جغرافية آسيا الاقليمية
دكتـــــــور هانى أحمد قاســـــــم ابراهيــــــــم
سطوع لخدمات النشر
جميع الحقوق محفوظة ويحظر طبع أو تصوير أو تخزين أي جزء من الكتاب بأية وسيلة من وسائل تخزين المعلومات إلا بأذن كتابي صريح من الناشر
دكتـــــــور
هانى أحمد قاســـــــم ابراهيــــــــم
مدرس الجغرافيا الطبيعية بالمعهد العالى - كنج مريوط
الإسكندرية 1438ه – 2017م
بسم الله الرحمن الرحيم
{ ربِّ أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت علىَّ وعلى والدىَّ وأن أعمل صالحًا ترضاه وأدخلنى برحمتك فى عبادك الصالحين }
صدق الله العظيم
{النمل . الآية 19}
إهـــــــــداء
إلى كل من سعى فى سبيل الله لإخراج هذا العمل إلى النور .... إلى أبى وأمى و روح أختى رحمها الله,,
مقدمــــــــــة:
يشتق اسم آسيا من الكلمة الإغريقية اسو Asu وتعنى بلاد الشرق , وتعتبر أكبر القارات مساحة حيث تزيد مساحتها عن 44مليون كيلومتر مربع , وتمتد بين دائرتى عرض 50 ´81° شمالاً و 10° جنوبًا أى يمر بها حوالى 91° عرضية , وما بين خطى طول 55° شرقًا و 170° غربًا أى حوالى 135 خط طول , كما تمتد القارة بكاملها فى نصف الكرة الشمالى ماعدا الجزر الجنوبية ويحدها من الشمال المحيط القطبى الشمالى ومن الجنوب البحر المتوسط ومن الشرق المحيط الهادى ومجموعة الجزر الشرقية مثل اليابان والفلبين وغيرها , أما من الغرب فتحدها جبال أورال وساحل البحر المتوسط والبحر الأحمر الذى يفصلها عن قارة افريقيا.
الموقع والعلاقات المكانية للقارة:
أدى الامتداد الكبير لقارة آسيا إلى تمتعها باعديد من الخصائص الطبيعية والبشرية , وقد تشكل السطح الأسيوى من الكتل القديمة وتراكم التكوينات الحديثة فوقها مثل: كتلة سيبيريا والصين وشبه الجزيرة العربية والهند , أما الرواسب البحرية فقد تعرضت لعمليات رفع مكونةً لليابس الحالى , كما تضم القارة العديد من الأشكال التضاريسية التى يمكن تقسيمها إلى أربعة أجزاء كالتالى:
- شمال آسيا: عبارة عن سهول وهضاب قليلة الارتفاع وتشمل منطقة سيبيريا التى يغطى الجليد أجزائها الغربية معظم شهور السنة , بينما يأخذ القسم الأوسط الشكل الهضبى بالإضافة إلى الأراضى المنبسطة , فى حين أن تأثرت الأجزاء الشرقية بالبراكين مكونة مرتفعات جبلية واضحة.
- وسط آسيا: هى منطقة شديدة الوعورة حيث يوجد بها أكثر العقد الجبلية تعقيدا فى العالم مثل: عقدة باميير وهندكوش.
- جنوب آسيا: عبارة عن هضاب رملية تأثرت بفعل التعرية فتحولت إلى سهول , كما هو الحال فى شبه الجزيرة العربية وهضبة الدكن.
- شرق آسيا: سلاسل جبلية قديمة انخفض منسوبها مع مرور الزمن بفعل التعرية مثل: الصين الجنوبية والجزر الأندونيسية.
اكتسبت القارة هذه المساحة والامتداد بسبب تعرضها لحركات رفع فى القشرة الأرضية وقيعان المياه الضحلة , فأدى ذلك إلى اتصال أجزائها وربطها بالقارة الأوروبية غربًا , وقد ساعد هذا الامتداد أيضًا على تنوع البيئات الطبيعية سواء التضاريسية أو المناخية , حيث نجد أن القارة تتراوح مناخيًا من الاقاليم شديدة البرودة شتاءًا إلى المنطقة الإستوائية شديدة الحرارة جنوباً وما تبعها من تنوعاً ملحوظاً فى التربة والخصائص الحيوية وبالتالى تنوع الأنشطة البشرية. تتميز قارة آسيا بطول سواحلها على المحيط الهادى فى الشرق والهندى فى الجنوب والتى تمتد منها عدة أزرع مائية داخل اليابسة على هيئة بحارًا مثل: بحر أوختسك والبحر الأصفر وبحر اليابان والبحر الأسود وبحر قزوين وبحر العرب , بالإضافة إلى الخلجان مثل: خليج البنغال وخليج كوريا وخليج سيام وخليج عمان والخليج العربى.
يوجد أمام سواحل القارة العديد من الجزر التى تظهر فى شكل منفرد أو متصل (أرخبيل) مثل: اليابان , الفلبين , تايوان , أندونيسيا وماليزيا , وقد ساعدت تلك الجزر على تكوين العديد من البحار والخلجان التى تفصل بينها وبين يابس القارة ؛ بالإضافة إلى أشباه الجزر متعددة الأشكال والأحجام ولعل أكبرها شبه القارة الهندية ذات الشكل المثلثى والتى تمتد من نطاق مرتفعات الهيمالايا شمالًا وحتى رأس كومورين جنوبًا بالمحيط الهندى , يليها شبه الجزيرة العربية بشكلها المستطيل الممتد من مرتفعات طوروس شمالًا حتى بحر العرب جنوبًا على المحيط الهندى فيما بين الخليج العربى والبحر الأحمر , بينما تأتى شبه جزيرة الهند الصينية فى المركز الثالث وهى تشبه شبه جزيرة البلقان ويخرج منها ذراع كبير يتجه ناحية الجنوب على شكل شبه جزيرة تعرف باسم الملايو.
تتحكم القارة فى العديد من المضايق البحرية التى تفصلها عن القارات الأخرى مثل: مضيق بيرنج فى الشمال الشرقى والذى يفصلها عن قارة أمريكا الشمالية , ومضيقى البسفور والدردنيل الواقعين على البحر الأسود وبحر مرمره حيث يفصلانها عن قارة أوروبا , فى حين أن تتصل بأوروبا عبر جبال أورال غربًا, بينما يفصلها عن قارة إفريقيا مضيق باب المندب والتى تشرف عليه دولة اليمن من الشرق وجيبوتى الإفريقية من الغرب, وتتميز تلك المضايق بأهمية استراتيجية سواء وقت السلم أو الحروب.
نظرًا لأهمية الموقع الفلكى والجغرافى للقارة ودورهما فى تنوع الموارد الاقتصادية فقد تعرضت دول القارة لألوان مختلفة من الاستعمار الأوروبى خاصة الصراع البرتغالى - الإسبانى على المستعمرات أو الصراع بين هولندا وبريطانيا من ناحية وبين بريطانيا وفرنسا من ناحية أخرى؛ بالإضافة إلى تنوع السلالات البشرية التى استوطنتها وإن كانت غالبيتها تنتمى إلى المغولية الصفراء, كما تظهر قبائل وجماعات أخرى فى مناطق منعزلة نظرًا لاتساع القارة والظروف الطبيعية المحيطة بها, وبصفة عامة لا يوجد فى العالم بشكل واضح ما يعرف بالسلالة النقية بسبب اختلاط الأجناس وكثرة الفتوحات والحروب , وسوف نتعرض لتلك الدراسة بالتفصيل فى الباب الثانى عند دراسة الجغرافيا البشرية.
أثرت الظروف الطبيعية على اختلاف توزيع السكان وتباينهم من مكان لآخر خاصةً المناخ, التربة, موارد المياه, أشكال السطح والثروة المعدنية؛ بالإضافة لعدة عوامل بشرية مثل: الهجرة والصراعات والحروب وتوتر الظروف السياسية بين الدول والقبائل الأسيوية, لذلك نجد مناطق مزدحمة بالسكان وأخرى متوسطة وثالثة نادرة, كما أدى اتساع القارة و تنوع تركيبها الجيولوجى والتربة والمناخ إلى تباين الأنشطة الاقتصادية مثل: الرعى و الزراعة والتعدين, وتتوافر الأخشاب بسبب نوع الغابات وإن كانت تمر بمشكلة فى استثمارها حيث وجودها فى مناطق نائية مثل غابات سيبيريا أو أنها لاتكفى الاستهلاك المحلى مثل غابات اليابان أو تم قطعها سابقا منذ أمد بعيد كما هو الحال فى كوريا ومنها ماهى متجانسة وصعبة الوصول كالمناطق المدارية, لذلك تظهر أهمية البترول والغاز الطبيعى والطاقة الكهرومائية أكثر من استخدامات الأخشاب, وتحتوى القارة على مصادر معدنية متنوعة مثل: الحديد والبوكسيت والمنجنيز وغيرها.
ساعد الموقع الجغرافى على اختلاف نظم النقل والمواصلات, حيث نجد أن الأجزاء الجنوبية والجنوبية الشرقية تتجه بصفة عامة ناحية البحر, بينما استمرت الأجزاء الداخلية فى عزلة ورفضت التعامل مع الغرب, أما بالنسبة للطرق البرية فقد يواجهها مشكلات فى العديد من الأماكن بسبب وعورة السطح كما هو الحال فى أوسط آسيا, فى حين أن ينشط النقل بالسكك الحديدية عن نظيره بالطرق البرية فى بعض الدول كالصين والهند, فى الوقت الذى تطور فيه النقل الجوى بشكل أسرع ليربط بين كل أجزاء القارة والغرب الأوروبى , وسوف نتناول ذلك بالتفصيل فيما بعد.