لا شيء يدخلكَ الجنة وأنت على الأرض غير نظرة ولع وشوق من امرأة، وكنت أظن هذا الصباح أني سأدخل الجنة، ولكن وجدتني على شفا حفرة من النار، فأن تُعرض عنكَ امرأة تحبها فهي تفتح لك أبواب الجحيم لتلقي بكَ فيه من أي باب شاءتْ..
فعندما ألقيت عليها تحية الصباح كان صمتها حاضرًا وابتسامتها غائبة، وقد استبد بوجهها الضحوك كوجه الوليد برود ثقيل، جعله وجهًا من ثلج.
فجلستُ على الكرسي، واضعًا وجهي بين كفيَّ، وأنا أضغط عليه بقوة، وأعتصر عيني، ثم رفعته محركًا رأسي يمينًا ويسًارا بعنف محاولًا طرد ما يموج بها من أفكار، ثم هممتُ أن أخبط رأسي في شاشة الكمبيوتر أمامي، وبداخلي ضوضاء تكاد تصبح صراخًا بمجرد تحرك شفتيَّ اللتين أضمهما بقوة لأكتم ما بداخلي من رغبة لا سبيل للخلاص منها تلح على أن أطلق سبابًا بذيئًا تجاهها، وتجاه كل امرأة، فامرأة واحدة تكفي لتلعن كل نساء الأرض.
تشبثتُ بالكرسي متدثرًا من برودها بصمت صاخب، فلو تكلمتُ سيخرج الكلام من فمي كالماء العكر الذي سيوسع نطاق التوتر بيننا، خاصة وأنها تنظر نحوي من طرف خفي ببرود وكبرياء، وهي تقطب ما بين حاجبيها، ثم تسدل جفنيها مغلقة كل نوافذها التي تتابعني من خلالها، دون أن تكلف نفسها عناء الالتفات نحوي، وكأنها تريد أن تقيم سدًّا بيننا كسد ذي القرنين ليمنع حتى عطرها الذي يمنح الهواء رائحة ندية طازجة تنعش مشاعري من النفاذ إليَّ وأنا إلى جوارها.
حاولت الالتفات إليها في تردد ورأسي يتحرك كبندول الساعة، ولكن ما أن استقر رأسي اتجاهها حتى أشاحت بوجهها عني، وصدرها يعلو ويهبط مع كل شهيق وزفير، أسفل سترتها الشيفون الزرقاء الصافية كسماء إبريل، فأدركتُ أنها تقاومني في داخلها، فهدأتْ مقاومتي لها خارجي، بعدما طمأن صدرها المهتاج قلبي.
فعدت أحملق في شاشة الكمبيوتر المطفأة، ووجهي المنعكس في ظلامها القاتم صار كوجهها الثلجي، ثم فكرتُ أنه من الحماقة أن أظل هكذا وهي على بعد خطوة مني، ولكن وجهها البارد جعل الاقتراب منها كولوج الجمل في سَمِّ الخياط، فأغمضت عيني لاستجمع شجاعتي للالتفات إليها مرة أخرى، ولكني ظللت دقيقة خائفًا من فتح عيني، فلربما لازالت عالقة في كبريائها الواهنة كبيت العنكبوت، فقررت أن أستدير نحوها مرة أخرى بشكل خاطف وأنا أفتح عيني، فما لبثت أن أفتحها حتى لمحتها من طرف بصري وهي تستدير نحوي في نفس اللحظة، ممزقة خيوط كبريائها الحريرية، وما أن التقتْ نظراتنا في اللامسافة الفاصلة بيننا حتى صار كل منا يشعر بأنفاس الآخر الحارة المتصاعدة من داخله وكأنها تتصاعد من مرجل يغلي ولكن على نيران وقودها الشوق.
فجذب الموقف أنظار الزملاء حولنا في الشركة، فأشار أحدهم وهو يرفع يمناه بمحاذاة أذنه محركًا أصابعه في نصف دائرة، بأن ما نفعله جنون، فكل منا قريب من الآخر حتى يكاد يحتضنه، ربما كنت مجنونًا فعلًا فما كادت شفتاي تتحركان لأهمس:
- أحبـ
حتى وضعت سبابتها على شفتي محذرة إياي من البوح، وغابت ابتسامتها من جديد وحضر الصمت.
فاستدرتُ لأجلس على الكرسي، وبداخلي يُعزف لحن جنائزي، فها أنا أخرج من الجنة، ولكن ببطء لعلها تنقذني من على شفا تلك الحفرة من النار.
رضا نايل