أيام قاسية، لا تسهو عني ولا تلهى عني لاهية، فهي كالحجارة الساقطة في بحر المياة المالحة، بأسرع من البرق فسرعتها خاطفة، تستعملني كدمية... دمية الماريونيت، لا خيار لها في شيء بل هي تنفذ الأشياء دائمًا دون رأي، لا تحسب ولا تخطط بل، كل ما تستعمله فقط تنفيذ الأوامر كحمار هائم يسير بين الطرائق، ليس لسيره عائق، ولكنه حتمًا ينفذ الأوامر، جعل الآخرين يستعلمونه كدمية لا قيمة لها كي يحققوا ما أرادوا وعندما يأخذون ما أرادوا يتناسوا ما أردت فتذكر أنك قد سمحت لهم من قبل استخدامك كلعبة ماريونيت.
اهتز المنبه معلنًا عن الساعة السادسة صباحًا.
لتنهض "نسيم" بتأفف لتغلقه بعيونٍ حمراءٍ منتفخةٍ أثر البكاء ليلة أمس بل هي أصبحت عادتها مُنذ بداية دراستها بجامعتها، فهي تدرس بكلية الآداب فرقة ثالثة، "نسيم" فتاة متفوقة في دراستها مُنذُ صِغرها، هي الأخت الوسطى لأخواتها.
نهضت من فراشها وهي تنظر لباب الغرفة وهي تبدأ بالاستعداد لمواجهة تلك الحرب اليومية مُنذ التحاقها بجامعتها وتنمر عائلتها عليها وإحباطها بشتى الطرق، ولكنها فتاةٌ قوية أمامهم وأمام الجميع؛ حتى لا يأخذون ضعفها نقطةً لصالحهم، وفي الليل حين تنفرد بذاتها وتجلس بمفردها تبدأ دوامة الانهيار الليلية الخاصة بها.
نهضت "نسيم" وأخيرًا وقامت بفتح باب غرفتها والخروج وإلقاء التحية على والدتها.
نسيم: صباح الخير أمي.
والدتها بسخرية: صباح النور، لماذا أول من يستيقظ في المنزل أنتِ؟ أها لقد تذكرت، لتلتحقي بالدكتوراه، لترفعي رؤوسنا بها، أتظنين أن هذه الجامعة هي التي سترفعي رؤوسنا بها أيتها البلهاء! لقد اخطأتِ، استفيقي من ذاك والوهم وعودي إلى واقعك.
نسيم: أمي، إذا أصبح العالم أجمع أطباء فكيف ستُقضى باقي المهام؟ كيف سنُكمل بعضنا البعض؟
والدتها: لم نأخذ من تلك الجامعة غير سلاطة لسانكِ والتمتمة بذاك الكلام المثقف، حديثُكِ هذا لن يُغير من واقعكِ، عندما تُنهي دراستكِ ماذا ستفعلين؟ ستذهبين للمنازل للتدريس للطلاب؟ ستعملين في مدرسة ليس لها أي قيمة؟ لن أستطيع التباهي بكِ، ستضعين رأسي في الأرض.
تسنيم: أنهيتِ حديثُكِ أمي؟
والدتها: نعم أنهيته، لن يُفيد الحديث إليكِ بشيء، لقد كسرتِ آمالي بكِ.
تسنيم: أستأذنكِ أمي، سأذهب لأستعد للذهاب لجامعتي.
لتنتهي تسنيم وتذهب إلى جامعتها وفي طريقها قابلت صديقتها "شيماء".
لتُلاحظ "شيماء" آثار الضيق على ملامح "تسنيم" لتسألها.
شيماء: ماذا بكِ رفيقتي، أصابكِ شيء؟
تسنيم: لم يُصيبني غير كلمات أمي القاسية التي اعتدتُ عليها.
شيماء: لقد اعتدتِ عليه أليس كذلك؟ إذًا لا تُفكري بهِ وأكملي مسيرتكِ، أنتِ تُحبين جامعتكِ فلا تسمحي لبعض الكلمات بتكسير عزيمتكِ.
لتبتسم "تسنيم" وتشرد بأفكارها بعيدًا وتسأل نفسها هل هي على خطأ في اختيارها للجامعة التي تُحبها وسعيها خلف أحلامها؟ هل جميع الكليات غير الطب والهندسة وصمة عار لصاحبها وليس لها أي قيمة في مجتمعنا؟ هل المعلم ليس له أي قيمة في المجتمع؟ ولكنَّ هُناكَ جزءًا آخر مقتنع بأن المعلم له القيمة العُليا في المجتمع ولولا المعلم لمَ تخرَّج الطبيب والمهندس والعالم وغيرهما.
إياكَ أن تترك عقلكَ كالدمية بين يديّ أحد يفعل به كما يشاء ويُحركه أينما أراد، أنتَ من تختار طريقكَ لنفسك وتسعى خلف حُلمك التي لطالما حلمت به، أنتَ من تتخذ قراراتك لنفسكَ ولا تنتظر من أحد رأي، لقد خلقنا الله لنُخطيء ونتعلم، لنقع وننهض من جديد، لننهض ونُكمل سعي لأحلامنا وكأنً شيئًا لم يكن.