"بعد أن انتقلنا إلى المنزل الجديد كان كل شئ هادئا ومستقرا وعلى ما يرام، أستيقظ صباحا، أذهب إلى عملي، أبي وأمي في عملهم، وأخي في مدرسته، وفى المساء إما أن نذهب لسهرة في الخارج، أو نجتمع معا بالمنزل.. وهكذا.."
ذات يوم تركني أهلي وحدي وسافروا لمدة أسبوع، فقد كان لديَّ الكثير من العمل لذلك لم أستطع السفر معهم، لكنني كنت مستمتعة كثيرا بوحدتي وهدوء المنزل في غيابهم.
بعد عودتي من العمل، هاتفتني صديقتي وأخبرتني أنها ستأتي لزيارتي ومؤآنستي قليلا، وعندما أتت كنت قد أحضرت (الفشار والكيك) كى نتسلَّى.
كان هاتفها المحمول قد فرغت بطاريَّتُه وتوقف تماما عن العمل، فجلسنا في "الصالة "، ووضعت هاتفها بغرفتي للشحن.
رنَّ هاتفي، نظرت إليه فوجدت رقم صديقتي الجالسة بجواري!!
- إيه ده يا ريهام!!! إنتِ رقمك بيرن عليا وهو فاصل؟!!
نظرتْ في ذهول وقالت لي:
- أنا موبايلى فاصل خالص وعلى يدك وانتِ دخلتيه يشحن...
قررت أن أرد وأفتح مكبر الصوت ولكن لا أحد يجيب، فقط صوت موسيقى ثم.. أغلق الخط.
جرينا إلى الغرفة، وجدنا كل شئ كما هو، المحمول ما زال يشحن، لا يوجد أي جهاز قد يخرج منه صوت موسيقى... وانتابتنا القشعريرة!
بقيت ريهام معي خمس دقائق فقط وتركتنى وهي في غاية القلق، أنا أيضا كنت قلقة ولكن حاولت أن أتجاوز ذلك القلق بأن أجزم أنه خطأ في الشبكة أو تداخل في الخطوط، رتبت المكان وجلست أمام التلفاز، هاتفت صديقتي كي أطمئن على سلامة وصولها:
- إيه يا ست ريهام يا ندلة كده تمشي وتسيبيني بدل ما كنتِ تباتي معايا؟
- أسيبك إيه وأبات فين؟ أنا أصلا في القاهرة بقالي أسبوعين.
- أمال مين اللى كانت قاعدة معايا وكلت وشربت ودخلت أوضتي دي؟!!!
فجأة سمعت صوت فرقعة، وانقطع النور....
حاولت أن أشعل الكشاف من المحمول ولكن، كان دائما ما ينطفئ، كأن أحدا ما يطفئه.. تجمدت من الخوف، لكن أخذت نفسا عميقا وجريت إلى باب المنزل كي أخرج للجيران فلم أجده، كان هناك حائط واختفى الباب، أصبحت محبوسة ويبدو أنني لن أستطيع الخروج أبدا...
كنت أتنفس بصعوبة شديدة، رجعت إلى مكاني مرة أخرى، أحاول أن أتذكر حرفا واحدا من القرآن الكريم لكن.. لم أستطع.
فجأة وجدت بقعة ضوء ظهرت على المنضدة أمامي وفوقها كأس نحاسية بها ماء، كنت خائفة وفمي يابس تماما، لم أفكر أبدا من أين جاءت هذه الكأس، سارعت بأخذها كي أشرب منها، لكني وجدت على سطح الماء "جمجمة مرسومة بالدم ".
صرخت وسقطت الكأس من يدي وجسدي كله يرتعش، كنت خائفة كثيرا، حاولت أن أقنع نفسي أنني أحلم، لكن فجأة شعرت بنفس ساخن بجانبى، ويد تلتف حول عنقى...
ظللت أصرخ إلى أن أغمي عليّ، عندما استعدت وعيي أقنعت نفسي أنني مازلت أحلم، حدثت أمي وأبي عبر الهاتف كي أطمئن عليهم، تحدثنا كثيرا وضحكنا أكثر، هدأ روعي قليلا واقتنعت أنه كابوس ذهب ولن يعود.. دخلت إلى غرفتي كي أنام.
جلست على سريري وفتحت اللاب توب وظللت أتصفح وألعب كعادتي، عندما انتهيت أغلقته وحاولت أن أخلد إلى النوم، كان الغطاء ينزع من على جسدي شيئا فشيئا وكذلك قميص النوم الذي كنت أرتديه.. شعرت بأن هناك " لسان " يمر على أرجلي وجسدي كله...
تجمد الدم في عروقى، لم أستطع الصراخ ولا حتى الحراك، أغمضت عينيّ ولم أفتحهما إلا عندما شعرت بنفس ساخن آخر يقترب من وجهي بشدة فقررت أن أفتحهما وليتني أبقيتهما مغمضتين..
وجدت كائنا أسود بجسد بيضاوي وعينين بيضاوتين، يقف فوقي وينظر لي نظرة حادة ويضحك، وسمعت خارج الغرفه ضجيجا وبكاء أطفال وصرخات نساء، كأنني أسكن في فندق شعبي ما، كاد قلبي يقف من كثرة الخوف وصرخت وأغمي عليَّ مرة أخرى.
عندما استعدت وعيي كان النهار حل، الدنيا هادئة وكل شئ مستقر، كان جسدي ينزف بشدة. اعتقدت أن ذلك الكائن قام باغتصابي، نظرت إلى جانبي وجدت هاتفي مفتوحا وكأن أحدا ما قام بتصويري وأنا نائمة بدون ملابس.. صورا كثيرة جدا، حينها لم أعلم ماذا أفعل.
بقيت جالسة مكاني على سريري واتصلت بأمي وأنا أحاول أنا أكون متماسكة كي لا أشعرها بشيء حتى لا تخشى عليَّ من الوحدة، أخبرتها أننى مريضة بعض الشيء وأحتاجها لتكون بجانبى، لذلك يجب أن يعودوا بأسرع وقت ممكن، بعد أن أغلقت الخط معها ذهبت إلى المرحاض، لكن قبل دخولي سمعت أحدهم يقول لي:
- صباح الخير يا حبيبتى.
حدقت عينيَّ ذهولا وكاد قلبي يخترق ضلوعي، نظرت حولي كثيرا ولم أجد أحدا، تنفست الصعداء وغيرت اتجاهى وذهبت إلى المطبخ لأعد كوبا من القهوة كي أستعيد نشاطي، سمعت أحدهم يقول لي:
- هتشربي قهوة على الريق؟
تركت كل شيء في يدي وجريت للخارج، أحاول فتح باب المنزل كي أخرج منه، لكن فشلت.. وكأن أحدهم يحبسني ويوصد عليَّ الباب من الخارج، فجأة سمعت من يضحك بصوت مرتفع ويقول لي:
- ههههههههههه مش هتعرفي تخرجي وتبعدي عني، انتِ بتاعتي، أنا العاشق وانتِ ملكي.. ملكي أنا وبس ومش مسموح لحد ياخدِك منى.
حاولت أن أتذكر من القرآن كلمة واحدة أرددها لكن لم أتذكر فظللت أردد:
- الله أكبر، الله اكبر، الله نور السموات والأرض، الله نور السموات والأرض.
انفتح الباب وخرجت من تلك الشقه الملعونة فوجدت أحد جيراننا وابنه يقفان بالخارج، ينظران إليَّ بحزن ويقولان لي:
- كنا عارفين إن ده هيحصل بس مقدرناش ننبهكم...
- إيه اللي حصلي ده؟ فهمونى.. إيه اللي أنا عشت فيه ده؟
- تعالي بس ارتاحي جوه واحنا هندخل الشقة نجيبلك حاجتك منها.
وصفت لهم مكان غرفتي وذهبوا ليحضروا لي أشيائي جميعها، ودخلت أنا منزلهم، كانت زوجته سيدة طيبة أحضرت لي الطعام والشراب، وعاد الرجل ومعه أشيائي، بدلت ملابسي وأصررت أن أسمع من ذلك الرجل حكاية الشقة الملعونة، فقد كنت على وشك الموت وكان لا بد أن أفهم ما يجري، وأمام إصرارى المتزايد بدأ يحكي لي:
- " السر كله يا بنتى في الكاس، الكاس النحاس.. من حوالى 8 سنين كده كان في أسرة ساكنة هنا وعندهم بنت كانت جميلة الشكل والخلق كانت بتحب زميلها وجه اتقدملها وحددوا معاد الخطوبة، بس رغم إن أبوها وأمها وإخواتها كانوا موافقين إلا إن عمها وأسرته كانوا رافضين لأن ابن عمها كان عايزها واتقدملها أكتر من مرة مش لأنه بيحبها لا.. ده لأنه طمعان في فلوس أبوها، لكنهم كانوا رافضين جواز القرايب، ولما ابن عمها عرف بموضوع الخطوبة قرر هو وأبوه وأمه الانتقام، عملولها عمل شديد عند ساحر قوي متصل بأكبر قبائل الجن الأزرق أو الجن الناري وده بيسيطر عليه اتنين من أحفاد ابليس.. العمل ده المفروض إنه كان معمول علشان التفرقة بينهم وعلشان البنت ترفض تكمل الخطوبة ومتتجوزش غير ابن عمها وبس وده زى ما فهِّمهم الساحر.. وفي يوم الخطوبة دخلت مرات عمها المطبخ تساعد أمها وحطت العمل في كاس العصير بتاع البنت وعريسها.. وأول ما البنت وخطيبها شربوا أول شفطة... ماتوا لأنه كان معمول من زرنيخ مختلط بمواد تانية بس الزرنيخ سريع المفعول...
ومن يوميها والشقة دى ملعونة ومقفولة، صاحبها قفلها 5 سنين وبعدين رجع فتحها وجددها تانى بس اللعنة منتهتش والأرواح مخرجتش منها والكاس اللى شربت منه البنت العروسة كل ما يترمي بره أو حتى يتحرق، يرجع تانى منعرفش إزاى، وأى بنت بتلمس الكاس ده بتبقى أسيرة روح العريس اللى مات.. بتبقى عايشة ومش عايشة.. ومحدش بيعمر في الشقه دي، في ناس بتموت وناس بتمشي بس من غير عقل وبرضو محدش بيقدر ينبههم قبل مايسكنوا فيها ،عشان مايتأذيش ، وطالما انتِ الوحيدة اللى قدرتِ تفتحي الباب وتخرجي ، يبقى محدش فيهم قدر عليك قد يكون ده بسبب قوة إيمانك إو قوة شخصيتك أو لأي سبب غير معلوم، العلم عند الله وحده...."
كنت أسمعه ودموعي تنهمر على وجنتي، فأتت زوجته تربت على كتفي وتحاول تهدئتى:
- كفايه كده ياحبيبتي قومي ارتاحي بقى وعمك هيتصل بوالدك عشان يرجعوا من السفر ونشوف حل ولحد م يرجعوا هتفضلي عندنا مش هتباتى ف الشقه لوحدك تانى....
لم أستطع النطق، ذهبت معها للغرفة في محاولة للخلود إلى النوم وعندما استيقظت، اكتشفت أن كل ما مضى كان كابوسا مريعا، فقد كان أهلي معي ومنزلنا لا يوجد به شيء سيء، لكن الغريب أنني سمعت أبي وأمي يتحدثان عن رجل ساحر، يعمل بالأعمال والسحر والشعوذة... صدمت وشعرت أنني لا أفهم شيئا.
النهاية.