مدينةٌ تحترق
بعدَ أن هدَّمَ المبشِّرُ
كلَُ شيءٍ
إلاَّ سماءَ مقدسةً،
كتبتُ الحكايةَ
برُفاتِ مدينةٍ تحترقْ،
تحتَ عينِ شمعةٍ
دخَّانُها يبكي،
مرثيتي.
وددتُ أن أحكي
كما لم تفعل الشموع،
عن إيمانٍ اُخْتُطِفَ كبرقٍ.
كلَّ يومٍ
أتجولُ عبر حطامِ الحكايات
مصعوقًا من كلِّ جدارٍ
يقفُ كأكذوبةٍ شاخصة
في الطريق،
صارخًا كسماءٍ
أثقلتها طيورٌ ذبيحة
وسحبٌ تئنُّ
في صمت،
ممزقًةً
بالسَلبِ والخواء،
لاهيًا عن النيرانِ من حولي
هناكْ..
حيثُ خَطا المسيحُ
فوق صفحةِ بحرٍ مضببٍ بالدخان
خطوةً أولى
تساءلتُ ..
كيفَ تتجمّد دموعُ الإنسانِ
كشمعٍ
حين يسقطُ عالمُه الخشبيُّ ؟
في المدينةِ تلك
حيث تتحوّرُ أوراقُ الشجرِ
إلى وثائقَ
والتلالُ إلى سربٍ من عقائدَ،
يأتي الصبيُّ الذي
ظلَّ سائرًا طيلةَ يومِه
بعدما وهبته الأشجارُ
أنفاسَها الخضراء.
ليستعيدَ للحياة محبةً
ظننتُها خامدةً
كأظفارٍ بلا روح.
المجدُ للموتِ
والتعميد للنار.
أغنيةُ زنجيٍّ
كانوا خمسةً أو ستةً
الرجالُ هؤلاء
يتناولونَ عشاءهم في رواقِ البنايةِ
ليلةَ صيفٍ قائظٍ،
الرجالُ الذّين أومئوا إلىَّ
على نحوٍ طيبٍ
فأجبتُهم
بينما الطرقاتُ تومضُ من بعيد
كمهرجانِ صيفٍ
أو
كعيدِ قديسْ.
وأنا
كزنجيٍّ بسيط
خِلْتُ البشرَ سواء
أبيض،أسود أو أصفر،
خلتهم سواسيةً
بلا قومياتٍ
بلا لون!
لكن حدسي خابَ
عندما
أوسعوني ضربًا
أنا الزنجيّ التعس
أثخنوني بالجراح.
ولأنني
كنتُ أخشى الخنجرَ
كاقتراحٍ وشيك
خلعتُ معطفي الجديدَ
قذفته بعيدًا
واستسلمتُ لمصيري.
وجهي تهشَّمَ ودمي سالَ
لكنني
أنقذتُ المعطفَ!
زحفتُ على أربعٍ
واختبأتُ في مصرفٍ
أراقبُ أمًّا تجرُّ طفلَها
الطفلَ الذي تشبثُ بالمشهد:
- " كفى يا جاك ..
هم فقط لم يتعلموا الحبَّ بما يكفي!"
وهكذا
علمته الأمُّ درسَه الأول.
نعم
لن يقتلوكَ بالتأكيد
فقط
كانت دعابةً فجَّةً
كعادةِ الأمريكيين دومًا
سوى أنني
وبرغمِ كلِّ شيء
قد تعلمتُ شيئًا عن الحبِّ
من خلالِ
مزحةٍ قاسية.
في مكانٍ آخرَ
في مكانٍ ما
يرمحُ حصانٌ أبيضُ
يتطايرُ شعرُه عبرَ حقلٍ
مسَّيجٍ بالأشواك،
هناك
حيثُ رجالٌ
يفتتونَ الأحجارَ
يحزّمونَ القشَّ في أكوامْ.
في مكانٍ ما
نساءٌ مجهداتٌ يرقبنَ البحرَ الذي
يبكي مراكبَ صيدٍ غائبةً،
زرقاءَ كالسلام
نساءٌ
تعبنَ من حكايا الوجعْ.
في ذلكَ المكانِ
بعضُ أسرى
حصادٌ صغيرٌ لأجسادٍ رهن المقايضة
حيثُ يرقدُ الجنودُ في الطرقات
أو
يدخنونَ في غابة.
في مكانٍ ما
تُنتهكُ قوانينُ
تُمزَّقُ أوراقٌ كثيرة
ثمّ تَتحوّرُ ورقاتُ الشجرِ
لأشكالٍ جديدة.
في مكانٍ ما
كاتبٌ يرقدُ مفتوحَ الحدقاتِ
على فراشٍ ممتد
هو الكاتبُ الذي لن يقرأَ هذا
ولم يكتبْ هذا
إذ كيف السبيلُ إلى قلم؟
و ها نحنُ هنا
أحرارٌ لوهلةٍ
بينما هنالك
في ثلثٍ بعيدٍ من هذا الكوكب
ثمةُ بارودةٌ تفجِّرُ رأسًا
كان يفكرُ بالفردوس.
حيثُ لاشيء حرٌ هناك
سيختنقُ الهواءُ في سلةِ الأوراقِ
و يُقمعُ كلُّ ما كتبناه
فيما حرفٌ أزرقُ
يشقُّ صوتَه
سكينُ الورق.
عبر معتقلٍ مظلمٍ كهذا
تشخصُ وجوهٌ مجوفةٌ
تتشبثُ أصابعُها بقضبانِ القصيدة
هنا .... أو
في مكانٍ آخرَ.
سوف تخبو نظراتُهم شيئًا فشيئا
كأرقامٍ من دون ملامح
كالتي تثيرُ حَيرتَكَ في دليلِ الهاتف
أو ...
كمذبحةِ نهايةِ العامْ.
لا تلوموا العالمَ إذن
فالحماقاتُ المظلمةُ
لها أن تحددَ مسارَ الضمائر
لنشعرَ خلالِ حواسِنا المجهدة
بصرخاتِ الشتاءِ الصامتة.