كان لي شرفٌ كبيرٌ أن أقدم لقراء العربية مجموعة هراري المكوّنة من اثنتي عشرة قصة. كلٌّ من هذه القصص هي عدسة لمبدأ التكثيف في سرد الحكاية، و التركيز في وصف التفاصيل، ولا سيمّا الصدق وعنصر المفاجئة المتمرس في صناعة التفاجئ، إذْ لَمْ يتفرد القاص على وضع عنصر المفاجئة في منتصف القصة، بل تنوّع وتفرّد في كلّ قصة قصيرة على حدّة، أحيانًا يجيء العنصر في البداية، وأحيانًا قليلة في النهاية، وأحيانًا أخرى في المنتصف.
ولقد تمكن الكاتب من سبك الأحداث مع رسم شخوص مجموعته الرائعة، إذْ يروي لنا القصص براويين. الأول: عليم. والثاني: لا يعلم إلا التكلم. ولهذا انفردت المجموعة كجزء لا يتجزأ مِنْ بِنية الكاتب التي تحافظ على التوجه الفكري. وقد رسم بريشته وألوانه لوحة البراعة في الواقعية الجديدة، أو واقعية ما بعد الحداثة، أو ربّما ندعوها اليوم واقعية العصر السريع.
وأبرع ما أبدع فيه الكاتب هو التأثر بحياته التونسية إذ جاءت بعض شخصيات قصصه مغتربة مثله في بلاد أوروبا كالشخص الرئيس في قصة ( في البنك )، وهلّت شخصيات أخرى تنتمي إلى التغريب مثل قصة المقموع وبطلها كريستوف ديلانوي، و وضعه أمام هيئة المحلفين. كذلك حفلة اللا توقع في نهاية رائعته القداحة والرسالة. والطرافة العربية خفيفة الظل والجسد، ورشيقة التبسم والضحك في قصته هراري. رُغم مأساة شبابها في البحث عن وظيفة، فالكاتب يعبر عمّا يُرى وعمّا لا يُرى. كأنّه ينقل الحاضر من غيب التجربة. وامتاز كل الإمتياز بشدّة الملاحظة، وقوة الأسلوب، وبراعة التنقل من حدث إلى اللعب بذات الحدث.
كلُّ ما يمكننا قوله في ختام اللا نهايات. إنَّ هذه المجموعة قراءة صادقة معبرة عن أحوال شباب الشرق الأوسط على العموم، والوطن العربي على الخصوص. تنتمي لأحلامهم وآمالهم وتدوين أفكارهم، تبعث بداخل جوهرهم الجزء الأكبر من الحكايا ألا وهو مَنْ يقرأ، ولِمَنْ يقرأ؟ وهل ينصر القارئ المتمعن في الأدب غير رقة الكاتب وإبداعه؟
مؤمن عفيفي
القاهرة _ مصر
في التاسع من كانون الثاني / يناير 2021
إهداء
إلى امرأتين في حياتي!
الأولى حملتني صغيرًا، والثانية تحمّلتني كبيرًا، فعشت بين حضنيهما دهرًا من الحبّ لا ينتهي، وحبلًا من الودّ بلا نهاية.
إلى الذي أنفق عمره، كي أمسك القلم.
أهديكم جميعًا ما أكتب.
« التدوين، الكتابة، السرد، القصّ، الحكيُّ، والقلم، هي آخر ما تبقّى لهم من أسلحة في هذا العالم، ليدافعوا بها عن أنفسهم»