اليوم صفر
قوةُ الشَّك
"إذا كنتَ تُصدِّقُ كلَّ ما تقرأ... لا تقرأ"
- أنيس منصور
اليوم صفر
أولُ خطوةٍ لتغيير حياتك هي أن تُعيدَ النظرَ في أفكارك، وفيما تعلَّمتَهُ من المدرسة، وتطرحَ الأسئلة التالية:
- هل كلُّ ما تعلَّمتهُ إلى الحدِّ الآن صحيح؟
- هل كلُّ المعلومات التي تمَّ شحني بها في المدرسة قابلةٌ للتطبيق؟ أم هي مجرَّد معرفةٍ نظرية تُعطينا مفاتيحَ قديمةً غيرَ صالحة لحلِّ المشاكل الحديثة؟
خصِّصْ يومَك الأول من رحلة السبعين يومًا فقط للتَّشكيك في كلِّ ما تعلَّمتَهُ سابقًا؛ بهذه الطريقة ستُساعدُ نفسَك على التخلُّص من وهْم المعرفة، وتنتقل إلى المعرفة الحقيقية.
"العدوُّ الحقيقي للمعرفةِ ليس الجهل؛ ولكنْ وهمُ المعرفة"
- ستيفن هاوكينج
تُسمى هذه التقنيةُ بإستراتيجيةِ التخليةِ قبلَ التحْلية، بمعنى عملية الإزالة والحذْف قبلَ عملية الإضافة. لكي تضيف شيئًا جديدًا إلى حياتك لا بدَّ من أن تحذفَ شيئًا قديمًا.
تطبيق:
مُهمتُك لليوم، أخذُ ورقةٍ وقلم، والذهاب إلى مكان هادئ، وكتابة أفكارِك الحالية. اكتُبْ كلَّ ما يجُول في خاطرك، وانتقدْهُ، واسألْ نفسك: هل أفكاري تمْضي بي نحوَ الأمام؟
أمْ ترجعُ بي إلى الوراء؟ اكتبْ جميعَ أفكارك السَّلبية. مزِّقْ ورقةَ الوهم، وابدأ من الصِّفر.
اليوم 2
قوةُ الامْتنان
"يحصل الموتى على الزهور أكثر من الأحياء، لأن الندم أقوى من الامتنان. "
-آن فرانك
لطالما تساءلتُ لماذا لا نُقدر قيمة الأشياء إلا بعد فُقدانها؟ و لماذا لا نبكي على الأحبة إلى بعد فقدانهم؟ أعتقد أن مقولة الكاتبة آن فرانك قدمت لنا جوابًا دقيقًا لهذه الأسئلة، فالسبب من وراء تقديرنا للنعم بعد فقدانها هو أن مشاعر الندم على خسارة الشيء تكُون بطبيعتها أقوى من مشاعر الامتنان لوجوده، لهذا السبب يجبُ علينا تقدير النعم و الاعتراف بها قبل زوالها،
هل فكرت يومًا أن تكون ممتنًا لأسنانك التي لا تؤلمك فتهتم بها؟ أم هل ستنتظر إلى غاية وجعها لكي تندم على عدم تنظيفها؟
الامتنان بخلاف الشكر، هو ما يجعلك تكون مستعدا للتعبير عنه عمليا أكثر من التعبير عاطفيا، ولذلك لا يكفي فقط أن تشكر الله على نعمة الصحة، لكن يجب أن تعبر على هذا الشكر بالامتنان الذي سيجعلُك تعتني بها، بالرياضة و الأكل السليم.
الامتنان له أثر إيجابي على صحَّتك النفسية، فكلما ازدادَ امتنانُك، للأشياءِ البسيطة التي تملكُها كلما زادَك اللهُ نعَمًا أكثر، أو كما قال عزَّ وجلَّ:
" وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ "
خطوتُك الثانية -عزيزي وعزيزتي-: أنْ تأخذ ورقة وقلمًا إلى مكانٍ هادئ، وتكتُبَ عشْرَ نعَمٍ منَّ اللهُ عليك بها، امتنانُك للقليل الذي عندَك سيجذبُ لك الكثير، وسيفتحُ قلبَك لاستقبال المزيد من السَّعادة، عكس نُكرانك للنِّعم البسيطة الذي قد يحرمُك من النِّعَم القادمة؛ لأنَّ النكرانَ يُغلقُ القلب، مثلا عندما تُحسِن إلى صديقك فيعترفُ لكَ ويشكرُك؛ فستزيدُ من إحسانِك له، عكس إذا نكرَ لك خيرَك فقد تمتنعُ عن مساعدتِه مستقبلًا، مهمَّتُك اليوم: كُن ممتنا.
اليوم 3
قوَّةُ الشُّكر العملي
"الدعاءُ الذي يبدأُ بـ: يا ربّ ساعدني، يُتقنُه الكثيرُ من الناس، أمّا ذلك الذي يبتدئ بـ شكرًا (قولًا)، وينتهي بالإحسان إلى الآخرين (عملًا)، فذلك لا يتقنُهُ إلا قليل"
- فاينبرت
ذاتَ يوم، كان صديقي راكبًا في سيارة أجرة، وبينَما التاكسي في الطريق إذا بشابَّيْن يُشيران إليه لكي يتوقَّف. بالرغم من أنَّ السيارة كان فيها مقعدان فارغان إلّا إنَّ السائق امتنعَ عن الوقوف، وعندما سألهُ صديقي: لماذا لم تتوقَّف؟ فرَدَّ عليه:
"هؤلاء أصحابُ شكرًا"
الذي يعنيهِ السائقُ هو أنَّهُم عندما يركبون معه، ويوصلُهم إلى هدفِهم، يفرّون من السيارة قائلين: شكرًا عمّي، دونَ أن يؤدوا واجبَ الخدمة.
العبرةُ من واقعة صديقي، هي أنَّ الكثيرَ من الناس يشكرون فقط بأفواهِهم دون أن يشعروا بذلك في قُلُوبهم، ويعبِّروا عن الشكر بأيديهم.
يومُك الثالث- صديقتي وصديقي- هو أن تأخذَ ورقةً وقلمًا، وتكتب قائمةَ الشُّكر العملي. اكتبْ شيئًا واحدًا ستفعلهُ للآخرين تعبيرًا عن شكرك، وضعْ له تاريخَ تنفيذ. قدْ يكون تعليمَ جاهل، إطعامَ جائع، شراءَ دواءٍ لمريض. واجعلْ عملَك هذا خالصًا، وكُنْ حذرًا أن تتباهى به، أو تبطلَهُ بالمنِّ والأذى، فلنسترْ حَسناتنا كما نتستَّر على خطايانا.
اليوم 4
قوةُ النِّية
"إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ"
- محمد ﷺ
لماذا تفعلُ الشيء؟ أهمُّ من كيفية القيام به، بل وأهمُّ من الشيء نفسِه، لا يهمُّ أنك تقرأ، أو ماذا تقرأ، أو كيف تقرأ، ولكنْ ما يهمُّ حقًّا وصدقًا هو: لماذا تقرأ؟
إنْ كانت نيتُك من القراءة هي التَّباهي على الآخرين، والتظاهرَ بأنَّك إنسان مثقفٌ يشربُ القهوةَ مع الكُتب، فهذا لن يفرقَ بينك وبينَ شريحةِ تخزينِ المعلومات، لن تكون أكثرَ من مجرَّد وعاءٍ يحوي المعلومات دونَ أن يستفيد ويُفيدَ منها، عكس إذا كانت نيتُك من القراءة هي محاولةَ فهْم الحياة، والاستفادةَ من تجارب الآخرين، ومساعدةَ الناس؛ فهنيئًا لك بهذه النِّية الطيبة.
ما يُحدثُ الفرقَ بين الناس ليسَ هو ما يقومونَ به، ولكن.. لماذا يقومونَ به؟ ما نواياهُم الخفيَّة؟
في يومِك الرابعِ- أخي وأختي- راجعْ نيَّتك في كلِّ ما تفعله، ربَّما أنت طالب، نيتُكَ من الدراسة هي التباهي بالحصولِ على الشهادة الجامعية، آسف أنْ أخبرَك أنَّ هذه نيَّة فاسدة، وهي التي جعلتِ العديدَ يحصلون على شهادةٍ مِن دون إفادة، مصيرُهم البطالة، ليس بسبب أنَّهُم لم يدرسوا بالطريقةِ الصحيحة، ولكن لأنَّ هجرتَهم في طلب العلم لم تكنْ للعلمِ, وإضافة القيمة، وإفادةِ الآخرين؛ ولكنْ هجرتُهم كانت لكسبِ الشُّهرة ولفْتِ الانتباه، فهجرتهم إلى ما هاجروا إليه.
اليوم 5
قوَّةُ العمل
العملُ يُبعِد عنِ الإنسان ثلاثةَ شُرور: السأم والرذيلة والحاجة.
- فولتير
مؤسفٌ حقًّا أنَّه أصبحنا في عصر التكنولوجيا والرَّقميّات باحثينَ عن الربح والثراء السريع، كارهينَ للعمل، مُطلقين عليه اسمَ العبودية. الجميعُ بعدَ قراءته لكتاب "أبي الغني أبي الفقير" أصبحَ يريد أن يُصبح غنيًّا بأقلِّ مجهود. في يومِك السادس، ستكتشفُ معي الغايةَ العميقةَ من العمل, بعيدًا عن تحقيقُ المال، فإذا أبعدَك عملُك عن الملل والرذيلة والفقرِ فهذا كافٍ وشافٍ عن تحقيقه للمال، خاصَّة عندما تجدُ معظمَ الناس يعتقدون أنَّ سببَ تعاستهم هو فقرُهم إلى المال، ولكنْ في الحقيقة، البؤسُ الحقيقي، والتعاسةُ الحقيقية هي البُعدُ عنِ العمل، أو التهرُّب من ضغط العمل. في عصرِ وسائل التفاخر الاجتماعي، أصبحْنا نرى تسويقًا واضحًا لنمطِ عيشٍ خادع من طرفِ بعض المؤثرين، الذين يعيشون، يأكلون ويشربون، يلبسون ويتفاخرون مجانًا، فنشعرُ بالكآبة، لماذا هُم وصلوا، ولماذا لسنا نحن؟ ونحن ننسى ما وراء عدسةَ الكاميرا من رتابةِ حياتهم، وتفاهةِ وسفاهة أفكارهم، وفقرِهم إلى الروح. أسلافُنا كانوا يعملون حبًّا في العمل، ويستمتعونَ به، بالرغم من الراتب الزَّهيد؛ لأنَّهُم كانوا يعملونَ بصدق، ولم تكُن عندَهم هواتفُ ذكيةٌ تنقل لهم صورةً مزيفة لواقعٍ خادع. وللتَّوضيح، لستُ هنا أدعوك لتكونَ فقيرًا سعيدًا، ولكنني أدعوك لحبِّ عملك، والاستمتاعِ بألمِه الذي يصنعُك، ومقاومةِ مَلَله الذي يمتحنُك.