أنا "ملك " مصرية ولدت عام 1903أريد أن أحكي لكم قصة أسرتي و التي عاشت في أوائل القرن العشرين و التي ساهمت بشكل فعال في تغيير أحوال المرأة المصرية و تحسين أوضاعها ككثير من الأسر المصرية المخلصة كما راقبت تغير الأحوال الإقتصادية و السياسية في مصر و بداية صعود الإخوان المسلمين و كيف تحولوا من جماعة تدعو إلي التمسك بمظاهر الدين إلي جماعة تسفك دماء المسلمين حتي ثورة 1952 .
والدي هو الأستاذ فؤاد الشرقاوي و قد كان شابا طويلا أسمر في العشرينات من عمره ملامحه دقيقة و عينيه بنية يشع منها العلم و الثقافة و الخلق الرفيع و شعره أسود و له شارب رفيع و يعمل كمدرس في مدرسة الجمالية بالقاهرة القديمة , تتميز الجمالية بالتراث المعماري الإسلامي البديع ففيها يقع جامع الـأزهر الشريف و الذي حوله صلاح الدين الأيوبي من المذهب الشيعي للدولة الفاطمية التي احتلت مصر إلي المذهب السني وكذلك يحتوي علي مسجدي الأقمر و الأزهر اللذين يمثلان المذهب الشيعي كما يحوي الآثار الفاطمية و الأيوبية و المملوكية و العثمانية و يعتبر هذا الحي هو قلب مصر النابض بالعروبة حيث إبتلعت مصر كل هذه الثقافات الوافدة علينا و لم تؤثر فينا فلم نتحول للمذهب الشيعي كما لم نتحدث لغتهم .
عاش أبي في هذا المكان الذي طالما جعله يشعر بالأصالة والإعتزاز بكونه مصريا ففي شوارع الجمالية تجد مختلف الجنسيات من العرب و الفلسطنيين و اللبنانين بل و الأجانب الذين هاجروا من بلادهم متأثرين " بألف ليلة وليلة " باحثين عن سحر الشرق أو الفارين من بلادهم بسبب الحروب مستغلين التسامح الديني في مصر مع الأجانب و كانوا يفتتحون حوانيت للبقالة أو بيع الذهب و كان اليهود من مختلف الجنسيات مسيطرون علي محلات بيع الذهب ووكالات بيع الأقمشة وكان المصريون يشترون منهم و يبيعون لهم دون أدني غضاضة في ذلك .
و كان والدي مدرسا و مترجما و ملما باللغات الانجليزية و الفرنسية قارئا للكتب القديمة منها و الحديثة و المترجمة بالإضافة إلي حفظه القرآن الكريم في كتاب قريتهم واستغل نتاج هذه المعارف في محاربة العادات القديمة البالية و ظل بجواري حتي أصبحت مدرسة و صاحبة مدرسة و ظل بجوار أختي حتي أصبحت شاعرة .
و آمن والدي ككثير من المصريين المخلصيين بضرورة تعليم الفتيات و إعطائهم نفس حقوق الرجال في العمل و التعليم مستمدا ذلك من القرآن الكريم و سنة رسوله و ليس تقليدا أعمي للغرب كغيره من وجهاء مصر من الرجال و النساء كما آمن بضرورة أن تحكم مصر من خلال البرلمان و الدستور لا من خلال الملكية المستبدة .
أما جدي الحاج حسن الشرقاوي كان من الاقطاعيين و لم يكن متعلما و كان ضخم الجثة ذو شارب و شعر أبيض له صوت غليظ و جهوري و عينان كبيرتان كأنهما يسبحان في كهف عميق يرتدي الكثير من الخواتم الذهبية و يحمل ساعة ذهبية سويسرية الصنع ذات كاتينة طويلة و كان يحتفظ بها في جيب السديري الخاص به الذي كان يلبسه تحت الجلباب و يظهرها دائما أمام الناس لمعرفة الوقت للتفاخر حيث لم يكن يمتلكها سوي الأثرياء فقط أما عامة الشعب فكانوا يتميزون بالفقر الشديد و كانت الثروة بيد الإقطاعيين و الأتراك و الأجانب و كان همه الأكبر هو جمع المال و الأراضي و لهذا فقد أراد أن يخطب رقية ابنه عم والدي إليه لمجرد أنها غنية .
إلا أن والدي رفض وقال :
- إنني أريد أن أتزوج من إمرأة متعلمة لها عقل و التي يمكنني أن أتناقش معها في الموضوعات المختلفة و لا أريد أن أتزوج إمرأة جاهلة مثل رقية كل ما تهتم به هو المطبخ والأولاد لمجرد أنها غنية فأشعر و كأنني قد تزوجت من جماد.
و هنا صاح جدي غاضبا و قد تكورت عيناه و إحمرت و انتفخت أوداجه و قال :
- إن المرأة التي تريد أن تتزوجها ستكون أقرب إلي الرجال منها إلي النساء . إن النساء يصلحن فقط إلي الخدمة و التمتع بهن فقط .
و لقد صعقت عندما سألت جارتي مدام سوزان الفرنسية عن أحوال المرأة في أوروبا و قالت :
- إن المرأة في أوروبا ليس لها نفس الراتب الذي يتقاضاه الرجل و كذلك لا يرثون نهائيا كما أن الجامعات ترفضهن كطالبات و يرفضهن البرلمان كمرشحين و كانوا لا يتعلمون الكتابة و يوقعون بحرف "إكيس" بدلا من أسمائهم و إنما يتعلمون القراءة فقط من أجل قراءة الإنجيل إن تعلموا أساسا .
و لقد إعتقدت قبل ذلك أن المرأة في أوروبا تتمتع بالكثير من الحرية لما رأيتهن يخرجن إلي الشوارع بفساتين ملونة و قبعات أنيقة تظهر شعورهن في حين تخرج نساءنا مرتديات النقاب و الملابس الطويلة ذات اللون الاسود كما يمكن للرجال أن يحتفظن بخليلات لهم بالرغم من زواجهم مدعين أنها حرية و لكن حرية الغرب هي حرية الدعارة و الانحلال فقط و ليست حرية التعليم و العمل للمرأة و أصبح جليا أن المجتمع الأوروبي كان يعامل المرأة و كأنها دمية الرجل التي يجب أن يدللها ليستمتع بها فقط و لم يكن الرجل يتعامل معها كبشر و لهذا فقد حاربت الجامعة ماري كوري العالمة الفرنسية المشهورة عندما إلتحقت بالجامعة في فرنسا و إعتبرتها الجامعة إمرأة مسترجلة و التي تريد أن تشغل مناصب الرجال .
و هنا أدركت أن المراة مظلومة في الغرب و الشرق و أن الإختلاف الوحيد هو في اللغة و البلد و الأسلوب ففي الشرق تظلم المرأة علنا , أما في الغرب فتظلم المرأة بأسلوب مستتر حيث تعامل و كأنها دمية أو وسيلة للترفية و الإستمتاع سواء بأسلوب شرعي أو غير شرعي و ليست بشر و لكنني أدركت أيضا أن التغيير ممكن . و أعطاني و الدي الأمل بأن هذا التغيير ممكن كما سنري .
*******
كانت المرة الاولي التي رأي فيها والدي و الدتي عندما دعي خالي والدي إلي منزله و هناك رأي والدتي صفية و التي أحبها منذ النظرة الأولي فقد كانت والدتي تمتلك وجها هادئا و جميلا مثل وجه إحدي الشخصيات الرومانسية في أحد الروايات القديمة فقد كانت بيضاء ذات عيون لامعة جميلة لإمرأة متعلمة يختلط فيها الأخضر و البني و كأنها مزيج بين الشرق و الغرب . كما تعلمت اللغة العربية و الفرنسية و العزف علي البيانو و إعتاد خالي أن يشاركها العزف و أن يأخذها إلي الحدائق و المكتبات العامة معه . هذا بالإضافة إلي مكتبة جدي الخاصة و التي كانت تحتوي علي الكثير من الكتب في كل المجالات و خاصة الدين الإسلامي .
و كان جدي لوالدتي مختلفا تماما عن جدي الحاج حسن الشرقاوي لانه آمن بضرورة تغيير المجتمع من خلال تغيير عقلية الأسرة المصرية و التي تشكل عقلية الأجيال الصاعدة و أن الإحتلال إنما تمكن من الشرق عندما نسي المسلمون دينهم و شعروا بدناءتهم أمام الغرب و أصبحوا مقلدين لا مبدعين و مستوردين لا منتجين و نسوا أن الدنيا لمن عمل و إجتهد أكثر و ليس لمن صلي و صام و حج أكثر و إلا لكان المسلمون أكثر أهل الأرض تطورا .
قد تاثر بالشيخ رفاعة الطهطاوي و الذي قال :
- إن النساء يمكنهن أن يقمن بما يمكن ان يقوم به الرجال وفقا لقدراتهم و مواهبهم.
و تأثر كذلك بالشيخ محمد عبده و الذي قال :
- إن الأسرة هي اللبنة التي تبني الأمة و عندما يكون الرجل و المرأة اللذان يكونان الأمة متساويان في الحقوق و الواجبات كما هما متساويان في العقل و الشعور فإن هذه الأمة ستكون الأحسن . إن الرجال اللذين يحاولون بظلم نسائهم أن يكونوا سادة في بيوتهم إنما يلدون عبيدا لغيرهم.
و تكررت زيارات والدي إلي منزل خالي حتي تمكن أخيرا من الحديث مع والدتي و التي كانت تقرأ كتابا لقاسم أمين( ) و عنوان الكتاب المرأة الجديدة ( ) .
و سأل والدي أمي :
- هل تحبين ما يكتبه قاسم أمين ؟
أجابت والدتي و هي تنظر إلي الأرض :
- نعم كثيرا .
سألها والدي :
- لم ؟ .
أجابت و هي لا تزال تنظر إلي الأرض :
- لأنه يحترم إنسانية المرأة و يريد المرأة أن تتعلم و تشارك في صنع المجتمع و أنا لا أفهم لم يحاول البعض أن يحاربوه.
سأل والدي :
- هل تري أن المرأة يمكن أن تعمل أيضا ؟
- نعم فلقد أخبرني والدي أن المرأة في أيام الرسول كانت طبيبة ومعلمة و محاربة مثل " نسيبة بنت كعب الأنصارية " التي كانت تدافع عن الرسول (ص) حينما انفض عنه الرجال في معركة أحد و السيدة
" سكينة " التي كانت تحكم بين الشعراء في موسم الحج حين يأتون من كل بقاع الأرض و " خولة بنت الأزور " التي أنقذت أخيها من أسر الروم بمفردها بعد أن تنكرت في زي محارب .
و كان قلب والدي يقفز بداخله حيث أنه وجد أخيرا المرأة التي كان يبحث عنها فبجانب جمالها كانت ذكية أيضا ففجأها والدي و سألها :
- صفية هل تقبلين الزواج بي ؟
تحول وجه والدتي إلي اللون الأحمر و جرت مسرعة إلي غرفتها و عندما تحدث والدي إلي خالي قال له :
- أنا لن أجد عريسا أفضل منك لأختي و لكن كما تعلم يجب أن يأتي والدك معك و يطلبها من والدي .
قال والدي :
- بالطبع . في أقرب وقت ممكن .
و ذهب والدي إلي جدي مسرعا و أخبره بكل شئ عن والدتي إلا أنه رفض رفضا شنيعا حيث أرغي و أزبد و إنتفخ بحيث لم تعد هناك أي آثار لملامح وجهه حيث لم تكن والدتي غنية كما كانت متعلمة مما جعله يعتقد أنها ستكون مغرورة و صعبة القيادة.
قال والدي :
- إذا لم تسمح لي بالزواج منها فإنني لن أتزوج مطلقا لبقية حياتي و سأسافر إلي فرنسا لأكمل دراستي هناك و أعمل و لن أعود مطلقا إلي القاهرة .
قال جدي في غضب :
- هل تهددني ؟ حسنا فلتخرج من بيتي و لا تعد إليه مطلقا .
جمع والدي ملابسه و ترك المنزل ففكرت جدتي في حيلة ذكية لإرجاعه و جعل جدي يوافق علي زواجه من والدتي فطلبت من والدي الإختباء بعيدا عن المنزل و الوكالة لمدة شهر و كانت تعطيه هي المال بدون إخبار جدي ثم ذهبت إليه تبكي و تصرخ قائلة:
- لقد أرسل فؤاد تليغراف يقول فيه أنه سيسافر اليوم إلي فرنسا من خلال ميناء الأسكندرية و أنه لن يعود إلي مصر مجددا . إنه إبنك و يحبك و لا يستطيع الزواج برقية فهي مثل أخته و أنت لا تريد له الزواج منها فيعيش الإثنين في عذاب طوال حياتهما .إننا نزوج أولادنا ليجلبوا السعادة لنا و لأنفسهم لا لكي يعيشوا في تعاسة .
بدأ جدي يشعر بالقلق و قال :
- " حسنا هيا بنا نحضره من الميناء لدينا القليل من الوقت .
ثم رحل جدي إلي الأسكندرية ليحضر والدي من ميناءها حسبما خططت جدتي و بالفعل وجد جدي والدي واقفا هناك في الميناء في إنتظار سفينته فذهب جدي إليه قائلا :
- فؤاد هل أنت مجنون لتتركني و تترك والدتك و تسافر ؟ إنها ستموت لو فعلت ذلك .
رد والدي :
- أنا آسفا حقا و لكنني لا أستطيع الحياة بدون صفية فسوف يذكرني كل شئ في مصر بها .
قال جدي :
- حسنا سوف أتركك تتزوجها . إنك عنيد مثل أباك . ثم ضحك عاليا .
قال والدي و هو يكاد يطير من السعادة :
- شكرا لك يا والدي .
ثم قبل يده و تركا الميناء معا إلي القاهرة .
و بعد عدة أشهر تزوج والدي في حفل كبير دعا إليه جدي المغنيين و الراقصين فخرجت النساء من المشربيات يطلقن زغاريد الفرح و يلقون بالورود علي المدعويين و يقدمن الشربات في أكواب من الكريستال المزخرفة بالورود و الزخارف العربية البديعة علي صواني نحاسية و فضية ذات الزخارف الفرعونية و شعر الجميع بالسعادة ما عدا جدي حسن و الذي لم يرد هذا الزواج .
و عندما وصلا إلي منزلهما بالقاهرة إقترب فؤاد من صفية و قال لها :
- إن هذا اليوم هو أسعد يوم في حياتي أنا لا أصدق أنك واقفة معي الآن .إنني أشعر و كأن القمر نزل من السماء ووقف أمامي . كم أنت جميلة يا صفية .
تحول وجه صفية إلي اللون الأحمر و نظرت إلي الأرض .
أكمل فؤاد:
- إنني أعدك يا صفية أنني سأعاملك وفقا لكتاب الله و سنة رسوله و أن لا تري أو تسمعي مني ما يغضبك.
قالت صفية و هي مازالت تنظر إلي الأرض في حياء:
- لقد حلمت دوما أن أتزوج رجلا مثلك . أنت أفضل من أبطال القصص الرومانسية التي كنت أقرؤها .
حاول فؤاد أن يقبلها إلا أنها رفضت و صرخت بوجهه و قالت محذرة :
- فؤاد إنك رجل محترم و أنا لا أريد أن أكرهك فلا تفعل ذلك مجددا .
أصابت فؤاد دهشة شديدة حيث لم يتوقع ذلك و أدرك أن والدتها لم تخبرها أي شئ عن ليلة الزفاف و قال :
- حسنا أنا لن أفعل هذا مجددا . ما رأيك في أن نستمع لبعض الموسيقي أثناء تناولنا للعشاء فلقد أحضرت لنا والدتك بطة و حمام محشي وصنوف لا تحصي من الطعام و الفاكهة .
قالت صفية :
- حسنا . هيا لنتناول الطعام .
قام فؤاد بتشغيل الجرامافون و وضع إسطوانة " أحلام شهرذاد " إلا أنها لم تكن أحلامها فقط بل كانت أحلامه أيضا و التي كاد أن يخسر والده و أسرته من أجلها و ظل ينظر إليها طوال العشاء و هي تقطع الطعام إلي قطع صغيرة و تضعها في فمه الصغير و بعد أن تناولت الطعام تثاءبت و نامت بينما مشي فؤاد علي أطراف أصابعه و تركها لتنام علي حين نام هو في الغرفة الأخري و كان ما فعلته صفية في هذا الوقت يعد عيبا يمكن أن يقتلها أبوها بسببه لأنه يوحي حسب تقاليد المجتمع إما بعدم الطاعة للزوج أو بأنها فتاة غير عذراء.
حيث كانت تقضي العادة بفض بكارة البنت و الأهل مازالوا موجودين بالخارج و عرض المنديل الملطخ بالدماء علي الاقارب إلا أن والدي رفض ذلك و اعتبرها وحشية و قلة أدب و تذكر جارته ذات ال 13 عاما التي إنتحرت ليلة الدخلة و القت بنفسها من الشرفة خوفا من زوجها عندما أراد فعل ذلك .
في الصباح جاءت والدة صفية لتهنئها و أحضرت معها الحلويات و الفاكهة و كل ما يحتاجه البيت بعد أن هنأت فؤاد ذهبت إلي حجرة صفية لتهنئها .
قالت و هي توقظها :
- صفية إستيقظي إن الوقت متأخر . لقد أشرقت الشمس منذ مدة طويلة و يبدو أنك إستيقظتي طوال الليلة الماضية . هيا أخبريني ماذا حدث ؟
قالت صفية لوالدتها في براءة :
- لن تصدقي يا والدتي لقد حاول فؤاد أن يقبلني لقد إعتقدت أنه إنسان مهذب و لكن لسوء الحظ هو ليس كذلك . يجب أن تتحدثي معه بهذا الشأن .
أصيبت والدتها بالدهشة و قالت بغضب :
- هل أنت مجنونة ؟ إنه زوجك و لديه كامل الحق في أن يفعل ذلك . هل أنت غبية ؟ إن هذا هو ما يفعله كل رجل مع زوجته . لا تعانديه و أطيعيه و أحمدي الله أنه لم يضربك أو ظن بك الظنون . هل تسمعينني ؟
لم تستوعب صفية ما سمعته و لكن الأم أدركت الموقف قائلة :
- يا إبنتي أنا لم أخطئ تربيتك إني أثق بك و في حسن خلقك و لكن عليك الآن أن تصغي إلي جيدا إنك الآن تبدأين الحياة التي خلقك الله من أجلها أنت لزوجك و زوجك لك ..
نظرت صفية إلي والدتها بنظرات تحمل عدم الفهم و عدم الإستيعاب و وعدت أمها بطاعة زوجها و الخوف و الحرج يتملكانها .
ذهبت والدة صفية معتذرة إلي فؤاد و قالت :
- أنا آسفة يا فؤاد لما فعلته صفية بالأمس فهي لا تزال صغيرة و لا تعرف الكثير من الأشياء عن الزواج . في الحقيقة هذا خطأي لأنني لم أخبرها أي شئ عن ليلة الزفاف و .................
قال فؤاد :
- لا تعتذري . فأنا لست غاضبا منها . فأنا أعلم أنها مازالت صغيرة و أنها ليست معتادة أن تعيش مع رجل غريب عنها .
نظرت إليه شاكرة وقالت :
- أنت رجل طيب يا فؤاد . فليباركك الله و يرزقك بالذرية الصالحة .
رد فؤاد :
- شكرا لك يا والدتي .
- يجب أن أذهب لأعد الغذاء أوصيك خيرا بصفية .
ثم إستدارت إلي صفية قائلة :
- كما أخبرتك كوني مطيعة .
فأومأت صفية برأسها بالموافقة و ظلت صامتة .
استدار فؤاد إلي صفية بحنان و هو يطمئنها قائلا :
- لا تقلقي يا صفية فلن يحدث شئ إلا برضاكي كما أنني أشعر أيضا بالحرج فأنا لم أنفرد بإمرأة غريبة عني طوال حياتي . هيا لنأكل لقد أحضرت والدتك لنا الكثير من الأطعمة يبدو أنها طباخة ماهرة .
إبتسمت صفية و عندما بدأت تأكل طرق الحاج حسن و زوجته الباب ففتح فؤاد الباب و دعاهم للدخول ثم قبل أيديهم ثم طلب منهم أن يتناولوا معهم الطعام .
صرخ الحاج حسن و الذي لم يكن راضيا ن هذه الزيجة وقال مستنكرا :
- ما هذا ؟
سأل فؤاد بسرعة و قد أصابه الفزع :
- ماذا حدث يا والدي ؟
رد الحاج حسن بغضب :
- كيف تأكل مع زوجتك علي نفس المنضدة ؟ كيف يمكن أن تحترمك بعد ذلك ؟ كيف سيهابك أطفالك و يطيعوك ؟
طلب فؤاد من صفية أن تذهب إلي غرفتها ثم قال لوالده في أدب :
- إجلس يا والدي هل هناك من هو أفضل من سيدنا محمد صلي الله عليه و سلم ؟
أجاب الحاج حسن :
- بالطبع لا و لكن ماذا تقصد ؟
قال فؤاد :
- لقد أخبرنا الرسول صلي الله عليه و سلم أن نعامل زوجاتنا بالمعروف و لا نسئ معاملتهن قط و قال :" خيركم خيركم لأهله و أنا خيركم لأهلي" .
و إلا سنكون ظالمين و معتدين و نستحق العقاب من الله كما أنه كان يأكل مع زوجاته بل و يضع الطعام في فمهن و عندما غارت أحد أمهات المؤمنين و كسرت طبقا لم يغضب و لم يضربها و لم يرسلها إلي بيت أبيها و لكن قام و جمع أجزاء الطبق و رماها و إبتسم قائلا غارت أمكم .
قال الحاج حسن في إستياء :
- ماذا هل تتهمني بالظلم ؟ يالك من ولد قليل الأدب .لن أدخل منزلك مجددا .
رد فؤاد :
- العفو يا والدي . أنا لم أقصد ذلك . كل ما قصدته هو أن تعرف أن إبنك رجل و لن يفعل أي شئ يقلل من شأنه .
صمت الحاج حسن و لم يستطع الرد ثم قال :
- علي أي حال كل ما أردت أن أفعله هو أن أراك رجلا محترما في منزلك خذ هذا المال إنه" نقوطك "
رد فؤاد :
- شكرا لك يا والدي فليباركك الله . سأنادي صفية .
وعندما جاءت صفية شكرت كل من الحاج حسن و زوجته علي هداياهم حيث أعطتها والدته 4 غوايش من الذهب عيار واحد و عشرين و أعطاها الحاج حسن 40 جنيها نقوط و التي كانت بمثابة ثروة كبيرة في ذلك الوقت ثم رحلا متمنين لهم أن يرزقهم الله بالذرية الصالحة .
في إمتننان نظرت صفية إلي فؤاد و قالت :
- شكرا لك يا فؤاد لو كان كل الرجال مثلك لتغير حال المرأة في مصر و في العالم كله .
ثم سألها فؤاد :
- و الآن يا صفية أين تريدين أن تقضي شهر العسل ؟ إننا نمتلك ثروة الآن بهذا النقوط في الاسكندرية لنستمتع بالبحر و نشاهد السنيما أم في الأقصر لنركب بالونا لرؤية الآثار القديمة ؟
قالت صفية في حماس:
- الاثنين معا . فؤاد إنني أحبك . ثم إحتضنته .
سأل فؤاد :
- ماذا قلت ؟ إنه تتطور كبير .
قالت صفية :
- لا تحرجني يا فؤاد سأذهب لأجهز حقائبي .
و في صباح اليوم التالي ركبا القطار المتجة إلي الأسكندرية في حين ظل فؤاد ممسكا بيد صفية في حب و حنان بعد أن سمحت له صفية بذلك بعد محاولات عدة وأخذا ينظران إلي المناظر الخلابة حيث أشجار النخيل الأحمر و الأسود و الأصفر وجناين الكروم المتسلقة و التي تتدلي منها عناقيد العنب كحبات اللؤلؤ البنفسجي و الاصفر و شجيرات المانجو بأنواعها المختلفة و ألوانها المتعددة مخلفة صورة بديعة من الألوان لا يقدر أشهر الفنانين علي رسم صورة بهذا الإبداع .
توقف القطار بمحطة الاسكندرية التي كانت تعج بالأجانب و المصريين و الصعايدة و البشر من كل حدب وصوب و استقلا العربة التي تجرها الخيول حتي لوكاندة " كليوباترا " علي شاطئ الاسكندرية و التي كانت مزينة من الخارج بأعمدة علي شكل زهرة اللوتس و سلالم رخامية و بهو واسع بديع النقوش كما كانت الجدران تحوي نقوشا فرعونية لفتيات مصريات يعزفن علي الناي و الطبلة و الآلات الوترية . حجز فؤاد غرفة مطلة علي البحر ليستمتع بجمال نسيمه و أمواجه وكان يشعر أن البحر سعيدا من أجله و أن كل ما علي الشاطئ و في السماء من طيور وكواكب ونجوم فرحين من أجله فلقد كان ذلك أول إنتصار له علي التقاليد البالية مما جعله يؤمن بأنه سيكون هناك إنتصارات أخري له وللوطن .
و بعد العصر نزل فؤاد و صفية إلي الشاطئ و قد أحسا بالجوع فرأيا مطعم لرجل يوناني و لكنه يتحدث العربية كأنه مصري فاقترحت صفية تناول السمك بمطعمه وافق فؤاد علي الفور و بعد قليل وجدته صفية يصلي العصر فسألت فؤاد :
- كيف يصلي هذا الرجل صلاة المسلمين و هو يوناني الأصل ؟
- سوف أسأله بعد أن ينهي صلاته .
و بعد أن أنهي الرجل صلاته سلم عليه فؤاد و أخبره أنه عريس جديد و قد جاء إلي الأسكندرية مع زوجته لقضاء شهر العسل و يريد أن يتعرف عليه هو وزوجته بعد أن لفت نظره أنه يصلي بالرغم من كونه أجنبي . ضحك الرجل و ذهب معه إلي صفية و سلم عليها و جلس إلي جانب فؤاد . سألته صفية هل أنت مسلم أبا عند جد فرد قائلا:
- لا . لقد كنت مسيحيا في بلدي اليونان ثم قررت السفر إلي مصر مع بعض أقاربي و كانت أول مرة أستمع فيها إلي الآذان الذي أعجبني بالرغم من عدم معرفتي بما يعنيه و أحسست بأنني فارغ من الداخل كما إنشرح قلبي له ودمعت عيناي و لكنني أخفيت الأمر عن أهلي و بعد أن إستقريت بمصر بدأت أسأل شيخ الجامع عن الإسلام و قد أعجبت بالإسلام أيما إعجاب ثم أسلمت و طلبت منه أن يدلني علي أناس طيبون أتزوج منهم و بالفعل تزوجت مصرية مسلمة لدي من الأبناء ستة الآن .
سألت صفية :
- وماذا عن أهلك ؟ هل وافقوا ؟
- بالطبع لا و أخذوني إلي القسيس الذي إعتقد أنني ممسوس من الجن و أخذ يتلو علي آيات من الإنجيل ويرش علي وجهي ماء مبارك عليه تراتيل . إلا أنني ناقشته و لم يستطع الرد .
سأل فؤاد :
- ماذا قلت له ؟
- قلت أن المسيح كان قد إنتخب إلاها في مجمع نيقيا كما إتفق القساوسة علي الأناجيل التي سوف يعترفون بها و ذلك بعد عبادة الله لمدة طويلة و إعتبار المسيح رسولا و ليس إله من قبل الأريسييين كما أن الإنجيل الوحيد الصحيح هو إنجيل" برناباه "و الذي أخفاه القساوسة من أجل السلطة و المال اللذان كانا سيحصلان عليها من الملوك الأوروبيين .
- و ماذا قال ؟
- سألني ما الذي أعجبك في الإسلام؟
- بساطة تعليماته و خلوها من التعقيد و الاساطير الاغريقية و كذلك عدم وجود نصوص مخلة بالآداب به بحيث يستطيع أي إنسان قراءته دون حرج إبتداءا من الطفل حتي الشيخ . كما أن المسلمين لم يقتلوا بعض كما المسيحيين بسبب إختلاف المذهب كما فعل المسيحيون في القرون الوسطي حيث سفكوا دماء بعضهم البعض بسبب إختلاف المذهب .
هنا أحس القسيس بأنه لا فائدة مني و قال لهم إتركوه و لسوف يلقي من عذاب الرب ما لا يطيق و لكنني لم أواجه أي عذاب و تزوجت و أنجبت ستة من الأبناء و وطدت علاقتي بإخوتي و مازلت أتبادل معهم الزيارات .
هنا جاء النادل بطبق السمك المشوي و الأرز و السلطة فتمني لهم الرجل شهية جيدة و تركهم يتناولون طعامهم متمنيا لهم السعادة و أن يرزقهم الله بالأطفال . وبعد قضاء أسبوع في الأسكندرية و التنزة في حدائقها الرائعة و شوارعها و شواطئها البديعة ركبا القطار إلي الأقصر وأسوان للإستمتاع برؤية الآثار و لكن ليس سيرا علي الأقدام و لكن من خلال المنطاد و كذلك فعل غيرهم من الأجانب الذين كانوا يرتدون البدل و القبعات أما نساءهم فكانوا يرتدون الفساتين الملونة و القبعات المطرزة بشرائط من الستان الملون و الريش و الورود أيضا .