجلدوا بالسياطِ
خِِصرَها
ثم مزّقوا بالنِصالِ لسانَها
حتى يُدنّسوا فستانَها الأبيضَ
بقطراتِ الدَّمِ
تُطلُّ في خجلٍ
من مسامِ جلدِها.

***

الحريمُ
-يقولُ شيوخُ القبيلة-
لا يجوزُ أن يحمِلنَ بين شِفاهِهن
ألسُنًا
تقولُ الشِّعرَ
...
فللسانِ
مآربُ أخرى
يعرفُها كُهولُ الصحاري
الذين ضربَ الوهَنُ عظامَهم
فما عادوا قادرين
على الحُبِّ
ولا
على النجوى.

***

رأى النبيلُ
فيما يرى النائمُ
فتاةَ الحقلِ معصوبةَ العينين
خارجةً
من بين جنودِ الميدانْ
تتوكأُ على عصاها
في معطفٍ أبيضَ
تحملُ في جَرّتِها
عقاقيرَ
وطعامًا
وأكاسيرَ
...
تُعيدُ للعميانِ
أبصارَهم
وتمنحُ الظِّماءَ
شربةَ ماءٍ
تُبلِّلُ الشِفاهَ العطشى
وتُبرِّد أجسادَ المجزوميَن الذين
كلّما نضجتْ جلودَهم بالويلْ
نخرَ الشيوخُ نُخاعَهم
بِسُنونِ الإبرْ.

***

تُطرقُ البنتُ
وتهمسُ:
اليومَ
آنَ أنْ يخرجَ الموتى من قبورِهم
ليحضِنوا أطفالَهم اليتامى
ويعلّموهم
أن السماءَ تبكي
حين يُكسِّرُ الغلاظُ أراجيحَ الأطفالْ
أو يفقأون عيونَ بالوناتِهم
...
السماءُ تبكي
حين تُربَطُ في أعناقِ أُمهاتِهم
حِبالُ
ليُسْحَبن
كما تُسحبُ الشِّياهُ
في موسمِ الذِّبحِ العظيمْ.

***
لكنّ النبيلَ
لم يرَ
فيما يرى النائمُ
إن كان أحدٌ بوسعِه
أن يرفعَ العُِصابةَ
عن عيني البنتِ
حتى تُبصِرَ
وتعرفَ طريقَها من جديدْ
إلى أرضِ الوطنْ.

القاهرة/ ٤ مارس ٢٠١٦
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.