Naoot

Share to Social Media

أبي

ماتَ بالصدمةِ العصبيّة
حين غرقَ طفلاه أولَ أمسْ:
أنا
ابتلعتني سمكةٌ،
وأخي
ابتلعَ كلَّ مياه النهرْ.

القاهرة / 22 يونيو 2005




محطةُ الرمل
إلى كريستينا
التي نسيتُ أن أقبِّلَها


سيموتُ الشيطانُ غدًا
قبل أن يتصفّحَ الجريدةَ على البحرِ
- كعادته كلَّ صبحْ -
بمجرد أن يرشفَ من فنجانِ القهوة،
ويغدو العالمُ مُضجرًا من دونِه،
إذْ
لن أجدَ مبررًا
لأزعمَ أنني أكثرُ طيبةً
من أصدقائي الأشرار!
لكن
سأهمسُ لصاحبي:
بوسعِكَ الآن أنْ ترفعَ إصبَعَك ،
لتمسَّ الورمَ المختبئَ في صدغي،
دون خوف،
فقد ماتْ!
كنَّ يكذبن علينا
بأنه ينامُ تحت أظافرنِا المتّسخة،
أمهاتُنا.

ثم إن كريستينا هي الأخرى ماتتْ
أولَ أمس
دون أن يشعرَ بها أحدٌ
ودون أن تشيّعَها امرأةْ.

ماتتْ قبل أن توقدَ شجرةَ الميلادْ
أمام إطارِِ الأبنوس الذي يحملُ قصيدةً
كتبَها السَّكندريُّ في عينيها
قبل نصفِ قرنٍ،
نعم، نعم!
فالنساءُ يمُتن أيضًا
حتى ولو كُنَّ حبيباتِ كفافيسَ،
بغير ضجيجْ
ولا عصافيرَ تصكُّ الزجاج،
ولا حريمْ،
عِلمًا بأن النساءَ
يصبحن أجملَ في ملابسِ الحداد.

علينا وحسب
أن نجلسَ صامتيْن في مقهى Elite
(الذي في شارع صفية زغلول)
لنحسبَ طولَ الجسدِ وعرضَه
من أجل تابوتٍ يليقُ بالرجلْ
فنحن أرقى من الصيادين الأجلافْ
الذين لا يعبأون بجثامين الأسماكِ
حين يُلقى بها في القُفّة
دون تقديرٍ لجلالِ الموت.

سندبّرُ جِنازًا محترمًا
يليقُ برفيقِ البشرية المزمن،
السيّد
الذي مهّدَ لنا مكانًا فوق الأرض:
سيأتي أبي
الذي أغواهُ الفقيدُ
بالجلوسِ تحت شرفةِ أمي لعامين،
وأمي
التي قبّلتْ يدَ الطبيبةِ
كي تضعَ حرفًا على لسانِ عُمَر،
وعُمَرُ
الذي بنى سفينةَ نوحٍ ثم أغرقَها،
وفاوستْ،
والجبلاوي،
والإسكافيُّ
الذي نثرَ المساميرَ في شارعِنا،
وشارعُنا،
الذي سكنَتهُ عجائزُ اليونان
حول مستشفى السرايات،
أما أنا
فأكون المرأةَ التي تستقبلُ العزاءَ
بوصفي
فعلتَهُ الكبرى.

الإسكندرية / يناير 2006



أبواب


الملكاتُ لا يمشين على أقدامِهن
تحملُهنَّ الهوادجُ
التي لا تمرُّ من أبوابِ "جوزيف حرب"
سوى مرّة.

حَدْسُ اللحظةِ
- التي تقعُ بين عَدَمَيْن -
يجعلُ الفرسانَ يقلقون
من انصرافِ الحبيباتِ في الوطنِ
عن الهوى
فتضجُّ الهواتفُ بالرسائلِ،
فيما الفلاحون يضربونَ فؤوسَهم
في الطمي
كي يختبروا قوةَ إبصار الله.

يا نـاسْ
من رفعَ العدسةَ عن عينيّ
وجعلَ الكونَ صغيرًا هكذا؟
مَنْ غلَّقَ الأبوابَ ونثرَ تلك المزاليجِ؟
ومَنْ الذي قال:
"مالَ واحتجَبْ
وادّعى الغضبْ
ليتَ هاجري
يشرحُ السببْ "؟

فاعِلُـنْ فَعِـلْ.
فاعــِلٌ فَعَـلْ.

أي أن البابَ
لابد أن يُصفَقَ
قبل وضعِ المزلاجْ.

لكن الأبوابَ
لا تنفتحُ مرتين،
الأبوابُ التي تطيرُ من حنجرةِ فيروزْ
غارقةً في الياسمينِ والشَّجو
تُمرِّرُ المخضَّباتِ بالحِنَّاءِ
وتُقصي المترجِّلاتِ
اللواتي تحملُ معاصمُهن
ساعاتٍ
وأقدامُهنَّ
أساورَ من حديد،
وأنا هنا وحدي
كلّما دقّتِ الرابعةُ فجرًا
أعدِّلُ وضعَ النافذةِ
لأصغي للمؤذّنِ الذي لا يغيّر قولَه
أبدًا.

"أبوابٌ
أبوابْ
شِيْ غُرُبْ شِيْ اصحاب
شي مْسَكَّرْ وناطِر
تا يرجعوا الغِيَّاب"
خلفَ أحدها
تنكفئُ امرأةٌ على نولِها
تُعْمِلُ أصابعَها في الخيطْ
لتصنعَ عباءةً مما تضعُ النساءُ
كيلا تراهنَّ المرآةُ عرايا.

بابٌ سيُصفقُ بعد دقيقتيْن
ورجلٌ
ينتظرْ.

القاهرة- 28 مايو 2005


0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.