لم يستطع خالد أن يأخد ما يكفية من نوم عميق ، حيث لم تتعدى لحظات سكونة المائة دقيقة ، انطلق بعدها ليسافر إلى مدينة القاهرة فى تمام السابعة صباحا ، وبعد عمل شاق استنفذ فية كل طاقته حان وقت العودة و كان الوقت حينها عند وصولة محظة القطار في مدينة القاهرة تمام الواحدة والربع ظهرا
وقع اختيار خالد على قطار 971 مكيف الهواء وارد من سوهاج متجة لبورسعيد ميعاد تحركة من محطة القاهرة الساعة الثانية الا ربع مساءاً لكي يعود لمدينتة , فى طبيعة الأحوال من غير المتوقع العثور على تذكرة ركوب للقطار المقصود قبل ميعاد قيام القطار بوقت قليل لأن طبيعة الحجز ليست بالعشوائية فلكل محطة يتوقف بها القطار عدد مقاعد محدود العدد ، وبالصدفة القدرية فاز خالد بتذكرة من ضمن اخر ثلاثة تذاكر متاحة على القطار بأكملة، بدايتها القاهرة نهايتها المكان المراد الوصول إلية مدينة الزقازيق
من حسن الحظ أن قطار 971 الذى يقطع مسافة خمسمائة كيلو متعدد الوقفات قبل وصولة محطة القاهرة فى زمن قدرة ثمانية ساعات كان قد وصل فى موعدة على غير المتوقع منة تماماً في تمام الواحدة والثلث مساءاً علي رصيف رقم 8
الواحدة والنصف مساءا وصل خالد الي موقع المقعد المخصص له في تذكرة سفرة حيث كان رقمة 24 فى العربة الثالثة ضمن عربات الدرجة الاولى ، وبمجرد وصول خالد الي مقعدة قام بتعديل موضع مقعدة ليصبح بزاوية منفرجة كبيرة
فور جلوسة علي مقعدة استغرق خالد فى نوم عميق مستحق وبعد عدة دقائق استرد وعيه علي صيحات صوت جهورى غليظ تمتلكة سيدة تظهر عليها ملامح الأربعينات من العمر ذات عينان جاحظة سوداء اللون تضع على وجهها بمفردة ما يعادل نصف مقدار مساحيق تجميل نساء العالم بأكملة تشبهة انثى الثور في مكبرها تزن ما يتعدى الربع طن من الكيلو جرامات
هو دة كرسى رقم 23
ايوة هو حضرتك
تجلس السيدة بعد ان احتواها المقعد بصعوبة وفى نفس اللحظة غادر القطار محطة القاهرة لإستكمال رحلتة في موعدة المقرر الثانية الا ربع مساءاً
( بعد مرورعدة دقائق سيطر فيها الصمت التام فى جميع اركان العربة )
هو انتم لية كدة ؟ لية القسوة دى كلها ؟
نعم حضرتك ؟ احنا نعرف بعض اصلا علشان يبقى فى بينا قسوة أو حنية؟
انا آسفة , مش اقصدك انت بالذات انا اقصد انتوا كلكوا يا رجالة قاسيين ومعندكمش رحمة ولا انسانية
انا اسف حضرتك ، انا مرهق جدا , مش قادر اركز في الكلام معاكي ممكن تسيبنى مع نفسى شوية ؟
اهو انتوا كدة يا رجالة وقت الجد بتهربوا
يا مدام ارحمينى ، هو انتى تعرفينى اساسا ، لو سمحتى بلاش إزعاج انا فى أشد الحاجة للراحة
شاء خالد أن يغادر و يبحث عن راحتة فى مقعد اخر فارغ و لكنة انصدم بحال القطار فجميع المقاعد sold out فما كان من خالد الا القبول علي مضض بالتحاور مع تلك السيدة ذات الرائحة المنفرة
قبل اى حاجة ممكن اتعرف بحضرتك ؟؟
عزيزة , بشتغل امينة معمل فى مدرسة حكومية فى القاهرة وانت ؟
عمر فاروق العدل محامى جنايات
وكمان محامى اشوف فيكوا يوم يا رجالة
لية كدة , ايية اللى مزعلك من الرجالة و المحامين ، قولى اللى عندك وخلصينى انا عارف ان مش مكتوبلى انام فى ام السفرية المهببة دى
جوزى ربنا ياخدة سابلى البيت وطفش وطلقنى غيابى , واتجوز واحدة من بنات اليومين دول عندها 18 سنة ، يرضيك كدة يسبنى يتيمة مكسورة الجناح ؟!
ايوة طبعا يرضينى
نعم ؟ هو انت علشان محامى هتصدق نفسك و هتعيش الدور علييا ؟ و الا علشان رجالة زى بعض هتدافع عنة
يا مدام عزيزة كل واحد ينام على الجنب اللى يريحة جوزك مبقاش حابب يكمل حياتة معاكى ، قوليلة مع السلامة و شوفى نفسك ، لو كان شاف منك اى حاجة حلوة اكيد كان هيتمسك بيكى ، اكيد هرب منك علشان ميكونش دلوقتى مكانى بيتعذب و بتتكفر ذنوبة
تتحول عزيزة من حالة انفعال متوسط الحدة إلى حالة فوران عارمة مكبوتة مصحوبة بنظرة عداء تجاة خالد المسكين و كأنها انثى الخرطيت التى تنظر للأسد الذى يسعى للعبث و الفتك بصغائرها ، ليسود بعدها الصمت العام مرة اخرى بعد أن ذهب النوم بعيدا عن خالد الذى بدأ فى سماع اغانى معشوقتة الفنانة نوال الكويتية سارحآ فى روعة احساسها الى ان وصل القطار مدينة بنها فى تمام الثانية والثلث وقبل أن يغادر القطار محطة بنها تملك النوم من خالد بشكل سادى فتاك جعل منة انسان بلا احساس كالجائع الذى عثر على طعام النوم بعد عناء
في تمام الثالثة عصرا أيقظت عزيزة بصوتها العالى الرخيم خالد بعدما أنخذتة فى ذراعة القريب منها
نهض خالد من مقعدة يتملكة صداع فتاك شديد الالم يلتهم كامل جمجمتة ناظرا اليها فى حنق ليبدأ فى صمت التخطيط لضرب جبهة عزيزة بواسطة جبهتة الا انها بادرتة بالحديث دون أن تدرك طبيعة نواياة
احنا وصلنا الزقازيق فلو كنت هتنزل الزقازيق يالا بسرعة انزل علشان القطار هيمشى حالا
اه فعلا انا نازل الزقازيق , شكرا ليكى
العفو اشوف وشك بخير انا مكملة لبورسعيد
هو انا ممكن اقولك حاجة و متزعليش مني بسببها
اه طبعا و مالوا انت زى اخويا
عاوز اقولك انتى طالق
قالها خالد فى مواجهة عزيزة ليتخلص من الطاقة السلبية التى اكتسبها منها وفى ظرف ثوانى معدودة غادر خالد القطار خوفا من ان تلحق بة عزيزة فى حالة ارادت الفتك بة وأيضا قبل مغادرة القطار مدينة الزقازيق ، حيث أن المحطة التالية المقرر وقوفة فيها هى محطة الإسماعيلية والتى تبعد عن محطة الزقازيق ثمانون كيلو متر يقطعها القطار بلا توقف فى فترة زمنية تتعدى الساعة وبضعة دقائق قليلة
بمجرد خروج خالد من القطار أطلق القطار صافرة المغادرة و بدأ فى استكمال رحلتة المقررة لبورسعيد ، لتشتد اوجاع الرأس عند خالد بشكل اكثر حدة لتجعل منو انسان لا يبحث عن الأكسجين اللازم لحياتة بقدر ما يبحث عن مسكن قوى لتكسين الحرب العالمية المنعقدة فى رأسة
تناول خالد المسكن الملائم لحالتة , بعد ان ابتضعة من صيدلية المحطة ثم وصل الي منزلة لا يعرف شيى الا سريرة الخاص ليقبع بداخلة فى نوم عميق لمدة عشر ساعات متواصلة يستيقظ بعدها ، بكامل حيويتة و نشاطة ليذهب لكى يغتصب جميع ما تحتوية تلاجة المنزل من طعام وشراب ، لينتبة لبدء يوم جديد تزقزق فية الطيور فرحانة بالنور المتشقشق فى السماء يأمل فية الا يصادف فية من هى مثل عزيزة و لا يصاب فية ب الآم مبرحة أبعدها الله عن كافة عبادة