محل للمأكولات البحرية من ضمن سلسلة محلات العمارة التى تؤل ملكيتها لوالد نور. ركن نور سيارته ونزل متعجلاً طلب وجبة غذاء، وصعد إلى شقته المستقلة، التى أسماها دار نور. كانت مملكته الخاصة التي تشعره بأنه ملك متوج يجد في ملكه كل ما يشتهي. هنا على يمين المدخل جناح بطنت جدرانه برفوف تحمل كتبه ومخطوطاته مرتبة حسب الموضوع على شكل المكتبات القديمة. يتوسطها مكتبه وأريكة يجلس عليها نصف جلسة وعلى سجاد الجناح الإيراني الذي يروي قصة كسرى فارس، تناثرت الطنافس وجلسات عربية مريحة.
في جميع أركان الشقة تجد نباتاته المفضلة وطيور الزينة موزعة بأناقة في أقصاها غرفة نوم كاملة على طراز لم يعد ينفذ منذ خمسين عامًا. نور شخصية غريبة فى مكوناتها، عميقة تفتقد إلى سطحية الكثير من الناس.
فكيف لشاب في سنه أن تواتيه الجرأة في إعداد غرفة سرية ملحقة بجناح مكتبته، يكون الدخول إليها من باب مخفي بمهارة. خلفه تجلس كتبه الأثيرة القيمة على رفوفها.
لو مررت بعينيك في الغرفة السرية لوجدت في ركنها الأقصى الشمالي الغربي بعض كتب السحر القديمة التى وقعت فى يده مصادفة والتي يخشى من أن يعثر عليها أحد فيسئ أستخدامها فنور ذو وازع إيمانى قوى جدًا.
دخل نور من باب الشقة، متوجهاً إلى مكتبه، ليضع حمله من الكتب، ثم ذهب ليمارس طقوسه اليومية من رعاية طيوره والعناية بنباتاته. ادركه آذان العصر فتوضأ وصلى. ما إن فرغ منها حتى كانت طرقات عامل محل المأكولات تدق كالموسيقى على باب الشقة. فتح له وأخذ الوجبة، ودخل ليتناولها على طاولة المطبخ.
لم يطل مكوثه في المطبخ، فقد أنهى طعامه ونظف المكان في نصف ساعة، ثم توجه إلى مكتبه، ليجلس على أريكته، فقد حان موعده مع قراءة كتاب شيق جديد. كانت تلك طقوسه الخاصة والتى يعلمها جيداً والده وأخوه وأخته الصغرى وحينها لا يقاطعه أحد حتى يخرج هو بإرادته الحرة.
ما أروع أن تمدك الحياة بما يلزمك لتستمتع بهواياتك المفضلة!
ولكن من يدري هل هي نعمة أم لعنة قد تحل على صاحبها؟
وقرر كعادته أن يبدأ بالكتب التاريخية، فأولوياته الفكرية هى التاريخ، فهو مؤمن تمام الايمان بأن للتاريخ خطوط عريضة تتكرر فقط مع اختلاف التفاصيل والشخوص.
جلس على الأريكة وبدأ قراءة كتاب تدور حلقته الزمنية فى مرحلة السلاطين المملوكيين. استمر فى القراءة بنهم، فلقد وجد تشابه بين بعض الشخوص وبين واقعه الخاص حتى أقترب من الثلث الأول من الكتاب.
هنا داعب النعاس عينيه بقوة فوضع الكتاب على الأريكة، ليكمله فى جلسته القادمة وتوجه إلى غرفة النوم، وألقى بجسده على فراشه دون أن يبدل ملابسه، ولم يستغرق الأمر ثوانى حتى غط فى ثبات عميق.
آفاق صباح اليوم التالى وكل حصيلته من النوم أضغاث أحلام منها المكرر ومنها الجديد، لذا لم يعبأ كثيراً بما رآه في منامه، فلقد أعتاد هذا منذ فترة غير قليلة. تناول أفطاره المعتاد الخفيف. لم يكن لديه أى وجهه للذهاب، فأعد العدة لأستكمال قراءته.
جلس ومد يده فوجد كتاب البداية فى يده وليس كتاب التاريخ الذي كان يقرأ فيه البارحة. لم يلقي بالًا لتلك التفصيلة الصغيرة، وأعاد كتاب البداية لمكانه على المكتب، وأخذ كتاب التاريخ، وشرع في استكمال قراءته.