من هو الإنسان العادي؟
الإنسان العادي في تعريف الدكتور ساندور لاراند، الطبيب النفساني العالمي، هو الشخص الذي يستطيع أن يُقِيم علاقاتٍ اجتماعيةً مع الناس على اختلاف ميولهم وبيئاتهم، وأن يؤدي عملًا مشروعًا، وأن يُهيئ الصفاء في الأسرة، وأن يسعد في حياته الزوجية. فإذا خاب في أية ناحية من هذه النواحي لسببٍ قهري أو غير إرادي، أو لعدم تأدية أعضاء الجسم لوظائفها كما يجب؛ تولَّد عنده مرض السرقة. فالثابت أن معظم المرضى بهذا المرض الداهم أشخاصٌ اضطربت عواطفهم أو أفكارهم، فلم يعودوا يعرفون كيف يسُوسون أمورهم أو ينجحون في أعمالهم. والسبب المباشر لذلك هو إخفاق آبائهم في تربيتهم التربية الواجبة بسبب خيبتهم في حياتهم الزوجية، وعجزهم عن إقامة صَرْح السعادة العائلية.
سيكولوجية الجنس بين الرجل والمرأة
لم يدخل علم النفس في دور التطبيق الواسع إلا ابتداءً من الحرب العالمية الأولى، فكان اتجاهه قبل ذلك التاريخ اتجاهًا نظريًّا، يدرُس الإنسان بصفةٍ عامة مهتمًّا بالشخص البالغ المُتحضر، ثم تحوَّل الاهتمام تدريجًا نحو دراسة الطفل والمُراهق، والرجل البدائي الذي يعيش في أوساطٍ اجتماعية تختلف إلى حدٍّ كبير عن الأوساط المُتحضرة.
ولما شرع علماء النفس في تطبيق الحقائق التي وصلوا إليها في دراساتهم المختلفة اعترضتهم صعوبةٌ جديدة، وهي وجود فوارق بين الأشخاص، حتى بين الذين يعيشون في بيئةٍ اجتماعية واحدة، ويتأثَّرون بوجهٍ عام بنفس المؤثِّرات التربوية والحضارية، ومن أبرز عوامل التفرقة بين الناس العامل الجنسي، ولا شك في أن المُعتقَدات والعادات والأنظمة الاجتماعية تزيد هذا العامل وضوحًا، خاصة في تحديد نوع المَلبس والتربية والمهنة وغيرها من صور النشاط المختلفة المخصَّصة لجنسٍ دون الآخر.
وبصدد موضوع الفوارق الجنسية يوجد تيَّاران مُتطرفان في الرأي؛ ففريق يؤكِّد أن الاختلافات التي نُشاهدها في المجتمع بينَ كلٍّ من الرجل ومن المرأة، من حيث الاهتمامات والوظائف الاجتماعية، ترجع إلى العوامل الوراثية التي تُميِّز بين الجنسَين، وما يترتَّب على هذه العوامل الوراثية من خصائص جسمية ونفسية. ويذهب فريقٌ آخر إلى القول بأن الطبيعة البشرية تمتاز بالمرونة، وإنها قابلة لأن تتشكَّل بأي شكل يريد المُربي أن يطبعه عليها، حتى إن بعضهم أنكروا وجود طبيعة بشرية أولية، وزعموا أن جميع الفوارق التي نُشاهدها بين الأفراد، سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا، ترجع إلى تأثير البيئة الاجتماعية.
إن كلًّا من هذَين المذهبين يقوم على تحيُّزٍ سابق، ويرمي إلى خدمة مذهب اجتماعي خاص؛ فهو لا يعتمد على البحوث العلمية النزيهة، ولا يلتزم في تأويله لبعض الوقائع ما يجب أن يتصف به العالم من خصائص الموضوعية وروح النقد والتحرر من التعصب.
تعقيب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة -رضي الله عنه- فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم. رواه البخاري ومسلم.
وعلى كل، فالمولود يبقى على تلك الفطرة التي ولد عليها لو سلم من بواعث الضلال، وشياطين الإنس والجن. ومعنى الحديث أن المولود يولد على نوع من الجبلة، وهي فطرة الله تعالى، وكونه متهيئًا لقبول الحق طبعًا وطوعًا، لو خلته شياطين الإنس والجن وما يختار لم يختر غيرها، فضرب لذلك الجمعاء والجدعاء مثلًا. يعني أن البهيمة تولد مجتمعة الخلق، سوية الأطراف، سليمة من الجدع، لولا تعرض الناس إليها لبقيت كما ولدت سليمة. لقد خلق الله عز وجل الإنسان في أحسن تقويم، على الفطرة النقية الخالية من شوائب الكفر، ومن دنس المعاصي، ومن ذميم العادات.
ثقافة عالمنا العربي
وبما أن العالم العربي يجتاز في الوقت الحاضر مرحلةً دقيقة من مراحل نموه وتطوره، وخاصةً أن هذا التطور في صوره الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المختلفة يتناول المرأة وموقفها من حركات التطور؛ فإنه يتحتَّم علينا أن نبحث فيما إذا كانت الفوارق الجسمية الموجودة بين الجنسَين تؤثِّر أو لا تؤثِّر في تنظيم الحياة العائلية، وأساليب التربية، ومختلف أوجه النشاط الاقتصادي والاجتماعي.
ولكي نضع هذه المشكلة في صيغةٍ واقعية ملموسة تُطرَح الأسئلة الآتية:
هل حِرمان المرأة من ممارسة بعض المِهن الخاصة الآن بالرجال، يرجع إلى عدم قدرتها الفطرية على القيام بأعمال هذه المِهن، أو إن اعتقادنا بأنها تفتقر إلى هذه القدرة يرجع إلى أنها حتى الآن لم تسمح لها الظروف، وخاصةً تعسُّف الرجل، بأن تُنافس الجنس الآخر في القيام بهذه الأعمال؟
هل ترجع النسبة الكبيرة من أساطين العلم والأدب والفن والسياسة من الرجال، إلى أن فرص التعليم والبحث والتفكير والإبداع وما إليها لم تُتَح للنساء كما أُتيحَت للرجال، أو إن هذا التفاوت الكبير بين الجنسَين فيما يختص بعدد العباقرة يرجع أيضًا إلى ما يوجد بينهما من فوارق فطرية؟
لماذا تميل البنت مثلًا إلى بعض الألعاب دون غيرها؟ لماذا تحب الفتاة أن تقرأ خاصةً القصص الغرامية، في حين أن الصبي تجذبه قصص المغامرات؟ هل يرجع هذان الاتجاهان المختلفان إلى ضغط البيئة أم هناك اختيارٌ تلقائي لنوع القراءات؟
كل هذه الأسئلة وما شابهها جديرةٌ بأن تبحث بطريقةٍ جدِّية نزيهة. يجب أن نستبعد أولًا الآراء الشائعة في الفوارق بين الجنسَين؛ فقد تكون هذه الآراء مجرد تقرير لأوضاعٍ اجتماعية مُصطنَعة، بل يجب أن نتَّجه شطر البحوث العلمية التي أُجريَت في هذا الميدان؛ غير أنه ينبغي أن نذكُر أن البحوث التي يمكن الاعتماد عليها حديثة لا يرجع تاريخها إلى أكثر من ثلاثين سنة، وهي فترةٌ قصيرة في حياة علم معقَّد كعلم النفس، وليس من السهل دائمًا تأويل نتائج هذه البحوث؛ وذلك لأسبابٍ كثيرة، منها تعدُّد العوامل التي تؤثِّر في النمو النفسي والاجتماعي، وتشابُك هذه العوامل بطريقةٍ معقَّدة، بحيث يصعب الوقوف على مدى التأثير الذي تُحدِثه البيئة في تكوُّن شخصية الفرد وتشكيلها؛ ثم إن البحوث التي تُجرى لقياس سمة من السمات العقلية، أو صفة من الصفات الخُلقية، لا تتناول إلا مجموعةً صغيرة من الأفراد إذا قِيسَت بمجموع السكان، ثم لو فرضنا أن عدد أفراد هذه المجموعة يكفي لضمان صحة النتائج، فهل في إمكاننا دائمًا أن نقطع بأن هذه المجموعة تُمثل حقًّا المجموع الكلي؟
ولنضرب مثلًا لبعض الدراسات المُقارنة التي تتناول توزيع نِسب الذكاء بين الذكور والإناث؛ فقد دلَّت بعض البحوث على أن مدى توزيع درجات الذكاء أوسع في الذكور منه في الإناث؛ أي إننا نجد عند طرفَي السُّلم عددًا أكبر من الذكور؛ أي إن درجات الإناث تميل إلى التكتل حول الوسط، في حين نجد عددًا من الذكور عند الطرف الأعلى الخاص بالعبقرية، وعند الطرف الأدنى الخاص بالبُلهاء والمعتوهين، ثم بالرجوع إلى عدد النُّزلاء في المستشفيات العقلية، وعدد الذين يُعرَضون للفحص في العيادات السيكولوجية، وُجِد أن عدد الذكور أكبر من عدد الإناث.
هل تُفسِّر لنا هذه النتائج التفاوت المُشاهد الآن بين الجنسَين من حيث التفوق في العلوم؟ ففريق من السيكولوجيين يؤيِّدون هذا الرأي، في حين أن غيرهم يرون أن الأنظمة الاجتماعية القائمة الآن تجعل التنافس بين الذكور في مجال العمل أشد من التنافس القائم بين الإناث، ويؤدِّي هذا التنافس الشديد إلى الكشف عن عددٍ كبير من ضعاف العقول، في حين أن في إمكان ضعيفات العقول أن يجدن عملًا في مجالاتٍ لا تكون فيها المنافسة شديدة كالأعمال المنزلية مثلًا.