Zajelpublishing

Share to Social Media

صدر لها رواية "ملامح روح" 2016 وهي رواية رومانسية اجتماعية، "هلاوس ما بعد منتصف الليل" 2017 كتاب ساخر، رواية "أفعى العرش" 2019 فانتاريا تاريخية و‏رواية "أورنيلا" ٢٠٢٠ فانتازيا تاريخية وهي الجزء الثاني من أفعى العرش، ‏رواية "الضلع السابع" ٢٠٢١ هي رواية اجتماعية نفسية تناقش العنف وتأثيره في التنشئة الاجتماعية، ‏وأخيرًا "تزوجت ساديًّا" إصدار ٢٠٢٢ وهي رواية اجتماعية نفسية تناقش مرض الساديّة وتعرض رحلة إعادة التأهيل لضحية زوج مريض بالسادية.


15 يونيو 2019
عزيزي ميم:
لابد أنك تقول الآن ما سر هذه العودة بعد الغياب الطويل، أو لعلك تسأل عن سر الغياب ذاته.
سوف أخبرك بكل شيء فور حصولي على عناق طويل يشبع جوعي إليك. ستندهش عندما أخبرك أن حياتي انقلبت رأسًا على عقب، أو بالأدق تم إعادة ضبطها بعد المعاناة لسنوات. وكأن هناك جنية طيبة قد أشارت بعصاها السحرية فعاد كل شيء لمساره الصحيح.
تركت ذلك المكان الذي تسكن في كل ركن من أركانه ذكرى موجعة وانتقلت لبيت جديد، وَعدتُ نفسي أن أصنع في كل ركن منه ذكرى حلوة تربت على ندبات ذاكرتي.
أتذكر حينما أخبرتك أنني في يوم ما سوف أخرج كتبي من الصناديق والخزانة لأضعهم في مكان يليق بقيمتهم لدي؟
لقد صنعت لهم بيتًا في الزاوية المجاورة للنافذة بكل حب ورتبتهم بكل تقدير واعتبرت هذا المكان ملاذي، أجلس أمامهم لأكتب، وألتقط الصور أمامهم لتظهر سعادتي بهم في عيني.
حَصُلتُ على وظيفة جديدة أيضًا، أنهض باكرًا على غير عادتي لألحق بها، تراني الشمس وتقبل وجنتي، لا زلتُ أقاوم فوبيا الخروج فأختبر نفسي من وقت لآخر، لم تعد الأعراض بنفس الحدة، أشعر أنني سوف أعود قريبًا فراشة كما كنت، أحلق دون خوف وأحقق البند الثالث على قائمة أهدافي للثلاثين، فأخرج في جولة حاملة حقيبة ظهري والكاميرا لأدون رحلتي فيما بعد وأريك العالم كما أراه أنا.
أنا سعيدة.. أكاد لا أصدق نفسي وأنا أكتب ذلك، أصبحت أُغنِّي أثناء العمل والراحة، لا أبالي بدهشة الناس ونظراتهم المستنكرة وأنا أهمس: "قلبي سعيد وياك يا حياتي"
ميم.. أنا أحب.. يا إلهي! أرغب بأن أصرخ بها، أنا أحب!
أحبه وأحبك.. لن تصدق لكني أصبحت أحب الحياة أيضًا، سوف أحكي لك عنه لكني في حاجة إلى كوب من القهوة سأعده وأعود لك.

16 يونيو 2019
عزيزي ميم... نسيت إكمال الخطاب وخرجت لزيارة قبر جارتنا، حدثتها عن علاقتنا الغريبة، لم تبدُ متحمسة لسماع ذلك، حينما سألتها ألم يثِر حديثي فضولك؟
ابتسمت وقالت بهدوء: في المرة الأخيرة التي أثار فيها رجل فضولي تزوجته ولازلت أندم على ذلك، الفضول قاتل يا صغيرتي.
بدأت أقتنع بحديث جارتنا المرحومة، كونها ميتة لا ينفي حكمتها، وكوني أنصت لآراء الموتى لا يثبت فقداني للعقل.
مررت على قبر ياسمين أيضًا، لقد وعدتك ألا أبكي عندما أزورها وقد أوفيت بوعدي، ولا دمعة واحدة -سيلان الأنف لا يحتسب فهذا بكاء داخلي- كنت أحب لمعة عينيها عندما تقرأ المُسوَّدة الأولى لروايتي، وحماسها عندما تتحدث عن الأبطال والأحداث كأنها تراهم، كنت أراهم في عينيها أيضًا فأعود لتعديلها تبعًا للأضواء التي سلطتها على الزوايا المعتمة. الآن عندما أنتهي من الكتابة أترك المسودة لشهور، أنساها وأنتظر لعل ياسمين تحدثني، عندما أفقد الأمل وأدرك أن ذلك المرض الخبيث قد اختطفها تحت أنظار كل أحبائها، أعود لأقرأ. أحاول أن أنظر بعينها وأقرأ بصوتها وأعدلها كما كانت تتمنى أن أفعل، فقد قطعت وعدًا لها أنني لن أتوقف عن الكتابة، هل أخبرتك أنني كتبت لهم جميعًا إهداءً على أولى صفحات روايتي الأولى المحببة لقلبي، لقد أصبح هذا الإهداء مقبرة جماعية تضم كل أحبائي الراحلين، جدي، جدتي، ياسمين، ماهر وبابا لكنني عجزت عن وضع اسمك. لماذا عجزت عن وضع اسمك؟!
ميم، كنت قد وعدتك أن أكتب لك وأتحدث عنه، هو، الرجل الذي استطاع سرقة قلبي بعدك، أشعر بالحرج بعد كتابة الجملة السابقة، لأنني لطالما أكدتُ على أنني أغلقت قلبي عليك، وأنه لن يستطيع أي شخص مهما كان أن يقتحمه، يبدو أنني قد تركت بابًا من غير إقفال لأن هناك من تسلل خِفية وسكنه، حتى أنني تفاجأت به منذ أسابيع قليلة وهو يفتح مصاريع النوافذ وينظف الشرفات. أخبرتَني من قبل أن الحب يعيد للأماكن المهجورة بهجتها، واليوم أنا ألمس صدق جملتك، فهو مرح، ذكي، الحديث معه يشبه متعة لعب الشطرنج مع محترف، شبّك أصابعه في أصابعي وسار معي في طريق السعادة، أتعلم ما هو السبب الذي دفعني للموافقة والسماح له بوضع خاتمه في أصبعي؟
عانقتني عينه في كل مرة عاملته بقسوة لأبعده عني، كنت أسكنهما رغم حماقتي واندفاعي.. هاتفي يرن، سأجيب وأعود لك.
ميم.. في هذه اللحظة أكتب إليك رغم أنه لا رغبة لي بالكتابة بل أرغب بالقتل، أتمنى لو كانت حروفي طلقات، لكنت صوبتها على رأسه، قلبه، وبين ساقيه، وراقبته وهو ينزف دماءه كما نزفت أملي.
الهاتف يرن مجددًا، سوف ألف لساني حول رقبته حتى يلفظ أنفاسه وأعود لك.

17 يونيو 2019
ميم.. لقد صالحني، وأخبرني أنه يحبني فتحولت من لبؤة تريد انتزاع قلبه إلى قطة وديعة تتدلل على صاحبها.
منذ دخل حياتي وأنا أشعر بالارتباك، تهاجمني مشاعر مختلطة، نوبات غير مبررة من الحزن، فتدمع عيني، يتألم قلبي وتشتعل النيران به، صوتك فقط كان يطفئ جمر الحزن، لكنك رحلت إلى ذاك المكان الذي لا عودة منه تاركًا في داخلي نيرانًا أبدية.
حاول شخص بعدك أن يخفف ألمي فأحرقته، لقد نصحته بالابتعاد لكنه لم يكن ذكيًّا بالقدر الكافي ليدرك أن حربه خاسرة، كان أمله يضلله، أمل بإنقاذي من نفسي، حزني، وحبك الذي يدمرني، لكن أمله آلمه أكثر مما آلمته أنا فوقع بنفس الخطأ الذي أراد أن يخلصني منه، أصبح حبه لي يطارده كما يطاردني حبك. أخبروني أن القدر يتلاعب بالجميع، يمنح الأشخاص أشياءً لا يرغبون بها، حارمًا من يريدونها منها، فيحسد المحرومُ مَن يمتلك وتنتشر الكراهية.
أنا أحبك، لطالما أحببتك، صنعت لك قبرًا داخل قلبي بدلًا من ذاك الذي لا أعلم مكان وجوده، أزورك مرتين كل يوم، مرة لأبدأ بك يومي، وأخرى لأنهيه، ورغم عجز الجميع عن فهم ما أشعر به تجاهك إلا أنني لم أضعف وأستسلم لكلماتهم الجارحة، فالندبة التي تركتها برحيلك المفاجئ قبل زفافنا لا تسمح لي بالإحساس بألم آخر غيرها.
كل تلك الأشياء التي منحها القدرُ لي بعد رحيلك لم تعوضني عنك، لم تسد تلك الفجوة التي تركتها في قلبي، لم تسقِ عطش روحي التي أنهكتها الحاجة إليك، كل تلك الأشياء التي يحسدونني من أجلها تشعرني أني فقيرة، فقيرة جدًا لأنك لم تعد لي، لم تعد ملكي، كل ما أملكه منك ذكريات تُبكي العين، حب يعجز القلب عن الاحتفاظ به أو التخلص منه، أنا تائهة وكل تلك البوصلات في العالم لا قيمة لها لأنها تعجز عن إيصالي إليك.
لهذا السبب قررت ترك نفسي لعل مشاعره تجاهي تغمرني وتخفف آلام حبك، صدقت أنني أحب، أن بإمكاني الحياة دونك، لكنها كانت كذبة كبيرة حِكتُها ولم تكُن على مقاسي.
أغرقت دموعي الأوراق، سأذهب للبحث عن محارم أجفف بها عيني وأنفي، أما نزيف قلبي فسأتركه لعل دمائي تلطخ يديك وتشعرك بالذنب.


18 يونيو 2019
ميم.. لقد مزقت الجزء الأخير من الرسالة السابقة التي كتبتها لك منذ قليل، لا جدوى من سكب حزني على رأسك، لا جدوى للكتابة، أنا لست سعيدة وأنت لست هنا، قد أرحل أنا أيضًا قريبًا، لم يعد هناك داعٍ لبقائي.

19 يونيو 2019
عزيزي ميم.. حبيبي ميم.. أعتذر عن كل الكلام السيء الذي لا أتذكره، لقد ذكرني اندفاعي المعتاد بتلك المرة التي اختلفنا فيها وألقيت في وجهك كلامًا يحمل أشواكًا حادة، كنت غاضبة منك ومن أمي، كلاكما قمتما بابتزاز عاطفي كي أختار بينكما، كيف يمكن أن يختار الإنسان بين قطعتين من قلبه؟
أعلم أن موقف أمي من زواجنا قد أزعجك لكننا حصلنا على مباركة أبي رغم كل شيء وهذا يعني أننا فزنا في هذا الصراع فلِمَ تُصر على تكديري ناسيًا أنني أحبها رغم تعنتها وعِنْدها!
جلستُ أمامك بمكاننا المعهود أحمل فنجان قهوتي بيدي، وأحاول كتم دموعي التي سالت بعد أن قمت بسبك وأصبحت خاوية من الداخل، كنت تنظر لي عاقدًا ذراعيك على صدرك تنتظر أن تتوقف تروس عقلي عن الصرير، حينما اقتحم صوت فيروز عالمنا (هيدي أمي بتعتل همي.. منك أنت) فالتقت عينانا وضحكنا ثم قلت لي: "الله يقصف عمر أمك بدها تعيشنا أغاني فيروز"
انظر لنتيجة صراعنا؟
أنت رحلت وتبعك والدي بينما ظلت أمي تلومني على الحفاظ على ذكراك، أنا لا ألومها فهي لم تفهم يومًا علاقتنا ولا قدر حبي لك، أنت بالنسبة لها زفافًا لم يكتمل، لكنك بالنسبة لي زوجًا أنتظره بالآخرة.
بالأمس زرت قبر والدي وقرأت له الفاتحة ودعوت له ولك، فقبرك كان ولا زال دائمًا في قلبي، عزيزي ميم لك مني ثلاث قبلات وعناق طويل لعلك تنسى وتسامحني.

20 يونيو 2019
ميم.. بعد كل الأذى الذي لا زلت أحمله داخلي كنت قد عاهدت نفسي ألا أكتب لك مجددًا، ثم كتبت، أقسمت بحبك ألا أرسلها، وها أنا أخسر احترامي لذاتي -إن تبقى منه شيئًا- أنا حزينة ومتعبة، أدفن نفسي وسط مكتبتك، أسمح لدموعي الحبيسة أن تتحرر، هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها باليُتم، أنظر حولي فلا أرى أحدًا، أنا وحدي، لطالما كنت وحدي وسط الجميع، لكنني اليوم وحدي بالفعل، أمضيت الكثير من عمري أفعل الصواب، تماسكت حينما كان من المفترض أن أسقط، لطالما أخبرت نفسي، اصمدي.. عليكِ أن تتحلي بالقوة، الجميع حولك في حاجة لك، أنظر حولي الآن وأنا في أشد الحاجة لهم فلا أراهم.. لقد رحل الجميع، هل كان لهم وجود بالفعل أم أنه خُيل لي؟
أحتاج لزيارة أبي، لاحتضان قبره لعلي أحظى بربتة منه على ظهري.
هل أخبرتك أنني رأيت جدتي -رحمها الله- في الحلم اليوم؟ أتت مبتسمة ومدت لي يدها، كلما أراها في الحلم تمد لي يدها وتناديني لكي أرحل معها، أبتسم لها وأخبرها أنني سألحق بها فيما بعد، لا أعلم سر تمسكي بالبقاء هنا في كل مرة! رغم أنني أعلم أنها ستأخذنني لمكان أجمل وألطف.
أشعر بتحسن بعد الكتابة والدموع، أنا أنانية لأنني أكتب لك لأرتاح وأعكر صفو سلامك.
هذا صوت الباب سأرى من بالخارج وأعود لعلها جارتنا تحمل بين يديها طبق معجنات، فمنذ الصباح تهاجم أنفي رائحة المخبوزات.

لم تكن جارتنا، أقصد أنها أتت بعده، أو هو الذي سبقها.. لم يعد الأمر يهم. هذه المرة الأولى التي يدق بابي فيها، وسوف تكون الأخيرة أيضًا لأننا انفصلنا. لقد أراد الزواج بي سريعًا، أمسك يدي وأخبرني الكثير من الكلمات التي لم أنتبه لها عن الشوق، اللهفة وعدم القدرة على الانتظار، لكن الأمر الوحيد الذي ظل يشغل بالي وتحول لسؤال يصرخ في عقلي هو لماذا لا تؤثر لمسته في؟
لم تشعلني، لم أشعر بالجوع للمزيد منها!
هذا غريب؟
فنظرة منك كانت تفعل ذلك، تربكني وتشتت تركيزي وتجعلني أتوق للمسة.
عندما تلامست يدانا في المرة الأولى شعرت بشحنة من التيار الكهربي تنتقل من كفك لقلبي، ثم شعرت بقبضة تضغط على أسفل معدتي، أردت أن أرتمي بين ذراعيك فتطبقها عليّ لأستزيد من ذلك الاحساس المؤلم الجميل أو أن أركض لأهرب من المشاعر التي خلقتها لمستك لي.
لكن يدي بين يديه وها أنا أنصت لدقات قلبي فأجدها منتظمة ورتيبة، أنتظر ثورة مشاعري لكن هناك صمت مطبق.
كان ينتظر إجابتي بحماس، بينما أعيد أنا تأملَ ملامحه بعد اكتشاف مشاعري، إنه غريب، رجل غريب لا يثير داخلي مشاعرَ، لن أستطيع أن أعري روحي أمامه في حديث عميق وحميمي، فكيف أتزوجه؟!
همست بأنني لا أستطيع، لا أحبه، شعرت بصدمته وتراجعه، ثم خرج وأغلق الباب خلفه، وعندما دق الباب بعدها مجددًا وتوقعت أن أجده يطلب تفسيرًا، وجدت أمامي طبقًا من المعجنات تحمله جارتي بين يديها، فأعددنا الشاي وأكلنا وبكيت!
ميم.. يا وجعًا يقضم قلبي، أدفن الذكرى تلو الأخرى بالفراغ الذي تركته بعد رحيلك لعلها تملأه، أتمنى أن تُخرس الذكرياتُ أنينَ روحي، أتذكر كرهك للتصوير، ورفضك أن تجمعنا صورة قائلًا: "يرحل الأشخاص وتبقى أرواح أحبائهم معلقة بالصور"
لكنك كنت مخطئًا، فرغم عدم وجود صورة تجمعنا إلا أن روحي لازالت معلقة بك.
أتمنى لو أنني التقطت صورة لنا خلسة لعلها تطفئ جمر شوقي إليك، أتمنى لو لم ترحل، وإذا كان رحيلك أمر محتوم أتمنى لو رحلنا معًا.
أخبروني أن الحياة لا تتوقف عند رحيل أحد، حمقى.. إنها لم تتوقف عند رحيلك لأنها أصبحت تدور حولك، تدور بقوة، تصنع دوامة كبيرة، تقذف في وجهي ذكرياتنا، رائحتك، بسمتك وصوتك، لكنها لا ترميهم كاملين بل مبتورين، شظايا تدمي قلبي وتعجز روحي عن تجميعها، فتنزف حتى تبتلعني الدوامة، ثم تقذفني جسدًا دون روح. أخبرني صديقي أنني أشبه الوردة الذابلة، هربت لمعة عيني وفقد وجهي نضارته وأنه كلما رآني أراد أن يهزني لعله يعيد روحي إليّ، حقيقة أتمنى أن يفعل لعلها تغادرني دون رجعة وتلحق بك، فتضمها وتعوضها عن كل البرد الذي عانته بغيابك.
لقد أصبت بهوس التصوير بعدك، ألتقط الكثير من الصور لعلي أرى طيفك جانبي، أترك دائمًا مسافة فارغة بجواري.. هذه المسافة لك، سوف تظل دائمًا لك. غالبًا ما أضع يدي على قلبي عندما ألتقط صورة، أفعل هذا لأربت عليه وأخفف من حماسه لأنه دائمًا يتوقع حضورك. أبتسم متوقعة أن تقف بجواري، أنظر للصورة لا أجدك، أحاول مرة أخرى وأعاود الابتسام، لكن في كل مرة تتغيب بها، تخبو ابتسامتي حتى تتلاشى فأتوقف، وأهمس لقلبي: "لا تحزن لعله يأتي في المرة القادمة."
أرجوك تعالَ في المرة القادمة.
صوت جرس الباب، هذه كتبي الجديدة قد أحضرها مندوب الشحن سوف أتسلمها وأعود لأنهي هذا الخطاب الذي تكاثرت أوراقه حتى أنني أشك أن هناك ظرف سيحتويها.

11نوفمبر 2019
ميم يا هديتي ولعنتي وحبي الفريد، آسفة لأنني انقطعت عن الكتابة لك، لقد كانت تلك الشهور الماضية صعبة جدًا، الشفاء ثم الانتكاسة، الأمل الذي قُتل في مهده، كل ذلك يفوق قدرتي على التحمل، حتى أنني ابتعدت عن الجميع، وأبعدت من بقي حولي عني.
من المؤلم رؤية نظرات الشفقة في العيون التي كانت تنظر لي باعجاب أو حسد.
لا تشعر بالخوف فأنت تعلم أنني لست هشة لهذه الدرجة -راوغت الموت أربع مرات- لكنني أحافظ على ما تبقى من طاقتي لمواجهة الألم الجديد.
لم أفكر يومًا أنني سأستعذب الألم، لكن فكرة أن ما أشعر به الآن هو أخف وأرحم مما سوف أشعر به في المستقبل تجعلني أتقبله بحب ورضا، كلما شعرت أنني ابتعدت كثيرًا عن محيطي وأن ذلك سوف يفتح مجالًا لطرح الكثير من الأسئلة أنهض، أختار ثيابي بدقة، أخفي شحوب وجهي بأدوات التجميل وألتقط لنفسي عشرات الصور مع ابتسامة لطيفة هادئة، أختار بعضها وأنشره فيطمئن الجميع إلا هو..
إنه يعرف أن العلاقة بين صوري وألمي طردية، كلما زادت صوري وابتساماتي كلما كان الألم أشد فتكًا، يراسلني، يصر على سماع صوتي، فأستسلم وأحادثه. أنا أكره المكالمات الهاتفية، ليس لدي صبر، كما أن عقلي يعمل أسرع من لساني الذي يعجز عن ملاحقة كل تلك الكلمات التي تفوهت بها داخله، فيخرج كلامي المنطوق مشتتًا محملًا بما استطاع التقاطه من حديث عقلي السريع.
أنا امرأة تجيد كتابة الرسائل لأن سرعة يدها تواكب سرعة تفكيرها، فتخرج نصوصُها منظمة ومفهومة، امرأة كان يظنها كاملة حتى اكتشف الخدعة، المرض الذي طمع في جسدها فسكنه رافضًا أن يغادر، امرأة كانت تتمنى أن تنظر للمرآة يومًا فترى سيدة عجوزًا يطل المكر من عينيها، تسكن الحكمة شفتيها، وتحتفظ بقليل من جمالها، هذا إن سمح لي هذا المرض اللعين أن أتجاوز عقدي الثالث. تداهمني نوبات الألم فأتلوى، ثم أحدث نفسي قائلة: "إن كان من المحتم أن أتلوى فليكن رقصًا لا ألمًا."
بعد دقائق من المحاولة أنسى، كل شيء قابل لنسيان حتى الألم. هذا ما أخبره لنفسي، ثم أهمس سرًا حتى لا تسمعني أذني "أنا لا أود أن أنسى".
عزيزي ميم.. لن أنقطع عن الكتابة مجددًا -مرر هذه الكذبة من أجلي- ستصلك كل رسائلي ملتصقة ببعضها كخيباتي المتتالية، لعل عيد ميلادي القادم يكون أفضل مما مضى، ولعلني أستلم هدية من شخص آخر يهتم بي ولا أضطر لأطلب كتبًا مجددًا وأدعي أنها مرسلة من محب مجهول.

زوجتك مع إيقاف التنفيذ،
حبيبتك وصديقتك المضطربة نفسيًّا
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.