ميرنا أشرف♕

Share to Social Media

جالسة أمام نافذتها، تتطلع إلى القمر بحبور جميل، جاءت إلى ذهنها فكرة راودتها عن نص قصير تكتبه، فتحَت صفحتها على ذلك التطبيق المسمى «فيسبوك» وهي تلتهم بعينيها ما يظهَر على الشاشة الصغيرة، حتى وقعَت عيناها على كلمة «نشر لتحديث الحالة»، ضغطت عليها بسرعة وبدأت بالكتابة:
«أشاروا إلّي وقالوا هناك .. تجلس معقدة في عالمٍ كالهلاك
ترتدي الأسود وفوقه الحجاب .. والجو حار يكاد لا يطُاق
تظن أنها بفعلها تكون عظيمة .. وفي الحقيقة هي ليسَت إلا ذليلة
أسيرة لمعتقدات نعدُّها غريبةو.. وبالاسم هذه هي الشريعة
فأشرتُ لنفسي وقلتُ :
أنا حقًا ذليلةٌ أسيرة .. ولكن ليس لإنسان بل لخالق الإنسان
أرتدي الحجاب والجو حار .. كأن نيرانه وصلَت للسحاب
وأنتم ترتدون ما لَذ لكم وطاب .. ولكن في النهاية أنا مَن ستنال الثواب وحُلو الجزاء»
ضغطَت نشر وأغلقَت الهاتف، دخلَت إلى فراشها فالوقت في الساعة أعلن عن الواحدة بعد منتصف الليل ولديها جامعة غدًا.
أشرقَت شمس يوم جديد وأميرتنا لديها يوم حافل في الجامعة.
أريام: يا ﷲ أكاد أختنق، ما كل هذه المحاضرات!
ديمة: إهئ إهئ لقد تعبت وأريد الذهاب إلى بيتي والنوم.
ثم اعتدلَت فجأة صارخة: صحيح أريام!، ما أخبار ذلك الذي نشرتيه البارحة؟! إنه رائع جدًا جدًا أعجبني حقاًا، مبدعة أنتِ طول عمرك .
أريام: كفى لقد أخجلتني.
ثم أمسكَت بهاتفها وفتحَت صفحتها وعند ذاك لمعَت عينيها فما قرأته كان مبهجًا لها.
كان تعليق على منشورها، من شخص ليس صديق عندها، طلبَت منها ديمة قراءته وكان يقول:
«أشاروا إليها وقالوا رأيتهَا؟! وحيدة كالبدر ينير وجهها
ترتدي الأسود وفوقه تاجها .. ولا تنتظر من الدنيا إلا أميرها
وفي الآخرة تنتظر هديةً من ربها .. فقد صانت نفسها بذاك الذي يسمونه عديم المنفعة
بالنسبة إليهم ليس إلا حجاب .. ولكن عندها هو أمر ربها
أميرةٌ هي بحجابها وفاسق مَن يحاول التقليل من شأنها»
ديمة بهيام: يا ﷲ ما أجمل كلام هذا الشاب، دعينا نرى صفحته، فقد يكون كاتبًا مثلكِ ونتابعه.
لم تنته ديمة من حديثها حتى قطع عليهما صوت وصول رسالة إلى أريام على صفحتها، فتحَتها متسائلة واتسعَت عيناها دهشة، فصاحب الرسالة ليس إلا ذلك الوسيم صاحب التعليق.
كان يطلب تعارفًا إذ أعجبه ما تكتبه، لم تعرف حقًا ماذا دهاها لترد على رسالته بـ«مرحبًا»، هي التي لم ترد على أي من رسائل التعارف التي تصلها يوميًا؛ ز ينت لها نفسها هذا الخطأ فوقعَت فيه دون إرادة منها ولكن هذا لا يشفع لها.
- أنا مالك، 22 سنة. وأنتِ؟
= أريام، 21 سنة.
مر الوقت عليهما في الحديث كأنهما كانا يعرفان بعضهما منذ الصغر، جاء موعد المحاضرة الأخيرة فاستأذنته أريام وأغلقَت هاتفها وذهبت مع صديقتها.
في المساء أرادت فتح حسابها قليلًا وفور فتحها وجدته نشطًا، يا ﷲ كان في بالها، أرسل إليها فور رؤيته علامة نشاط حسابها.
- كيف حالكِ أريام؟
= بخير مالك والحمد لله، وأنتَ؟
- بخير، كيف كان يومكِ؟
= جيد.. صحيح لم تخُبرني، ماذا تدرس وما هو عملك؟ هل تعمل؟
- أنا فارس يا عزيزتي.
= فارس!
- هل سمعتِ عن الفروسية؟ فرسان الخيل؟
= أجل، هااااا لا تقل أنك منهم؟!
مالك بفخر: نعم، أنا حقًا فارس.
مر بهما الوقت في الحديث، كان يحدثها عن عمله بفخر وهي تستمع إليه بحبور.
= مالك! حدثني عن الفروسية، أراك مفتخرًا بها جدًا.
- لكِ ذلك، الفروسية عند العرب هي فن ركوب الخيل، ولا تقتصر فقط على مهارة الفارس في ثباته على ظهر الحصان، بل تشمل جانبًا معنويًا حيث يتمثل في روح الفروسية بقدر ما يحمله هذا المفهوم من قيم وأخلاق، تُعلم الفارس قوة الشخصية، والحزم والاحترام.
ألم تسمعي عن قول سيدنا عمر بن الخطاب «علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل»؟
= بلى ،يا ﷲ! لك الحق في افتخارك، رياضة سامية وأنتَ حقًا أهلٌ لها.
توطدت علاقتهما بمرور الأيام، بالأول تعارفا على أساس الصداقة ولكن اقتحم عالمهما زائر لطيف، زار الحب قلبيهما وتربع على عرشها، أحبا بعضهما بجنون، لم يكن يمر عليهما بضع ساعات إلا وكان الشوق قد بلغ منهما ما بلغ.
حدثته أريام عن حياتها، دراستها وحلمها، هواياتها وشغفها بالكتابة. وحدثها هو عن نفسه، عمله وهواياته، وما يحب في هذه الحياة، صارا شخصًا واحدًا ما يصيبه يصيبها والعكس بينهما صحيح.
أمر غريب، أليس كذلك؟! شابان تعارفا عن طريق الإنترنت، لا يعرف أحدهما الآخر ولم يتقابلا إلا مرةً واحدة، ولكن على الرغم من ذلك لم يمنعهما هذا بأن يعشقا بعضهما.
هو كان عصبي المزاج وهي باردة الأعصاب، هي حنونة وهو عندما يغضب لا يرى أحدًا أمامه، تراه بطلها ويراها طفلته المجنونة، يتشاركان في كثير من الأشياء وتوجد أيضًا بعض الاختلافات، ولكن في النهاية هما متحابان.
وفي يوم وبينما كانت أريام تقرأ قصة، إذ تقع عينيها على عبارة جمدت الدماء في عروقها «الحب الحرام لا يدوم طويلًا ، فـﷲ لا يحب أن يتعلق قلب عبده بأح د غيره، وقتها يذيقه ألم الحرمان، حتى يعود العبد إلى ربه ويستجدي عطفه فهو العطوف الكريم، وإن كان الحب الحرام في الأنظار كالجنة فالحب الحلال هو أعلى درجات هذه الجنة».
أثرت هذه العبارة في أريام كثيرًا، هي تحب مالك بجنون وواثقة بأنه يبادلها هذا الحب بل ربما أكثر، ارتدت ثياب الصلاة، وبكل طاقتها وعزمها وولعها أمسَت تناجي ربها، «ربي اغفر لي ذنبي وضعفي واستهتاري بتعاليمك على الرغم من علمي بها، كان قلبي ضعيفًا أمامه يا ﷲ، ولكن حبك في قلبي أكبر، ربي لا تعاقبني بحرماني منه، راضية أنا بعقابك يا رب ولكني أعلم الناس بكرمك، ربي قوّني وكن معي فأنت أعلم بما في قلبي».
أنهت دعاءها وهي ترتجف وتكفكف دموعها، ثم أمسكَت بهاتفها عازمةً وضع نهاية لما يحدث من حرام حتى وإن كان صعبًا عليها، وجدته غير متصل فأرسلَت إليه..
= مالك، أنت أكثر الناس علمًا بمدى حبي لك، ولكن علاقتنا محرمة وليس بيدي شيء، لا أستطيع التمادي في هذه العلاقة لأنني كلما تماديت زاد العقاب الذي سيقع عليّ .
اعذرني ولكن أبتغيك لي حلالًا، سأنتظرك وسأطلبك من ﷲ كل ليلة، أنت تعرف عنواني ورقم هاتف والدي، إن تريدني حقًا مالك فلتأت وتطلبني من أبي، ضع لعلاقتنا عنوانًا يرتضيه الله، لن أستطيع مواجهتك؛ أخاف أن أضعف ثانيةً. في حفظ الله مالكي، فليهبك الله من خيراته الكثير.
أغلقَت الحساب وعزمَت على عدم فتحه ثانية كي لا تراودها نفسها لتحدثه، تلك النفس الأمارة دائمًا بالسوء.
مرت الأيام عليها وهي تشعر أنها وحيدة، ألم الفراق صعبُ التحمل حقًا، تشتاق إليه بشدة، تكاد تموت قلقًا عليه، كيف هو الآن؟ هل ما زال يفتعل المشاكل كل مدة؟ هل يواجه مشاكل في عمله؟ كثير وكثير من الأسئلة، ولكن لا إجابة!
مرت عليها عشرة أيام كأنها عشر سنوات، وفي اليوم الحادي عشر طلب منها والدها بأن ترافقه إلى مكان ما، وافقَت على مضض فلم تكن تريد الخروج ولكن لا يجوز أن ترفض لوالدها طلبًا.. ذهبا إلى مقهى مشهور عندهم، طلب منها الوالد أن تجلس قليلًا وهو قادم، جلست تنظر حولها بتململ حتى شعرت بأحدهم يجذب الكرسي الذي بجانبها ويجلس عليه، رفعت عينيها تهم بالصراخ عليه ولكن تجمدت الحروف في حلقها، رباه كم اشتاقت إليه! هو بجانبها، حَلمَُت به البارحة واليوم تجده أمامها!
نظرت إليه ولم تنطق وهو كذلك لم يستطع الكلام ولا حتى رفع عينيه عنها، لا تزال كما هي مُذ رآها أول مرة، لم تتغير اللهم إلا عيناها بداخلها شوق يكاد أن يفيض.
كانت هي الأسرع بتمالكُ نفسها، فنهضت بسرعة وقالت له وعيناها في الأرض: ماذا تفعل هنا مالك؟! قم الآن، فوالدي هنا وقد يراك في أي لحظة، ثم إن هذا لا يجوز.
رفعت رأسها وأردفت بتساؤل: لحظة واحدة، كيف عرفت أنني هنا الآن؟!
أشار إليها مالك بالصمت، ثم نهض وأعطى إشارةً للنادل فانبعثت فورًا موسيقى ناعمة مع كلمات من الأنشودة التي تعشقها.
«غمضي أرجوكِ لحظة.. غمضت والقلب داب
كل دقة منه خايفة .. تنتهي القصة بغياب
افتحي عينيكِ الجميلة .. فتّحت شافت إيديها
لابسة دبلة وحاجة فيها كان جواب
الخميس الجاي جايلك .. اجهزي كتب الكتاب»
انتهت الكلمات وانطفأت الموسيقى، ترقرت الدموع في عينيها ونظرت إليه برجاء، فأشار إلى الطاولة بجوارهما وقال: ليس حلمًا صغيرتي، كما تقول الأنشودة تمامًا، انظري إلى الطاولة لنرَ إن كان على مقاسكِ، ويوم الخميس هو موعدنا، قابلتُ والدك وأنا مَن طلبتُ إليه أن يأتي بكِ إلى هنا.
أشار بيده إلى نقطة ما خلفها وأردف: انظري إلى هناك! ها هو ذا والدك بالقرب منا، طلبت منه أن أقابلك هنا وتكون هذه بمثابة الرؤية الشرعية المطلوبة، فقط بضعة أيام وستكونين لي أمام الناس وﷲ، انتظريني حُلوتي فموعد اجتماعنا قريب.
غادر المكان وسط نظراتها المذهولة، شاهدت الخاتم الذي أمامها وعلى الرغم من ذلك لم تصدق نفسها، جاء والدها فاحتضنته خجلة، فاليوم تحققت أمانيها جميعها!
عادت إلى المنزل ومن فورها أسرعت إلى سجادة الصلاة لترسل إلى ربها شكرها.
أصبحَت تعد الأيام حتى جاء يومها الموعود، إنه الخميس، اليوم ستكُتبَ على اسم حبيبها، جاء الوقت المحدد وأتى أبوها لاصطحابها وطلب منها التوقيع على العقد، وقّعت وانطلقت الزغاريد فرحةً بالعروس الجميلة ومعلنةً بدخول العريس.
دخل مالك إلى الغرفة فلم يكن يرى أمامه سوى حوريته الجميلة وهي تكاد تحترق من الخجل بسبب نظراته وهمسات الجميع حولهما، اقترب منها ودون سابق إنذار التقطها في حضنه ودار بها في أنحاء الغرفة، خرج الجميع مبتسمين لهذين العاشقين، أنزلها ونظر إلى عينيها صامتّا.
مرت بضع دقائق عليهما وهما على هذه الحال حتى قطعَت أريام الصمت، إذ نظرَت إلى عينَي مالك قائلة ً بنبرة ملوئها العشق:
= لا يعشق الخيل إلا مَن يشابهها، في عزتها، وقوتها، وعنادها، وسرعة غضبها،
وأنتَ حصاني العربي الذي أفخر بامتلاكه.
فضمها إلى صدره قائلًا : وأنتِ! أنتِ يا أريام حياتي، ملجئي وإنعاشي وقلبيَ النابض، أنتِ مُهرتي العربية.
وضعَت أريام يدها على فمه وقالت: لا تنادني باسمي، نادني بصُدفتي الجميلة، يا قدري ويا معجزتي، وفي الختام .. يا أنا.

تمت بحمد ﷲ
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.