mohamedibrahim

Share to Social Media

أردت أن أحدثكم عن شيء في صدري، لكني انتظرت حتى نهاية اليوم الأخير من العام 2020 لعلة في نفس يعقوب، ولا أعلم بعد نهاية هذا العام هل نجوت من حكايتي معه أم هي بداية النهاية!

ظننت في بداية الأمر أن القدر اختارني بشكل عشوائي دون ترتيب، لكني ما لبثت أن أرى علاقة بين الأحداث لم أكن أدركها قبل ذلك قط، ولو امتد عمري فوق عمر صاحب السفينة رضي الله عنه!


الأربعاء 1 يناير/ كانون الثاني 2020

أتذكر جيدا تفاصيل هذا اليوم كأنه الأمس رغم مرور عام بالتمام والكمال، حضرت باكرا على غير العادة إلى مقر الشركة بمدينة العاشر من رمضان، صعدت إلى مكتبي في الطابق الثاني بعد أن صفدت سيارتي «الچيب» 2006 في مرآب الشركة، بمجرد جلوسي على الكرسي وبعد أن أشعلت لفافة التبغ المفضلة الزرقاء، استدعيت «محمود حمدي» محاسب الخزينة لأبلغه بقراري بالخصم ثلاثة أيام ولفت النظر نتيجة خلل أو عجز في ميزانية الخزينة!
كانت هذه المرة الأولى التي يجرؤ موظف تحت إدارتي المالية أن يقول في وجهي بصوت مرتفع وعينين ثابتتين كعيون الدمية «حسبي الله ونعم الوكيل»
ولا أعلم كيف قالها حينها، ربما كان مظلوم حقاً، لكن ما معنى الظلم في هذا اليوم بالنسبة لي!
كيف يجرؤ محمود حمدي، أن يرفع صوته على أقدم مدير مالي في الشركة التي تعتبر من أهم شركات تصنيع الأجهزة الكهربائية في مصر والشرق الأوسط، كيف ذلك؟!
- أنت تتحسبن في وجهي يا محمود! انت متحول للشئون القانونية والإدارية للتحقيق، انتظرني في مكتب أ/ فتوح طالما أن الأيام الثلاث لم يعجبك.

تعمدت في هذا اليوم أن أترك محمود حمدي ينتظر أكثر من أربع ساعات، ربما انتظر لآخر اليوم رغم أني أعرف مرارة الانتظار جيداً!

«لقد كدتُّ أن أنتظر»
قالها أحد ملوك فرنسا القدامى كناية عن تعبيره بأن الملوك لا ينتظرون! والحقيقة أن العبارة شديدة العنصرية بسبب التمييز الواضح، فالانتظار أقبح الأشياء في هذا العالم، على الأقل بالنسبة لي!
ولأنك لست ملك أو إمبراطور فعليك بالانتظار... انتظار الفرصة، انتظار الوظيفة، انتظار التغيير، انتظار الدور في كل الطوابير، انتظار الأمل، انتظار النصر، انتظار الرزق، انتظار النجاح، انتظار القدر، انتظار الحلم، انتظار النهار، انتظار الموت او ينتظرك الموت!
منذ ولادتنا حتى الموت لا نفعل شيء سوى الانتظار العبثي في دائرة مغلقة، كلما أنهيت انتظار بدأت غيره، وكأن الانتظار لعنة الحياة الأبدية....
تقدم رجل ليدخل الجنة بعد انتهاء الحساب، فقال له الحارس انتظر، فانتظر آلاف السنون حتى أغلق الحارس الباب الذى كان مفتوحاً دائماً، تنبه الرجل من مكان انتظاره يصرخ بالحارس :
- لازلت أنتظر ولم تدخلني والآن تغلق الباب؟!
الحارس: هل رأيت أحداً دخل من هذا الباب.؟
الرجل: لا!
الحارس: لم يكن لأحد أن يدخل من هذا الباب، فالباب كان لك وحدك، لكنك لم تفعل شيء سوى الانتظار والآن هذا الباب مغلق.

الانتظار هدر للكرامة وقتل للاستقامة ومقياس لتقدم أو تأخر الأمم!

بعد أن أنهك الانتظار محمود حمدي وجعل كل الاحتمالات تدور بذهنه وقد طرح كل الأسئلة والإجابات المحتملة وغير المحتملة في عقله وأجاب عليها؛ بدأ التحقيق!

بالطبع لم يكن «فتوح» لينصر محمود حمدي في التحقيق، بل زاد الطين بلة بإضافة يومين إضافيين للخصم، وخرج الجميع وانتهى كل شيء، وإن شئت قل بدأ كل شيء مع بدآية أول يوم في السنة الكبيسة!
الآن وبعد انتهاء العام طالما نظرت إلى هذا اليوم على أنه طرف الخيط الذي ربما لم يكن يجب أن اسحبه على ما أظن، فهل كان له علاقة بكل ما انفرط بعده حقًا!

حائرٌ مضطرب الخواطر، في المساء وصلت بيتي في مدينة السادس من أكتوبر، حيث زوجتي وابني الوحيد، كان الحصول على بيت في مكان راقٍ بهذه المواصفات العصرية، ثمرة مجهود سنوات من العمل في القطاع الخاص والصبر والتدرج في المناصب وتطوير الذات لمواكبة سرعة التكنولوجيا في العشرين سنة الأخيرة، لطالما ظننت نفسي مميزا عن الآخرين، ربما ليس الأفضل لكن هناك شيء، ربما كانت الثقة في النفس، ربما روح المجازفة، ربما كان وهم ومحض خيال!

«آية عبد الله» كانت الأفضل دائمًا، وظننت طوال الوقت قبل بداية هذا العام أنها الهدية والمنحة الأعظم من الإله ليكافئني على تأخري في الزواج حتى سن الرابعة والثلاثون، وربما بعد هذا العام أيضًا قد تكون هي الأفضل!
كان زواج تقليدي مر عليه عشر سنوات، رزقني الله بعد العام الأول بطفلي الوحيد «علي» ليكون «علي محمد سالم»
كانت آية يتيمة الأم وأصغر أخواتها البنات، وخريجة كلية الشريعة والقانون، حافظة لكتاب الله، متوسطة الذكاء، جمالها فوق المتوسط بكثير، متوسطة الطول رشيقة القوام كغزالة ثائرة، ماهرة في أمور الطعام ولها مذاق خاص في صنع الحلويات، ولكن!
تزوجنا سريعا، وكان حفل الزفاف مبهجًا، وكل شيء في هذا اليوم كان يسير حسب ما هو مخطط له، إلا من بكائها لوقت قصير تذكرت فيه أمها التي فارقتهم منذ عام مضى!
مع مرور الأيام والشهور والسنين تكشف لي طبعها الهادئ وجمال روحها، ذكاؤها في بعض الأمور وفطرتها وحبها الذي انطلق نحوي كسيل أنقذ سمكة من الموت جفافا!
لكن العناد والتدين المبالغ فيه معظم الوقت كانا عيبين لم تكن الأيام كفيلة بتغيرهما أبدا، لكني حدثت نفسي دائماً، ما دام هاذين العيبين بعيدين تطبيقيا عن ممارسة الجنس، فلا بأس!
أما التدخين فباتت تعلم أنه لا سبيل لإقلاعي عنه!

كانت كجواد جامح في الفراش لا تمانع عمل أي شيء إلا المحرمات، وما لا تفعله المصريات جميعهن! ولم يكن هذا يزعجني كثيرا، مع الوقت أصبحت أكثر رغبة ونضجا وأنوثة، لكن بقي العناد والتدين المبالغ فيه كما كنت أصفه بيني وبين نفسي أخطر مساوئها، بعيداً عن غرفة النوم، وزاد الحب كل يوم بيننا كشجرة عنب تنمو ببطء تؤتي أكلها خمرا مصفا بعد حين!

سألتها في أول ليلة جمعنا فيها سقف واحد:
- لماذا وافقتِ على الزواج بي وأنا أكبرك اثني عشر عاما ؟
- القدر والنصيب.

كلمتان ثقيلتان لو تعلمون لم أدرك عمق كلا منهما حينها! فسألتها كيف ترين الحب؟
وكانت الإجابة التي وقعت بعدها في بحر من الحرير الأزرق، أستلقي على صفحة الماء كعصفور أرهقه الهوى وطول الأمد من عبث الانتظار السرمدي، من حياة الحرية المفقودة في أدغال النفس البشرية الممسوسة بالاتصال بأرواح العالم الخفي عن كل شر، ولا خلاص إلا بالوصول والانقطاع عن كل مفصول.
الحب….
الحب ؟!
انعدام السبب لكل فعل أو ناتج، صفاء الفطرة، بحيرة نظيفة خلقها الله لم تصل يد إليها بالعبث... تلاشي الأنا، تبخر الجسد، ذوبان الروح... ريشة دون وزن في نسمة ربيع متوهجة بعطر البنفسج والياسمين... سقوط في بحر حرير أزرق لا متناهي... قلب بياضه ثلج في زجاجة ياقوت لا يعدو لها غبار المبررات، توحد لا يأتي له انفصام ولا انقسام ولا خصام ولا هجر، دون حيلة، دون وسيلة ترتقي إليه بفطرة لا خيار لك فيها... من وصل اتصل ومن اتصل انفصل عن كل مبتذل... سبيل الخلاص من قيود الجمادات، ونجاة النفس من هوى اللذات، وغرق للروح في بحر النفحات... اصطفاء من اصطفاء إلى اصطفاء عن اصطفاء بعد اصطفاء في اصطفاء... ثم الصفاء!


تعودت على السفر بشكل يومي من مدينة السادس من أكتوبر إلى مدينة العاشر، حيث كانت القيادة تمثل تحديا كبيراً بالنسبة لي منذ سنوات قليلة، أما الآن فالأمور سلسة ولا تمثل أرق يذكر، ويوما الجمعة والسبت عطلتي الأسبوعية للأسرة وللسيارة!

بترحاب لم تخفت وتيرته منذ سنوات، قابلتني آية بعد عودتي هذا اليوم بقبلة لم أشعر لها مذاق، وكذا علي أيضاً مهللا لقدومي كالعادة!
بعدما وضعت حقيبتي ومفتاح السيارة والهاتف وبقية أغراضي في غرفة المكتب الخاصة بي، أسرعت نحو الحمام وصوت آية يقطع عني الطريق…

- العشاء جاهز

لقد تغير شكلي كثيرا، حتى لا أبدو أصلع أصبحت أحلق رأسي بالكامل بالشفرة، وأشتعل شاربي الكثيف بالشعر الأبيض كأني في الخمسين، بياض عيني أصفر شاحب مرهق، لم أتأمل شكلي في المرآة منذ زمن، أصبحت شخصا آخر!

- العشاء جاهز
- حاضر!

توضأت سريعا بعد أن بدلت ملابسي ثم خرجت متوجها نحو مائدة الطعام، وقبل أن أطمئن في جلستي، باغتتني آية بقولها المعهود -صلي قبل أن تأكل-، على فوري أجبتها ممازحا :- لا صلاة بحضرة طعام، كل الشيوخ حافظين هذا الحديث عن ظهر قلب يا شيخة آية... ولا انت رأيك أي يا أستاذ علي أنا سميتك علي حتى تكون مفتيا حكيما تيمنا بالإمام «علي رضي الله عنه»

- لا أعلم
- من قال لا أعلم فقد أفتى، الآن أنت مفتي!

دون مقدمات أجبت سؤال آية كيف كان يومك بسؤال عن معنى الظلم ومفهومه، أثناء مضغ الطعام تفاجأت أنها لم تتفاجأ من سؤالي، وأجابت كأنها أعدت هذا مسبقا!
- الظلم، هل ظُلمت أم ظلمت؟
- لا هذا ولا ذاك، السؤال لغرض مختلف!

إن أبشع أنواع الظلم هو ظلم النفس وأعظم أنواع ظلم النفس هو موت الضمير وأن تجعله يألف فساد القلوب وظلم الغير! ظلم النفس، أن يُظلم غيرك ولا تشعر بالظلم، إما نتيجة القهر وإما نتيجة البرجماتية وإما نتيجة الألفة... وذلك الأخطر. كل مكان لي تأخذه دون وجه حق فذلك عين الظلم.

- الذي أقصده... هل الظلم شيء نسبي يختلف باختلاف الرؤى ووجهات النظر، أم أنه شيء مطلق؟

- المساواة في الظلم ليست عدلا كما يردد الكثيرون، وإنما المساواة في الظلم هي عين الظلم. .. لأنك اذا ساويت الناس في الظلم، فهناك طرفان، أحدهم ظالم والآخر مظلوم، وأنت قد جعلت الظلم بينهم مناصفة! المشكلة تكمن في نسبية العدل وليس مطلق؛ فكل نسبى يحتمل الظلم، وكل مطلق هو عدل بلا شك!
- الظلم نسبي إذا ؟
- لم أقل ذلك، قلت أن كل نسبي يحتمل الظلم!

- كل شخص يرى أنه مظلوم من وجهة نظره، لا أحد يرى أنه يستحق العقاب، إذا كان الإنسان يرى العدل جليا واضحا فعليه أن يطبقه، ولا ينتظر ممن وقع عليه العقاب الإقرار بما هو عدل، فهو يراه من الجانب الآخر من النهر، عين الظلم!

وكذا محمود حمدي كنت أراه دائماً يقف على الجانب الآخر من النهر! كرهت زوجتي شيئين في شخصيتي، مثلها مثل معظم النساء كما أظن، ولم تجد بد من تغيرهم أبدا! الأول هو التدخين، بصفة عامة والتدخين بشراهة في بعض الأحيان، والثاني هو شغفي الشديد بمتابعة الأخبار السياسية ومجريات الأحداث العالمية والمحلية بشكل منتظم.

هذا ما أذكره جيداً في اليوم الأول من العام الجديد الذي تمنى الكثير من الناس أن ينقضي العام الذي قبله ليستقبلوه عاماً جديداً عله يكون أفضل، ثم توالت الأحداث والخيوط يعانق بعضها بعضا!

مع غروب شمس اليوم الثالث من العام الجديد الذي ظن الكثير وكنت واحداً منهم أنه يحمل الخير، بدأ الناس يتحدثون عن احتمالية اندلاع الحرب العالمية الثالثة، وكان دائما لي وجهة نظر مختلفة في أمور السياسة بحكم متابعتي القديمة والمنتظمة.

طائرة أمريكية بدون طيار استهدفت سيارة قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في بغداد فجر يوم الجمعة الثالث من يناير/كانون الثاني!
دونالد ترامب أعلن بشكل مباشر مقتل الرجل رداً على ما وصفه بأن الرجل (قاسم سليماني) كان سبب في قتل الكثير من الأبرياء الأمريكان والعرب في منطقة الشرق الأوسط.

قاسم سليماني كان شخصا شديد الأهمية بالنسبة للإيرانيين، وقائد عسكري مهم، والعراق واقع بين مطرقة الولايات المتحدة الأمريكية وسندان الجمهورية الإيرانية، وكلاهما يتخذ من أرض العراق ساحة لحرب غير باردة بينهم، وصراع على خيرات العراق ونفطها.
جاء مقتل سليماني رداً مباشرا على اقتحام المتظاهرين العراقيين للسفارة الأمريكية في بغداد، وبعد تصريحات الخارجية الإيرانية بدعمها لموقف الاقتحام.
الخارجية الأمريكية أرسلت رسالة للخارجية الإيرانية عن طريق السفارة السويدية، بما معناه أن الولايات المتحدة تطلب من إيران أن يكون الرد على مقتل قائدهم العسكري في إطار أننا قتلنا شخص واحد فقط ولا داعي للتصعيد وإعطاء الأمر أكبر من حجمه!

وهل يعني هذا خوف الولايات المتحدة من ردة الفعل الإيرانية ؟!
إجابة هذا السؤال تتضمن عدة نقاط؛ ترامب اتخذ قرار قتل سليماني دون موافقة من مجلس الأمن القومي الأمريكي أو الكونجرس، وبالتالي يعتبر ذلك تصرفا فرديا منه قد يتحمل بشكل مباشر كل تبعاته. قد تلجأ إيران للانسحاب من الاتفاق النووي، وبالتالي زيادة تخصيب اليورانيوم، والولايات المتحدة ستكون تحت تهديد مباشر لكل قواعدها ومصالحها وبعثاتها الدبلوماسية وكذلك حليفتها الأهم إسرائيل في الشرق الأوسط، عن طريق الأذرع العسكرية المنتشرة لإيران في المنطقة كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والمرجع الشيعي في العراق ونظام الأسد في سوريا وأكثر من ذراع سياسي وعسكري في المنطقة وبالطبع لا نستبعد حركة حماس، وكذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قد أصبحوا في موقف شديد الحرج والخوف بسبب أفعال ترامب المتهورة واشعاله المستمر فتيل الأزمة السنية الشيعية التي تعتمد السعودية والإمارات فيها على الحماية والغطاء الأمريكي الذي ما يلبث أن يتخلى عنهما، وبالتالي فالولايات المتحدة تحاول أن تخمد النار التي اشعلها ترامب أو على الأقل تمثل أنها تفعل ذلك!
مصر محسوبة بشكل أو بأخر على التحالف السني الذي يضم السعودية والإمارات والامريكان ضد الإيرانيين في تحالف ليس لها ناقة ولا جمل فيه، فقط الخضوع للسياسة الأمريكية.
السؤال الأهم، ما هي نسبة وقوع حرب عالمية ثالثة؟
وفق توقعي، النسبة لا تتعدى 20 بالمئة! ذلك أيضاً خيط جديد من خيوط العام!

كل ما حدث في 2020 كان سيبدو لي أحداث عظيمة وكوارث لا يمكن تداركها وأوبئة تهز كيان الاقتصاد العالمي وحروب شريرة ومصائب جمة، غير أن ما حدث جعلني أنظر لكل ذلك بأنه كان هين يمكن تجاوزه بسهولة!

على وتيرة واحدة تزحزحت الأيام حتى خطط القدر ليوم الثاني والعشرين من شهر يناير/ كانون الثاني، تم إرسال بريد إلكتروني لجميع المديرين الماليين في فروع الشركة لإبلاغهم بموعد الاجتماع المزمع عقده بعد يومين من تاريخه، بفرع الشركة في مدينة الإسماعيلية، دون توضيح سبب وهدف الاجتماع، قبل ذلك بأيام كان العالم قد بدأ يتحدث عن ظهور نوع جديد من الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي ظهر في ولاية «ووهان» الصينية!

الصين كانت خيط أساسي من الخيوط التي نسجها العام 2020 إن لم تكن هي الخيط الأساسي، بين ليلة وضحاها اتجهت أنظار العالم إلى ما يحدث في هذا البلد المنغلق على ذاته، لكن الهواء والأخبار لا يمكن السيطرة عليهما في فضاء التكنولوجيا الحديثة والإعلام الاجتماعي، بدا الأمر طبيعياً في البداية، حتى أعلنت الصين في الحادي عشر من نفس الشهر عن وفاة أول حالة لما أطلق عليه «كورونا فيروس» في ولآية ووهان والذي كان شيء مجهول حتى حينه!

انتشر الذعر بعدما أعدمت الصين طبيباً من نفس الولاية كان قد صرح عبر حسابة الشخصي على شبكة الخيوط العنكبوتية أن فيروس خطير ربما تسرب من المعامل الكيميائية السرية في المدينة وقد يقضي على الأخضر واليابس، فأعدم الرجل بتهمة نشر أخبار كاذبة تدعو إلى بث الذعر والخوف في نفوس المواطنين!
وفي الأخير اعتذرت الصين لهذا الطبيب بعد شهور من اعدامه، لكن السيف قد سبق العزل!
انتشرت الأخبار والإشاعات والتسريبات والخرافات وأخيرا بعض الحقائق عما يحلق في الأفق، ويتطلع إليه العالم بترقب وخوف الانتظار وتطور المجهول، ولما للصين من باع طويل في ابتكار وانتشار الفيروسات على سطح الكرة الأرضية!

-انه عام الفأر المعدني!

في مصر والعالم العربي، حدث ولا حرج عما ينتشر بين الغوغاء وفي الفضاء الإلكتروني حول محاولة تفسير الأمر، انتشرت آلاف المقاطع المصورة للكلاب والفئران والحشرات وكل ما هو حي يرزق وكيف يأكلها الشعب الصيني، حتى الأجنة المجهضة، ضف إلى ذلك أطنان من السباب والشتائم لحفدة المغول، وكان في كل ذلك للأسف شيء من الحقيقة، لكن بالطبع ليست هي السبب الحقيقي وراء هذا الوباء الجديد!
تفسير آخر ظهر مع بواكير ما أطلق عليه وباء بعدها، يرى أنه عقاب لهذا البلد الظالم أهله بحق ما اقترفوه ب أقلية «الروهينجا» المسلمة من تعذيب وتنكيل واضطهاد وعنف لا يمكن وصفه، وانتشرت آلاف المقاطع المصورة أيضاً حول الأمر كانت في غاية القسوة والبربرية وكان في ذلك للأسف شيء من الحقيقة، لكن سرعان ما تلاشى هذا التفسير مع انتقال الوباء للدول الإسلامية، وإصابة حتى المسلمين الصينيين!

وصل الأمر على المنابر لتفسير الأمر على أنه غضب من الله قد أصاب المسلمين أنفسهم لهجرهم للعبادات وبعدهم عن الله كما صرخوا عبر مكبرات الصوت والعجيب أنهم أنفسهم أصحاب التفسير المناقض فيما سبق، كان ذلك قبيل قرار بغلق دور العبادة لأجل غير مسمى!

أمسى الجميع في حالة من التخبط والعشوائية واللامبالاة والتهوين من الأمر في بدايته، على جميع المستويات من الأفراد إلى المؤسسات فالدول!
وأعلن الموقف عصيانه عن كل تفسير، ووقف العلم عاجزاً تماما، رغم كل ما وصل له من تطور، كما لم يحدث من قبل، وأصبح مطالب أثناء سباق شرس أن يجيب على الكثير من الأسئلة العالقة في أذهان الجميع!
ما هو مصدر الفيروس الحقيقي، هل هي مؤامرة من الصين ضد الولايات المتحدة؟ لكن الولايات المتحدة باتت بعد حين أكثر الدول تضررا، ولو كان العكس لكانت نفس الإجابة، معكوسة!
هل ينتقل من الإنسان للإنسان، هل ينتقل عبر الحيوان، ما هي الأعراض، ما هو العلاج، كيف يتطور ويتحور، هل مصنع، أم ولد من رحم الطبيعة، متى سينتهي ؟!

- أين أنا من كل ذلك ؟

مستلقي في كرسي في صالة البيت ممسكاً بالهاتف، حيث الصالة محاطة بأربع غرف، البيت في شارع من مئات الشوارع في مدينة السادس من أكتوبر، مدينة السادس من أكتوبر هي مدينة واحدة في محافظة واحدة من سبعة وعشرين محافظة من محافظات جمهورية مصر العربية، جمهورية مصر العربية، دولة من ثمانية وخمسين من دول قارة أفريقيا، قارة أفريقيا، واحدة من سبع قارات في العالم الذي يحوي أكثر من مئتي دولة تشمل ما يقارب من ثمانية مليار نسمة، تلك الدول تقع بين جبال وأودية وأنهار وبحار ومحيطات بها ملايين من الكائنات الحية والغير حية على كوكب الأرض، كوكب الأرض يقع بين ثمانية كواكب في المجموعة الشمسية، المجموعة الشمسية تقع في مجرة درب التبانة التي تحتوي على مائة بليون كوكب، مجرة درب التبانة هي مجرة من بين مائة الى مائتان مليار مجرة مرئية، المجرات المرئية هي المكون للكون الفسيح اللامتناهي، الكون قد يكون جزء صغير من أكوان عديدة وكل ذلك يقع تحت السماء الأولى...!!
أين أنا، أين أنت، أين نحن ؟
هل لا زلت موجود أمام هاتفك، هل تشعر بأنك تتضاءل وتتلاشى ؟
في الحقيقة أنت على الكرة الأرضية مثل الفيروس غير المرئي في الكون، ثم يأتيك فيروس غير مرئي يثير الرعب بين جوانبك!
هل تعتقد أن الإله ثائر وغاضب منك ويعاقبك في وسط كل ذلك ؟
هل تظن أن الإله الذي يحرك كل هذا، ربما قد انشغل عنك وسط هذا الزحام ؟
هل تظن أنه قد انشغل عن الجميع وأين هذا الجميع ؟

،،مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا،،

الإله يا صديقي لا يشغله شيء عن شيء ولا مخلوق عن آخر، أنت فقط تظن الكون يدور حولك وأنك بداية الكون ونهايته!
«ما السماوات السبع في الكرسي، إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي، كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة»

«وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ»

فقط تمسك بروحك النابضة باليقين وإياك وتسرب الشك إليها.

-الشك لم يأت بعد!

في هذا اليوم الذي أرسل فيه البريد الإلكتروني لتحديد موعد الاجتماع، كانت الصين قد أعلنت رسمياً عن انتشار سلالة جديدة من كورونا فيروس، مؤديًا لوفاة أكثر من ثمانين شخصًا، وإصابة أكثر من ألفين آخرين، وتناثرت أخبار عن خروج المرض خارج الولاية الموبوءة، وأخذت الأوضاع منحى جديداً كلياً!
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.