حينما أنظر لعينيكَ أشعر وكأنني تجرعتُ من الخمرِ كؤوسًا، فلا أستطيع أن أبعد بنظري عنك ولا حتى الالتفات، وعندما تبتعد عني حينها أشعرُ وكأنني أُصبتُ بالهَلَع؛ لِـشعوري أنني على حافةِ الهاوية، فرجاءًا لا تتبعد، فهل تبتعد الروحُ عن الجسد إلّا عندما تُنْزَع حين الموت؟ فرجاءًا لا تُعَجِّل بنزع الروح قبل الموت الأبدي؛ فأحيا بجسدٍ دون روْح، وتصبحُ الحياةُ روتينيةً مُرَّة بشكل مُبالَغ فيه، كَـسجين حُكِمَ عليه بالإعدامِ شنقًا وينتظر التنفيذ دون أدنى مبالاة للذي هو مُقدِم عليه.
الـمـلاك الـهـائِـم
عندما تُخذَل من قِبِلِ الجميع، وتتراكم أحزانُك، ويكاد عقلُك ينفجِر مِن كثرة ما به مِن كِتمان، وتشعُر أنك هامِش في حياة الجميع، ولا أحد بجانبِك، حتى الذي وعدك بالبقاء وعدم التخلي،
تشعُر وكأنك كالتائِه لا تشعُر ولا تُبالي لشيء، وذلك من أسوأ الشعور الذي يشعُر به الآدميّ.
الـمـلاك الـهـائِـم
ويحسدونَك على مأواك ولا يعلمون أنَّه شوكٌ يُغرَسُ في أضلُعِكَ كلما ازددتَ انكماشًا فيه، ويحسدونَك على مَا لديكَ مِن أصدقاءٍ، ولا يعلمون أنَّهم زائِفون، وأنَّك وحيدٌ دائِمًا ولا يوجد سوى اللّٰه، وفي الدنيا الخراب حولك، ويحسدونَك على ما لَك مِن عائلة وهم أيتام، ولا يعلمون أنَّك تتألم بسببهم، وأنهم ليسوا بِسندٍ على الإطلاق، إنهم فقط يرون الظاهر، بل الأصح، ما تُحاوِل أنتَ إظهارَه أمام الجميع، ليس فقط لأنك لا تريد نظرات العطف والشفقة مِن مَن هُم خُلِقوا مِثلَك ومِن نفس الشيء؛ بل لِأنك قويٌ والأقوياء هُم عن اللّغوِ مُعرِضون.
الـمـلاك الـهـائِـم
أُصاب كثيرًا بطعناتٍ معنوية؛ تُسبب لي انكسارًا بقلبيّ وتليها روحي، لم أكن أعلم يومًا مصدر تلك الطعناتِ قط، وكلما أُصاب بإحداهن أركُض لِسكني ومأمني، صديقي الوحيد، الذي لطالما اعتبرتَه نصفي الآخر وجزءً مِن روحي، لم أكن أتوقع يومًا ولو حتى يأتي بخيالي أنه سبب كل تلك الانكسارات والطعناتِ غدرًا بظهري، لطالما اعتبرتَهُ سندي وأسميته على هاتفي بالسند، أيُعقَل أن العمود الفقري يكسر ذاتُه؟ تتسائلون كيف عَلِمت! يا لها مِن سُخرية حقًا، هو مَن أوضَح ذلك في خِلافنا الأخير، بأنني بأي حق أُرزَق بما ليس عنده، ويرى أنَّه أحَقّ بما أُرزَق، ولا يعلم ماذا أخذ الله بدلًا عن ما أُرزَق به كما يقول هو، أهكذا تكون الصداقة حقًا! تبًا لتلك العلاقة، إذن إن كان جميع مَن يدخلوها يُعانون فيها هكذا ويُطعَنوا غدرًا، ومنذ تِلك الحادثة لا أقول غير: رأيتُ فيكَ الأمان وكنتَ الطرف الخائِن الطاعِن غدرًا.
الـمـلاك الـهـائِـم
نحن الآن في زمن صعب، زمن لا تستحي الفتاة أن تقول أنها مرتبطة بهذا وذاك، أو تُصاحِب من البنين هذا وذاك، في حين أن إخوانِنا وأخواتِنا في البلاد العربية الأخرى تُعاني من الاحتلال، وأن أبسط حقوقهُم لا يُمارسونها، منذُ زمن، كانت تستحي الفتاة أن تقول إنها صادفت أحد أبناء الجيران او أي شخصٍ كان ورفعت نظرَها لهُ، أعلمُ أنَّ لكلِ زمنٍ حياة مختلفة، وحكايات خاصة بهِ، وإن قلتُ ذلك لأي فتى أو فتاة لقالوا: زمنُنا غير زمنِكم، بالطبعِ أعلمُ ذلك، ولكن هل الانحدارُ الديني والأخلاقي له علاقة باختلافِ الأزمانِ أو التطور التكنولوجي الذي نُعاصِرهُ الآن؟
حقًا نحن زمن العجائِب، نحن الذين نُعاصِر الزمن الذى قيل عنه «أنَّ القابض على دينه، كالقابِض على الجمر» اعلموا دينكم؛ لأن هذا ما سينفعَكم يوم لا نفعٌ فيهِ لا حُبٌ، ولا أهلٌ، ولا صُحبةٌ، ولا مالٌ، ولا بنون.
الـمـلاك الـهـائِـم