Horof

Share to Social Media

عن الكتاب و الكتّاب

أن تكتب نص أدبي بالعامية!


كثير من القراء والنقاد والكتّاب أيضًا يستنكرون من يكتب قصة قصيرة أو رواية "سردًا وحوارًا" بالعامية المصرية، ويروها نغمة للنشاذ، أو أمر لا يصح، لا بأس، فلنحترم آرائهم بشأن هذا الأمر ولكن هل ما يعبرون عنه يعتبر معايير أو مقومات لا يمكن تجاوزها؟، بالتأكيد لا، يمكنك تجاوزها والقفز فوقها بكل تأكيد إذا كانت لديك رغبة جامحة في التعبير أدبيًا بالعامية المصرية من خلال عمل قصصي أو روائي، ولكن يجب أن نتوقف قليلًا عند إشكالية أو مسألة كتابة عمل أدبي كاملًا سواء في السرد أو في الحوار بالعامية، هل هناك شروط معينة لإتمام هذه العملية؟ من الصعب بمكان القول بأن هناك ضوابط، أو شروط، أو حتى معايير معينة لإتمام هذا الأمر، ولكن يمكننا وضع خطوط عامة لكل ما هو كل جديد في عالم الأدب، فهي مرنة وتقبل التعديل والنقاش، كل جديد نقوم بتجريبه لابد أن يكون له خطوطًا عامة تحكمه، يجب أن يسير على هدى ما، وهنا تأتي عدة أسئلة هامة: من يضع هذا الهدى؟ ومن له السلطان أو الشرعية ليضعه، أقولها بكل طمأنينة لا أحد، فلتضع أنت خطوطها العامة، وليأتِ من بعدك من يضيف إليها، أو يحذف منها، أو يعّدل فيها، فليكن ما يكون، لا تشغل بالك بهذا الأمر.
فما أراه شخصيًا قد تختلف أنت معه، وإن كنا متفقان في مسألة كتابة عمل أدبي كامل بالعامية المصرية، لا تدخل في حوارات جوفاء، لا طائل من وراءها مع رافضي هذا الاتجاه، فلن يثنيهم أي شيء عن أن يغيروا رأيهم، فقط ضع تجربتك أمام الجميع، وليكن ما يكون، قد تلقى الاستحسان والقبول، وقد تلقى الرفض أيضًا، لا بأس، كل جديد معرض لذلك حتى يستقر، وتكون له أرضية صلبة يقف عليها.
إن كنت من أنصار الفصحى ولا تقبل حتى بوجود العامية في الحوار بين شخصيات العمل، فأنصحك بألّا تكمل قراءة هذا المقال، لأنه سيعارض كل توجه أنت تؤمن به، فلتلقي بذلك المقال جانبًا، وأبحث عن عوامل أخرى مشتركة بيني وبينك، أنا ممن يحبذون هذا الاتجاه وأحاول بين الحين والآخر التجريب فيه، ولا أعلم هل وفقت أم لا؟ فهذا في النهاية متروك للقارئ ليدلي بدلوه، حسناً، دعنا الآن نتحدث عن الخطوط العامة التي أراها لهذا الاتجاه ولنرى إن كنت تتفق معي في هذا إن كنت متحمسًا لتجريب هذا الأمر.
إن أردت أن تكتب عملًا ما سواء قصة قصيرة أو رواية كاملة بالعامية، إذن هل ستكون عامية رجل الشارع العادي؟ وإن كانت عامية رجل الشارع العادي؟ فأي رجل شارع، المتعلم، نصف المتعلم، الأمي، سنقول وقتها أنه تبعًا لطبيعة الشخصية ومستواها الاجتماعي والثقافي، حسناً هذا الأمر صحيح بالنسبة لمستوى الحوار بين شخصيات العمل، ولكن ماذا عن الجانب السردي الذي يشتمل على الوصف والأحداث، هل سيخضع أيضًا أو يتبع الشخصية التي تتمحور حولها الأحداث، الجانب السردي في العمل قد يتعلق بالراوي نفسه وهو ما أعني به الكاتب، فأنت تعبر فيه بأسلوبك الأدبي. وأما جانب الحوار بين شخصيات العمل فهو تبعًا لكل شخصية، حسنًا وماذا سنصنع في شخصية من مستوى اجتماعي متدني، وهي الرواية وليس الكاتب؟ هل سينحدر مستوى الأسلوب الأدبي ليناسب هذه الشخصية؟ أتصور نعم، ولكن يجب أن تكون مصبوغة من لدن الكاتب بصبغة أدبية أيضًا، يجب أن يحاول وقتها الموازنة بين مستوى اللغة المطروح، والذي تحاول أن تجعله متوافقًا مع طبيعة الشخصية، وأيضًا ألّا ينحدر فيكون سردًا عاديًا، كالذي نسمعه في الشوارع وعلى موائد المقاهي، فلربما من يجلس على المقهى أفضل منك في هذا الباب من السرد، إذن فما الفارق الذي صنعته ككاتب، هذه هي القضية التي يجب أن يشغل الكاتب نفسه بها، كيف أوازن بين أسلوبي أنا الأدبي وبين المستوى الفكري والثقافي ومحصول الكلمات وقدرة الشخصية على التعبير إذا كانت من مستوى ثقافي منحدر؟
يذكرني هذا المقال برواية قصيرة كلها بالعامية سردًا وحوارًا اسمها "بازل" لا أتذكر اسم صاحبها، وكانت تتناول شخصيات في منطقة شعبية والكاتب يسرد الأحداث على لسان هذه الشخصيات فتّدرج في الانحدار بالمستوى الأدبي للغة تبعًا لكل شخصية والمكانة الاجتماعية التي تتبوأها، حتى أنه في الحقيقة وصل إلى القاع، الحقيقة أن تجربته في كتابة عمل أدبي بالعامية كانت سيئة للغاية، وغير موفقة بالمرة، ولم استشعر أي جمال أدبي في العمل، فما سرده لا يختلف كثيرًا عمّا يتردد على ألسنة العوام، فأين الإبداع فيما وضع وكتب؟! لا شيء! ومن فرط سخافة العمل وتدينه أدبيًا لم أتذكر اسم كاتبه.
دعنا نتوقف قليلًا، ونسأل سؤالًا هامًا: هل فشل الكاتب في تجربته هذه ينسحب عن التجربة ككل؟! ويمكن الحكم عليها هي أيضًا بالفشل؟ بالتأكيد لا، الفشل هنا متعلق بكاتب هذا العمل فقط. ولا تنسحب عن التجربة ككل.
دعنا نعود مرة أخرى لموضوعنا، إذا كنت تنوي الحديث عن طبقة اجتماعية رقيقة الحال وبالعامية المصرية، يجب أن تحقق المعادلة الصعبة بين أن تتكلم بلسان حالهم وأن تُبقي على أسلوب أدبي شيق رشيق يجذبني كقارئ لكلماتك، وبالتالي تكون فزت الفوز الأعظم، وكما يقال ضربت عصفورين بحجرٍ، وإن كنت تتناول في أحداث عملك شخصيات على مستوى علمي يرقى للجامعي، وما بعده، فيجب أن تتذكر أيضًا أنه ليس كل جامعياً قادراً أدبياً على التعبير عن نفسه، قد لا يختلف كثيرًا عن العوام، وقد لا يكون هناك أي عمق أو بعد في أفكاره، قد تكون بسيطة وهشة جدًا، ولكن يبقى الخيط العام هو أسلوب الكاتب الأدبي، وبالتالي هذا يقودنا إلى نقطة أخرى هامة.
هل مستوى جودة العمل أدبيًا، وأقصد هنا جماليات اللغة مرهونًا بكوّنه فصحى أو عامية؟، من وجهة نظري لا، بل هو مرهون على أساس الأسلوب الأدبي الخاص بالكاتب، لربما كاتب ما صاغ كل عمله بالفصحى، ولكن يبقى ركيكًا، وذلك لأن أسلوبه الأدبي ركيك، إذن الأمر لا يتعلق بكون العمل مصاغ بالعامية أو الفصحى، ولكنه يتصل إتصالًا أساسيًا بالأسلوب الأدبي للكاتب، هذا ما يجب أن تركز عليه ككاتب إذا قررت أن تخوض غمار تجربة كتابة عمل أدبي كاملًا بالعامية سواء في السرد أو في الحوار، وسيكون الأمر أكثر مشقة مما لو كتبته بالفصحى، ولكنها تبقى تجربة مثيرة يجب أن تخوض غمارها، وتجرب نفسك في منطقة جديدة، تستحق منك بالفعل هذه المغامرة ولا تلتفت للمتشككين فيها أو الرافضين لها، بل حاول أن تكون منفتحًا وقتها على جميع التجارب الأدبية المختلفة.
وقد يأتي سؤال آخر هام وحيوي، من قرر أن يجنح لكتابة كل عمله أو عدد من أعماله من الألف إلى الياء بالعامية، فإنه بذلك قد قام بحبس نفسه في إطار القراء المحليين، لن يلقى عمله قبولًا لدى سائر القراء العرب، هذه الإشكالية إلى حد كبير بالنسبة للعامية المصرية غير موجودة، فعلى حد علمي جميع القراء العرب يعرفون العامية المصرية جيدًا، وإن لم يتحدثوا بها، ولكنهم يفهموها. و تبقى في الأخير كإشكالية أنها لن تلقى إستحسانًا لكثير من القراء العرب غير المصريين، هذا حقيقي، ولكن تذكر أنك تحاول أن تجرب نمط جديد في الكتابة فلا تدع شيئًا يثنيك عن فعل ذلك. وأمّا بالنسبة لسائر اللهجات العربية الأخرى ستكون الإشكالية أكبر وجلية بشكل واضح، ولكني أقول أيضًا وما الضرر في أن تكتب لأبناء جلدتك فقط، لن تكتب كل أعمالك على هذا النحو، لربما عمل أو عملين أو حتى ثلاثة، وسيبقى أمامك متسع من الوقت لكتابة أعمال أخرى بالفصحى حتى تصل إلى جميع القراء العرب، أنا أفعل ذلك، ولا تعارض بين أن توجه بعض من نصوصك الأدبية للقراء المحليين، وأخرى للجميع، في النهاية هي تجربة تستحق أن تخوض غمارها كما قلت، وهي ليست بديل أو تمثل اتجاه إزاحة لما هو قائم بالفعل؛ لأن هناك بعض الكتّاب يتعاملون مع أي اتجاه جديد بنوع من الراديكالية، يعتبروها إزاحة وهدم لما سبق، هذا ليس موجود بالمرة في عالم الأدب، لا يوجد اتجاه جديد يلغي ما سبق، ولكنه يجاوره في السكن، هذا هو الأصح والأفضل أن تتبعه حتى تكون أمامك آفاق رحبة تسع جميع أشكال الأدب التي تطمع أن تجربها جميعًا.

الفرق بين الموهبة والمهارات المكتسبة


أرى أن هناك خلط يقع بين المهتمين بالأدب بخصوص تعريف "الموهبة" والفرق بينها وبين "المهارات الكتابية المكتسبة"، لقد وقعت في الخلط بين هذين المصطلحين كثيرًا، وأحسب أني توصلت لفهم مُرضي على نحو ما لهذا الأمر.
تعريفي للموهبة هو مدى قدرة خيال الكاتب على الجموح. وربما يندرج تحتها أيضًا قدرته على رؤية الموضوع من منظور مغاير لَمَ يرى به الإنسان العادي غير المشتغل بالكتابة، ويظل هذا التعريف الذي صغته للتو محل شك، وقابل للجدل، والاختلاف حوله.
أما أسلوب الكاتب الأدبي، تقنيات الكتابة، المدارس والمذاهب المختلفة في فن الكتابة، المعلومات المضفرة داخل النص الأدبي أيًّا كان لون هذه المعلومة وكثافتها داخل النص، هذه كلها وغيرها أمور مهارية مكتسبة، وليست من قُبيل الموهبة، و إنما يتم تحصيل هذه المهارات كلها بالدراسة وكثرة القراءة وأن يتقبل الكاتب النقد الأدبي الموجه لعمله، وليس فقط قبوله، ولكن العمل به إذا كان في موضعه.
هل هذا يعني أن شخص لا يمتلك الموهبة وفق التعريف الذي طرحته أن يكتب عملًا أدبيًا جيدًا؟، في ظني نعم، يمكنه ذلك، لأني أتصور أن الموهبة تمثل من مجمل العملية الأدبية 30% فقط. والباقي هو مهارات كتابية مُحصلة أو مكتسبة، والذي يميز كاتب عن آخر هو في الخيال والطرح، وإن كانت طريقة الطرح المغايرة قد تندرج في بعض الأحيان تحت مصطلح مهارات كتابية مكتسبة، وأحيانًا يمكن نسبها للموهبة. لا رجحان في نسبتها لأيٍ منهما، الموهبة كما قلت تتمثل في قدرة الكاتب على الجموح بخياله حيث لا يستطيع الآخرون فعل مثله.
إذن من الممكن لأي شخص أن يكتسب مهارات الكتابة بالتحصيل الدراسي، وكثرة القراءة، والاستماع لآراء الأخرين، نعم هذا ممكن، ومن الممكن أيضًا أن يترك أثرًا أدبيًا طيبًا، لأن 70% من العملية الإبداعية قائمة على التحصيل والدراسة والقراءة.
وإذا أفترضنا أننا أمام كاتبين حّصلا نفس المقدار من المهارات الكتابية، ولديهما نفس نهم القراءة، ولكن أحدهما قادر على الجموح، والشط بخياله حيث لا يستطيع الآخر بلوغه، هنا يكمن التمايز، والذي يعتمد على موهبة منحة ربانية، لا يستطيع الآخر بلوغها أو تجاوزه فيها مهما حصّل من معرفة ومهما قرأ.
ولكن هذا يضعنا أمام إشكالية أخرى، الذين يدعون أن لديهم قدرة على التخيل، وأنك تعتبرها موهبة، أليس من الممكن بكثرة القراءة، والتجربة الحياتية، وتأثر الإنسان ببيئته أن يجتمع لديه خيال واسع خصب، فحتى الخيال هو مستمد من واقع بيئي ومعرفي، ولا يأتي من فراغ، إذن عدنا لنقطة الصفر، إذن هل الخيال موهبة فطرية؟ فطر الله بعض عباده عليها أم أنها من الجائز أن تكون مكتسبة بالكلية؟ أليس من الممكن أن يتدرب الكاتب على توليد الخيال حتى يجيد هذا الفن فيصبح عادة مكتسبة؟! نعم. نظريًا كل هذه الأمور ممكنة، ولكن في ظني الذي يدحض هذه الفكرة بالكامل، ومن الممكن أن يسقطها من كونها نظرية معتبرة لنقلها لخانة النفي هما مثالان من أرض الواقع.
المثال الأول: الشاعر فاروق شوشة والشاعر أمل دنقل، أيهما أكثر تمكنًا في اللغة العربية وجمالياتها ومحسناتها البديعية ومواطن الجمال فيها؟ أيهما يحمل في جعبته من مفردات اللغة العربية أكثر من الثاني؟ بالتأكيد وفق هذه المعايير والمقاييس سيكون فاروق شوشة، وقد يكون فاروق شوشة أكثر قراءة للشعر وحفظًا له من أمل دنقل، ولكن إذا قرأت لكليهما، مَنْ تستشعر فيه جمال الشعر، ولن أقول موهبة الشعر، هل أمل دنقل أم فاروق شوشة؟ أعتقد أن الأغلبية ستوافقني على أن أمل دنقل هو على قمة الجبل، و ربما فاروق شوشة على سفحه؟
هل من الممكن من خلال المثل الأول أن نقول أنَّ ما يميز أمل دنقل عن فاروق شوشة الموهبة؟، نعم هي كذلك، قدرته على توليد صور من بنات أفكاره لاشك فيها. في حين أنّي أرى فاروق شوشة يحاول اصطناع الصور اصطناعًا، وذلك مما حفظ ودرس.
المثال الثاني: يوسف زيدان وإبراهيم عبد المجيد، أيهما أحفظ للتاريخ؟ أيهما أكثر تمكنًا من اللغة العربية؟ أيّهما لديه مخزون من مفردات اللغة العربية أكثر من الثاني؟ بلاشك سنقول وقتها يوسف زيدان، ولكن وهذا رأيي الشخصي أيضًا، أن خيال يوسف زيدان محدود بشدة، أقرأ له النبطي، لتجد أن خياله شديد الفقر ومحدود للغاية، وما أنقذ روايته من إفلاس الخيال هو براعته في تضفير معلومات تاريخية كثيرة في إطار أدبي، معلومات تاريخية لم تكن تعرف عنها شيئًا، وستثير فضولك للغاية، لأن تعرف عنها المزيد من خلال روايته النبطي، دعنا ننتقل إلى إبراهيم عبد المجيد، وتّطلع إلى خياله الجامح الذي لا تحده حدود في عدد من أعماله على رأسها ثلاثيته عن الإسكندرية، رجل إذا انطلق بخياله لا يستطيع أن يوقفه شيء، و يولد الخيال من الخيال، ويتوالى لديه الخيال ويتداعى بلا توقف، وبسلاسة شديدة، وقادر بحق على أن يبهرك بخياله الجامح الذي لا سقف ولا أفق له.
إذن هل الفيصل في الأمر بين مبدع وآخر يتمحور في الخيال، أظن أنه كذلك، مثل الصوت الحلو الذي يبهرك سماعه بدون أن يتدرب وتعجب من أين له بهذا الصوت الجميل؟ ولكن إن لم يصقل هذه الموهبة الربانية بالدراسة بقيَّ أنه مجرد صوت عذب، ولكن غير مدرب، ومن الممكن أن يكون هناك مطرب آخر لا يتميز بالصوت العذب، ولكن مع كثرة التدريب، و كثرة الممارسة، وكثرة التحصيل والدراسة، ويصل إلى درجة قد تلفت نظرك إلى صوته، وأسحب ذلك الأمر على الملحنين والرسامين.
وهذه ظاهرة ملحوظة في عالم الغناء بين الموهوبين والمتدربين، فإيهاب توفيق على سبيل المثال صوت تدرب جيدًا على الغناء، ودرس ذلك من خلال المعهد العالي للموسيقى، وأجاد الأمر كصوتٍ متدرب، وليس كصوتٍ يحمل موهبة ربانية، ولكنه في المحصلة النهائية استطاع أن يكتسب مكانة بفضل تدربه، إذن النجاح في المجال الإبداعي ليس شرطًا فيه الموهبة، ولكن يمكن النجاح فيه بالتحصيل والإجتهاد، وهذا يلفت الأنظار أيضًا إلى أن أصحاب المواهب في مختلف المجالات الإبداعية، إن لم يصحبها صقل للموهبة عن طريق الدراسة والتحصيل والتدريب المستمر، لن يشفع لصاحبه أنه اكتفى بموهبته، وجائز جدًا أن يتفوق عليه آخر غير موهوب، ولكنه تدرب جيدًا، واكتسب المهارات اللازمة حتى أصبح منافسًا له، و ربما أفضل منه.
الموهبة في المجال الإبداعي هي عامل تمايز، وليس جوهرًا مستقلًا بحد ذاته يضمن نجاح أي مبدع.
لذلك من يحسب أن موهبته تكفي وتشفع له فهو مخطئ لأن الموهبة لا تتجاوز وفق ما افترضت أكثر من 30% من العملية الإبداعية. وأمّا الباقي اجتهاد وتحصيل.

للشعر ميادين أخرى

الذين يكتبون شعر العامية والفصحى، معظمهم يكتبون الشعر في باب الغزل والحب والغرام فقط، وكأنّ الشعرَ خُلِقَ فقط لهذا الأمر، وتحول إلى أن يكون الموضوع الأوحد لأي شاعر أقرأ له على الفيس بوك، أو حتى في دواوين مطبوعة. والشعر عالمه أوسع وأرحب وأعظم من قصائد الحب، وميادينه أكبر من أن تتمحور فقط حول الحب، أشعر بحسرة وأنا أقرأ قصائد لشعراء أجانب يتناولون موضوعات شتى أغلبها لا يتعلق بالحب والرومانسية، وتكون رائعة وأفضل وأقوى وأجمل، رجاءً كفانا من شعر حبكم الذي أصبح نسخًا مكررة مشوهة من بعضها البعض، لا أجد فيها أي جديد كلها دموع، وأشواق، وفراق، وحب، وآهات، وحزن، وضياع، وتيه، عدد من المفردات تتكرر في كل القصائد التي أقرأها، وكأن الشعر كله هذا، سئمت أنا شخصيًا من شعركم الرومانسي الذي فرغ من كل جديد؛ لأنه قُتِلَ كتابة، ولم يعد يجدي فيه أي قول جديد، وللشعر ميادين أخرى غير السياسية السخيفة التي أصبحت منبرًا يعتليه كل سفيه مع الأسف الشديد، ليكتب ما يزعم أنه شعر سياسي، والله قصائد كغثاء السيل كلما أوغل في السب والقذف تألق كشاعر سياسي، أفلا تعقلون!
هناك مساحة أرحب وأوسع وأجمل بكثير من هاتين المنطقتين اللتين هُتك عرضهما شعرًا.
وأضم إليها كافة القصائد الوطنية، والتي تتناول مصر على شاكلة (وأنتِ حزينة ليه يا مصر- قومي يا مصر- شدي الحيل يا مصر - ولادك يا مصر) وكأن هؤلاء لديهم قائمة محفوظة بقوالب معينة يغيرون ترتيبها فقط، ولا يحسنون أكثر من ذلك.
أقول مرة ثانية للشعر ميادين أرحب وأوسع وأجمل من كل هذا الهراء مع الأسف الشديد.
جددوا لأنكم تقتلونا بهذه الأشعار المقولبة.
أقول لهذه الفئة، ميلكم المفضوح لهذه النوعية من القصائد لهو خير دليل على ضحالة ثقافتكم وهشاشتها، وغياب كلي للقراءة المتبحرة المتنوعة، هل تقرأون حرفاً في الفلسفة وعلم النفس وعلم المنطق؟، هل تقرأون في التاريخ حرفاً؟ إن لم تقرأوا في كل هذه المجالات. فكيف تنبرون لكتابة الشعر، والشعر يحوي كل هذه العناصر معًا، ولا أبالغ إن قلت في قصيدة واحدة، ولكن لضعف حصيلتكم الثقافية تنبرون للكتابة فيما لا يفضح هشاشتكم وضحالتكم، ولكنه على الرغم من ذلك يفضحكم وأنتم لا تشعرون!
كما إنه من الملاحظ وبشكل عجيب إنَّ غالبية من يكتبون في هذه الأنواع لا يحسنون الكتابة لا إعرابًا ولا إملاءً، ولا يحسنون صياغة صور جمالية ومحسنات بديعية واستخدام الاستعارات المكنية في مكانها. وإن استخدموها استنسخوها من قصائد السلف، إن هي كلها إلا قائمة طويلة من أشعار مقولبة يتلاعبون بها يمينًا ويسارًا.
قصائد ركيكة تكشف على الفور ضعف اللغة العربية لدى هؤلاء سواء كانوا شعراء عامية أو فصحى، فلا تستشف مما يكتبون حسنة واحدة تحسب لهم، وكلما أوغلت في قراءة أعمالهم، لتجدها صدى لمئات الأشعار التي سبق وقرأتها.
حتى أنهم غير قادرين على صنع صورة مختلفة مغايرة، تكون من بنات أفكارهم، كلها صور مستنسخة من آخرين، ويا ليتها بحرفية أو بصنعة يحمدون عليها، ولكن بركاكة شديدة وبلاهة فاقت الحد.
وأطبق قولي هذا على معظم من قرأت لهم على الفيس بوك إلا قلة قد يعدون على أصابع اليد الواحدة، ومِنْ ثَمَّ يتساءلون لماذا لم يعد القارئ يقرأ شعرًا، بالله عليكم وهل هذا شعر حتى يُقْرَأ؟!


تكتب من أجل نفسك أم من أجل القارئ.


من الأسئلة الشائكة التي تواجه أى كاتب، هل تكتب من أجل نفسك أم من أجل القارئ؟ أحب أن أقول بداية أن كل القضايا والإشكاليات والتساؤلات المطروحة في عالم الأدب دائمًا ما تجد لها متطرفين فكريَا على كلا الجانبين بين مؤيد ومعارض.
نصيحتي لك ككاتب، أبتعد عن رأيّ المتطرفين (المعارض والمؤيد) وسأُذَكِركَ دائمًا أن في عالم الأدب لا يوجد رأي يسار، أو رأي يمين، كل الاتجاهات والآراء متاحة أمامك. وفي عالم الأدب القضية الواحدة لا تقبل القسمة على أثنين فقط، ولكن تقبل القسمة على كل الأعداد المطروحة لموضوع واحد، وعلى كل كاتب أن ينتقي الرأي الذي يعجبه، ولكن كما أسلفت ابتعد عن المتطرفين فكريًا، دائمًا حاول أن تكون في منطقة وسط بين التطرف واللين.
الكاتب من الممكن أن يكتب من أجل نفسه، هذا صحيح، ومن الممكن أن يكتب من أجل القارئ أيضًا! ما هذا؟! يمكن أن يصبح الكاتب الاثنين في آنٍ واحد، نعم ولِمَ لا! هذا ليس كلامَا قرآنيَا حتى تتبعه، ولا تتبع غيره، أو لا يمكن تأويله، أو الجدال بشأنه، يا سيدي الفاضل كل الآراء الأدبية قابلة للتفنيد.
أثناء كتابتي لمجموعتي القصصية (وش القهوة) لم يكن يشغل بالي رأيّ القارئ، أو الناقد الأدبي تمامًا، كنت أحس أنّي أكتب هذه المجموعة القصصية لنفسي، لمروان فقط، وطالما أقتنع بها مروان فكل ما ورد فيها جميلًا! وسواء أعجبت القارئ في النهاية، أو لم تعجبه، فهذا لا يمثل أي فارق بالنسبة لي، وبالمناسبة كان تقييم المجموعة القصصية على موقع الجودريدز في حدود النجمة ونصف النجمة ! و لكن كلما راجعت هذه المجموعة القصصية وأعدت قراءتها لنفسي كنت أشعر بسعادة بالغة مما كتبته، وأتساءل باستغراب وغبطة شديدين، كيف كتبت هذه النصوص البديعة؟!
وفي عمل آخر مثل رواية (التربة الحمراء) فأني حرصت أشد الحرص على أن أتفادى كل ما يمكن أن يزعج القارئ في عملي، ولو كانت هذه الفقرة مثلًا مملة، وأعتقد أن القارئ سيستشعر فيها الملل. إذا عدلتها أو حذفتها، ولو ارتأيت أن هذه الشخصية في طريقة رسمها قد تتسم بالمبالغة، أو أن ردود أفعالها لا تتسق مع طبيعة مهنة هذه الشخصية قمت بمراجعة الشخصية على طول خط العمل، وأنا أكتب هذا العمل أصنع لنفسي سيناريوهات عن آراء النقاد والقراء بخصوص مواضع معينة في العمل، وأعمل على تغييرها وفق هذه السيناريوهات والتصورات. وأحيانًا أفكر لو أضفت هذا الموضوع. هل من الممكن أن يثير حماسة القارئ أكثر؟ فأضيف هذا الموضوع لو استشعرت أن فيها حماسة وجذب لانتباه القارئ؟
فبالتالي من الممكن أن تكتب لنفسك مرة، ولا تراعي القارئ فيما تكتب، لأنك تحسب فيه حساب نفسك فقط، ومدى رضاك أنت الشخصي، وفي مرة أخرى وأنت تكتب عملًا آخر تراعي القارئ مراعاة كاملة فيما تكتبه، وتضعه دائمًا في حساباتك، وفي مرة ثالثة تحاول فقط أن توازن بين رغباتك ورغبات القارئ.
أفتح لنفسك كل الاحتمالات، وأعمل عليها براحة تامة، ولا تغلق على نفسك باب من الأبواب، وتقول إنّني ملتزم بهذا الاتجاه فقط، وضد سائر الاتجاهات، كل الاتجاهات ترحب بسيادتك بأريحية تامة، وتقبل أن تلعب وفق قواعدها، أو تغير في بعضها، أو كلها، هذا هو عالم الأدب الرحب.


أيهما أرقى أدبيًا ؟


هل يجب أن يحتوي كل عمل أدبي سواء كان رواية أو قصة قصيرة على هدف أو رسالة أو قضية؟ عندما طرحت هذا التساؤل من خلال منشور لي على صفحتي الشخصية بالفيس بوك جاءتني ردود مختلفة، ولكنها في مجملها إجابات جيدة غير متطرفة.
كيف أرى هذا الأمر؟ وهذا يدفعنا لأن نسأل السؤال الأول: هل كل عمل أدبي يجب أن يحمل هدفًا أو رسالة أو قضية؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال. و ما يدفعنا بالضرورة للتساؤل مرة أخرى، هل كل عمل أدبي يخلو من هدف أو رسالة أو قضية يتحول لعمل فاقد للقيمة الأدبية؟
هذان السؤالان يذكراني بحادثة حدثت لي، وأجد فيها بعض الطرافة، وهي أنني كنت أقرأ قصة قصيرة لي بعنوان (سرادق بوص) في إتيلية الإسكندرية (إتحاد الكتّاب و الفنانين) منذ ثمانية عشر عامًا، وكانت تتناول وصف الزار في فترة الخمسنيات، وأجواء الإسكندرية في ذلك الوقت، وبعدما انتهيت من قراءة القصة، قالت واحدة من الحضور بحماسة: أنها قصة مهمة جدًا تناقش قضية الزار والخرافات وتسلط الأضواء عليها، الحقيقة أنني ابتسمت وقلت لها ببساطة: لا والله لم أكن أقصد أي شيء مما قُلْتِ. أصابتها الدهشة. وأتذكر حتى يومي هذا تعبير وجهها الداهش، وابتسم كلما تذكرته، وهي ترد مذهولة: كيف ذلك؟ ألست تتناول موضوع الزار في عملك؟ قلت لها بهدوء: نعم، فعقبت: إذن أنت تناقش هذه القضية وتلفت إليها الأنظار، و بتلقائية أجبت: لا والله لم يكن هذا قصدي بتاتًا، فردت بحدة وقد تخلصت من ذهولها: كيف للواحد أن يكتب قصة بدون هدف أو قضية يناقشها؟ فأجبت: يكفي أنك استمتعتِ بخيالي، كما استمتعت أنا بخيالي، وأنا أكتب هذه القصة وحسبي ذلك، فكل التفاصيل الدقيقة التي وردت في هذه القصة هي من حكي والدي أطال الله في عمره، وكان استمتاعي من منطلق اعتنائي بكافة التفاصيل الصغيرة لأجواء المدينة في هذه الحِقبة من أسعار البضائع ونوعيتها المستخدمة في الزار، و وصف شكل المدينة والمواصلات حينها، ولم أكن أهدف، لأن أبث أي رسالة في العمل، طبعًا يومها قمت بامتصاص كل نظرات الاستهجان والاستحقار من طرفها بهدوء !
المغزى من هذه الحادثة هو أنه لا يجب أن يكون وراء كل عمل أدبي قضية أو هدف أو رسالة أريد أن أدفع بها للقارئ، أن يتستمع القارئ بخيالي واستمتاعي أنا الشخصي بخيالي هو هدف نبيل في حد ذاته، ليست دفاعًا عن مقولة الفن من أجل الفن، وهذه الترهات الكثيرة التي لا أحب أن أجّمل بها كلامي.
ولكني أحيانًا أحب أن أكتب شيئًا استمتع فيه بخيالي دون أن أضع أي هدف آخر للعمل الذي أكتبه، وأتمنى عند عرض العمل على القارئ أن يستمتع بخيالي بالقدر الذي استمتعت به، هل ما أقوله هو مبدأ أو قاعدة ثابتة في عالم الأدب يجب عليك الالتزام بها؟ ليس المغزى من هذا المقال أن تصل لنتيجة تقول فيها: "سأكتب كل أعمالي بدون هدف"، لو هذا ما فهمته حتى الآن فأنت تسرعت في استنتاجك ليس أكثر، لا توجد قاعدة ثابتة أو راسخة في عالم الأدب، كل القواعد يمكنك الالتزام بها، ويمكنك كسرها في نفس الوقت، ولكن حتى عند كسر القواعد يجب أن تتبع منهجية ما تنبع من كوّنك شخص مطّلع متمرس في فن الكتابة.
من الطبيعى جدًا أن تكتب عملًا، وليس في مخيلتك أو جال حتى بخاطرك أي هدف أو قضية تناقشها من خلال العمل الذي تكتبه، وهناك عمل آخر أنت بنيته من الأساس على هدف معين أو قضية ما تحب أن تناقشها وتسلط عليها الضوء، وتلفت نظر القارئ إليها، وتقرع فيها أجراس الخطر، هذا متاح، وهذا أيضًا متاح، ولذلك سأظل أقول لك تعامل مع كل القواعد الأدبية على أنها نسبية، وستجد نفسك منفتحًا على كل الاتجاهات الأدبية المختلفة، وستتعامل معها جميعًا على أنها نسبية، وستتقبل كل هذه الاتجاهات جميعًا بدون أي خصومة حقيقية بينك وبينها.
من جمال عالم الأدب وميزته الأهم أنه ليس هناك فيه حقيقة مطلقة وحيدة، وكل الحقائق فيه من فرط نسبيتها تقبل أن تتبادل المواضع بين كونها خطأ وصحيحة.
أيضاً من المألوف تمامًا، وأنت تكتب عملًا، وتستمع فيه بخيالك ولا هدف لك من وراء كتابة العمل إلا ذلك. أن يأتي قارئ يقرأ هذا العمل ويعمل على تأويله واستنباط رسائل مختلفة منه وقضايا وأهداف متعددة، هذا أمر جميل ولكنه يبقى تأويل القارئ الذي لا تملك شيئًا بشأنه، ولا يخصك في المقام الأول ولكن يخص القارئ وحده .
بعد هذه الإجابة المستفيضة على السؤال الأول. هذا يدفعنا للإجابة على السؤال الثاني، وهو هل خلو العمل الأدبي من أي قضية أو رسالة أو هدف يفقده قيمته الأدبية؟، قبل أن تجيب السؤال دعني أذكرك بألا تتطرف فكريًا، وتذكر دائمًا أن المتعصبين و المتطرفين فقط هم من يملكون إجابة واحدة على هذا السؤال. والمنفتح عقليًا على جميع الآراء يملك العديد من الإجابات على نفس السؤال، لا تكن من أصحاب النظرة الأُحُادية، وأصطحب معك منظار متعدد الرؤى.
لدينا عمل يناقش قضية ما وآخر لا يناقش أي قضية، هل يجعل ذلك العمل الأول أسمى وأرقى من العمل الثاني؟ لا يوجد أبيض وأسود في عالم الأدب، عالم الأدب زاخر بكل الألوان، لا إثبات جازم قاطع ولا نفي جازم قاطع.
خلال كتابتي لرواية (ِشارع الست نخلات) في كل فصولها ما عدا فصلين تقريبًا لم يكن لدي هدف أو قضية أو رسالة أناقشها سوى أنني استمتع فقط بما أكتب، ويكفيني هذا، ولا يجعلني أخجل أن أصرح بذلك، والفصلان اللذان أتصور أنهما محّملان بقضية ما، لربما أتيا بمحض الصدفة أثناء صياغتي، وتخيلي للأحداث، ولم يكن عن عمد وقصد. ولربما ساقتني الكتابة وقتها لكتابتهما غير محّملين بأي قضية، لقد كانت الكتابة هي التي تفرض نفسها على الأحداث دون إرادة حقيقية مني.
هل ما فعلته فى رواية (شارع الست نخلات) يفقد عملي هذا قيمته الأدبية؟ بالتأكيد لا، طالما توفر في أي عمل أدبي يخلو من أي قضية يناقشها مقومات أدبية محكمة يكون عملًا جيدًا، وربما رائع جداً.
أيضًا أحب أن أنوه لمثال آخر في روايتي (التربة الحمراء)، هل كان بمخيلتي قضية معينة أناقشها؟ نعم كانت حاضرة منذ البداية والرواية بالكامل مؤسسة على هذه القضية، قد أسمع قائل يقول: "غريب أمرك، ما تقوله يصيبني بالجنون، تنفي الأمر ثم تثبته مرة أخرى"، أنا لا أنفي ولا أثبت، لو قلت هذا فأنت أحُادي النظرة فقط لا غير، وكون عملي الثاني محمل بقضية ما، هذا لا يجعله أفضل من عملي الأول بأي حال من الأحوال، حتى تريح بالك ويطمئن قلبك، هناك مدارس أدبية مختلفة، وعلى كل كاتب أن يجرب كل هذه المدارس بدون تحفظ، وأن يمارسها جميعًا ليس من أجل أن يحبس نفسه في قالب معين، أو يتبع مدرسة معينة بعد تجريب عدة مدارس أدبية، ولكن لأنه مستمتع بمغامرة أن يجرب المدارس الأدبية المختلفة.


إشكالية اللغة في العمل الأدبي


هناك نوعان من المتطرفين في عالم الكتابة، النوع الأول يريد أن يثبت للقارئ والكاتب معاً، أنه متمكن جدًا من اللغة العربية، فيلجأ إلى مفردات صعبة وغريبة أحيانًا، وأيضًا تراكيب لغوية للجملة معقدة وصور جمالية كثيرة يزخر بها نصه الأدبي النثري، ومنهم من يجنح أكثر ويتقمص أسلوب الجاحظ أو بن المقفع الأدبي، ومنهم من يتخفف قليلًا ويتقمص أسلوب المنفلوطي أو الرافعي الأدبي، النوع الأول من هؤلاء المتطرفين يعلن بوضوح مقته الشديد لأي حوار بالعامية بين شخوص العمل الأدبي ويعتبره دعوة لتدمير اللغة العربية والمؤامرة عليها ...إلخ.
أما النوع الثاني فهو ضعيف في لغته العربية إملاءً ونحوًا وصرفًا وفي صياغته للجملة، وهذا يّدعى فى الغالب أنه يكسر كل القواعد الأدبية، والخروج عن التقليد كما يزعم، ويعلن عن أسلوب أدبي جديد يحاول أن يواري به سوأته وضعف عربيته.
كذلك النوع الأول من هؤلاء المتطرفين يهتم أكثر بالشكل على حساب المضمون، وبزخرفة لغته العربية من مختلف المحسنات البديعية والصور الشاعرية والكنايات والاستعارات ويقوم بحشو نصه بكل هذا، فأنت في النهاية تقرأ كلام مزخرف جميل. وأما المضمون صفر أو يكاد يقترب من الصفر بجدارة!
الصور الشاعرية المكثفة مكانها القصيدة الشعرية، وليس النص النثري، ولنأخذ مثالًا على ذلك، وهي أحلام مستغانمي، تصفح أيًّا من رواياتها من الصفحة الأولى حتى الصفحة الأخيرة، لا وجود لأي أحداث أو حوار فعلي بين الشخصيات، وغياب كلي للوصف، وغياب كامل للموضوع على حساب زخرفة الجمل وشاعرية الجمل واستخدام مفردات قوية تبعث على الخوف والرهبة، وأن تشهد لها كقارىء بتمكنها من اللغة العربية، وإجادتها التامة لها، أرى أن كل هذا درب من العبث والجنون، ومهما أبدع الكاتب في هذا المضمار لن يصنع منه روائيًا حتى ولو نجحت أحلام مستغانمي فى أن تصنع جمهور من القراء لها، ولكنها ستظل من وجهة نظري كاتبة ضعيفة لا تستطيع أن تفرض سطوتها على منطقة الرواية مهما بذلت من محاولات مضنية، وذلك لإفتقارها لمهارات الروائي الحق، فلتسرف حياتها كلها في زخرفة الكلام، و أن تقوم بحشو صفحات أعمالها بمئات الصور الشعرية، كل هذا لن يشفع لها أمامي كقارئ، فلتقم بتجسيد كل المشاعر في قالب شاعري جميل، ولتسرف أيضًا في سرد صور شاعرية متعاقبة، ولتتفنن في صياغة تراكيب لغوية جديدة، أو مستهلكة على الأرجح، كل هذا لن يجعلها تقترب ولو قيد أنملة من أن تحظى بلقب روائية من وجهة نظري، وشتان بينها وبين كاتبة عظيمة كرضوى عاشور.
شعراء العصر المملوكى في مصر اشتغلوا كثيرًا بزخرفة الكلام، واللعب بالألفاظ، والإتيان بألفاظ غريبة، أو شاذة، والتلاعب بالكلمات بين تقديم وتأخير، وإعادة تركيب شطر البيت عدة مرات، ولكن في نهاية الأمر ماذا تبقى من القصيدة؟ لا شيء يُذْكَر. فالموضوع غائب غياب كلي عن القصيدة، وعلى هذا ظهرت فى بدايات القرن العشرين مدرسة البعث والإحياء كصرخة اعتراض على هذا الاهتمام الشكلي السخيف الذي ضيع في المقابل المضمون، ومِنْ ثَمَّ توالت المدارس الشعرية المختلفة التي تسجل نفس صرخة الاعتراض.
هذا الاتجاه المبتذل كما أراه، عاد للظهور مرة أخرى، وأصبح له رواده الذين يتباهون بقوة لغتهم العربية، وهم لا يحسنون صنعًا ولا أرى فيهم مقومات حقيقية للروائي أو القاص.
يمكنك أن تستخدم هذا الأسلوب في كتابة خواطر نثرية في قالب شعري جميل، سأتقبلها منك بكل سعادة، ولكن أن تفرضها عليّ في قالب قصصي أو روائي مهما أدعيت من أنها عمل روائي أو قصصي، فهو بالنسبة لي مجرد اصطفاف لكلمات، وتلاعب بمواقعها ليس أكثر في ظل غياب تام لمقومات العمل الروائي أو القصصي.
أما المتدثرون بعباءة التجديد حتى يستروا عوراتهم بضعف لغتهم العربية، فلا أجد أي تعليق لائق بصددهم سوى أن يكفوا عن هذا الادعاء السخيف، وليذهبوا ليتعلموا العربية على أصولها وقواعدها الراسخة.
وأنا أرى أن اللغة التى تستخدم في كتابة الرواية أو القصة القصيرة يجب أن تكون لغة سهلة سلسة بسيطة سليمة في قواعد اللغة العربية من حيث النحو والصرف والإملاء، و ليس مطلوبًا من الروائي أو القاص أكثر من ذلك، أن تعرب الجمل بشكل سليم، وأن تكون الجملة سليمة من الناحية الإملائية، وهكذا فأنت وفيت الأمر حقه.
اللغة في عالم كتابة الرواية أو القصة القصيرة هي مجرد وعاء لحمل الفكرة، أيًا كانت هذه الفكرة، ولكنه يبقى مجرد وعاءً يجب أن يكون سليمًا لحمل الفكرة، وأن تحرص على ألا تكون تراكيبك اللغوية مبهمة تحتمل الكثير من الأوجه، بل يجب أن تكون واضحة القصد وغير مرتبكة، أن يكون القارئ قادرًا على هضمها جيدًا، واستيعابها وفهم المرمى المقصود منها، إن نجحت في ذلك، فأنت أتممت ما عليك من فروض.
أما الإفراط في الصور الشاعرية واللعب على ترتيب مواضع الكلمة في الجملة، فكل ذلك في النهاية يفضي إلى طغيان الشكل على المضمون، وعدم إلمام الكاتب بالصورة الكاملة من حيث أسلوب معالجته للفكرة، وطرحها في ثوب جديد ومن منظور مختلف.

أشكال بناء مختلفة للعمل الأدبي


توجد أشكال كثيرة للبناء الدرامي لأي عمل روائي أو قصصي، وللأسف هناك نفس الفئة في كل موضوع من موضوعات الأدب، والتي تتصف بالجمود، وتفرض على الجميع شكلًا معينًا، وأوحد للبناء الدرامي لأي عمل أدبي، وطائفة أخرى أكثر جمودًا، والتي تنادي بتجديد الشكل الذي سينسف ما سبقه نسفًا.
لا يوجد يا صديقي العزيز أشكال جديدة في السرد تلغي ما قبلها ولا يوجد شكل أوحد فقط لممارسة السرد، توقف عن أن تكون ضيق الأفق، كل الأشكال باقية وستبقى، و من حقك ككاتب أن تجرب جميع الأشكال في كتابة عملك الأدبي بحرية تامة.
لا تستمع لأي شخص سواء كان ناقدًا أو كاتبًا أو قارئًا يقول لك أن الشكل الأدبي الذي استخدمه كلٌّ من نجيب محفوظ أو إحسان عبد القدوس أو توفيق الحكيم .... ‘لخ لم يعد يصلح الآن، لا يوجد مثل هذا الكلام في عالم الأدب، صدقني أنت استمعت، أو قرأت إلى شخص جاهل، و هذا من حظك السيء!
البنيان أو النسق المعرفى في عالم الأدب تراكمي لا يلغي ما قبله ولكن يضيف إليه، هو ليس مثل العلوم التطبيقية، فإن بعض النظريات العلمية الجديدة تلغي ما سبقها من نظريات علمية قديمة، أتصور أن الوصف الأفضل للنسق المعرفي لعالم الأدب هو أن نقول أن جميع الانساق المعرفية الخاصة بالأدب قابلة للتطبيق في أي وقت، فلا جديد ولا قديم فيها، لا يوجد ما أصطلح عليه البعض لمقولة الشكل الحداثي للرواية والشكل الكلاسيكى للرواية، قد يصلح استخدامها للتفريق بين شكلين مختلفين، ولكني أتصوره في نفس الوقت استخدامًا خاطئًا؛ لأن في الأدب لا توجد معرفة تحل مكان معرفة أخرى.
فالكاتب حر أن يجرب جميع الأشكال المختلفة لبناء العمل من جميع نواحيه، ولا يستقيم أن نقول شكل جديد وشكل قديم، لأن كل الأشكال محل تجريب وممارسة، ولكن يمكن كما قلت أن تكون إضافة جديدة لأشكال موجودة مستخدمة، أرجو أن تلقي وراء ظهرك تنظيرات النقاد السخيفة في هذا الاتجاه، ولو أنك أتبعت كل ما يكتبونه من نظريات أدبية لقادك الأمر في نهاية المطاف، لأن تكتب رواية فاشلة، لأن غالبية النقاد فشلوا في كتابة عمل أدبي جيد فأتجهوا للنقد الأدبي من أجل سلخ الروائيين والكتّاب الناجحين! وهذه أول قاعدة ثابتة لا تتغير في عالم الأدب!
هناك شكل في كتابة الرواية يمكن أن نسميها أو نصطلح فيما بيننا بعيداً عن كتب النقد على تسميتها بالبناء الهرمي للعمل، والشكل الهرمي هذا يعتمد على مقدمة للعمل تمهد للدخول إلى موضوع العمل، ثم ذروة العمل أو العقدة ثم يأتي الحل في النهاية، وهي ما تسمى بالخاتمة، لو أن هناك أشكال أخرى لبناء عمل أدبي، هل يعني هذا أن نصنف البناء الهرمي للعمل الذي قدمته لكم الآن، بأنه قديم أو كلاسيكي؟ تخلص من هذه الترهات فورًا.
هناك أشكال أخرى في كتابة العمل الأدبي والتى أسميها الخط المستقيم حيث أنه لا يوجد مقدمة ثُمَّ موضوع ثُمَّ عقدة ثُمَّ حل، ولكن تأتي بدون مقدمة، ولوج مباشر وفوري لصلب الموضوع، وكأنك تقحم القارئ معك في خضم الأحداث الجارية من قبل، وتجعله يتابع معك ما أقحمته فيه للتو، وتدفع به للأمام في خط مستقيم متتبعًا الأحداث لفترة زمنية معينة ثم تقطعه بدون خاتمة من متابعة الأحداث وكأنك أقطعت فترة زمنية معينة مدتها عشر دقائق من ساعة كاملة قد تكون في منتصف الساعة، أو بعد بدايتها بقليل أو قرب نهايتها، جل ما في الأمر أنك لم تجعله يشهد الأحداث منذ بداية الساعة حتى نهايتها، ولكنك أطلعته فقط على عشر دقائق من هذه الساعة، ثُمَّ سحبته بعيدًا.
وهناك طريقة أخرى تعتمد على ولوج مباشر للأحداث ثم استخدام أسلوب الكشف التدريجى للأحداث التي فاتته، مرة أخرى لا تشغل بالك بالمصطلحات والتصنيفات المختلفة لأشكال بناء العمل الأدبي، فالأشكال كثيرة ويمكنك أن تجربها جميعًا، وأفضل طريقة لتجريبها جميعًا، أن تقرأ لكتّاب مختلفين لتّطلع على كل تجاربهم في ممارسة أشكال مختلفة من فعل الكتابة، ومِنْ ثَمَّ تجربها جميعًا، ولا تحاول تحصيلها من كتب التنظير الأدبي لأن أغلب هذه الكتب ستقودك لرواية فاشلة بامتياز.
ولربما أحببت أن تجرب شكلًا من أشكال بناء العمل يعتمد على نزع عنصر الزمن من الأحداث، أحداث غير مرتبة زمنية، ولكنها مصفوفة بشكل أنتزع منها عنصر الزمن تمامًا، لم يعد للزمن أي دور يلعبه في هذا العمل، وأشكال أخرى في بناء العمل تعتمد على تعدد الأصوات لوصف الحدث الواحد من منظور كل صوت مما ينبني عليه إضافة أحداث لنفس الحدث الذي يسرد كل مرة، وكأنك مّطلع من أعلى على هذا الحدث، وتراه من كل جوانبه التي خفيت عليك في أول مرة قرأت فيها هذا الحدث، أحيانًا حدث واحد من الممكن أن تصنع عليه رواية كاملة، ولأعطيك مثالًا على ذلك.
رجل يجلس في مقهى يحتسي الشاي، وقابل فيها صديقه وجلس يحدثه في شئون حياته، هذا مشهد تم تصويره لك من زاوية واحدة ولكن من الممكن أن تتعدد الزاويا للمشهد الواحد، وهو أن صديقه اشتبك في عراك بالأيدي مع بلطجي قبل أن يقابل صديقه في المقهى، وهكذا يمكنك أن تبني على حدث واحد عدة أحداث.
أيضاً أحيانًا يكون المكان هو محور الأحداث في الرواية، وليس الأشخاص، وأحيانًا يكون الزمن هو محور الأحداث في العمل، وليس المكان أو الأشخاص، ربما حدث وحيد هو الرابط الأساسي بين كل الأحداث، وهناك أيضًا روايات تعاقب الأجيال.
فبالتالي كما قلت وسأعيدها للمرة الأخيرة، لتكون الثمرة المفيدة التي تخرج بها من هذا المقال، إذا أردت أن تتعرف على أشكال مختلفة في بناء عملك الأدبي تعرف عليها من خلال قراءاتك للكثير جدًا من الروايات لكتّاب كُثْر عرب و أجانب.

الحذف ثم القراءة!


ذلك الموضوع الشائك والذي لا ينتهي الكلام عنه، الوصف الجنسي في العمل الأدبي، ولهذا الموضوع مؤيدين ومعارضين وإذا تعرضت لقول المعارضين تجد كل آراءهم حول هذا الموضوع تتمحور حول أنه نوع من الإسفاف وهدم للقيم ومخالف للدين ...إلخ، والمؤيد لهذا الاتجاه يرى أنه من باب التحرر والإبداع وعدم تقييد حرية الإبداع...إلخ.
وإذا سألتني عن رأيي الشخصي في كلا الرأيين، سأخبرك بأنّهما أسخف من أن تلتفت إليهما!، نحن لا نتكلم هنا عن مذهب الحرية والتحرر أو القيم والأخلاق، نحن أمام منتج فني، إذن أرتدي نظارتك الفنية وأتبعني؛ لأنَّ المنظار الفني الذي أرتديته للتو لديه رأي آخر لا يلقي بالاً لأي من هذين الفريقين.
هناك معايير فنية ومقومات فنية لأي عمل أدبي هي التي تحكم على جودة العمل من عدمه، الموضوع في أبسط صوره حتى تتمكن من تقييم أي عمل أدبي من حيث مقوماته الفنية أن تتبع قاعدة بسيطة وسهلة ( لو حذفت هذا المشهد أو هذا المقطع السردي هل سيؤثر في العمل ككل أم لا؟)، هذا هو الأمر فى أبسط صورة بدون أى تعقيدات أو تنظيرات سخيفة من أصحاب النقد الخزعبلي، وبعيداً عن دعاة الأخلاق ودعاة التحرر، فكلاهما كلامهم غث، وحتى يكون المطروح في هذا المقال على الصورة الأوضح، دعنا نقول أن كاتب ما كتب مشهد جنسي وصف فيه كل ما يمكن أن يحدث بين رجل وإمرأة على الفراش بأدق تفاصيله، هل من ناحية التقييم الفني للعمل الأدبي لو قمت بحذف هذا المشهد برمته هل سيؤثر في العمل أم لا؟، إن لم يؤثر فهو حشو زائد بلا داعي ورغبة من الكاتب في فرقعة أدبية تواري رداءة عمله الأدبي وضعفه وهشاشته الواضحة، ودعني أكون أكثر صراحة دائماً ما يكون الوصف الدقيق للعملية الجنسية في أي عمل أدبي هو من قبيل الحشو الزائد ورغبة الكاتب في إحداث فرقعة إعلامية وضجة تثار من حوله، ليس أكثر، هذا هو الحكم البسيط والسهل الذي من الممكن أن تجنح إليه بنفس مطمئنة بخصوص تقييم أي عمل ينطوي على مشاهد جنس حميمة، ولك أن تخلافني في هذا الرأي؛ لأنَّ ما أقوله يبقى رأيي الشخصي، وما تقوله يبقى رأيك الشخصي، لا توجد حقائق مطلقة في عالم الأدب.
دعنا نرجع مرة أخرى لمسألة تقييم العمل فنياً ونطرح هذا السؤال: ماذا لو كان العمل يقتضي بالضرورة مشهد جنسي؟، هل من اللازم أن أوصفه بدقة أو من الممكن أن استخدم أسلوب الإحالة أو الإشارات الضمنية والتي يفهم منها المراد؟، وإذا حققت الإحالة والإشارات الغرض، إليس يعنى هذا بالضرورة أيضاً أن الوصف الدقيق للعملية الجنسية لا داعي و لا لزوم لها في العمل الأدبي؟ حاول أن ترى الأمور بهذه البساطة لأنها لا تستحق أكثر من ذلك في حقيقة الأمر.
صّناع المشاهد الجنسية الحميمية في أعمالهم الأدبية معظمهم يكون الدافع لديهم الفرقعة الأدبية والرغبة فى الحصول على شهادة متنور متحرر مبدع من فئة المثقفين الهزليين وحسبه ذلك!
أضف إلى ذلك، ولا أقول ذلك من باب السخرية أو التهكم، ولكن هل تتوقع ككاتب تصف لي مشهد جنسي حميمي أنه سيكون أكثر إبهاراً من الأفلام الإباحية على مواقع الأنترنت المليئة بعشرات الآلاف من المقاطع و اللقطات، مؤكد أنك مجنون لو تصورت ذلك، فمهما أبدع قلمك في وصف مشهد جنسي حميم، فهذا يستلزم مني كقارئ أن أرهق عقلي في تخيل هذا المشهد، في حين أن هذه الخدمة الجليلة تقدم لي على طبق من ذهب من خلال الأفلام الإباحية صوت وصورة مع إتقان في التمثيل يتفوق على ما تكتبه ألف مرة، إذن أيهم أفضل لي كقارئ أن أقرأ خيالك المحدود أم أشاهد بالصوت والصورة ما هو أفضل مما تكتب ألف مرة!، إذا كنت تتصور ككاتب أنك أبرع من هؤلاء، الرجاء أن تراجع قواك العقلية و تتأكد من سلامتها.
وأذكر في هذا المقام فيلم (النعامة و الطاووس) ، لم يخض الفيلم في تفاصيل العلاقة الجنسية بين الرجل وزوجته ولم يصفها بالتفصيل كيف تحدث؟، ولكن الفيلم أعتمد على الإشارات الكثيرة التي تدفع للمشاهد الرسالة المرجوة وهو أن فشل العلاقة الزوجية يؤدي حتماً إلى مشاكل حياتية بين الزوجين وقد يؤدي إلى أن تنقلب حياتهما معاً جحيماً لا يطاق، وإن نجاح العلاقة الزوجية مهما كانت الظروف المادية سيئة للزوجين إلا أنها ستجعل حياتهما أكثر تفهماً وتواصلاً وتحملاً لمصاعب الحياة، أنا كمشاهد وصلتني الرسالة كاملة بدون الحاجة إلى وصف العلاقة الزوجية بدقة، إذن أي حشو لعمل أدبي أو سينمائي بهذه المشاهد ليس إلا من قبيل جلب عدد مشاهدين أكثر ليس إلا!
هذا الأمر بالمناسبة لا ينطبق على المشاهد الجنسية فقط ولكن يمكنك أن تطبق آلية الحذف لأي مقاطع سردية في أي عمل أدبي، ومِنْ ثَمَّ تنظر للعمل، هل أثر غياب هذا المقطع السردي في العمل ككل أم لا؟، ولذلك أنصح كل من يكتب عملاً مستخدماً الحاسب الآلى أن يصنع نسختين من العمل بعد الإنتهاء منه وأن يمسك بالنسخة الثانية ويقوم بقراءتها بعناية والمشاهد التي يرتاب في أنها مقحمة على العمل أو حشو زائد أن يقوم بحذفها فوراً ثم يعيد قراءة العمل بعد حذف المقاطع السردية أو الحوارية التى يرى أنها لم تكن موظفة في العمل، هل أخل ذلك بالعمل وفي اتصال مكوناته ببعضها البعض؟، هل لازال العمل مفهوماً ويخضع للتسلسل الزمني أو تسلسل الأحداث أم إن هناك حلقة مفقودة في مكان ما؟، إذ لم يحدث ذلك فخيراً ما صنعت، لأنك بذلك قد قمت بإزالة الكثير من عوامل فشل العمل أدبياً لدى تداوله بين يدي القارئ.
أما البعض الآخر فلا يقوم بهذه المهمة لأنه يريد أن يزيد من عدد صفحات عمله حتى ينضم لنادي الخمسمئة صفحة والسبعمئة صفحة ولا غاية له سوى ذلك وقد يساعد زيادة عدد الصفحات أيضاً في رفع سعر الكتاب والبحر يحب الزيادة كما يقول المثل!
إذا ألقيت نظرة على رواية أحمد مراد من هذا المنظور (أرض الأله) ستجد أنك حين تطبق هذه الآلية (آلية الحذف) ستجد نفسك في الأخير أمام روايتين داخل رواية واحدة، الرواية الأولى تخص السيرة النبوية لموسى عليه السلام والثانية تخص السيرة الذاتية للكاهن المصري كاي، السيرة الموسوية كانت متازمنة مع حقبة المصريين القدماء وسيرة الكاهن المصري كاي في الحقبة البطلمية الأغريقية.
إذن نحن أمام روايتين في حقبتين زمنيتين مختلفتين لشخصين من عرقين مختلفين، أصحاب سيرتين مختلفتين، إذن أفعل الأتي، قم بتمزيق كل الصفحات التي تقص عليك قصة موسى عليه السلام وضمها إلى بعضها البعض ومن ثم أقرأ الأوراق التي تخص الكاهن كاي منفصلة وأقرأ مرة أخرى الأوراق التي تضم سيرة موسى عليه السلام منفصلة وقل لى ما رأيك؟!، هل فصلك للروايتين عن بعضهما البعض أحدث أي تأثير على العمل أو أخل به؟، بالنسبة لي لم يحدث ذلك، لقد قرأت روايتين لا علاقة ولا رابط بينهما وكلاهما لا يؤثرا على بعضهما البعض.
تكنيك أن تكون هناك روايتين أو قصتين داخل قصة واحدة معروف ومقبول ولكن يبقى أن يكون هناك تأثير متبادل بين القصتين وإن لم يلتقيا أما تأثير إيجابي، أو سلبي من كليهما، أو حتى تأثير سلبي، أو إيجابى من طرف واحد،، وهذا ما لم أجده في رواية (أرض الأله)، إذن، ألم يكن أحمد مراد واعياً لهذه المشكلة العويصة؟، في ظني والله أعلم أنه كان واعياً لها، ولكنه يريد أن يبقى في نادي الخمسمئة أولاً وثانياً يريد أن يحقق سعر أفضل لروايته عند بيعها بالأسواق.

اكتبْ عما تعرف

"اكتبْ عما تعرف"، هذه نصيحة مهمة جداً لأي كاتب روائي أو قصصي، أكتب فقط عما تعرفه، وأحب أن أضيف إليها أكتب عن موضوع جمعت بشأنه معلومات غزيرة ودقيقة جداً، وتأتي من مصادر متعددة، وحتى أكون أكثر وضوحاً، لو قررت أن بطل عملك الأدبي مدرس، هل تعرف مهنة التدريس جيداً أم ستطلق العنان لخيالك؟، هل تدرك ما هي الحالة الشعورية للمدرس في عمله مثلاً؟، ما هو نظام عمله؟، لا تقل أبداً: "لقد كنت طالباً و رأيت بعيني"، لأن موقعك كطالب يختلف تماماً عن موقعك كمعلم، لو قررت أن يكون محور عملك الأدبي مبرمج كمبيوتر أو محامياً، فهل أنت ملم بهذا الأمر أو خضت تجربة أي من المهنتين حتى تستطيع تناولهما في عملك الأدبي؟، هذا الأمر شديد الأهمية خاصة عندما تواجه القارئ من خلال عملك الأدبي لأنه ليس بالساذج أو الأحمق الذي سيبتلع لك محاولاتك البائسة في سد ثغرات مهنة شخصية بطل العمل من خلال استعمال خيالك فقط مهما كان خيالك واسعاً، لو لم يكن خيالك في هذا الأمر يستقي مصادره من الواقع بشكل جيد فلن يقبل القارئ منك العمل تحت أي ظرف، يجب أن يستشعر القارئ المصداقية والواقعية في العمل المقدم إليه، لا تقل أن القارئ هو أيضاً لا يعرف مثلي عن المهن التي أتناولها في عملي وبالتالي لن يفرق بين الحقيقي والخيالي، أحب أن أقول لك أنك أخطأت التقدير؛ لأن القارئ يستطيع أن يميز بين الكتابة المفعمة بالمصداقية والدقة وبين الذي يحاول أن يوارى ضعفه المعلوماتي بخياله فقط حتى لو أن القارئ غير متخصص في المهنة التى تتناولها في عملك الأدبي يستطيع أن يكشف عيوبك كاملة، صدقني ستتعرى أمامه ولن تجد ورقة التوت لتوارى بها سوأتك أمام القارئ، لو أنك لازالت غير مقتنع بما أقول فلتجرب ذلك وستدرك وقتها فداحة الخطأ الذي أوقعت نفسك فيه.
كلنا شاهدنا الكثير من الأفلام المصرية، والتي تتناول قصة محامين ومرافعات في المحاكم المصرية، وكلنا نتذكر جيداً كيف كنا نسخر من هذه الأفلام على الرغم من أن معظمنا لم يمارس هذه المهنة، فما بالك بالذي يمارسها، ويشاهد هذه النوعية من الأفلام، كلنا كمشاهدين أو كقراء نستطيع أن نفرق بين الكتابة الجادة والمهترئة، ودعني أذكرك أيضاً بأفلام المحاكمات الأمريكية فهى تختلف عن الأفلام المصرية في هذا المضمار 180 درجة، كذلك لو تتذكرون مسلسل اسمه تقريباً ET والذي كان يتناول حياة الأطباء في المستشفيات وبالأخص في قسم الطوارئ، ووصف كاتب هذه الحلقات لأدق تفاصيل عملهم وبيئهم الحياتية داخل العمل والهيكل الإداري للعاملين بالمستشفي، كل تلك التفاصيل الصغيرة شديدة الواقعية التي قد تمر عليك كقارئ أو كمشاهد مرور الكرام، ولكن عقلك يقوم بتجميعها كلها ويحكم بناءً على مدى مصداقية العمل المقدم له من عدمه، ويعطيك هذا المسلسل الانطباع الفوري أنَّ كاتبَ هذا العمل مؤكد كان يزاول مهنة الطب وألا كيف عرف كل هذه التفاصيل.
الأمر لا يتعلق بخيالك وحده في كتابة العمل، ولكن يجب أن تدعمه معلومات قوية ذات مصداقية ودقة عالية، حتى يقتنع القارئ بما تقدمه له، فبالتالي الأفضل أن تكتب عن شيء خبرته بنفسك ولا تخوض فيما لا تعرف حتى لا تضطر وقتها لسد ثغرات العمل بخيالك فتقع في فخ رفض القاريء لهذا العمل الذي بالتأكيد سيكون مهترئاً وساذجاً إلى حد بعيد.
سيكون السؤال الحاضر فى أذهانكم الآن وماذا لو أردت كتابة عمل تاريخي؟، هل المفروض أن أذهب للماضي وأخوض كل هذه الأحداث وأطلع عليها بنفسى حتى أكتب عنها، رجاءً أمحُ هذه الابتسامة الساخرة، لأن ردي سيكون بنعم، عليك أن تفعل ذلك!
ما أقوله ليس من قبيل الجنون أو الخبل أو تحدي أخرق في الإجابة على السؤال السابق، ولكني أعرف كاتباً مجازياً فعل هذا بالضبط، ركب آلة الزمن وانطلق للماضي وحفظه جيداً ثم عاد للحاضر مرة أخرى ليقص علينا طرفاً من أخبار الماضي، من هو؟، يوسف زيدان فى رائعته النبطي، تقريباً فعل ذلك، يكفي أن تقرأ هذه الرواية وتلتفت إلى أهم شىء وهي التفاصيل الصغيرة التي ينثرها هنا وهناك طوال العمل، ففي رواية النبطي هو يتناول حال المصريين قبل الفتح الإسلامي بفترة بسيطة جداً ويصف لك بدقة شديدة الطبيعة الميدانية للقرى المصرية الفقيرة من حيث تقسيم الشوارع والهندسة المعمارية لبيوت المصريين والطبقة العليا من أهل القرية، كيف كانت بيوتهم؟، بل يذهب بك أبعد من ذلك ويصف لك بدقة ملبسهم وكيف كانت في المناسبات وما هو أكلهم اليومى العادي ما هى أكلات المناسبات المختلفة سواء كانت دينية أو زاوج أو ... أو ... أو...
بل يتحداك في الإجابة عن السؤال بأن وصف لك رحلة الأنباط من مصر إلي أوطانهم، كيف كانت بأدق تفاصيلها؟
كيف فعلها؟!، هل ركب بالفعل آلة زمن وعاد إلي الماضي؟، هو بالفعل فعل ذلك من خلال رحلة بحث دقيقة جداً في الكتب والمراجع التاريخية المختلفة، وكان مخلصاً جداً في بحثه للدرجة التي تجعلني أقول: "مما لا شك فيه أنه ركب آلة الزمن"، كذلك ينطبق نفس الأمر على رواية كتيبة سوداء لمحمد المنسي قنديل.
إذن من السخافة أن تأتي وتقول قررت أن أكتب عن العصر المملوكي بمصر في عهد الظاهر بيبرس ومعاركه مع التتار وهزيمتهم ومن ثم تركض لقراءة كتاب أو أثنين أو حتى أربعة ومن ثم تهجم على القلم والورقة لتبدأ في خط عملك، أسف، أنت لم تبذل أي مجهود وأنا على ثقة أنك ستقوم بسد جميع ثغرات عملك الأدبي معتمداً فيه على خيالك بعد ذلك وليس من خلال البحث، ما الذي أحاول قوله؟، أن تقرأ عن عاداتهم في الأكل والملبس والمسكن وشكل المدن والمهن التي كانت موجودة وقتها وما كان اسمها وهل كل المهن كان يمارسها المصريون أم يختص الأجانب بمهن معينة لا يقترب منها المصريون؟، وهل مطلوب منى أن أعرف ما هي الحيوانات التي كانت موجودة في مصر والتي لم تكن موجودة حينئذ؟، والسؤال عن طبيعة المواصلات وكيف كانت؟، وما هي المناسبات الدينية المختلفة في هذا الوقت؟، وما هي العادات الشعبية المرتبطة به؟، وما هي الأغاني الشعبية في تلك الأوقات؟، وما هي نوعية الزراعات التي كانت موجودة في مصر والتي لم تكن موجودة في هذا الوقت؟، بل أقول لك ما هو أكثر من ذلك وقد تعتقد أنني أسخر ولكني بالفعل أقصد السؤال القادم: هل كان البيض الموجود في العصر المملوكي بنفس الكثرة التي نتداولها في أيامنا هذه؟!، هل كانت لديهم مزارع دواجن مثل ما لدينا اليوم؟، ما هي الألعاب الرياضية المفضلة للمصريين ؟، هل كانت هناك لعبة رياضية معينة كان يحبذها المصريون وهل هي تمتد لجذور مصرية أم أتت مع المستعمر؟، وهل كان المملوكيون لهم ألعاب رياضية مختلفة؟، لا تغضب، أنا لا أحاول أن أعُجزك أو أفتُ في عضدك، ولكن الحقيقة أن كل هذه الأمور الصغيرة ضرورية جداً وأكثر منها بكثير عند كتابة أي عمل تاريخي، هذه التفاصيل الصغيرة وإن لم يكن لها علاقة مباشرة بالحدث الرئيسي لعملك ولكنها كفيلة بأن تجعل القاريء يقسم لك بأنه لم يقرأ مثل هذا الإبداع من قبل، أنتظر منك أن تقول بهذه الطريقة لن أكتب هذه الرواية أصلاً، بالفعل إن لم تكن تنوي أن تفعل كل ذلك، فالأفضل لك ألا تكتبها؛ لأنها ستكون رقم جديد يضاف إلى أرقام سابقة في مهازل أدبية تاريخية كتبت على مدار عدة عقود في تاريخنا العربي.
إذا قرأت كتابين أو حتى أربعة ومن ثم هرولت لكتابة عمل أدبي تاريخي فأنت مثل العميان الذين حاولوا وصف الفيل، فمنهم من قال أنه شجرة ومنهم من قال أنه أشبه بالبيت ...ألخ
لذلك أسلم طريق حتى لا تقع في هذا الشرك أن تكتب عما تعرف فقط، أو أنك محيط إحاطة كاملة بكل خفايا هذا الموضوع أو خبرته بنفسك، بغير ذلك فأنت تقدم للقارىء أسباب فشلك بين دفتى كتاب!

مفردات تسيء لجودة النص


بعض الكتّاب لديهم عادة تكرار بعض المفردات بعينها مرات كثيرة في أعمالهم، وهم يّذكرونى بالمناسبة ببعض الأشخاص الذين كلما حادثوك أنهوا حديثهم بقول " هل فهمت ما أقول؟!"، هذه العادة التي تصاحب بعض الكتّاب في كتاباتهم تؤثر على جودة النص، ومثال على ذلك، تجد عند البعض منهم عادة سيئة يستخدمون فيها مفردات بعينها كثيراً في الفقرة الواحدة كـ"كان" أو "كانت" والسيء أنهم يستخدمونها فى الفقرة الواحدة أو من خلال فقرتين بكثافة فتجد هاتين الكلمتين مكررتين أكثر من خمسة مرات في بضعة سطور لا تتجاوز الخمسة أسطر!
مثل أن تجد فقرة تقول: "وكان يشرب الشاي وكان يحب أن يصفف شعره على الجانب الأيمن قبل أن يذهب إلى العمل وكانت أيضاً من عاداته أن يفعل .....إلخ"، تكرار هذه الكلمة في جمل قصيرة بهذا الشكل المتلاحق تسبب إزعاج موسيقي للقارئ، هذا أولاً وثانياً تسبب للقارئ تشتيت ذهني تفصله عن سياق أحداث العمل الأدبي إلى حد كبير، وأيضاً تجعل القراءة على القارئ ثقيلة غير مهضومة وسلسة.
يجب على كل كاتب يكتشف نفسه متورطاً في هذه العادة السيئة أن يعمل قصارى جهده على أن يستبدل تلك الكلمات المكررة بغيرها حتى يقطع الملل، والتشتت على القارئ عند قراءة عمله، تكرار كلمة بعينها تسبب الرتابة مما يؤدي إلى ملل القارئ.
أيضاً بعض الكتّاب يستسهلون استخدام بعض المفردات أو الأدق أن نقول يخطئون استخدام بعض المفردات في غير مواضعها مثل أن تجد كاتب يكتب" وفجأة رن الهاتف..." وإذا ما راجعت الحدث قبل كلمة "فجأة"، تجده حدثاً عادياً هاديء السياق، نحن لسنا أمام موقف مشحون بالتوتر أو وصف لمشهد مرعب حتى يكون منطقياً أن يستخدم الكاتب وقتها كلمة "فجأة" ولكن بعض الكتّاب دأبوا على استخدام كلمة "فجأة" مع جملة "رنين الهاتف" بصرف النظر عن السياق المستخدم فيه، وهذا مؤشر على أن الكاتب لديه ألتباس فى توظيف مدلول الكلمة حسب السياق.
القارئ الحصيف ينفر من الكاتب الذي لا يعرف كيف يوظف مدلول الكلمة في سياقها الصحيح، يعطي هذا الاستخدام الخاطئ للقارئ انطباع بركاكة أسلوب كاتب العمل، أيضاً من الأمثلة الأخرى على الاستخدام الخاطئ لمدلول الكلمة هو لجوء الكثير من الكتّاب للأسف لاستخدام كلمة "هتف" به، ويكون المشهد المطروح أمام القارئ هو شخصين يواجهان بعضهما البعض، إذن هناك إساءة لاستخدام الكلمة، لماذا يهتف به وهو يقف أمامه؟، الهتاف دائماً يأتي في سياق التنبيه أو أن كلا الشخصين على مسافة بعيدة عن بعضهما البعض، فأضطر الأول أن يهتف بالآخر مثل: "أحذر" فيكون استخدام كلمة "هتف" مبررة وهكذا، أما أنه يواجهه ويكتب الكاتب وهتف به أحمد قائلاً: ناولني هذا الكوب، القاريء الواعي لمدلولات الكلمة واستخدماتها الصحيحة، سيستنكر من الكاتب هذا الاستخدام السيء.
ولذلك أقول بعض الكتّاب لا ينتبهون إلى هذا الأمر، ويعتبرون أن استخدام هذه المفردات حتى في غير سياقها هو من قبيل الاستخدامات المقولبة التي سيفهم منها القارئ القصدية، حتى وإن غفر لك بعض القراء ذلك فهذا لضعف مستواهم في اللغة العربية ولكن سيظل هذا دائماً مؤشراً قوياً على ركاكة أسلوبك الأدبي وضعف لغتك العربية.
وهناك أيضاً تعبيرات مقولبة مثل " وسرت في جسده قشعريرة باردة – سرت في أوصاله ....- اختلجت ملامحه – لم ينبث ببنت شفة – على أرنبة أنفه – وأسدل الليل ستائره – وتلبدت السماء بالغيوم ...ألخ", وغيرها الكثير من العبارات المقولبة والتي عندما أقرأها عند كاتب معين يحيلني ذلك مباشرة إلى سلسلة رجل المستحيل وأن كاتب هذا العمل لازال أسير أسلوب نبيل فاروق وأنه لن يتخطى بعد هذه المرحلة، بمعنى آخر، أنا أمام كاتب غير ناضج أدبياً!
هناك فئة أخرى من الكتّاب يستخدمون مفردات عامية في سياق السرد بالفصحى، فتبدو هذه الكلمات العامية كنغمة نشاذ غير متسقة مع النص المسرود، إليست هناك بدائل في اللغة العربية لهذه المفردة، بالتأكيد هناك بدائل ولكن بعض الكتّاب لا يريدون أن يرهقوا أنفسهم بالبحث عنها، لا أستطيع أن أدعي أنني لا أفعل ذلك، الحقيقة أنني أرتكبت هذا الخطأ في عدة قصص قصيرة وربما في بعض أعمالي الروائية ولكني فعلتها عن عمد وليس عن جهل لأنني أحسست وقتها بأن المقابل لها في اللغة العربية ثقيلاً على اللسان أو سخيفاً وهناك كتّاب غيرى يدركون ذلك ويفعلون ذلك مثلي ولكن ماذا عمن يفعلها بدافع الكسل أو جهل أو عدم رغبة منه في البحث عن مفردة في اللغة العربية مقابلة لها وأيضاً هناك البعض من الكتّاب يستخدمون مفردات عامية لا تتماشى حتى أو تقترب في لحنها من السياق الفصحى ولكن يتعمدوا بالفعل استخدام مفردات عامية مبتذلة تمثل نغمة نشاذ لا تخطئها عين القارئ وبالتأكيد تثير استياء القارئ ونفوره من النص أو في أفضل التصورات تقبله للنص يكون على مضض بدون أن يغفر للكاتب هذا الخطأ.
بعض المفردات العامية قد تصلح في بعض الأحيان لاستخدامها فى سياق كامل من الفصحى، ولكنها للحقيقة قليلة، وإذا أضُطر الكاتب لاستخدامها عليه أن ينتقى أقربها للغة العربية الفصحى، وأن يتفادى أبعدها عن الفصحى حتى لا يسبب إزعاجًا موسيقيًا في أذن القارئ.

لم يسبقنى إليها أحد من العالمين!


هناك فئة من الكتّاب لا أعرف كيف أصفها؟ ولكنها تجعلني ابتسم مستنكراً من بعض منشوراتهم على الفيس بوك حينما يكتبون : "أنا أعكف حالياً على كتابة رواية/قصة/شعر، لا أتصور أن أحداً من قبلي تطرق إليها أو طرحها على الأقل عربياً وأن عملي هو الأول الذي يتناولها!" ويصدر هذه المقولة على أنها مقولة مبهرة، ويتخيل معها صيحات الإعجاب وصفارات الإنبهار، شيء مؤسف حقاً.
أولاً: كيف عرفت أنك أول من تناولتها على الأقل عربياً كما تزعم؟، هل قمت بعمل مسح لكافة الأعمال الإبداعية المنشورة ورقياً وإلكترونياً في عالمنا العربي حتى على الأقل لمدة عقد واحد من الزمان حتى تجزم بهذه المقولة؟، لماذا تتصور أنك الوحيد الذي فكرت في هذه الفكرة، دعني عزيزي الكاتب الذي يزعم أنه أول من ... أخبرك بعدة حقائق لا تخلو منها الحياة، ما تزعم أنك أول من فعلت أو فكرت في كذا، من المحتمل جداً أنه سبقك فى أقل تقدير على مستوى الوطن العربى ألف شخص إلى كتابتها، وهذا تقدير حالم مني! والواقع أسوأ بكثير لربما كانوا آلافًا، والفكرة نفسها خطرت على بال مئات الألاف من الأشخاص في العالم العربي، كيف تجزم بأمر كهذا؟!، صدقني هذا يضرب بمصدقيتك عرض الحائط في عيون قرائك، لا تلقي بالاً لمن يسجلون لك الإعجاب ويرسمون لك وجوه يعلوها الإنبهار والدهشة، هؤلاء أصدقائك ثق أنهم يجاملونك ليس أكثر !
أيضاً عزيزي الكاتب الجازم بتفردك في هذا الأمر دعني أخبرك بحقيقة أخرى راسخة رسوخ الشمس في السماء كل صباح، لن تأتي أبداً ... أبداً ... أبداً بفكرة جديدة، كل الأفكار قتلت كتابة، استنفذت كلها عن بكرة أبيها وعائلتها كلها!، كل إبداعك وإبداع من سبقك ومن سيأتي بعدك يتلخص في كيفية تناول الفكرة وطرحها ومعالجتها من منظور مختلف، هذا هو ما بقى لنا معشر الكتّاب في كافة أصقاع العالم أن يفعلوه، أن تقوم بتطوير الفكرة، هذا جائز ولو أنه يبقى في خانة الاحتمال الواهي و الذي لا يتحقق إلا لفئة قليلة، تذكر لم أقل أبتدعوا فكرة جديدة بل قلت طوروها، وأنسبها إلى قلة، ولكن كلنا ما تبقى لنا أن نفعله هو معالجة الفكرة بأسلوب مختلف، من منظور مختلف، بطرح قد يكون جديد نسبياً، فقط هذا ما نملكه حالياً من إبداع، وهنا أستطيع الجزم بكل أريحية من يدعي أنه لديه فكرة جديدة ليطرحها هو كاذب، هو جاهل بمدلولية مصطلح "فكرة جديدة"، الجائز أن تقول سيكون الطرح لهذه الفكرة المستخدمة سابقاً جديداً، ولكن أن تكون الفكرة نفسها جديدة، أنصحك نصيحة غالية توقف عن ترديد هذه المقولة لأنها تسقطك فوراً من عين قرائك جميعاً ما عادا أصدقائك سيصفقون لك بحرارة لأنك صديقهم!
أيضاً ما تملك أن تقدمه للقارئ بالإضافة إلى ما ذكرته أن تكون تعبيراتك الأدبية أكثر رشاقة ونضج وسهولة في الهضم والأقرب إلي مخيلة القاريء، أنك وفقت في إبراز المشاعر المترتبة على الفكرة وكانت طريقة تعبيرك عنها أفضل من غيرك، هذا من صلاحياتك أن تفعلها وأيضاً أن تكون قادراً على سبر أغوار الشخصيات المرسومة وتقديمها للقاريء بطريقة أفضل من غيرك، كل هذا يقع ضمن نطاق صلاحياتك ككاتب، هذا هو محور تميزك ككاتب أما الجزم بأنك صاحب فكرة جديدة، صديقي لا تجعل من نفسك أضحوكة أمام القراء والكتّاب والنقاد، لأن بهذه الطريقة ستكون فريسة سهلة الاصطياد.


يجب على المؤلف أن يموت!


هناك نظرية جميلة في عالم الأدب تسمى بنظرية "موت المؤلف"، من المؤكد أن الكثير سمع عنها، باختصار وببساطة شديدة نظرية موت المؤلف تعني أنه بعد أن تنشر عملك على القراء، ويكون متاحاً لنا جميعاً الإطلاع عليه، لم يعد في مقدورك أن تشرح لنا فكرة عملك، إذن ما هي وظيفة عملك الذي نشرته إذا كنت تنوى شرح فكرته؟!
لا يصح بأي حال من الأحوال أن تقول للقارئ: عفواً أنت لم تفهم القصد من وراء العمل لأن قصدي كان كذا، إن لم أفهم قصد سيادتك من العمل إذن أنت من فشلت في أن تبلغني الرسالة، وليس العيب في كقارئ!
أيضاً من الأخطاء الفادحة التي يقع فيها الكثير من الكتّاب وليس قلة للأسف الشديد أنهم ينبرون للدفاع عن أعمالهم في مواجهة النقد الموجه إليهم، يالله، أنها مصيبة والله، لو تدركون كم هى مصيبة؟، من أين أتيتمونا بها!، أي محاولات مستميتة منك للدفاع عن عملك في مقابل النقد الموجه لعملك هو بمثابة رسالة انتحار تخطها بقلمك أمام قرائك، لماذا؟، لأن القراء ببساطة سيتذكرون فقط كل ما وجه إليك من نقد وسيعتبرونه عيوب مسلم بها في عملك الأدبي، ولن يتذكروا حرفاً مما قلته دفاعاً عن عملك، محاولاتك البائسة للدفاع عن عملك قامت بدور عظيم في تثبيت كل التهم الموجهة إليك، وقتها أستطيع أن أهنئك بفشلك الذريع أمام عيون القراء التي لا ترحم!
لا تقل للقارئ أنك فهمت خطأ، لو أن القارى فهم رسالتك بطريقة خاطئة فأنت الذي تتحمل هذا الخطأ، وليس القارئ، ها أنا أكررها لك للمرة الثانية، ولا تكابر في هذا الأمر، صدقني أنت تخسر كثيراً، ولا تكسب شيئاً عندما تنبرى للدفاع عن عملك.
عملك هو الذي يدافع عن قصديتك وفكرتك ورسالتك، وطالما قررت أن تنشر هذا العمل تأكد أنه أصبح كيانًا مستقلًا عنك له وجوده وحيزه، وليس لك الحق في أن توضح أي شاردة بشأنه.
كذلك من المصائب الكبرى التي يقع فيها أيضاً كثير من الكتّاب أن يكتبوا مقدمة لعملهم، لكم هي مصيبة عظيمة لو تدركون، لقد فعلت مثل هذه المصيبة وأنا أعكف حالياً على كتابة روايتي "التربة الحمراء" والتي لله الحمد لم أنشرها بعد، لقد كتبت مقدمة طويلة قبل أن يشرع القارئ في قراءة العمل، ومِنْ ثَمَّ تداركت هذا الخطأ الفادح وحذفت المقدمة بالكامل وهذه هي المرة الأولى التي أفعل فيها ذلك، والحمد لله لن تحسب كمرة أولى، لأنّي لم أنشر العمل بعد، إذ أنا كتبت مقدمة أشرح فيه وجهة نظر للعمل، فهذا لا يعنى سوى شيئين، أولاً: أنني لا أثق في عملي بالشكل الكافي الذي يكون فيه قادراً على أن يتولى مسألة الدفاع عن نفسه. وثانياً: أنني لا أثق في ذكاء القارئ بالشكل الكافي مما دفعني لأن أكتب له هذه المقدمة، وترجمة هذه المقدمة بكل بساطة أمام القارئ هي: لأنك غبي كتبت لك هذه المقدمة!
لذلك أنصحك بأمانة إياك أن تتورط فى كتابة مقدمة لعملك، هذا يدمر النص ولا يضعفه فقط، إذ أنت كتبت مقدمة لعملك تشرح لي فيها وجهة نظرك، إذن لا داعي من قراءة عملك؛ لأنك توليت هذه المهمة بإيجاز و اختصار، وأنت بذلك قدمت أسوأ خدمة لعملك، لقد حرقته بالكامل أمام عينيّ القارئ، لا تكن مثل الصديق السخيف الذي يستمتع بإفساد مشاهدتك لفيلم سبق أن شاهده، وكل خمس دقائق يخبرك عما سيحدث لاحقاً، ماذا سيكون شعورك وقتها؟، أقل شيء تريد أن تقتله حتى يتوقف عن إفساد متعتك بمشاهدة الفيلم ومتعة أن تكون جاهل بالقادم من الأحداث، وتذكر دائماً أن للقارئ وجهة نظر مختلفة عنك، لربما هو خرج بقراءة مختلفة مغايرة، وأفضل مما كنت تقصده، لماذا تضيع على نفسك هذه الفرصة الذهبية؟، أن يأول أحدهم نصك الأدبي بطريقة أفضل من التي كنت تقصدها؟، فضلاً على أنك قمت بفرض حصار على حرية تفكير القارئ فيما يمكن أن يخرج به من النص وحجمته في حدود ما أردت أنت، أودعته السجن قبل أن يقرأ عملك، فكيف تطلب منه الاستمتاع به؟!
إذا كتبت عملاً ما، ونشرته فهو أصبح مثل ابنك الراشد المسئول عن كل أفعاله وتصرفاته، وقادر على أن يعبر في هذه الحياة بنفسه، ولتتركه يأخذ فرصته كاملة، كما أخذتها أنت من قبل وأنت تكتب العمل، توقف عن الوصاية الأبوية في الأدب، كما أن ابنك كبر ونضج ولم يعد طفلًا صغيرًا، كذلك عملك الأدبي خرج للنور وأصبح مسئولًا عن نفسه، مرة أخرى أرفع يد الوصاية عنه.

إقحام صوت الكاتب في النص


هناك ما يسمى تدخل صوت الكاتب في النص أو ظهور فاضح لصوت الكاتب في النص، وأيضاً سأتناول في هذا المقال مسألة أخرى تتعلق بالعنوان الكاشف.
إذن دعنا نتحرك خطوة بخطوة، دعنا نطرق أولاً موضوع العنوان الكاشف، لأني أتصور أن الحديث عنه لن يطول كثيراً، وأنا أحب أن اسميه بهذه المناسبة العنوان الفاضح، وليس فقط الكاشف، لا تكتب يا كاتبي العزيز عنوان يفضح محتوى النص، المفروض أنني كقارىء لا أستطيع أن أتوقع محتوى النص الأدبي من عنوانه، لو استطعت أنا كقارئ أن أتكهن بمحتوى النص من خلال العنوان فهذا دليل على أنك فشلت في الاختبار و رسبت فيه أيضاً!، وكأني أسمع أحدكم يعقب معترضاً: إذن ما هو دور العنوان؟، إن لم يوحي للقارئ بمحتوى النص.
أنا أعتبر العنوان مثل العلامة التجاربة المسجلة لبضاعتك التي تقدمها للقاريء، هي بالفعل كذلك، علامة تجارية، العنوان عامل جذب لعين القاريء وليس عامل كشف، العنوان هو ورقة الدعاية التي تستخدمها ككاتب لاستقطاب القارئ، يجب أن يكون عنواناً مثيراً، يجبر القاريء على الإلتفات إليه ويثير فضوله بشأن النص الكائن خلف هذا العنوان، أنك تشعل في نفس القارىء جذوة الفضول والشوق لقراءة هذا النص الأدبي، القارئ يصيبه الفتور من العمل إذا خمن محتواه من عنوانه.
دعنا الآن ننتقل إلى تدخل صوت الكاتب في النص أو الظهور الفاضح لصوت الكاتب بالنص الأدبي، هذه مشكلة كبيرة جداً يقع فيها العديد من الكتّاب، ولا يلتفتون إليها مع الأسف وإذا ألتفتوا إليها لا يتداركونها ويبقون عليها عن تعمد بزعم أنه يريد أن يسلم للقاريء رسالة مباشرة، هذه مصيبة كبيرة، هذا يصيب النص في مقتل، إذا استشعر القارئ أو أحس بصوتك داخل النص الأدبي، وأنك تملي عليه رأيك فهو بحركة غريزية سيفرض رأيك مما ينبني عليه رفض النص ككل، ليس هناك منا من يحب أن يملى عليه رأًي ما ،ولكن أن يّسرب إليه هذا الرأي بدون أن يشعر ويتبناه الشخص منا كأنه رأيه هو، فهذا وربي قمة البراعة والإبداع وهذا هو دور الكاتب مع القارئ.
ودعنا نأخذ مثالاً على ذلك، كاتب ما يتناول في نصه الأدبي بطل ما ويأتي في مقطع معين ويقول: ولو أنه علم ماذا سيحدث له بعد قراءته لهذه الرسالة ما قرأها؟
لا أفهم هذا الأمر حقيقة، هل أنت من هواة حرق الأفلام؟، هل تتلذذ بأن تفسد علي متعة أن أخمن أو أترقب القادم من الأحداث؟، هل تتعمد أن تحرق لي أحداث روايتك وتقتل الشوق الذي ينضج بداخلي لأقرأ المزيد، لأعرف ماذا سيحدث للبطل؟، بهذه الجملة الكارثية أنت أفسدت متعتي كقارئ في أن استمر في قراءة عملك، أن أول خاطرة ستمر برأسي عقب هذه الجملة، أن هناك مصيبة وشيكة الحدوث لهذا البطل، وسأضع عدة سيناريوهات محتملة، وستكون كلها قريبة مما سأقرأه فيما بعد، إذن ما الحاجة لأن استمر في القراءة؟!
ليس هناك أجمل من أن تصدم القارئ، وتجعل كيانه يهتز للأحداث التي لم يكن يتوقعها، مثل أن تروي موقف لرجل في طريقه إلى الفتاة التي يحبها، وغاب عنها لسنوات، وفي طريقه إليها وهو سائر ضربته سيارة فصرعته، هذا يسبب صدمة للقارئ، لأنه حدث غير متوقع ولكن ماذا لو أنك أخبرتنا في الصفحة السابقة لهذا الحدث " لو أنه يعلم ماذا سيحدث له؟"، بمجرد أن أقلب الصفحة التي تليها وتبدأ في سرد أن البطل ذاهباً لمقابلة الفتاة التي يحبها فأنا أستطيع أن أتوقع ماذا سيحدث له بقليل من الجهد والذكاء، وسيكون مملاً وسخيفاً وقتها ما سأقرأه، لا تفسد متعة القارئ بالمفاجأة، لا تنبئه أو تضع له إشارة يتكهن منها بالقادم من الأحداث.
جملة كاشفة كهذه كفيلة بأن تحرق لي خمسين صفحة قادمة، فرجاءً لا تفعل ذلك ومهما حاولت أن تصرف نظري عن المصير السيء الذي ينتظره طوال الخمسين صفحة القادمة، فلن تفلح؛ لأنّي أصبحت أعلم الأحداث المستقبلية سلفاً، فكل محاولات إلتفافك حول هذه النتيجة النهائية بائسة بامتياز.
وهناك مشكلة أخرى يتورط فيها أيضاً عدد من الكتاب بالكشف عن صوتهم داخل النص وأستطيع كقارئ أن أخمن بسهولة أن هذا صوت الكاتب، وليس صوت الشخصيات التي رسمها الكاتب، وهذا يمثل ضعف فني خطير وبراعة الكاتب أن يسرب صوته للقارئ بدون أن يشعر به، والأبرع أن تجعل القارىء يتبنى قناعاتك بشكل غير مباشر كأنه هو الذي توصل إليها، ولست أنت من قدمتها إليه.
وهناك خطأ شائع وشنيع في رسم بعض الكتّاب لشخصيات العمل حيث أن الكاتب يتورط في إصدار أحكام مسبقة على شخصية العمل، هذا ليس دورك ككاتب، هذا دوري أنا كقارئ أن أصدر الأحكام على كل شخصية داخل العمل بناء على ما قدمته أنت من معطيات تتعلق برسمك للشخصية داخل هذا العمل، يجب عليَّ أنا كقارئ أن أصل لهذا الحكم، ولا تقدمه لي على طبق من فضة، أنت أفسدت عليَ متعتي في أن أتشارك معك في إعادة اكتشاف النص وكتابته معك مرة أخرى، طريقة رسمك لردود أفعال الشخصيات، اتجاهات الأحداث ورسمك الدقيق لدواخلهم النفسية هي التي تدفعني في النهاية لتبني الحكم الذي تريده حول كل شخصية، حتى وإن اختلفت معك كقارئ في حكمي النهائي على الشخصية فيجب أن تترك لي هذه المساحة من الحرية ولا تحاول تحجيمي بإصدار أحكامك الشخصية على أبطال العمل، إصدار حكم منك على أبطال العمل هو محاولة منك لإراحة عقلك وذهنك ومخيلتك من بذل المجهود اللازم في رسم شخصياتهم، هذا ليس تقرير إداري تسلمه لي!، لا أريد أن أعرف رأيك أنت ككاتب في الشخصيات التي رسمتها في عملك، رأيك هذا احتفظ به لنفسك.
كذلك سرب لي آرائك السياسية في الأعمال الأدبية السياسية من خلال شخوص العمل وليس من خلال جمل تقريرية تضع فيها رأيك بكل جرأة ووضوح فاضح لصوتك داخل النص كأن تقول مثلاً: " وكانت أحداث يناير 77 في عهد السادات تشي بأن أيام السادات على وشك الإنقضاء، إذن ما هى وظيفة القصة؟، إن لم تخبرني القصة من خلال أحداثها وشخصياتها بهذا الحكم المستنبط، أنا كقارئ لا أريد أن أسمع رأيك السياسي ككاتب داخل النص، سأتقبله بصدر رحب من شخصيات عملك وليس من خلال صوتك أنت، بتدخل صوتك في النص كأنك قررت أن تجلس إلى جواري وأنا أقرأ الرواية، ومِنْ ثَمَّ تلقي في أذني كل دقيقة بواحدة من تعليقاتك التي لا أريدها حول الرواية، لا تعتبر نفسك أحد محاور العمل الأدبي، أنت غير موجود بالمرة في هذا العمل، لا يصح أن تكتب مثلاً: وتركها أحمد وذهب وذلك لأنه دنيء وأخلاقه سيئة، من أخبرك أنني أريد أن أسمع رأيك بخصوص هذه الشخصية؟!، هل من الممكن أن ترحل بعيداً عن أذني وأتركني أنا أقرر إذا كان أحمد دنيئاً أم لا؟!
تذكر أنت ككاتب طرف محايد تحكي بموضوعية كل الحكايات بدون إصدار أحكام مسبقة من سيادتك على سير الأحداث أو الشخصيات، وإذا أردت أن تسمعني رأيك فلتمارسها بحرفية وذكاء حتى لا أشعر بوجودك إلي جواري على الفراش وأنا أقرأ عملك.


إذا أصبت في تخميني، إذن أنت فشلت!


تعتبر هذه واحدة من أكبر الإشكاليات التي تواجه أي كاتب، أن ينجح القارئ في تخمين أحداث العمل الأدبي، وهي مشكلة تواجهنا جميعاً ككتّاب، أن يخمن القارئ أحداث الرواية وبالتالى تفقد الرواية لذتها واستمتاع القارئ بها، هناك علاقة طردية بين قدرة القارئ على التكهن وبين فشلك أو نجاحك في منعه من ذلك.
هذه اسميها أهم المعارك بين القارئ والكاتب، أن يغلق الكاتب كل الأبواب في وجه القارئ حتى يعرقله عن التكهن بالأحداث المستقبلية وبين أن يكون حظ الكاتب سيئًا، لأن قارئه معه مفاتيح كل الأبواب التي يحاول الكاتب إغلاقها فى وجهه.
كلما صعب على القارئ أن يتكهن أو يخمن الأحداث كلما أزددت أنت ككاتب تألقاً وبراعًة، كلما وضعت القارئ أمام تحدي أكبر وثورة غضب ومحاولات مستميتة منه للتركيز أكثر حتى يصيب في التخمين القادم، ويفشل في ذلك كلما احُتسبَ ذلك نقطة لصالحك ككاتب، الحقيقة أنها أشبه بلعبة الملاكمة، وفي كل جولة القارئ يحاول أن يتفوق على الكاتب والكاتب يفعل المثل والكاتب البارع هو من يحاول أن يكسب معظم الجولات، أما الكاتب الأبرع هو من يضع القارئ في تحدي منذ أول صفحة في العمل حتى نهايته ويفشل القارئ فى جميع تكهناته حتى ينهك قوى القارئ ويجعله يستسلم في نهاية الأمر، ويرفع الراية البيضاء، ويخضع لسطوة الكاتب عليه، على قدر ثورة القارئ وغضبه وغيظه من الكاتب إلا أنه بعيد إنتهاءه من قراءة العمل يسجل شديد إعجابه بهذا الكاتب، ومن المحتمل أن يتتبع هذا الكاتب في أعمال أخرى كصيادٍ متعطشٍ لكتابات هذا الكاتب.
هذه براعة فائقة لا يحترفها أو يجيدها إلا قلة من الكتّاب. وأما الأكثرية هم من ينجحون في إحباط عدة محاولات للقارئ في التخمين. وهناك فئة أخرى من الكتّاب تفشل طول خط العمل في إحباط أغلب محاولات القارىء للتكهن، وهذه إحدى عوامل ملل القارئ من العمل الأدبي، إنه يستطيع بالفعل تخمين كل تحركات الكاتب على رقعة الشطرنج، يدرك مستقبلاً كل تكتيات الكاتب الهجومية، ويسقط خطوطه الدفاعية الواحدة تلو الأخرى، في البداية يعتريه شعور بالزهو والنشوة والانتصار وسرعان ما يتسرب إليه الملل؛ لأنه أصبح مدركًا وكاشفًا لكل ما هو لاحق، والكاتب الذي يوصم بالفشل الذريع من يجعل قارئه يقفز إلى الصفحة الأخيرة، ليبتسم في سخرية وقد توقع النهاية التي رسمها الكاتب وبأدق تفاصيلها.
وهنا يجب أن يجتهد كل كاتب في استخدام أسلوب الكشف التدريجي أو أسلوب الإرجاء حتى ينهك قوى القارئ، ويجعله يخسر المعركة. وهذه هي المعركة الوحيدة التي يخسرها القارئ، ويكون سعيداً بخسارته فيها؛ لأنها كما قلت تزيده إعجاباً بكاتب العمل.


عندما تتحول أدوية القاولون لعناوين روايات!


متى سيأتي اليوم الذي سنقرأ فيه عناوين طبيعية للروايات والمجموعات القصصية ودواوين الشعر، لازالت متمسك بحلم "موت موضة أسماء أدوية القاولون العصبي التي يتم إطلاقها على كافة الأعمال الإبداعية"، لو أمكن تأسيس حملة: معاً لمكافحة أسماء أدوية القاولون العصبي على الأعمال الإبداعية!
فلم يعد غريباً أن تقرأ أسماء كثيرًا من الروايات هذه الأيام مثل (كستربولوفيناكور) وحتى يكمل الكاتب رحلة استفزازه للقارئ ويستعرض لنا فذلكته المعلوماتية الضحلة جداً يكتب مقدمة في صدر العمل يذكر فيها الأسباب التاريخية لظهور هذا الاسم، فلا تستغرب أن وجدت أن التأصيل التاريخي لمثل هذا الاسم الذي هو بالتأكيد بلا معنى هو في الأصل اسم لقبيلة تقطن في جنوب دولة سمبوكسا العظمى، وكانوا يقتاتون على أكل الكلاب المسلوقة، ويسجدون للفأر سنكبار الأكبر الذي غادر الكهف الجبلي سنة 530 شمسية... إلخ، يمكنك أن تقرأ صفحة كاملة من هذه الترهات وتتخيل كيف يجلس الكاتب الأخرق هذا منتشياً يبتسم ابتسامة وقورة، ولكنها مفتعلة جداً.


مرحلة ما بعد منتصف الأربعينات
مراهقة جنسية!


لكل من يزين قصائده أو قصصه أو منشوراته الفيسبوكية بصور فتيات شبه عاريات أو عاريات، ألا تستحي من أنك قد بلغت الخمسين من العمر أو في منتصف الأربعينات وتتصرف مثل الفتيان المراهقين الذين يمنعهم إحساسهم بأنهم أصبحوا على أعتاب الرجولة أن يرفعوا صور فتيات عاريات على حساباتهم على الفيس بوك كما تفعل أنت يا من غطى الشعر الأبيض نصف رأسك.
هل تعجز قصيدتك أو كتابتك الإبداعية أن تجذب إليها جمهورها، ولأنك تعلم أنك تكتب نص ضعيف لا حول له و لا قوة فتحاول أن تضيف له عامل جذب باستخدام صور الفتيات العاريات لتجذب إليك من يلهثون مثلك على النهود والأرداف، ولا يقرأون لك حرفا، وأنما يسجلون الإعجاب لتسترسل أنت في رفع مزيد من هذه الصور لتحصد المزيد من الإعجابات ثم تكذب على نفسك بأن كل هؤلاء مفتنون بما تكتب من درر مكنونة!
وكان اللافت للنظر في أمثال هؤلاء أنهم دائما يقومون برفع صور فتيات صغيرات في السن وكأنهم يوحون لمن يشاهد منشوراتهم بأن ميولهم الجنسية منحرفة!، قد يستاء البعض عندما يقرأ هذه السطور ولربما ينتقل من هذا المقال إلى آخر، ولكن هذه ظاهرة ملحوظة على صفحات الفيس بوك و لا يمكن تجاهلها.

معايير و مواصفات كاتب القرن الحادى والعشرين


الخيال وحده لم يعد كافياً

لم يعد ينسجم في مخيلتي صورة الكاتب الذي يجلس خلف مكتبه ويعصر خياله من أجل تأليف رواية أو مجموعة من القصص القصيرة وحسبه ذلك فقط، المجهود الذي يبذله في أن يشط بخياله لم يعد كافياً ولا مرضي بالنسبة لقارئ اليوم، الكاتب لا يكتب لنفسه، هو يكتب لنفسه من باب أنه يشبع رغبته وحبه للكتابة... هذا صحيح ولكن على كل كاتب في نهاية المقام أن يتذكر لمن يوجه كتاباته، أنه يوجهها بالمقام الأول إلي قارئه، وقارئ اليوم يختلف عن قاريء البارحة إلى حد ما.
العالم كل حين يقترب من بعضه البعض ويزداد التصاقاً بسبب التطور السريع واللاهث لتكنولوجيا الاتصال وظهور كل يوم جديد في عالم مواقع التواصل الاجتماعى والتي تلغي كل حين مسافة مكانية وزمانية بيننا وبين الآخرين.
قارئ اليوم غير قارئ الأمس
لذلك نحن اليوم نواجه قارئ لم يعد من نوعية قراء جيل الثمانينات وكل من سبقهم، لم يعد قارئ اليوم فقط جل ما يقوم به أن يذهب إلى رصيف الكتب لينتقي كتابًا ويشتريه، ثًمَّ يعود للبيت جرياً ليقرأه باعتبار أن هذا الشيء من أفضل عناصر التسلية التي كانت متاحة في هذا الوقت، قارئ اليوم أمامه من مقومات وعوامل التسلية المتنوعة أكثر من أن تعد وتحصى.
نحتاج نحن معشر الكتّاب إلى أن نغير من أدوات كتابتنا بعض الشيء، وأقصد بالتحديد موضوعاتنا، حتى ننجح في استقطاب قارئ اليوم، ابن هذا العصر السريع المتقلب، ابن تكنولوجيا مجنونة لا تستقر على حال، ولا تبقي على اختراع جديد إلا شهور معدودة وربما أياماً!
بالنسبة لي أنا لا أكتب لنفسي فقط أنما أكتب لغيري وأريد أن يقرأ غيري لي ويطلعني على رأيه فيما أكتب لذا أنا لست منفصلاً بكتاباتي عن تطلعات القارئ ومعطيات اليوم.
وشعار الفن من أجل الفن والطماطم من أجل الصلصة تحول بالنسبة لي إلى شعار كوميدي سخيف جداً لا محل له من الإعراب عندي.
وأيضاً بسبب التكنولوجيا والفيس بوك أصبح هناك لن أقول مئات الكتّاب، ولكن آلاف الكتّاب للدرجة التي يتصور فيها المرء أن عدد من يكتبون يفوقون ضعف عدد من يقرأون!
في زمن الثمانينات وما قبلها حتى أواخر التسعينات ستلحظ أن عدد الكتّاب محدود للغاية، ولكن كما نرى الآن فإن أعداد الذين يكتبون لا يمكن أن يحصيها المرء!
نجاح العمل الأدبي ليس بالكم ولكن بالكيف
من السهل أن أترك لخيالي العنان وقد يتصور البعض أنني أسخر هنا حينما أقول أنني من الممكن بالاعتماد على خيالي وحده أن أؤلف كتابًا كل شهر!، ليس الأمر بالصعب، طالما اعتمد الكاتب على الخيال وحده كركيزة يقوم عليها عمله فأنه من السهل جداً أن يصاب بإسهال الكتابة وينتج عشرات الأعمال التي سيطلق عليها هو فقط إبداعية!
طالما أن الأمر أقتصر فقط على الجلوس خلف مائدة عليها اللاب توب وبرنامج الكتابة مفتوح أمامي فإنَّ خيالي - منذ هذه اللحظة - كفيل وحده بأن يتولى المسألة، ويصنع أحداث الرواية، وبالتالي سيكون لدي كل عام أثنى عشر كتابًا من تأليفي!
ولكنني صراحة لا أريد أن أكون مجرد رقم من آلاف الأرقام التي تكتب وحسبها ذلك، أريد أن أكتب شيئاً يترك بصمة لدى القارئ، شيء قادر على إحداث الكثير من الضجيج في الوسط الأدبي وبالأخص بين القراء، أريد لأعمالي أن تكون جزء من ذكريات القارئ التي يحملها معه العمر كله.
الإنسان على مختلف مراحل حياته يتذكر الكثير من المواقف التي أوجدت لنفسها مكان في ذاكرته الواسعة، أريد أن تكون كتاباتي هي العلامات الفارقة التي يميز بها القارئ بين ذكرياته المختلفة والخاصة جداً.
كيف يمكنني أن أصل لهذه المرحلة وما هو الممكن عمله حتى أصل لهذه المرحلة؟، هل الموضوع يتوقف على الالهام والوحى كما يشاع، بالتأكيد الكتابة تحمل في طياتها جزء من الالهام والوحي ولكن يبقى هذا الجزء أصغر ما يدفع الكاتب للكتابة وصناعة العمل الإبداعي، وأما الجزء الأكثر تأثيراً كما أراه هو ما الذي أستطيع تقديمه للقارئ ويكون جديداً عليه.

ما هو المطلوب من كاتب اليوم؟

ولكن قبل أن نخوض في هذه الجزئية تحديداً هنالك شيء هام للغاية، وهو أن القارئ من الممكن أن يجد بنفسه معلومات ووقائع أكثر إدهاشاً وخيالاً من خيال الكثير جداً من الكتّاب، ولكن فقط هم لا يملكون موهبة الكتابة أو القدرة عن التعبير عن الذات بمثل ما يتميز الكتّاب والمذهل في الحقائق التي تقع بين يدي القارئ الرقمي بشكل يومي على شبكة الإنترنت أنها على الرغم من كونها حقائق إلا أنها مبهرة وهذا هو قمة التحدي الذي نواجهه مع قارئ اليوم.
لذا أتصور أننا نحتاج إلى جرعة مكثفة ومختلفة تماماً من الإبهار وأدوات خاصة مختلفة في الكتابة، حتى استطيع أن أواكب عقلية ووعي القارئ الحالي الأكثر تطورًا من قارئ الأمس.
لذلك أكرر نفس القول مرة أخرى لا أريد أن أكون مجرد رقم من آلاف الأرقام التي تكتب، أريد أن أكون رقم خارج المنافسة... رقم منفرد بذاتي، ليس من العيب أبداً أن يكون هذا طموحك، فهو طموح مشروع ولا يعد غرورًا.
لذلك أرى لو كتبت كل خمس أعوام أو عامين عملًا واحدًا سواء كانت رواية أو مجموعة قصصية قادرة أن تترك انطباع قوي لدى قارئ اليوم أو تّكون علامة فارقة في ذاكرته فأن هذا أفضل ألف مرة من أن أفرح وأنتشي بعشرة أعمال كتبتها لربما لا تترك أي تأثير لدى القارئ أو تمر عليه مرور الكرام.
هذه ليست معادلة سهلة بأي حال من الأحوال، وفي وسط وجود آلاف من الكتّاب لن نتمكن جميعاً من أن نحقق هذه الغاية، لأنه يجب أن يبقى هناك عدد غفير من الكتّاب يقدمون كتابات نمطية أو تقليدية تكون سبب في تميز فئة أخرى قليلة للغاية تقدم روائع في عالم الإبداع الأدبي، ولكن المطلوب منا أن نسعى جميعًا لتحقيق هذا الهدف والمؤكد أنه قلة منا ستفلح فى ذلك.
فالأدب هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن وزنه بالكيلو ولله الحمد ولا يقاس المبدع فيه بكم ما أنتج من أعمال ولكن يقيم المبدع من خلال قيمة ما كتبه وما أحدثه من تأثير على القراء.
فيأتي السؤال التالي والذي يمثل معضلة حقيقية بالنسبة للكثير من الكتّاب وأنا منهم، ما هو الجديد الذي من الممكن أن نقدمه للقارئ؟!
بالمناسبة كل الأفكار التي قد تكون مرت بخاطرك والتي لم تفكر بها بعد، أحب أن أقول لك لا ترهق نفسك كثيراً فمنذ ظهور جنس الأدب الروائي والقصصي في العالم كله، تقريباً كل الأفكار تم طرقها من قبل!، ومهما أدعيت أنك تحمل فكرة جديدة، صدقني لقد تم تداولها في أعمال أخرى ربما لم يسعك الوقت لتقرأها أو لم تسمع عنها وليس معنى ذلك أنها ليست موجودة وأنت صاحب الكشف العظيم، فبالتالي أنا من خلال هذه الفرضية أعقد الأمور أكثر وأكثر على الكاتب!
إذن بما أنه ليس هناك أفكار جديدة من الممكن أن نبهر بها القارئ، ما الذي نستطيع فعله حتى نستحوذ على كامل انتباه القارئ، الأمر في هذه الحالة من وجهة نظرى يتمحور حول أسلوب طرح الفكرة، من هنا يأتي التجديد، وطرح المؤلف للفكرة هو الذي يصنع الفرق بين هذا المؤلف وذاك عند القاريء.
أمثلة من عالم الأدب على إمكانية تطوير أدوات الكتابة
نحن نحتاج إلى أمثلة نعرفها فى العالم الأدبي حتى نقترب أكثر وأكثر مما أحاول الجواب عنه هنا من أسئلة قد تبدو معقدة أو محيرة ولنأخذ نجيب محفوظ مثلاً على ما أقول فهو دائماً فى كل أدبياته تكلم فقط عن المدينة وأهل المدن ولم أسمع أنه كتب رواية عن الريف أو الصعيد، نأى بنفسه عن أن يتورط في منطقة لا يعرف عنها الكثير، واكتفى بأن يصيغ كل حكاياته عن المدن والأحياء الشعبية وكان هذا هو سر نجاحه، أنه أجاد الحديث عما يعرف جيداً، ولذلك أستطاع أن يخرج للنور العديد من الأعمال الأدبية الناجحة والتي تركت بصمة واضحة في ذاكرة أجيال مختلفة من القراء.
لذلك أرى أن تكتب عما تعرفه لأنك لو حاولت الخوض في منطقة لا تعرف عنها الكثير فأنك بذلك قد تكون صنعت لنفسك فخ محكم ستسقط فيه لا محالة ولن يرحمك القارئ وقتها وستكون مادة للتسلية من قِبل النقاد بلاشك، قارئ اليوم ليس غبياً أو محدود المعرفة وإن سَبّ في عملك حتى أنك لا تعرف عما تتحدث، فسرعان ما سينفر من عملك ولن يصدق أي كلمة ترد في نصك الأدبي، أنت لا تتعامل مع قارئ ثمانيني أو تسعيني أو ما قبل هذين العقدين، أنت تتعامل مع قارئ ولد في رحاب التكنولوجيا الحديثة والآفاق المفتوحة ولن يشفع لك خيالك مهما كان خصباً في أن توارى قلة معرفتك بالمنطقة التي ورط نفسك بها، ولذلك أنا أول قاعدة لي لن أتكلم عن أمور أو أخوض في مناطق لا أحسن المعرفة بها أو لدي رصيد ضعيف من المعلومات عنها حتى لا أصنع في نهاية الأمر عمل أدبي فاشل.
و مثال على ذلك إن حاولت أن أتطرق إلى رواية تقص حياة محامى أن أول شيء سأفعله هو أن أذهب إلى مكتب محاماة، وأطلعه على أمري، وأرجوه أن يتقبلني في مكتبه لبعض الوقت، ويطلعني على خبايا القضاء والمحاكمات... إلخ. وإن لم استطع أن أوفر بيئة مماثلة فحرياً بي ألا أورط نفسى فيما لا أعرف، و ذلك لأن القارئ حساس جداً من الممكن أن يكتشف ضعفك المعلوماتي فينفض عن عملك ومن الممكن أن يستشعر الصدق حتى لو كانت معلوماته محدودة، فيتحقق مرادك وينبهر بعملك ويحتفي به.
كذلك لو كنت ترغب في أن تكتب رواية عن العشوائيات، يجب أن تتخلص من فكرة أنك لديك فكرة عامة عن تلك الأجواء وخيالك كفيل بأن يغطي باقي الثغرات، ثق أنك ستفشل، وسيخرج للنور عملًا مهترئًا ضعيفًا سطحيًا لن يصدقه أحد.
من الأمثلة التي تحضرنى الآن الكاتب خالد الخميسى كتب رواية اسمها سفينة نوح، هذه الرواية في أحداثها تكاد تكون عادية جداً لن تجد فيها أحداث مثيرة، ولكن المثير بالنسبة للقارئ هو وصفه الدقيق جداً للهجرة الغير شرعية، وبتفاصيل التفاصيل وعلى الرغم من أنني لا أعلم ولا القارئ يعلم خط سير الهجرة غير الشرعية ولكنك تكاد تجزم وأنت تقرأ روايته أنه يخبرك بالحقيقة كاملة، وأحيانًا كثيرة تكون الحقيقة أكثر إبهاراً من الخيال، في وصفه لخط سير الهجرة من الأرياف إلى ليبيا، ثُمَّ إنطلاقًا من البحر الأبيض المتوسط حتى سواحل الدول الأوربية في جنوب أوروبا ثم مرورًا بعدد من دول شرق أوروبا حتى وصولًا إلى الدول الغربية، ومِنْ ثَمَّ استخدامها للقفز إلى أمريكا، أو حتى الاستقرار في الدول الأوربية الغربية، شيء مذهل ومثير جداً.
هناك شخص آخر أيضاً أسمه عصام يوسف كتب رواية ربع جرام، أنا أعمل مدرس في مدرسة دولية أمريكية وشاهدت الطلبة في المرحلة الثانوية وموظفي الأمن وعمال التصوير يقرأون هذه الرواية بتركيز شديد جداً على الرغم من كونها كبيرة الحجم وعلى الرغم من ركاكة أسلوب الكاتب الذي يفتقر إلى مقومات الأسلوب الأدبي، وغير متمكن بالمرة من أدوات الكاتب في السرد، وبناء العمل الأدبي إلا أنه لفت انتباه شريحة كبيرة من القراء وممن لا يحبون القراءة في الأصل، وما هو السبب؟، دقة المعلومات التي أوردها بعمله الروائي من أسماء الموزعين للمخدرات وأصنافها والمغشوش منها وأماكن التوزيع وأسماء المخدرات المختلفة وأسعارها وغيرها من الأمور وذلك نتيجة لماذا؟، على حد قول الكاتب في إحدى المقابلات التليفزيونية التي شاهدتها له أنه كان مدمن سابق!
أتذكر جيداً كلمة حارس الأمن عندما سألته ما الذي جذبك في هذه الرواية فقال لي بما معناه، أنه لا يقرأ ولا يحب القراءة، ولكن هذه الرواية صادقة جداً وكل ما ورد فيها حقيقي، وهو يعرف بعض ممن ورد ذكرهم في هذه الرواية، يجب أن يلفت أنتباهك في حديث رجل الأمن أنه قال ماذا؟، قال أنه عمل صادق، إذن القارئ لا يريد من يسرح به ويقدم له الخيال فقط ولكنه يريد أكثر من ذلك مصداقية العمل المقدم إليه، القارئ يبحث عن الصدق في العمل، هذا أول ما يلفت انتباه القارئ.
طبعاً لا أريد منك أن تتحاذق وتقول لي وهل يجب أن أتحول للأدمان حتى أعرف عما أتحدث؟!,، لدي رد بسيط وهو الأفضل ألا تكتب عن الأدمان والمدمنين لأن القارئ سيكتشف إن كنت تعرف حقاً عن هذا العالم أم لا؟!، إن لم تكن مدمناً فهل رافقت بعضهم لازالوا يتعاطون أو تعافوا من هذا الأمر، فيطلعوك على طرف من قصصهم، إن لم يتوفر لك حتى هذا فبالتأكيد سيكون ردي، نعم لا تكتب لأن الكاتب سيعريك من ورقة التوت التي تستر بها عورتك!
في الأدب الغربي لديك مثال حي وهو دان بروان في ثلاثيته الشهيرة (شيفرة دافنشى، ملائكة و شياطين، الرمز المفقود) كيف استطاع أن يضع نصب عينيك حقائق تاريخية وعلمية حقيقية وليست من صنع خياله والمثير في الأمر أن هذه الحقائق التاريخية والعلمية كانت أكثر إبهارًا من أجواء أسطورية كثيرة قد تكون قرأتها من قبل!
إنك لتكاد تجلس على حافة مقعدك وأن تقرأ أعماله التي تتسم بالضخامة في القطع الورقي وعدد الصفحات من كثرة إعتنائه بالوصف الممل والدقيق جداً للأجواء المحيطة بالبطل.
وإن الأماكن التي يرد ذكرها في أعماله هي موجودة بالفعل على أرض الواقع وكان هذا هو قمة الذهول، هذا الخيال الخصب كما تتصور أنت تكتشف في ثنايا النص أنها حقيقية وليست صنيعة خياله!، كيف هذا؟!، هذا هو أول سؤال يضرب جمجمتك!
كم من السنوات أستغرق لكتابة كل رواية، أكتر من خمس سنوات ليكتب رواية شيفرة دافنشى بيد أنه كان معه فريق بحث كامل، إذن الأمر ليس مجرد الخيال وحده هو القادر على إحداث فارق مع القارئ عندما يتناول عملك بالقراءة.
الكتّاب المقلدين أشباه لشعراء العصر الفاطمى
قد أتقبل الخيال المحض في أعمال كتّاب الأجيال السابقة الستينية والسبعينية والخمسينية ولكن حقيقة لم يعد ذلك مقبولًا بالكلية الآن، وخاصة من ينتهجون خط أحلام مستغانمي الآن، هؤلاء بالنسبة لي يمثلون حقبة تاريخية معينة كان الإبداع فيها فقيراً، ويعتمد على التقليد والقولبة وهم شعراء العصر الفاطمي في مصر، هم مجموعة من الصنّاع المهرة المقلدين المقولبين، صانع ماهر وليس بفنان أو مبدع، ليس لديه أي رصيد من الابتكار، ولكن يجيد فن النقش والزخرفة والنسخ باحتراف، هذا هو نمط أحلام مستغانمي بالنسبة لي.

خاتمة و ملخص

إذن أخيراً أحب أن أقول أن ملخص كل ما سبق هو أن على الكاتب أن يبذل مجهود مضني في البحث عن المعلومة والتدقيق فيها وأن تكون معلومات الكاتب قادرة على إبهار القارئ، ويجب قبل أن تشرع في كتابة عملك الأدبي أن تحاول وضع نفسك في خانة القلة المميزة، لن ننجح جميعاً، ونكون من هذه القلة، ولكن سيكون منا من هو قادر على الانضمام إلى هذه القلة المميزة، ولا يجب أن نقبل بأن نكون مجرد رقم من آلاف الأرقام التي تكتب ما تذروه الرياح.

الفرق بين النص والكاتب


من سنة 1999 إلى سنة 2002 كنت أحضر جميع الندوات والصالونات الأدبية المختلفة التي كانت موجودة وقتها في الإسكندرية وكان من ضمنها ندوة حكي الأربعاء كل أربعاء في قصر ثقافة الانفوشي بقيادة الأديب السكندرى الجميل عبد الهادى شعلان وأيضاً ندوة الخميس في إتيلية الإسكندرية وندوة أصيل في النادى النوبي العام يوم الجمعة وندوة عبد الله هاشم يوم الأثنين في جمعية الشبان المسلمين وأحياناً أحضر ندوات متفرقة يومي الأحد في قصر مصطفى كامل لعبد النبي كراوية وندوة السبت في مركز الإسكندرية للإبداع، داومت على هذا الأمر أربع سنوات واضطررت أسفاً أن أنقطع عن كل تلك الفاعليات لأن ظروف العمل والزواج والجيش والسفر شغلتني عن كل هذا.
وكان يُقرأ في تلك الندوات الأعمال القصصية لأعضائها، ومِنْ ثَمَّ يتناول الأعضاء القصة المقروءة بالتشريح والنقد وأحياناً الهجوم اللاذع جداً، كل من في الندوة يفعل ذلك، نقوم بتشريح نصوص بعضنا البعض وكانت أعمالي التي أقرأها عليهم تتعرض أحياناً للهجوم وأحياناً أخرى للثناء.
وبعد أن نتناول قصص بعضنا البعض بالنقد والتشريح للنصوص المقدمة في تلك الندوات نخرج منها لنجلس على المقهى سوياً لنضحك ونتناقش في أمور عادية لأننا لم نكن نأخذ هذا النقد على محمل شخصي، إنما نعتبر أن هذا النقد موجه للنص المكتوب، لم يكن فينا من يشخصن هذا النقد، ولذلك كنت أعتبره جواً صحياً جداً وعلى مدار أربع سنوات الحقيقة أنني استفدت كثيرا من هذا النقد، وساعدني ذلك على أن أطّور أسلوبي الأدبي في الكتابة، وكل ذلك بفضل تلك الندوات وما كان يدور فيها من فاعليات إيجابية، وأدين لكل من كان فيها بالفضل فيما أصبحت عليه ولازالت إلى يومنا هذا استمتع بالنقد لأعمالي، وكنت أهتم بالنقد أكثر من المدح لأنه يكشف لي وجهات نظر أخرى لم أكن أراها في النص، وكل ذلك لا علاقة له بالتواضع لأني لا يمكن أن أدعي التواضع لأنه ليس من سماتي!
وبعض الأشخاص في تلك الندوات شديدي الهجوم، ولا تنفك إلا أن تظهر كل مساوئ النص والكاتب الذي يُهاجم نصه يفهم جيداً أن الهجوم لا يشمله شخصياً، ولكنه موجه للنص فقط.
وهناك نوع آخر من الأشخاص يذكرون الأشياء الإيجابية في النص المقدم حتى لو كانت قليلة كنوع من التمهيد لإبراز نقاط الضعف في النص، ولكن المحصلة النهائية لكل هذه العملية الإيجابية أن لا أحد يغضب من موجة الانتقادات؛ لأنهم كلهم يفهمونها على أنها موجهة للنص فقط.
وأنا من خلال تجربتي على الفيس بوك فيما يخص المنشورات السياسية التي كنت أكتبها إيبان الثورة خسرت العديد من الناس ومنهم أصدقائي وبناء على ذلك أخذت قراراً حاسماً بألا أتناقش مع أي شخص كان في أي موضوع سياسي، وذلك لغياب ثقافة الاختلاف بشكل كامل في حوار الناس مع بعضهم البعض.
وكنت أتصور بشكل خاطئ للأسف أن الأمر بالنسبة للشأن الأدبي مختلف، وأن تكون هناك أرضية رحبة يسمح فيها بالاختلاف أياً كان حجم الاختلاف، ولكن وجدت أنَّ الكتّابَ الموجودون على الفيس بوك يختلفون تمام الاختلاف عمن تعاملت معهم في الندوات التي كنت أحضرها.
أي نقد من أي نوع لأي مواطن ضعف في النص تقابل بامتعاض بالغ من صاحب النص، ويحول الأمر لأنه هجوم شخصي عليه مع العلم أنني أناقش النص فقط، ولذلك توقفت عن التعليق على النصوص التي تظهر أمامي على الصفحة الرئيسية للفيس بوك، حتى لا ينفر الناس مني، و قد قررت قرارًا سخيفًا هو أنني كلما طُلب مني رأياً بخصوص نصاً ما أن أبحث عن أي نقاط مضيئة فيه لأجد مبررًا لكتابة تعليق مقولب من على شاكلة: جميلة – روعة – إبداع – مميزة ... إلخ.
هذا هو النظام الذي وجدته على الفيس بوك، ولم يكن بالأمر الهام حتى أخسر مزيدًا من الناس من أجل نقد لنص أدبي، فتوقفت حتى عن التعليق، أي تعليق.
هناك بعض الأشخاص يقومون بإرسال أعمالهم على صندوق الرسائل الخاص بي على الفيس بوك يطلبون رأيي في أعمالهم، ولذلك بشكل خاطئ للمرة الثانية كنت أتصور أنه يطلب رأيي بشكل حقيقي، ولكن اكتشفت أن الأمر لازال كما هو لم يختلف.
الهدف من كل هذه الحكايات القصيرة هو أنه يجب أن يتحلى من يكتب أي نص إبداعي بشيء من هدوء الأعصاب والثقة بالنفس، وأن أي نقد يوجه للعمل الذي يقدمه لمجتمع الفيس بوك هو موجه للنص بذاته، وليس لصاحب النص، ويجب أن يتقبل النقد أيًا كان. طالما لا يحمل أي إساءة شخصية له، مهما كانت قسوة تلك الانتقادات، ولكن المبدع عليه أن يّطلع على النقد أياً كان حتى يتمكن من تطوير أسلوبه الأدبي في الأعمال التالية.


كم قرأنا من الكتب لنكتب؟


هذا سؤال مهم جدًا يجب أن نسأله لأنفسنا، قبل أن نشرع في كتابة أي عمل أدبي من أي نوع سواء كان نثرًا أو شعرًا، يجب أن ننظر وراءنا إلى عدد الكتب التي قرأناها وهل تركزت في مجال واحد أم تنوعت؟
هل قرأنا كتب في التاريخ؟
هل قرأنا كتب في السياسة؟
هل قرأنا كتب في الاقتصاد؟
هل قرأنا كتب في الاجتماعيات والفلسفة وعلم النفس؟
هل قرأنا كتب في علم الأحياء والفلك والجيولوجيا؟
هل قرأنا كتب في الفكر الإسلامي؟
هل قرأنا القرآن لأنه والحق يجّود من أسلوبك اللغوي إلى حد كبير جداً وخاصة بالنسبة إلى الشاعر؟
هل قرأنا نصوص مسرحية أو روايات عالمية وعربية ومجموعات قصصية ودواوين شعر تكفي لأن نقول .... الآن سأجلس لأكتب أولى أعمالي.
عرفت الكثير على الفيس بوك لديه إسهال مفرط في الكتابة ولم يقرأ حرفاً للأسف.
وعرفت غيرهم من على الفيس كتبوا روايات ودواوين شعر وجل ما قرأوه مقتطفات أحضروها من محرك جوجل للبحث!
والأفضل منهم قليلاً قرأوا رجل المستحيل وروايات عبير !
أو قرأوا شيئاً من هنا وشيئاً من هناك ومن ثم شرعوا في الكتابة!
يجب أن تكون قارئ قبل أن تكون كاتب.
لتجرب شعور القارئ متى يشعر بالملل مما يقرأه؟
ما الذي علق فى ذهنه مما قرأ؟
ما هو مخزونك الثقافي لتتجرأ وتكتب ؟
إن لم تكن لديك إجابات لكل ذلك أو بعضها.
فأنصحك ألا تدعي أنك كاتب أو تجاهر بأنك تكتب.
لأني أرى أن العمل الأدبي قد تحول إلى عمل يسهل أن يمارسه أي شخص طالما كانت له يد سريعة في الكتابة على الكيبورد!
وهذا ما يحسب له من مهارات الكتابة إن كان يملكها أصلاً!
هناك الكثير قرروا أن يخوضوا في كتابة الشعر وحسبوا أنه أسهل الطرق لإشهار أنه يكتب وهو حتى لا يجيد أبسط قواعد اللغة العربية من إملاء ونحو وأعني هنا أبسطها على الإطلاق، لا يستطيع أن يفرق بين الهاء المربوطة والتاء المربوطة وبين مواضع الهمزات ومتى تكون الهمزة على نبرة أو على السطر.
فإن كنت لا تجيد أوليات اللغة العربية فكيف تتجرأ وتقول أنك شاعر حتى لو كنت شاعر عامية .
أعرف مدرس لغة عربية يكتب قصائد عامية أو هكذا يزعم ويكتب قلبى (ألبى) !!
كم كتاباً قرأت وفي أي شيء قرأت حتى تتجرأ وتقول أنك شاعر؟
هل حتى لديك خلفية عن مدارس الشعر المختلفة القديم منها والحديث؟
هل تحفظ حتى شيئاً من الشعر للشعراء ؟
تجد أن من يدعون الشعر تتوقف معرفتهم بالشعر عند نزار قبانى وفاروق جويدة وهشام الجخ ولا يخجلون من التصريح بذلك.
وياليتهم قرأوا لهم دواوين كاملة ولكنهم يتصيدون مقتطفات من قصائدهم من على الأنترنت!
والصنف الآخر ممن يدعون الإبداع قرأوا روايات وقصص لا تتجاوز أصابع اليدين ومن ثم يتقيأوا علينا عشرات الكتب التي هي بلا معنى ولا فكرة.
وإن تصدى أحدهم لكتابة تاريخية قرأ ما تيسر له من الويكبيديا فقط وأكتفى وياليته قرأ كل المقال ولكنه يتنقل بالماوس بين فقرات المقال سريعاً.
توقفوا عن أن تحشروا أنفسكم في زمرة من يكتبون وإن تجرأت وقلت أنك تكتب فماذا قرأت حتى تكتب؟
شعراء العامية، أقول لأغلبكم أما أن ترحمونا وتكتبوا لغة عربية سليمة أو ترحموا شعر العامية من جرائمكم !
حتى لو سيادتك تكتب شعرًا عامية فأنك تكتب قلبى مش ألبى ... تكتب أنتِ تحتها كسرة وليس أنتي!، فرّق بين التاء المربوطة والهاء المربوطة ... ليس معنى أنك تكتب العامية أن تترك لنفسك الحابل على النابل للوقوع في عشرات الأخطاء الإملائية.
وكيف تكون شاعر عامية وأنت تكتب مضايق بالدال و ليس بالضاد!
و(بقى) و ليست بئى!
ترضى وليست ترضا .... في أي مدرسة درست اللغة العربية حتى لو كانت حكومية!
إضافة أخرى، أقرأ معى هذا البيت (أوله على اللي في قلبى).
حاولت أن أفهم ماذا يقصد وبعد معاناة والاستعانة بصديق عرفت أنه يقصد (قوله على اللي في قلبى) !، حقيقة لا تعليق.
ألحب ... ما هو موقعها من الإعراب تلك الهمزة التى تقف بأريحية غريبة على ألف لام التعريف !
ولا تكتفي بكل هذه المصائب وتتجرأ وتقول أنك شاعر عامية
وأنا أيضاً شاعر ولكن شاعر بالقهرة من أمثالك!


الكاتب الذي يزن قيمته الأدبية بالكيلو!


لا استسيغ أبدًا بعض الناس الذين يكتبون خمسة أعمال أو أكثر في سنة واحدة ولا أعرف كيف يفعلون ذلك؟!، اللهم لا حسد لربما هم عباقرة حتى تنتج عقولهم كل هذا الكم غير المفهوم من الأعمال في سنة واحدة، ولكني أرى من يفعلون ذلك، وكأنهم مصنع لإنتاج البسكويت، هكذا أراهم وليس ما أقول حقيقة ولكنه يبقى مجرد رأي.
أتذكر أني قرأت لنبيل فاروق يوماً تفاخره بأنه الكاتب المصرى والعربي الوحيد الذي له أكثر من 500 مؤلف حتى الآن وهو شيء من وجهة نظري لا يدعو للفخر بأي حال من الأحوال، هذه مأساة أن نقيم الأدب بعدد ما نشرنا من أعمال، أو أن يتحول إنتاجك الأدبي إلى مجرد كم بصرف النظر عن الكيف، ولكن يكفيني أن أكتب عشرة روايات فقط أو أعمال أدبية متنوعة في حياتي كلها، ولكنها لا تترك فقط بصمة في ذاكرة القراء، ولكنها تّكون علامات فارقة في حياتهم يؤرخون بها أعمارهم ومواقف هامة في حياتهم.
ليس الفخر في الكم ولكن في الكيف .
أقرأ بعض المنشورات على الفيس بوك وأصحابها يتحدثون عن ثلاثة روايات يكتبونها أو أكثر وأنهم يستعدون لكتابة رواية رابعة!، هل الأمر بهذه السهولة؟، أنا لا أريد القارئ أن يقول أنه قرأ لي رواية جيدة أو مقبولة ولكني أريده أن يقول أنه قرأ لي رواية واحدة فقط، لم يقرأ مثلها من قبل وأنه لا يعتقد أنه سيقرأ مثلها قريباً، لربما فشلت حتى الآن في تحقيق هذه الغاية، ولكن هذا هو مستوى طموحي فلذلك لا أشغل نفسي بفكرة كم من عمل كتبت وأنني يجب أن أكون كتبت ثلاثة روايات أو مجموعات قصصية هذا العام.
أقول لهؤلاء تخلص من فكرة كم عمل نشر لك أو تسعى لنشره ولكن أنتهي إلى فكرة هل كتب أحد من قبلي ما أكتبه الآن أو قادر أحد آخر على أن يكتبه مستقبلاً؟!
هذا سؤال مهم جدًا يجب أن يسأله أي كاتب لنفسه.
كما قلت في مقال سابق لا أريد أن أكون مجرد رقم من آلاف الأرقام التي تكتب، ولكني أريد أن أكون رقم خارج أطار المنافسة، وإن لم استطع بفعلي إلا أن أفرط على الأقل في عدد ما أكتب، لأنه ليس بالعدد سأكون خارج أطار المنافسة.
كم ممن قالوا أننا أدباء وكتّاب كتبوا عشرات الأعمال وأنا آسف عندما أقول أنه لم يسمع عنهم أحد، وإذا ذكرت أسمائهم لأشخاص أعرف أنهم يحبون القراءة يهزون روؤسهم نافين معرفتهم بهم!
إذن فلتكن خمس روايات أو عشرة أو عشرون هو كل ما أنتجه طوال حياتي ولكن عندما يذكر اسمي لدى القارئ يتذكرني فورًا، ويتذكر أعمالي.
فبالتالي مهمة أن أكتب عمل على هذا المستوى الذي أحلم به ليست بالمهمة السهلة
لا أتصور أن أجلس وراء مكتبي وأشرع في الكتابة مبحراً بخيالى وحسبي ذلك، الأمر بالنسبة لي أكبر من ذلك بكثير، هو مهمة شاقة بحق ويجب أن أحترم فيها عقلية القارئ الذي قرر أن يخصص لي من وقته ليقرأ لي، فوجب علىَّ أن أبادله باحترام مساوٍ وهو أن أقدم له عمل يستحق وقته الذي أنفقه من أجلي.
فبالتالي أنا غير معني بأن أرى من حولي ينشرون كل عام كتاب أو أكثر وأنا لا أنشر أي شيء، فأخيرًا أقول: لا يكمن السر في العدد، ولكن فيما تكتب، هل يستحق أن يخلد؟!
الكتابة بالنسبة لي شعور بالمسئولية.
هو التزام اتجاه القارئ.
أن أسعى جاهدًا لتقديم شيء أستطيع أن أبهر القارئ به.
لا استطيع تحديدًا أن أضع قواعد أدبية لهذا الأمر تباعًا لاختلاف أنواع الرواية بين الخيالي والخيال العلمي والإثارة الحركية والرعب والاجتماعي والرومانسي والتاريخي والسياسي .... إلخ
ولكن يجب أن يكون عملي قادرًا على إبهار القارئ، و أن يترك علامة واضحة لا يمكن أن تطمسها ذاكرة القارئ مهما مر عليه من الوقت .
واستطيع أن أضرب أمثلة على ذلك بالنسبة لي على الأقل.
فأبدأ بأن جميع أعمال دان براون تركت بذاكرتي بصمة لا يمكن أن تطمس.
رواية لا أحد ينام في الإسكندرية وطيور العنبر لإبراهيم عبد المجيد.
رواية مائة عام من العزلة لجابريل جارثيا ماركيز .
ساحر الصحراء لباولو أكيلهو.
النبطي وعزازيل ليوسف زيدان.
هناك نوعية من الأعمال لا تغادر ذاكرتك ربما تبهت ... تضيع بعض معالمها ولكن تبقى صورتها الكلية عالقة بذهنك بقوة.
فبالتالي هناك مسئولية ومجهود شاق يقع على عاتق الكاتب حينما يتوجه بكتاباته إلى القارئ، لا يجب أن يتم التعامل مع الأمر على أن هناك فكرة رواية أو قصة داهمتك فتسارع إلى إفراغها على الورق وحسبك ذلك.
لم يعد الأمر بالنسبة لي على الأقل مقبولًا على هذا النحو.
يجب أن يدهشني العمل وأن يبهرني ويجعلني أغلق آخر صفحة في العمل شاعراً بالضيق البالغ لأنني كنت أحب أن أعيش أحداث أخرى في هذا العمل وكم تمنيت أن يستمر لصفحات أطول من فرط إعجابي بالعمل .
أرجوك أيها الكاتب لا تنتشي وتفرح بعدد ما كتبت فليس هذا هو مربط الفرس .
هذا إنذار بالخطر.
هذا إنذار بإفلاسك الأدبي والإبداعى بلا شك من وجهة نظري طبعًا
من أنتشى وفرح بعدد ما كتب سقط في الهاوية بلا شك.
حينما لا أشعر بالإرهاق الذهني الشديد والعراقيل الكثيرة التي تظهر أمامي من خلال العمل الذي أكتبه فبالتالي أشعر بأن هذا العمل قيمته الإبداعية بالنسبة لي لا تساوي الكثير ولو حتى أثنى عليه الآخرون.
أريد أن أكتب عمل يرهقني ويستفزني إلى أقصى حد وإن لم يلقِ الترحاب أو القبول الذي أتوقعه له.
الكثير مما أمتلك موهبة الكتابة أو اكتسبها بحكم الممارسة وكثرة القراءة قادر على أن يضع كل يوم بيضة/ رواية أو قصة قصيرة ولكني أراها في نهاية المطاف عملًا في مهب الريح، من الممكن أن تذروه الرياح وكما ولد بلا ضجيج، يموت أيضا بلا ضجيج .
توقف عن تعبئة شرائط الكاسيت وأجلس مكانك ألتقط أنفاسك ولا تورط نفسك في السباق المحموم حول من قادر على إنتاج الأكثر لتهتم بفكرة إنتاج الأفضل والأكثر إبداعا.ً
هذا العام في معرض الكتاب الدولي فوجئت بكم مهول من الروايات والمجموعات القصصية التي انهالت علينا لربما تجاوزت الأعداد الخمسمئة على حد ما سمعت.
أشعر بالسعادة من هذه الصحوة الأدبية ولكن أتساءل في نفس الوقت، هل توقف من كتبوا كل هذه الأعمال أمام ما يكتبونه وحاسبوا أنفسهم وسألوا أنفسهم السؤال الأهم، هل ما كتبت حقاً يستحق النشر؟
وهل أدب الرومانسيات أصبح من السهولة بمكان أن يدس كل من هب ودب قلمه فيه ويكتب عنه مجموعة قصصية أو رواية، لا يحمل كلامي أي إشارات مبطنة لأي كاتب متواجد على صفحتي ومن يرى نفسه بين السطور فهو شأنه !
من كثرة من كتبوا في الأدب الرومانسي شعرت وكأنه تحول بدوره إلى شعر العامية، قفز فيه كل من هو مبدع ومن هو نصف مبدع ومن هو مفلس و من لا مهنة له أمتهن شعر العامية فأصبحنا وأمسينا كل يوم على غثاء السيل !
وكأن شعر العامية وأدب الرومانسيات هو الباب السهل للولوج منه إلى عالم الأدب والحقيقة أنه ليس كذلك بل كل من ولج إليه ورط نفسه فيه.
تتزاحم في رأسي عشرات الروايات الرومانسية وليست لدي الجرأة الكافية لأن أكتبهم كلهم لأني أسأل نفسي ما الجديد الذي من الممكن أن أقدمه أو بالأحرى كيف سأصنع رواية رومانسية تخالف ما يطرح في الأسواق وتبهر القارئ، فأجد نفسي أنتهي إلى الإجابة الوحيدة التي أمتلكها في الوقت الحالي، وهو أنني غير قادر على طرح رومانسي مخالف لما ألفه القارئ في كل الروايات التي سبقتني، حاولت برواية (ثلاث مرات) أن أجنح للرومانسية بعض الشيء أو هكذا أتوهم إنها رومانسية ولا أعلم إذا كانت تجربة فاشلة أم ناجحة؟، ولكني أنتهيت إلى نتيجة حتمية لن أكتب أي عمل رومانسي قبل أن أنجح في إجابة ذلك السؤال الذي يؤرقني، ما الفارق الذي أستطيع أن أصنعه لدى القارئ لو حاولت كتابة عمل رومانسي، حتى الآن وكما أسلفت سابقًا لا شيء، فبالتالي أنا عازف في الوقت الحالي عن الخوض أو توريط نفسي في كتابة أي عمل رومانسي.
الكتابة ليست بهذه البساطة، هي ليست لعبة لتسلي بها وقتك، أو تقتل بها وقت فراغك، أرجوكم أعطوها شيئاً من الأحترام؛ لأنها تستحق منا ذلك والقارئ يستحق منا ذلك.

ما هو المطلوب من المبدع؟


الطبيعي على المبدع أن يقرأ أكثر مما يكتب وهو ليس فقط من الطبيعي ولكنَّه أمر في غاية البداهة والنباهة. قد لا يحتاج مني لأن أكتبه باعتباره مسلمة معروفة للجميع ولكن البعض كما يخيل لي يكتب أكثر مما يقرأ، وأصبح بعضهم يتعفف عن قراءة أعمال حديثة باعتباره تجاوز هذه المرحلة وأصبح من القمم أو أن رصيد خبرته يؤهل له أن لا يلتفت إلي ما يكتب اليوم وخاصة لو كانت تلك الكتابات تنتمي إلى جيل الشباب.
صحيح أن بعض الأعمال اليوم هي كغثاء السيل بلا معنى ولا قيمة ولكن لا يمكن تعميم هذا الحكم على كل الأعمال.
كم قرأت من الكتب مقابل كل عمل كتبته؟
ماذا أعددت لهذا الكتاب من قراءة ليست عابرة، ربما يكون بعضها عابر والبعض الآخر يحمل الكثير من التأني والتفكير فيما تقرأه.
أدب الرعب أو الأساطير أو الخيال العلمي أو الإثارة الحركية، ليس أدب تافه ولكنه في نفس الوقت ليس معيارًا لقياس قيمة المؤلف الأدبية، طبعاً هذا من وجهة نظري.
من حصر نفسه في نوع من هذه الأنواع أو بعضها أو كلها، نعم هو مبدع ولكن لازالت أنتظر منه إبداع فني وأدبي لا توفره هذه الألوان من الروايات، لا نستطيع أن نحكم من خلالها بشكل مطمئن أنه كاتب روائي وصل إلى القمة ما لم يجرب الألوان الروائية الأخرى، ويثبت جدارته فيها.
لا يعني هذا إن من يكتبون هذه الألوان الروائية دون غيرها قد تم نزع صفة الكاتب أو المبدع منهم، ولكن الإكتفاء بالكتابة في هذه الألوان الروائية فقط لا تعطينا فكرة واضحة مطمئنة لإمكانيات الكاتب، كمثل المطرب الذي يجنح لأداء الأغاني الخفيفة ومن الممكن أن صوته قادر على الإبداع في أغاني تستلزم أداء طبقات صوتية متعددة بين صعود وهبوط، بالتأكيد وفى هذا المطرب أداء الأغاني الخفيفة حقها ولكن ماذا عن الأغاني التي تستلزم مجهود أكبر وطبقات صوتية متنوعة، هل هذا المطرب قادر على أدائها؟، يبقى السؤال ويبقى الشك قائماً، هل تنطبق معايير المطرب المميز عليه؟، أم أن قدراته تنحصر فقط في نوع الأغاني الخفيفة سريعة الإيقاع، ينطبق نفس الأمر على الكاتب الذي يجنح للكتابة في لون روائي واحد أو عدة منها دون الخوض في الأخرى، هل هذه هي حدود قدراتك فعلاً؟، لأنك لا تستطيع أن تحسن صنعاً في الألوان الروائية الأخرى، فضلاً عن إن معظم الأعمال الروائية التي تنتمي إلى جنس الخيال العلمي والرعب والأساطير والإثارة الحركية في الأدب العربي هي مجرد نسخ رديئة للغاية من الأدب الغربي الذي أبتدع هذه الألوان الروائية.
حتى أنه من الملاحظ أن الذين يكتبون في هذه الألوان الروائية فقط دون غيرها في العالم العربي، دائمًا ما استشعر في كتاباتهم ضعف مقومات العمل الأدبي، أو أنها تراوح مكانها في منطقة معينة لا تتقدم للأمام ولا تتقهقر ولكنها تقف في منطقة وسطى، لا تستنبط منها حكماً هل هو كاتب جيد أم متوسط القدرات؟، وفي ظني أن أغلبهم قدراتهم محدودة في الإبداع.
يجب أن يكون العمل المقدم محل نقاش أو بمعنى أدق يجبر القارئ على أن يعمل عقله فيما يقرأ حتى لو كان في أدب الخيال العلمي أو الرعب أو الأساطير أو الإثارة الحركية وما أراه على الساحة الأدبية العربية لا ينبأ بذلك، فمعظمها أعمال للتسلية فقط ونسخ رديئة من أعمال غربية مرئية ومكتوبة، لا أعمم ذلك على كل الأعمال التي تنتمي إلى هذه الألوان الروائية ولكن يبقى في ظني معظمها كذلك!
من الطبيعي أن تُطرح بعض الأعمال للقارئ على أنها من باب الإمتاع والتسلية فقط وهذا مشروع ومقبول بالنسبة لي، ولكن أن يتحول الكاتب إلى أداة من أدوات التسلية والإمتاع فقط للقارئ فهذا يفقده الكثير من قيمته الفنية والإبداعية.
أحب الأعمال التي تخلق بيني وبينها صراع فكري ويتأرجح العمل بين قبول الأفكار الواردة فيه وبين رفضها، أن يطرح لي تساؤلات لربما المبدع يحاول الإجابة عليها أو بعضها أو يترك للقارئ المجال لأن يجيب عليها بنفسه.
هناك نوع من الأعمال الأدبية التي تقرأها لتقتل وقت فراغك فقط وبمجرد أن تنتهي من العمل الأدبي تنساه فوراً، أخشى أن أكون تورط بعدد أعمالي البسيط في هذه الخانة وأحب أن يدوم عملي لبعض الوقت أو كل الوقت في ذاكرة القارئ أما أن ينساه القارئ فور أن ينتهي منه، فهذا أعده نوعًا من الفشل للقلم المبدع.
أتصور أنه لا توجد أفكار جديدة من الممكن أن يناقشها الكاتب في عمله الإبداعي ولكن من الممكن أن يكون هناك طرح جديد للكاتب لفكرة مكررة والبراعة تكمن في سر طرح الفكرة بمنظور مغاير مختلف لما إعتاد القارئ على قراءته في أعمال أخرى.
هناك الكثير من الأعمال إن أطّلعت عليها تكاد تجزم أنها تتطابق مع بعضها البعض لولا اختلاف اسماء الأشخاص فيها وبعض الأماكن وغلاف الكتاب واسم المؤلف فقط!
وأما كتابات أحلام مستغانمي وقد يخالفنى الكثير في ذلك ومن على شاكلتها من الكاتبات هو ليس من جنس العمل الروائي بأي حال من الأحوال، ولكن يمكن تصنيفه كنوع من الخواطر ولا أبالغ أن قلت أنها نوع من الخواطر العبثية التي تربك القارئ، ولا تقدم له أي مضمون حقيقي يمكنك أن تمسك بتلابيبه، أتذكر أنني حاولت أن أقرأ رواية عابر سرير لأحلام مستغماني ولم أستطع بعد الصفحة العشرين أن أكمل قراءة هذا العمل، أنها لا تقدم عمل روائي ولكنها مجموعة من الخواطر العبثية العشوائية في قالب شعري متكلف إلى حد كبير، ولا أنكر أنها تمتلك ناصية اللغة وتمسك بذمامها بإحكام شديد، ولكن كل ذلك من وجهة نظري لم يشفع لها في أنني من الممكن أن أعتبر ما تكتبه عمل أدبي من جنس الرواية ولكن يمكن تسميته أي شيء آخر لا يمت للعمل الروائي بصلة.
هى من نوعية شعراء العصر الفاطمى بمصر يمتلكون زمام اللغة، لديهم حصيلة من المفردات اللغوية الغريبة يستخدمونها ويحشرونها حشراً في عملهم الأدبي ويجيدون (صنعة) زخرفة القصيدة من أوزان شعرية وبحور شعر وقافية وسجع وحسبهم ذلك وأما خلاف ذلك فلا تجد شيئًا يذكر، كلما قرأت شيئاً لأحلام مستغمانى أحالتني فورًا على شعراء العصر الفاطمي في مصر، أنا أمام (حرفيّ) متمكن، يجيد اللعب باللغة وتركيباتها المختلفة وصور شعرية مقولبة مصنوعة بمهارة، ولا شيء أبعد من ذلك، وللأسف تورطت الكثير من الكاتبات المصريات في هذا المستنقع كما أراه وتصورت أنها تبدع، و لكنني للأسف لا أرى في أي من ذلك إبداع، هناك من يستعرض إمكانياته اللغوية وفقط.
الرواية هو نسق كامل من الأحداث والأسلوب الحوارى ويضاف إليه وصف المشاعر الإنسانية والتعبيرات الإنسانية التب تظهر على الشخوص تبعاً للأحداث والحوار المسرود في العمل الروائى وقد نختلف على شكل الرواية؛ لأن أشكال الرواية تعددت، ولا يمكن حصرها في قالب واحد، ومن الخطأ حصرها في قالب واحد، ولكن أن تتحول الرواية إلى استعراض لغويّ بحت، وزخرفته بصور شعرية مكثفة وكثيرة فهي خرجت بذلك عن المتعارف عليه في عالم الأدب الروائي، مستعد أن أتقبله ولكن وجب عند هذا الحد تسميته بأي شيء آخر غير الزج به قصراً في باب العمل الروائي!
وكما ذكرت في مقال سابق، الدخول إلي منطقة العالم الرومانسي والتورط بالكتابة فيه، أرى أنه يستلزم من الكاتب شجاعة وجرأة حقيقية في ظل ركام طويل عريض من الأعمال الرومانسية وإني أتصور أن صندوق العمل الروائي الرومانسي امتلئ وأصبح الآن مبعثرًا خارج الصندوق من كثرة من كتبوا في النوع الرومانسي، فبالتالي الخوض فيه الآن هو كمثل الخوض في حقل ألغام، أن لم تستطع أن تقوم بصياغة طرح جديد مغاير لما هو متعارف عليه ولما قرأناه مراراً في النوع الرومانسي فأنت مجرد كتاب يضاف لآلاف الكتب التي تبعثرت خارج الصندوق!
كذلك الأدب الاجتماعي ولو أن آفق الأدب الإجتماعي أرحب وأوسع وأشمل بكثير من النوع الرومانسي فهو قادر على استيعاب المزيد من الكتابات لأنه غني بالأحداث والمرويات الواقعية التي تتيح لك مادة خصبة لأن تتلاعب بها وتصنع منها أعمال متنوعة، ولكنها أيضاً أصبحت محفوفة بالمخاطر من كثرة ما كتب فيها عربياً وعالمياً وأن تقدم فيه رؤية جديدة وطرح مغاير لهو عمل شاق وغير آمن، لأن من الممكن في النهاية أن تنتج عمل لا يختلف كثيراً عما سبق ليس فقط على مستوى الفكرة ولكن على مستوى الرؤية والطرح ولربما تطابقت الكثير من أحداثه مع روايات سبقته في هذا المضمار.


نصائح عامة للكتّاب والشعراء


لا أتصور أن هناك شاعر وخاصة شاعر فصحى لا يقرأ القرآن باستمرار لأن الجماليات الأدبية في آيات القرآن كثيرة جدًا وتجعل للشاعر زخيرة ضخمة جدًا من التعبيرات الجمالية التي تعينه على كتابة نصوصه الشعرية.
أيضًا بالنسبة للروائي قبل أن تكتب روايتك فكر كثيرًا في هذا السؤال تحديدًا، هل موضوع روايتك تمت صياغته بشكل يستحق النشر؟، هل فكرة الرواية مجدية؟، أو بالأحرى هل هي جديدة من حيث الطرح أم هي نسخة رديئة من أعمال سابقة؟!، ولو قلنا أن تكرار طرح هذه الفكرة لا يمنع من إعادة طرحها مرة أخرى، ولكن كما قلت في مقال سابق هل لديك طرح مختلف للفكرة أم أنه استنساخ لنفس الأطروحات السابقة أم أن لديك زوايا مختلفة ستطرح بها فكرة روايتك؟، هذه أسئلة مهمة يجب أن تجيب عليها قبل أن تشرع في العمل على روايتك.
لا تفرح بأنك أنهيت روايتك وتدعو أصحابك لشرائها أو قراءتها، عيون القراء ليست لعبة، ولكنها مسئولية بالفعل أن تجعله يجهد عينيه في قراءة عمل يستحق.
كتب الروائى محمد الجيزاوي منشور على الفيس بوك عن استايل أحلام مستغانمي في الكتابة، وقد أعجبنى منشوره الذي أعرب فيه عن رفضه لنمط أحلام مستغانمي في الكتابة، وكما قال الكاتب محمد الجيزاوى صاحب رواية (ما عاد الخمر يسكر أحد) أن النمط المعبر عن الأدب النسائي فعلا هو رضوى عاشور، والذي قرأ لها ثلاثية غرناطة سيدرك ما أقوله جيداً، هذه من نوعية الكتّاب الذين يجب أن تقرأ لهم. أما روايات أحلام مستغانمي فهي لفتاة مراهقة ليس ألا!
نصيحة للكاتبات المصريات لو انتهجتن هذا الخط من الكتابة ستتحولن لنسخ رديئة من أحلام مستغانمي، والأفضل أن تحاولن الخروج من عباءتها ويحضرني أيضاً رواية لأديبة فلسطينية اسمها سلام عيدة بعنوان الاستثناء الجميل تناقش البعد الاجتماعى للمجتمع الإسرائيلي وتفاعله مع الفلسطينين، بالنسبة لي هذا يمثل طرح جديد لم أقرأه من قبل، وموضوع مثير للقراءة، لنتعرف على مجتمع لا نعرف عنه شيئاً تقريباً، وإن جنحت في بعض الأحيان لأسلوب أحلام مستغانمي والخروج عن النسق السردي لاستطراد مرهق في الخواطر ولكن لم تسقط بشكل كلي في فخ أحلام مستغانمي وأتصور أن هذا هو نوع الأعمال الأدبية التي تحتاج الأديبات المصريات أن تخوض فيه، ليس بتناول نفس الموضوع ولكن على نفس هذا النسق، وأيضًا هناك الكاتبة إنجي مطاوع نشرت مؤخراً في الأسواق رواية مميزة للغاية بعنوان على الجانب الآخر تتناول فيه أيضًا تشابك العلاقات بين المجتمع الإسرائيلي وعرب 48 خاصة والفلسطينين بشكل عام وقدمت نسق كامل من المعلومات المبذول فيها عناية فائقة في إطار أدبي شيق ولغة سهلة غير متكلفة ولكن تحمل لمسات شاعرية وجماليات لغوية لا تثقل النص أبدًا.
نصيحة لأي كاتب مع أحترامي لقلة من نقاد الأدب لا تلفت كثيراً لآراء النقاد، ولا تجعلهم يسببوا لك هاجسًا يستحوذ على تفكيرك خاصة، وأنت تكتب قصة أو رواية أو ديوان شعر، أجعل دائماً الهاجس الذي يطاردك وأنت تكتب العمل هو القارئ، حاول أن تضع نفسك مكانه دائماً، كيف سيكون تعليقه على عملك بعد أن ينتهي من قراءته؟، هل ستثير إعجابه؟، هل ستترك أثراً في نفسه؟، بالنسبة لهذه الجزئية من العمل هل من الممكن أن تكون مملة بالنسبة للقارئ؟ أو بالنسبة لهذه الجزئية هل تتمتع بالواقعية والمعقولية الكافية ليهضمها القارئ؟، طبعاً لن تستطيع أن ترضي كل القراء ولكن بالتأكيد ستكون قادراً على إرضاء قطاع عريض من القراء وستتبين ذلك من خلال الطريقة الإيجابية التي سيتجاوبون بها معك.
أيها الكاتب لا تخدع نفسك

هناك عدد من المنشورات على الفيس بوك لبعض الكتّاب تدور حول ضرورة الاحتذاء بنماذج من الكتّاب العالميين لاقوا الأمرّين في مسألة النشر، وكم من مرّة رُفضت أعمالهم من قِبل دور نشر، حتى تبنتهم دار للنشر أخيرًا، وحققت أعمالهم التي تم رفضها من قبل مبيعات خرافية، وتحولوا إلى مشهورين وأغنياء في طُرفة عين.
ويستلهمون من هذه القصص الطريفة ألّا تبتأس من عدد دور النشر التي ترفض عملك، هذا يعني أنّك أمام مستقبل حافل لا تعرف عنه شيئًا ينتظرك عمّا قريب!
ورفض دور النشر لعملك ما هو إلا عدم فهم أو وعي كافي منهم بأهمية عملك وعظمته الكامنة فيه.
صديقي الكاتب، غالبية دور النشر الورقية لا تقرأ عملك من الأساس!
وأنا هنا أتحدث عن دور النشر المصرية خاصة والعربية عامة، دور النشر في عالمنا العربي يمكن تقسيمها لعدد من الفئات:
1- دور نشر تنشر لمن هب ودب، أجاد أو أساء للأدب، قدم ما يثمر أو قدم ما يفسد، لا يهم، كتب أدبًا أو كتب عبثًا، فهذا الأمر لا يعنيهم تمامًا، كل ما يعنيهم، هل أنت مستعد لدفع ما سيخبرونك به من تكلفة باهظة؟! فإن وافقت على عرض أسعارهم أشادوا ورفعوا عملك إلى عنان السماء.
2- دور نشر أخرى تنشر لمن لديه متابعين كُثر تتجاوز المئة ألف متابع، أياً كان ما يكتبه عبثًا أو أدبًا.
3- دور نشر أخرى تنشر لمن يقدم لها فروض الولاء أو الطاعة أو لثلة من الأصدقاء.
فبالتالي لا تتصور أن دوافع الرفض مبنية على أي أسباب منطقية أو معيارية تعتمد النقد الأدبي، فتتصور أن التقييم الأدبي لدى دور النشر هذه لم ترقى بعد إلى مستوى عملك العبقري حتى يجيزوه للنشر من عدمه!
أنت هنا صديقي الكاتب في العالم العربي، حيث لا ينطبق عليه ما يجري في بلاد الغرب.
صديقي الكاتب إذا كان لديك ما يكفي من المال الجيد الذي يملأ بطونهم، نشروا لك عملك بلا تردد، أو كنت من ثلة أصدقائهم، أو كان لك متابعين بالآلاف فستنشر مجانًا، فالأمر لا يتعلق بأي شكل من الأشكال بإجادتك لفن الكتابة من عدمه.
ولا تعتمد صديقي الكاتب على ذائقة العامة، فهي للأسف في الوقت الراهن، في أغلبها ذائقة فاسدة، تسعى وراء الكتابات السطحية، بل شديدة السطحية، فأي حفاوة تلقاها من قراء لا يجب أن تأخذها على محمل الجد، لأنك محاط بجماعة كبيرة من القراء السطحيين.
نعم كلامي يبدو إستفزازيًا، وكما يسمونه تنمرًا على القراء، ولكن هذا لن يغير من حقيقة الأمر أي شيء، فمن يقرأ روايات رومانسية على غرار المسلسلات التركي والهندي لا تتوقع منه أن يفهم ما هو الأدب، أو أي جماليات لغوية، وقدرات تعبيرية، وتقنيات سردية، لن يفهمها، ولن يتذوقها، ولن يعيرها اهتمامه، فقط امنحه مسلسلا تركيًا في قالب روائي فكفيت ووفيت!
فبالتالي انفض عن عقلك أنَّ القادم أفضل، وأن الرفض الحالي ما هو إلا مفتاح الفرج القادم لنبوغك وشهرتك وحفاوة العالم بك، فلن يحتفي بك أحد، ولا توجد أي معايير من أي شكل ولون لقبول العمل من عدمه عند الغالبية العظمى من دور النشر الورقية، الحفاوة فقط لمن يدفع أكثر مقابل نشر عمله، أو ذلك الذي لديه من متابعيه الآلاف حتى يُقبل عمله، غير هذا فأنت واهم صديقي الكاتب.
لا يوجد سبب رفض حقيقي يمكنك أن ترتكن إليه، وتَطْمَئِن نفسك به، بأن هذه عثرات في طريق مجدك، هذه عثرات قلة حيلتك المادية فقط، أو قلة متابعيك، أو عجزك أن تكون من ثلتهم!
نحن في زمن من الممكن أن تنشر فيه أي عبث، وأي تنديد، أو شجب من قِبل البعض بسخافة ما ينشر من غثاء ما هو إلا "شو" في قاع السخافة المبتذلة؛ لأنّهم يقدمون نفس العبث الذي ينددون به ويشجبونه!
جفائي. وحدة كلماتي في الحديث إليك هي من باب النصح والإرشاد وإن كان فظًا غليظًا، ولكنْ، لابد من تلك المطرقة التي تضرب رأسك؛ لتستيقظ من أضغاث أحلامك التي لا تطابق الواقع في عالمنا العربي بأي حال من الأحوال.
ورجاءً صديقي الكاتب توقف عن ترديد أن البعض يسرق أفكاري، أو مقاطع من نصوصي، أو اقتبس موضوع عملي، أو أخشى إذا راسلت دار النشر بعملي أن يتم سرقته ونسبته للغير، صديقي: الجميع يسرق من الجميع، الجميع لا يبدع فنًا ولكن يبدع نحتًا! نحن ننحت من بعضنا البعض، وننحت من بلاد الغرب، ليس أدبهم فحسب، ولكن أفلامهم ونسوقها في قالب روائي أو قصصي، ثُمَّ ندّعي زورًا وكذبًا أنه إبداعنا!
حد مرعب من الفجور في أن ننسب لأنفسنا ما ننحته من الآخرين، ولا أعني أن الفكرة مقتبسة أو منحوتة، فجميع الأفكار استهلكت وهُتك عرضها عن بكرة أبيها وأمها إن شئت، ولكن حتى المعالجة السردية هي في حد ذاتها مستهلكة، إعادة تدوير الفكرة وطرحها من منظور مغاير هي مجرد نحت لمعالجات أخرى، فمن يدّعي أنه يخشى على عمله أن يسرق أو ينسب للغير، اطمئن صديقي الكاتب فكل الأعمال سرقِت من بعضها البعض، ولا فضل لمسروق على سارق فكلاهما في النار!


عزيزي القارئ والكاتب القاريء أيضاً
( اشْتَرِ المزور! )


عزيزي القارئ أقول لك كناشر ورقي وككاتب أيضًا، اشْتَرِ النسخ المزورة، طالما أنها أرخص من الكتب الأصلية.
عزيزي القارئ لا تلتفت إلى صيحات المنددين الذين يشجبون آناء الليل وأطراف النهار، فلا قيمة لتنديدهم ونحيبهم وعويلهم.
عزيزي القارئ اشْتَرِ النسخ المزورة، وأنت مطمئن القلب، هادئ البال، ولا يشغل ضميرك أي شيء عن تلك المصطلحات الرنانة التي تصفك بالسارق، والذي يقبل الحرام على نفسه، ابتسم وأنت تشتري النسخة المزورة، من حقك أن تقرأ ما يلائم حافظتك.
أنت لا تتقاضى الآلاف من الجنيهات حتى تشتري الكتب بأسعار مبالغ فيها، ولكن أقصى ما يمكن أن تنفقه في كتاب هو أربعون جنيهًا، فاشتري المزور أيها القارئ وأنت "مرتاح" الضمير.
عزيزي القارئ الكثير من الناشرين يلجأون إلى المطابع التي تطبع النسخ المزورة، ويطبعون من خلالها على أنها نسخ أصلية، ويبيعوها بتلك الأسعار المبالغ فيها، لذلك أيها القارئ، فلتشْتَرِ المزور وأنت مطمئن البال.
عزيزي القارئ لا ذنب لك في أن المصمم والمدقق والمنسق ومنفذ برومو الفيديو يغالون في أسعارهم، فهذا ليس شأنك، ولا يجب أن يشغلك.
لا يجب أن يشغلك كم نزفنا من أجل الدفع لهذا وذاك؛ لأنّه في حقيقة الأمر ليس شأنك، أنت في دولة تعاني أزمة اقتصادية طاحنة، و وريقاتك النقدية قليلة، تحاول أن تقتطع منها قوت يومك، لتنفقها على كتاب فأنت عظيم يا عزيزي القارئ، فاشْتَرِ المزور، وأنت مطمئن البال "مرتاح" الضمير.
هؤلاء الكتّاب الكبار الذين يولولون ويندبون، ابصق عليهم، واشْتَرِ النسخ المزورة، فأسعار كتبهم مبالغ فيها إلى حد مرعب.
وإن كنت عزيزي القارئ من الميسورين، فلا تتردد في شراء النسخ الأصلية، ولا تلجأ للرخيص. أمّا إن كنت من المطحونين وهم الغالبية العظمى، فاشْتَرِ النسخ المزورة، وأنت مطمئن البال.
عزيزي القارئ الكتّاب الذين ينهالون عليك بمنشورات عن الحسبنة وعدم التسامح في شرائك للنسخ المزورة، أغلب كتّاب الفيس بوك بنسبة 99% هم كتّاب مغمورون، أفضل طبعات هؤلاء المغمورين لم تتجاوز الطبعة السادسة أو السابعة، والتي تكون مئتي نسخة فقط!
ومِنْ ثَمَّ يولول على النسخ المزورة. والمضحك أن مطابع النسخ المزورة لا تطبع إلا الكتب المشهورة فقط التي أحدثت ضجة بين القراء، وهو بإي حال من الأحوال ليس منهم!
هؤلاء كتّاب مغمورون تمامًا، صدقني لا تعرف عنهم شيئًا، وأنا واحدًا من هؤلاء المغمورين، فمن السخافة أن أولول زورًا مثلهم. وأنا أعلم علم اليقين أن مطابع التزوير لن تفكر يومًا في "ضرب" كتابي!
هؤلاء يركبون الموجة عزيزي القارئ، ويحاولون أن يظهروا بمظهر المشهورين الذين يعانون من "ضرب" كتبهم. لعل وعسى تقتنع بذلك، وتشتري لهم في يوم ما!
أغلب دور النشر عزيزي القارئ تنشر لكتّاب غير معروفين، فبالتالي لا يطالهم بأي حال من الأحوال ضرر "ضرب" إصداراتهم، ولكنهم يولولون ويشجبون وينددون، وكأنَّ هذا يحدث وهو لا يحدث؛ لأنَّ كتبهم لم يسمع بها أحد، وبالتالي هم بمنأى عن هذا الصراع الوهمي المفتعل، ولكنها ملائمة جدًا للدعاية لدار النشر بين القراء، وأيضًا مهمة للتبرير أمام الكاتب لماذا فشلنا في بيع كتابك أو رد نقودك؟!
وحتى دور النشر الورقية الكبيرة لا يتم تزوير كل إصداراتها، ولكن الرائج منها فقط!
الكاتب عزيزي القارئ يطلب مواصفات معينة لكتابه في الخامات، لا يتنازل عنها ،وأنا على يقين أنَّ 90% من الكتّاب لا يفقهون في جودة الكتاب أي حرف! ولكنهم يصرون فقط! ولا يعرفون عزيزي القارئ أنك لا تعبأ بخامة الكتاب إذا كان جيدًا أو سيئًا، وأنَّ كلَّ ما يعنيك هو أن يكون مقروءً فقط!
غالبية الكتّاب المتواجدين على الفيس بوك ينشرون غثاء بمعنى كلمة غثاء، ويطالبونك بوريقاتك المالية القليلة أن تشتري غثائهم!، كوميديا سوداء الحقيقة!
عزيزي القارئ إذا اعجبتك أي من إصدارات دار حروف منثورة، ووجدت سعرها غير ملائم لكَ، و وجدت بديلًا عنها سواء من خلال طبعة مزورة أو نسخة pdf متاحة لا تتردد، وأفعل ذلك وأنا سأكون سعيدًا بهذا.
عزيزي القارئ هم وضعوا معايير جنونية لسوق الكتاب، ومِنْ ثَمَّ يشتكون وأعني بذلك عدة أطراف: الناشر - الكاتب - المكتبات – المطابع، والكوميدي أنهم يتألمون مما صنعت أياديهم!
عزيزي القارئ لا يشغل بالك أي من تلك الأسباب، أو غيرها، ففي النهاية أنت تقف في المحطة الأخيرة من العملية الإنتاجية، كل ما يعنيك في هذه العملية الإنتاجية، المنتج في صورته النهائية، أن يكون ملائمًا لحافظة نقودك، يلبي الحد الأدنى من رغباتك أما كل غثاء السيل الذي يدور حول العملية الإنتاجية أنت لست مَعْنِي بها، وليس ذنبك، فلا تشغل بالك.
و أقول لك عزيزي القارئ اشْتَرِ المزور، فوضع سوق النشر جنوني، ومفتعل إلى حد كبير، ولا يجب أن تتحمل تبعات هذا الجنون المفتعل في أغلب حلقاته.
كلمة أخيرة: عزيزي القارئ اشْتَرِ المزور!
لماذا الكتابة تستغرق وقتًا طويلًا؟


انتهيت من كتابة رواية التربة الحمراء في 30 ديسمبر 2017 وهذا بعد أن استغرقت عشر سنوات في كتابة هذا العمل، وهذه المدة تخللها فترات انقطاع عن كتابة الرواية نظرًا لظروف حياتية مختلفة من عمل وسفر وتجنيد وزواج ..إلخ.
بالإضافة إلى أني صرفت الكثير من الوقت في القراءة والبحث حول موضوع الرواية، وأكثر ما عطلني عن كتابتها في زمن أقصر من عشر سنوات هو هوس المراجعة للعمل مئات المرات.
ومنذ يناير 2018 حتى آخر شهر أكتوبر 2018، تعاملت مع هذه الفترة على أنها أجازتي الصيفية، تخللها كتابات متقطعة لخواطر نثرية رومانسية فانتازية خفيفة، لم تتجاوز العشرة آلاف كلمة، بعضها طويل، والبعض الآخر قصير.
وبسبب مزاجية الكتابة وهوس المراجعة أيضًا استغرق مني هذا العمل الصغير عشرة أشهر حتى فرغت منه، ونشرته في آخر أكتوبر 2018 إلكترونيًا.
تقريباً هذا أول عمل اكتبه بهذه السرعة في مدة قصيرة كهذه، ولا أعتقد أنني سأكرر هذه التجربة مرة أخرى، أن أكتب عملًا في هذه المدة القصيرة حتى وإنْ كان قصيرًا.
وإذ يفاجئني بعض ممن يدّعون الكتابة أنهم انتهوا من كتابة 3 روايات في سنة واحدة، كل رواية منهم لا تقل عن 20 ألف كلمة وربما أكثر!
والله شعور عارم بالدهشة والذهول يضرب رأسي، ولا أصدق ما أقرأه.
هل فِعل الكتابة بهذه السهولة؟ هل هي خالية من التعب الذهني والإرهاق البدني؟ ألا تعاندك الكتابة أحيانًا وتأبى أن تطاوع يدك وإن اُتخِمَ عقلك بمئات الجمل التي تريد إفراغها، ولكن تأبى الكلمات أن تتدافع بسهولة ويسر ويتحول الأمر إلى مخاض عسير.
هل تشعر بالرضى عن كل ما تكتبه؟ وأن تقوم بحذفه وإعادة كتابته مرة أخرى، ثم حذفه، ثم إعادة كتابته، هكذا حتى تسب وتلعن عقلك الذي لا يمل من الحذف وإعادة الكتابة حتى يصيبك أنت الفتور والملل وتنصرف عن الكتابة لبعض الوقت.
ثم تكتب نصًّا طويلًا، وتحسب نفسك راضيًا عنه فتتركه لبعض الوقت، ثُمَّ تعود إليه فتقرأه وتشعر بالضيق وعدم الإطمئنان لما هو مكتوب فتحذفه بالكامل ويصيبك الإحباط والغم.
حتى ينعم عليك عقلك الشقي بالرضى ويتركك تكتب ما تظنه يستحق ويطمئن إليه قلبك.
ولربما يأتي نعيم عقلك متأخرًا أسبوعًا أو شهرًا أو سنة أو عدة سنوات، وهذا يحدث ولاشك لكثير ممن يدركون حقيقة الكتابة وأنها ليست بالفعل السهل اليسير.
وعندما تمخر عبر هذه البحار من الغم والصراع والإرهاق والتعب والإحباط والإكتئاب وتصل إلى شاطئ العمل، فيسعد قلبك به أخيرًا، وترنو إليه فترسم شفتاك ابتسامة مرهقة، أنّك أخيرًا فعلتها ووصلت إلى البر الآخر بعد رحلة مفزعة، تتساءل بعدها كيف استطعت الإبحار لهذه الفترة الطويلة، واجتزت هذه الرحلة بنجاح في نهاية الأمر، وتعجب لهذا، ثُمَّ تجلس على شاطئ عملك مسترخيًا تكافئ نفسك على هذا العمل الجيد الذي قمت به، وقد تطول استراحتك هذه حتى تستعيد روحك مرة أخرى لتباشر بكتابة عمل آخر.
أيضًا من مخاص الكتابة أن تتوقف كل عشر صفحات أو عشرين صفحة تراجع ما كتبته عشرات المرات، وتعاودك الآلام مرة أخرى، وتحيا من جديد في هذا العذاب الذي حتمًا تحبه لأنك لا تستهين بالكتابة، لا تراها أبدًا ذلك الفعل السهل، أنك لا ترص بضعة كلمات الواحدة تلو الأخرى، ولكنك تشقى حتى تضع الكلمة بجوار الأخرى، وتعيد ضبطها من كل الزاويا.
من يقّدر الكتابة ويعطيها حقها يدرك أن الأمر ليس بالهين ولا بالسهل أبدًا حتى يخرج علينا أحدهم بثلاثة وخمس روايات في العام الواحد، هذا خبل وسأظل أقول عليه العام بعد العام أنه خبل.
أن تصل إلى حد معين يعتري فيه قلبك الكثير من القلق والريبة، فتعرض ما كتبته على من تثق في ذائقتهم الأدبية؛ ليبدوا آرائهم حوله، ثُمَّ تستقي من آرائهم ما يتفق ورؤاك، ثم تشرع في تعديل ما كتبت، أو الإبقاء عليه، والمضي قدمًا، وويلك لو شرعت في تعديل ما كتبت بناء على ما سمعت من آرائهم سيكون أمامك أسابيع طويلة للتعديل، وبالتالي فإن هذا الأمر على ما فيه من مراحل كثيرة واضطرابات كبيرة بحق، وليست بالهينة فكيف اقتنع بمن يخبرني أنه كتب هذه الرواية في سنة واحدة أو أقل أو كتب ثلاثة أو أربعة في عامٍ واحد، هذا جنون.
ليس الأمر على حقيقته بهذه السهولة واليسر، أنها معاناة كاملة، ليس بالمعنى الفانتازي لمعاناة الكاتب أنه تنتابه القشعريرة عندما يحل عليه الوحي، ويبقى قابعًا في كهفه حتى ينتهي مما يكتب، ولكني أقصد معاناة حقيقية لمن يولي عمله عناية حقيقية واهتمام بالغ، فيعيد قراءة ما كتبه عشرات المرات، وتعديله عشرات المرات حتى يمل مما يصنع ويمل منه القلم!
لا يبارح هذه النقطة حتى يقتله هوس المراجعة، كأنك تقوم بعمل مكتبي شاق وعسير، هو الأمر كذلك بعيدًا عن أي أجواء فانتازية أو ارتعاشات، ولكن معاناة حقيقية كمعاناة عمل مكتبي شاق تقوم به.
كأنك مهندس تسهر الليالي تنجز مشروع معماري ضخم، ومِنْ ثَمَّ تعرضه على الرؤساء، فيبدون آرائهم وتعديلاتهم فتعود مرة أخرى لإضافة هذه التعديلات، وحذف تفاصيل أخرى تبين أنها غير مجدية.
الأمر كما أسلفت بعيدًا عن الأجواء الفانتازية هو مرهق بحق وقد لا يكون مسليًا على الإطلاق، تفعله مرغمًا، ولكنك دأبت على فعله بهذا الشكل؛ لأنك تريد أن تحسن صنعك، وأن تقدمه في أبهى حلة ممكنة.
فمن يتفاخر بأنه كتب ثلاثة أعمال في سنة واحدة، يكون لدي انطباع واحد فقط، أنه مدّعي أدب ولا ينتمي إلى هذا العالم من قريب أو بعيد، لأنه لو كان يقّدر الكتابة حق قدرها ما تفوه بهذه الكلمة إطلاقًا، وإن ضربت لي الأمثلة على أن هناك من الكتّاب العالميين من فعلها، فهم في نظري مخبولين لا يولون الكتابة العناية الكافية، ولم يحترموها يوميًا، ولا ترهبني عالميتهم.
هذا ليس بالأدب ولا الفن ولا الإبداع، ولك الحق عزيزي القارئ أن ترى في كلامي تطرفًا، وأنا الذي أدعو لتجنب المتطرفين في عالم الأدب وتجنب آرائهم، ولكني أعترف بأني في هذا الأمر تحديدًا متطرفًا أشد التطرف، ومن فعلها وأبدع، فهؤلاء هم الاستثناء الذين لا يقاس عليهم، ولا يستنبط منهم أحكام، أو يتم اتخاذهم كحجة على إمكانية حدوث ذلك؛ لأن الإستثناء يمثل شذوذًا عن القاعدة العامة.
وعندما أذكر أن العمل الذي تبنيه يجب أن يدمرك نفسيًا وعصبيًا وذهنيًا، أقولها مرة أخرى ليس بالمعنى الفانتازي السخيف، ولكني أقصده على وجهه الواقعي، أصابك بما أصابك نتيجة لما أصرفته من وقت في هوس المراجعة، وضبط النص، وتهذيبه حتى ترقى روحك إلى حلقك وأنت تغرغر!
الأمر تمامًا كمديرك الملعون في العمل الذي يطالبك بتعديل العمل مرة تلو الأخرى، حتى تكاد تجن من كثرة التعديلات، وتصرخ بأعلى صوتك: هل سأظل أعدل فيه إلى الأبد؟ وعندما يرضى مديرك الملعون عن العمل أخيرًا، لا تتنفس الصعداء، ولكن ترد إليك روحك التي غابت عنك، وتظن أن حيزت لك الدنيا وما فيها، كذلك هي الكتابة. يجب أن تصل في فعل الكتابة لنفس هذا الشعور، وأنك على وشك أن تفقد أعصابك من كثرة ما راجعت العمل، وحفظت كل صفحة في عملك هذا وكل سطر فيه. أن تشعر بملل ثقيل يحتل كيانك كله، ولا تستطيع أن تدفعه بعيدًا عنك، بل تستلم له راضيًا على الرغم من سخطك عنه، نعم هو الأمر كذلك، يحمل في طياته هذا التناقض الجميل. وأيضًا يجب أن تشعر بأن هذا العمل قام باستنزافك ثقافيًا، وأقصد هنا المعنى الحرفي للكلمة، وليس معناه المجازي، كأن ثقافتك هذه وحصيلتك المعرفية عبارة عن نقود أودعتها بحسابك البنكي، وقد استهلكته خلال شهور بطالتك/كتابتك، وبالتالي تحتاج لأنْ تقرأ كثيرًا حتى تعوض المفقود من حسابك البنكي المعرفي، ولا أرى تعبيرًا أدق من هذا لوصف هذا الأمر. أما أن تكتب ثلاث روايات في عامٍ واحد، هذا لا يعني إلا أمرًا واحدًا فقط، وهو أن رصيدك الثقافي والمعرفي أساسًا يكاد يقارب الصفر، أو هو في منطقة الصفر فعليًا، لأن ما كتبته سطحيًا بالدرجة التي لا يحتاج معها لأي مخزون ثقافي أو معرفي.
أقول لهؤلاء بكل صراحة، وبدون مواربة، أنتم لستم بكتّاب، بل أنتم عالة على الأدب والثقافة، أنتم أسأتم للكتابة والأدب، وجعلتوه أمام القارئ من السطحية والسذاجة بمكان أنَّ القارئ أصبح ينفر من كتابات اليوم، فكل عمل نكتبه هو مشروع العمر، ويجب أن نتعامل معه على أننا لن نكتب مثله أبدًا حتى نفرغ منه بعد عناء وجهاد، فنقول فلأنتظر مشروع العمر القادم الذي لن اكتب مثله أبدًا.
جودة العمل الأدبي


العمل الأدبي الجيد لا يستمد جودته من الفكرة المطروحة، ولو كانت الفكرة هي معيار الحكم على جودة العمل من عدمه، فإنَّ فيلم "كركر" لمحمد سعد يحمل قيمة فكرية حرى بنا أن نحتفي بها ونثني على صنيع منتج الفيلم وبطله، لأنه قدم فكرة ممتازة عن خيانة الأقارب للمستضعفين منهم، واستغلالهم بطريقة سيئة للغاية!
ليس هكذا تقيم الأعمال الفنية، فليتمحور عملك الفني حول أي فكرة، ليست هي الأساس الذي يدور في فلكه العمل الفني، ولكن مقومات العمل الفني هو الثابت والآخر يدور حوله.
من يقيس جودة العمل من عدمه بناء على فكرة العمل، فقد أخطأت التقييم الفني، وضع ألف خط تحت "التقييم الفني للعمل".
إذا انصرف أحد من الناس لتقييم روايتي "التربة الحمراء" على سبيل المثال بناء على فكرتها فأنا لَمْ آتِ بشيء جديد!
هذه حقيقة، كم من كتّاب قد يكونوا بالآلاف تناولوا نفس الفكرة: جرائم قتل - شرطة تحقق - ألغاز - مشتبه بهم- قاتل مسلسل.
ليست القيمة يا أخوتي الكتّاب في الفكرة، جميع الأفكار في العالم كلها طُرِحَتْ من قبل، وتم تداولها آلاف المرات سواء شعراً أو نثراً.
ولكن فتش في أوراق الكاتب عن كيفية تناوله للفكرة: من أي زاوية عرض لنا الفكرة؟ هل هي زاوية جديدة؟ هل كان طرحه مغايرًا عمّن سبقه في تناول هذه الفكرة؟
كيف رسم الشخصيات؟ وهل كانت ردود أفعالهم مناسبة للأحداث؟ هل فيها مراهقة طفولية...متزنة ... موضوعية؟
كيف أثّرَ حضور أو غياب عنصري الزمان والمكان في العمل؟ هل العمل يحتاج إلى هذين العنصرين من الأساس؟ وإن لم يحتاج العمل لهذين العنصرين فهل لازال ناجحًا؟
هل كانت هناك حبكة وعقدة؟ غاب عن العمل عنصري الحبكة والعقدة؟ هل أثّرَ ذلك في العمل؟ العمل لا يقوم على عنصري الحبكة والعقدة، و رغمًا عن ذلك بدا ناجحًا جدًا.
وغيرها الكثير من المقومات الفنية التي يقوم عليها العمل، أنا لا أتكلم في باب من سيتناولون العمل بالنقد الأدبي فقط. ولكن في باب من سيمارسون الكتابة أيضًا.
هجومي منذ يومين تقريبًا على الكتابة النسوية التي تتناول قضايا ظلم المرأة في مجتمعاتنا العربية، هل بسبب أنها تتناول هذا الموضوع؟ هل لأني لا أرى في هذا الموضوع وجاهة أو منطق؟ ليس هذا محور النقاش أو النظر حتى، على الرغم من أنه أصبح موضوعًا مستهلكًا جدًا، وكتبت فيه آلاف الأعمال المستنسخة من بعضها البعض، وكل نسخة رديئة عمّا سبقتها.
ولماذا كل النسخ رديئة؟ ألم تقل منذ لحظات، لا تهم الفكرة وإن كتب فيها آلاف الكتّاب، إجابتي: هي نسخ رديئة؛ لأنها أولت الفكرة العناية الكاملة، وأهملت كل الجوانب الفنية التي ستقوم عليها الفكرة، معظم النساء اللواتي انبرين للكتابة في هذا الباب دخلت محمّلة بهن هذه الفكرة وحدها دون الاعتبار لما سواها، فخرجت كتاباتهم طفولية، ونسخ رديئة من بعضهن البعض.
وأصبح من تكتب في هذا الموضوع كأنها تعطى شهادة رسمية بأنها تنتمي إلى الكتابة النسوية، ولا يمكن أن تمر من هذا الباب إلا بالخوض في هذه القضية حتى تعطى تلك الشهادة الرسمية والحقيقة أن مصطلح "كتابة نسوية"، أحد أسخف المصطلحات التي قرأت عنها في عالم الأدب، ولعمري لم أهضم هذا التصنيف وأراه تصنيفًا لا يتعلق بالأدب، ولكنه من باب مجاملة المرأة، ومجاملة في غير موضعها.
الأدب أدب، لا فيه نسوية، ولا رجولية، ولا أدب مسيحي ولا أدب إسلامي ....ولا أدب عبدة البقر!
هذا تخريف، الأدب هو أدب فقط، ولا شيء آخر، أن تكتب أدبًا فلا أرى أفضل من تعريفها بجملة: أنك تكتب أدبًا!
عندما اقرأ عملًا لا أقول: ها فلنرى الكتابة النسوية، أنا أقرأ الكتاب وفقط، بصرف النظر عن جنس كاتب العمل، بصرف النظر عمن هو في الأساس!
أنا أنبش عن معطيات أخرى تمامًا مثل: كيف برع في الوصف والتخيل؟
كيف جعلني أغرق بكياني كله في عمله حتى أصابني الغم حينما انتهيت من عمله؟
كيف جعلني أحد شخصيات العمل متفاعلًا مع الباقية، أعيش بينهم، أتخيل نفسي أحدهم.
هذا ما أبحث عنه، ولا أبحث عن جنسه، أو لونه، أو دينه، أو سيرته الذاتية.
وأشعر بغرابة شديدة ممن يطلبون السيرة الذاتية لمؤلف عمل ما. ولا أحجر عليهم، ولكني استغرب طلبهم هذا، ما شأني بسيرته الذاتية، هب أنه عربيد سكير زنديق، مال العمل وماله.
أنا أقرأ عمله منفصلًا عنه، هناك من يوجد رابط واهٍ بين من يكتب وبين حياته الشخصية، فليكن، أفعل ذلك ولكن يبدو لي رابطًا واهيًا.
أنا لا أحب عبد الرحمن الأبنودي على المستوى الشخصي، ولكني أحب شعره.
أنا لا أحب زيدان على المستوى الشخصي، ولكني أحب بعض أعماله وهكذا.
التداعيات في هذا المنشور دفعتني للخوض في عدة موضوعات، يفتح لكل موضوعٍ منها منشور مستقل، ولكنها تداعيات الكتابة فأعذروني.

الأسلوب الأدبي متغير


فسر البعض تغير أسلوبي الأدبي بين عمل وآخر على أنه إرتقاء في الأسلوب الأدبي وتطور وهذا ليس صحيحًا.
أتخذ من نفسي كمدخل لما أنا مقبل على طرحه في هذا المقال، قد يختلف أسلوب الكاتب الأدبي بين السهل أو البسيط - الوسيط أو المعتدل - الجزل أو السامي، ولكل أسلوب أدبي خصائصه التي تعينه للون أدبي معين.
فالأسلوب الأدبي الوسيط أو المعتدل: يصلح لكتابة اللون الأدبي الخاص بالإثارة الحركية والرعب والخيال العلمي والبوليسية والغموض، هذا اللون الأدبي يحتاج إلى أسلوب أدبي سهل وبسيط، حتى لا يصبح الأسلوب الأدبي معوقًا لمضمون العمل، أو يطغى على مضمون العمل فيضيع ملامحه، فالقارئ في هذه الألوان الروائية يريد الأسلوب الأدبي سهل الكلمات، هناك وضوح في المعنى، بمعنى أن الكلمة لا تحتمل معنيين، والوصف واضح ومباشر لأنه مرتبط باللون الأدبي.
الأعمال الإجتماعية عامة، وليس كلها تحتاج إلى الأسلوب الأدبي الوسيط أو المعتدل وهو مزج بين الأسلوب السهل البسيط والأسلوب الأدبي الجزل، يقف في منطقة وسطى بينهما.
بعض الأعمال الأدبية كالفلسفية أو الرومانسية أو التي تندرج تحت نوع الملاحم والترايجيديا، تحتاج حتمًا إلى الأسلوب الأدبي الجزل أو السامي، واستخدام أي أسلوب أدبي آخر معها سيكون غير موفق على الإطلاق، لأن الأسلوب الأدبي الجزل أو السامي، كممثل للغة، هو شريك أصلي في العمل المكتوب، يصنف كأحد أبطال العمل، وليس وسيلة لنقل المضمون بسلامة فقط.
فقد تكون بعض التعبيرات تحتمل أكثر من تأويل، ويناسبها ذلك وتحتمل التشبيهات والمجاز والصور والاستعارات والألوان البيانية المختلفة التي تخدم مضمون العمل، وتجسد ما خلف الصورة الكائنة، تبرز الأبعاد الأخرى المستترة وراء الصورة مثل المشاعر الإنسانية على سبيل المثال لا الحصر، تحتاج إلى أسلوب أدبي مشبع بالصور والتشبيهات والمحسنات البديعية التي تعين الكاتب على أن يعيد تجسيد الصورة، وليس فقط تجسيدها، ولكن استكشاف ما وراء الصورة، وهي أبعاد أخرى قد لا يراها الرجل العادي أو المشاهد العادي، فتفتح له آفاقًا جديدة تحيط بالصورة لم يكن يراها، تحتمل أن تحمل الحقيقة الواحدة أكثر من معنى، وأكثر من تأويل كما أسلفت.
فبالتالي أعمالي تتغير فيها الأساليب الأدبية تبعًا للون الأدبي الذي أكتب فيه، فمثلًا رواية التربة الحمراء، لأنها بوليسية يمتزج فيها التاريخ والعقائد، فكان من الواجب علي كما أرى أن استخدم فيها الأسلوب الأدبي السهل أو البسيط، لا أريد أن أشغل القارئ بتأويل النص بأكثر من التركيز في مضمون النص، ويجب أن تكون عباراتي والكلمات ذات معانٍ، لا تحمل أوجه حتى يستقيم أمامه المضمون، ولا يقع فريسة الارتباك في القصدية، لأن وضوح القصدية مرتبط بمتن العمل.
أمّا مثلاً في كتاب إني آنست جناني فكان من الواجب علي كما أرى أن استخدم الأسلوب الأدبي الجزل أو السامي لأن موضوع العمل: اللغة فيه بكل مقوماتها شريك أساسي في العمل، إن تعاملت مع اللغة كأنها إناء سليم فقط يحمل الفكرة، لتشوهت الفكرة؛ لأن نصف الفكرة هنا هي اللغة!
الأعمال الرومانسية عامة تميل إلى استخدام الأسلوب الجزل أو السامي؛ لأنها مشبعة بالكثير من الصور والتشبيهات والألوان البيانية المختلفة خاصة، وأنها تخوض منطقة المشاعر الإنسانية وتقلبها بين السعادة والحزن والفرح والاكتئاب والإحباط والتفاؤل ...إلخ.
كل هذه المشاعر تحتاج إلى أسلوب أدبي جزل أو سامي حتى توفي حقها في التعبير، فنصف المضمون هنا يرتكز على المشاعر الإنسانية، فهي تحتاج إلى لغة مفعمة بالصور والتعبيرات والتشبيهات حتى يتم توقيعها في نفس وقلب القارئ، كما ينبغي لها أن تكون.


فخ الروايات البوليسية


إذا كنت ككاتب ستتجه نحو إدراج اللون البوليسي في أي عمل روائي لك، هل من الضروري أن تلعب على عنصر "البحث عن القاتل الحقيقي".
قد يكون عاملًا تمارسه كلعبة أدبية داخل عملك الروائي، ولكن لا يجب أن يكون العنصر الأهم أو الأوحد، لا تعتمد عليه في صناعة عملك الأدبي، لأن هذا العنصر منفردًا كفيل بأن يحطم عملك الأدبي على صخرته فور أن ينتهي منه الكاتب، يجب أن تسانده وتعضده عوامل، وعناصر أدبية أخرى داخل العمل تنهض به، وتجعل القارئ يعود لقراءة هذا العمل المرة تلو الأخرى.
وإن لم تهتم بعنصر "البحث عن القاتل الحقيقي" في العمل الروائي إن كان بوليسيًا أو يحمل ملمحًا بوليسيًا، هل يضر هذا فنية العمل؟ لا يضر بالعمل وكما قلت، يجب أن لا يكون شغلك الشاغل أو أن تراهن عليه منفردًا.
أن تكشف أوراقك كاملة أمام القارئ، وألّا تجعله يخمن الفاعل الحقيقي وراء الجرائم، لن يضر بعملك، لن يفقد القارئ حماسته لإكمال العمل، لأن لو هذا العنصر هو جل ما تراهن عليه، تأكد أنه فور أن ينهي القارئ عملك لن يعود إليه مرة أخرى، ولن يعلق بذاكرته أكثر من دقيقيتين بعد قراءته!
لأن هذا النوع من الكتابة، يعتبر من نوع الكتابات المحترقة، والتي تحترق فور أن ينتهي منها القارئ، لن يصاحبه الشغف السابق وهو يقرأ العمل؛ لأن الرواية كلها تتمحور حول من هو القاتل؟!
كما أسلفت يجب أن يعضد هذا العنصر عناصر أخرى يمكن أن تكتب لهذا العمل الاستمرارية لفترة أطول، وأن يعود القارئ لقراءة العمل؛ لأنه لم يعد مهمومًا بمن هو القاتل بقدر انشغاله بالعناصر الأخرى المتضمنة في العمل.
إذن لن يضر كشف أوراقك كاملة أمام القارئ، ولا تجعل شغلك الشاغل أن يفشل القارئ في التخمين، ثُمَّ تفاجئه أنت بمن هو القاتل، فلينصب تركيزك على إدارة الحكي نفسه، وبناء الحكي نفسه، ورسم الشخصيات والبيئة التي تزرع فيها حكايتك، كيف هي وكيف يجب أن تكون وكيف يستطيع أن يهضمها القارئ، وتمتصها عروقه، وتسلل إلى خلايا مخه فترقد هناك.
أن يستمتع بجماليات السرد لديك، ولغة الحكي، كيف قمت بتلوينها بألوان لم تمر من أمام عيني القارئ من قبل، كيف استطعت في لحظات كثيرة سبر أغوار الشخصيات، واستنطاق العقل اللا واعي داخل كل شخصية، أن ترسم انفعالات الشخصيات بدقة ليغرق معك القارئ كلية في العمل.
في روايتي التربة الحمراء لم يكن شغلي الشاغل أبدًا أن أحجب عن القارئ هوية القاتل، أو أن يجد صعوبة في التعرف عليه، فأنا أكشفه للقارئ كلية، ولا أبالي أن أجعل هذه لعبة أراهن عليها، وأن نجح القارئ في تخمين شخصيات أخرى تقف وراء القاتل وتحركه، أو تدفعه إلى ما يقوم به من جرائم مسلسلة فلن أشعر بالاستياء أو الإحباط أن القارئ نجح في تخمين من يقفون وراء القاتل.
ولكن جعلت شغلي الشاغل هو عنصر الحكي نفسه والوصف، ورسم الشخصيات، ودمج الحقيقي بالمتخيل، بأن أدفع القارئ مرات عديدة؛ لأن يقرأ هذه الرواية، لربما أكون نجحت في ذلك، أو لا، فالحكم وقتها للقارئ في هذا الأمر ليس لي أن أبت بشأنه بالإيجاب أو السلب.
إذن طالما قررت أن تخوض غمار اللون البوليسي في عملك الروائي، أو جعلته أحد عناصر العمل، لا تجعل لعبة "من القاتل" هي شغلك الشاغل؛ لأنك تنجرف بسرعة كبيرة من أعلى المنحدر إلى أسفله باتجاه الروايات المحترقة التي ينتهي تأثيرها فور إعلان المفاجأة.
أنت يا سيدي على هذا النحو كتبت رواية ميتة، حكمت عليها بالموت في آخر صفحة، لا تفعل ذلك وتدفن عملك على هذا النحو.
تلك الحيل الأدبية في اللون البوليسي، هي من باب الأعمال الأدبية التي تندرج تحت عنوان روايات التسلية، التي يزول سحرها وتأثيرها فور الانتهاء منها.
لربما يحب بعض القراء هذه اللعبة، ولكنها لعبة تعطب فور الانتهاء من قراءتها، لا يكتب لها الاستمرار، أو البقاء، فحاول أن تجعل أعمالك الأدبية عامة لديها القابلية للاستمرار، لا تحرمها من الحياة لأمدٍ طويل.



الأدب الواقعي كما أراه


لأني أحب كتابة الأدب الواقعي، فأنا دائمًا مهموم في كتاباتي بأن يكون أبطال الأعمال أُناس عاديون جدًا، وبعضهم قد يكون أقل من العادي، وقليل منهم المتميز، هذا هو الواقع. لسنا كلنا خارقي للطبيعة أو عباقرة أو نجباء أو قادة مميزون، لا يجب أن يكونوا محور العمل، ما أنا بصدد قوله في السطور القادمة ليس دفاعًا عن عمل لي بعينه ولكن شرح لدوافع رسم الشخصيات على هذا النحو في مجمل أعمالي.
وأقصد تحديدًا روايتي الأخيرة "التربة الحمراء"، عاب بعض ممن قرأوا الرواية أن شخصية فارس بطل الرواية هي شخصية تعتمد على الآخرين في إنجاز فروضها، أو ما هي مكلفة به، لن أناقش هنا إذا كان يمثل عيبًا أو ميزة، لأن في هذا دفاع عن العمل، ومن يتصور أن ما سأخطه هو دفاع عن العمل، فيكفي أنني ذكرت عدة مرات أنني لا أفعل، ولك الحرية في أن يكون هذا رأيك في النهاية.
أعتدنا بشكل كبير سواء كنا قراء أو كتّاب، وهذا عيب لا نختص به وحدنا ولكن حتى بالنظر إلى السينما الإمريكية سنجد صدى لذلك، ونحن إلى حد كبير نقلدهم في هذا الأمر، البطل يجب أن يكون عبقريًا، لديه ثبات انفعالي فريد من نوعه، يدرك ماهية كل الأمور، ولديه نظرة استباقية في كل شيء أيضًا، ويسبق الآخرين بخطوات، وأعتدنا في أعمال الجرائم أن الجريمة لا تفيد وتفشل في النهاية، ولا تنتصر مرة واحدة!
وهذا مخالف للواقع تمامًا، ففي الغالب الجريمة تنتصر وبخاصة عندنا في مصر!
يمكننى القول أني تعمدت ألّا أضع فارس في هذه الصورة العبقرية الفذة الفريدة من نوعها، التي تدرك كل شيء، كأني أضعه موضع الراوي العليم بكل شيء، المطلع لما وراء الأحداث رغم أني كنت اكتب الرواية مستخدمًا نوع الراوي العليم، ولكني فضلت مع فارس أن أجعله أحد المحاور المتفاعلة مع الأحداث، وليس المطلع عليها أو الكاشف لها، أو السابق لها بخطوة أو خطوتين، لا يجب أن يكون هو بنك معلومات متحرك، أو أكثر عبقرية من المخططين للجريمة. لمَ لا يكونوا أكثر براعة وذكاء منه؟ هل يجب أن يتفوق عليهم لمجرد أنه بطل العمل؟!
أحببت أن أصنع بطل الأحداث شخص عادي واحدًا منا، يصيب ويخطئ، يعرف بعض الأمور، ويفشل في البعض الآخر، يأخذ بعض القرارات الصحيحة، والبعض الآخر يجانبه الصواب فيها.
أن يتكل على الآخرين في إكمال فروضه أو مهمته.
أن توزع فكرة البطل الأوحد على عدة أبطال، ليصنعوا هم في النهاية البطل الأوحد، وألا ينفرد شخص واحد في العمل بكل المميزات والهبات والبركات. والآخرون مجرد كومبارس يخدمون عليه في العمل، كما أعتدنا أن نرى في أعمال كثيرة.
الحياة الواقعية التي نحياها لكل منا ميزة يتميز بها، عندما تتضافر هذه الميزات مجتمعة خلف قضية واحدة، أو مشروع واحد تصنع المعجزة. أما فكرة البطل المعجزة هذه انتهت تمامًا مع انتهاء عصر الأنبياء، لم يعد هناك الفرد المعجزة ولكن مجموعة من الأفراد يمثلون بتضافرهم معجزة واحدة فقط. وقد تفشل هذه المعجزة في النهاية، أو تحقق نجاح جزئي، هذا هو الواقع.
لا يجب أن يكون البطل شديد الوسامة، فارع الطول، رياضي القوام، ساحر الكلمات، ذا كاريزما وقيادي ويجيد عشر لغات حية وميتة، ويجيد استخدام كل أنواع الأسلحة كأدهم صبري!
نحن نسقط على أبطال أعمالنا صفات وقدرات نعجز أن نتحلى بها في الواقع، وطالما أعجزنا الواقع عن أن تجتمع فينا كل هذه الخصال، فنسقطها على بطل أوحد للعمل، تجتمع فيه كل هذه الصفات وأكثر، لنعوض الفاقد الذي نعانينه في الواقع، وبالتالي يحلو العمل للبعض عند قراءته أو كتاباته، بعض منا لا يريد أن يرى الواقع مرة أخرى متجسدًا في عمل أدبي، بل يريد أن يرى في العمل الأدبي ما لم يستطع تحقيقه في الواقع.
هناك ما أريد قوله بهذا الشأن من خلال أعمالي، ليست رسالة أو قضية، ولكن هي مبدأ عام تتحلى به أعمالي، حتى في شخوصنا العادية، وقدراتنا العادية، وبعض المميزات التي تميزنا نستطيع أن نكون أحد محاور أسطورة تدور رحاها بيننا ونصنع فيها معجزة وإن بدت تافهة أو عظيمة ولكن كشخوص عادية ولا يجب أن نرسم شخصيات أسطورية تناسب ذلك العالم الأسطوري.
فارس على سبيل المثال طبيب نفسي، والجرائم لها خلفيات عقائدية وتاريخية، لا يجب أن أرسم البطل بارعًا في التاريخ والأديان حتى يكون الفذ، الذي يتمحور حوله العمل، ولكن هناك أطراف أخرى تمد له يد العون في هذا الأمر تحديدًا، مثل الدكتور معاذ، وريم، وبالمناسبة لا يجب أن تكون ريم صارخة الجمال، فاتنة؛ لأنها ستكون رفيقة البطل لأنه هو نفسه إنسان عادي، فبالتالي هي الأخرى عادية في ملامحها.
لا يجب أن يتوارى العقيد وراء الكواليس، لأن فارس هو بطل العمل، هو أيضًا يقوم ببضعة أعمال مميزة عجز عنها فارس، لأن فارس في النهاية إنسان عادي، وليس بالبطل الخارق، وأنا أرسمه تخيلته شابًا في مقتبل عمره، ولكن لدينا تصور أثير طالما أنه البطل سيكون هناك شرط أساسي مختزن في مؤخرة أمخاخنا، أنه متزن غير انفعالي لا يجب أن يتسرع في رد فعله، أو يقفز في استنتاجاته، هذا يجلب سخط القارئ، كان يتوقعه فريدًا من نوعه، حتى لو كان صغيرًا في السن أو شاب في مقتبل العمر أو بالكاد هو على أعتاب عقده الثالث، نتغافل وقتها عن مرحلته العمرية، ونلبسه ثوب الحكمة والوقار والإتزان، حتى يتسق مع صفات البطل الخارق.
لا يجب أن يكون الأمر هكذا، يجب عند رسم الشخصيات أن نضع في الاعتبار المرحلة العمرية التي عيناها لشخصية العمل، هذا بُعد هام يجب أن يتم مراعاته عند رسم الشخصية.
كلٌّ منّا وأنا منكم عندما كنت على أعتاب عقدي الثالث من العمر لم تكن أحكامي وثباتي الانفعالي، أو ردود افعالي كما هي الآن، وأنا على أعتاب العقد الرابع من العمر، لابد أنه طرأ علي تغييرًا كبيرًا في هذه السنوات العشر، ولن يكون حكمي، ورد فعلي، وإتزاني الانفعالي الحالي كما هو بعد عشر سنوات من الآن وهكذا، من لم يتغير تكوينه النفسي والسلوكي عدة مرات على مدار سنوات عمره فهو يعاني من اختلالات نفسية!
عندما تكون على أعتاب عقدك الرابع تعتريك بعض الحكمة، وترشد سلوكياتك بعض من الخبرة التي اكتسبتها، وتكون أكثر تقبلًا للرأي الآخر، وتكون أقل تشبثًا برأيك، وتتدرج الحقائق في نسبيتها حتى تصبح الكثير من الحقائق نسبية، وهذا كله يقودك إلى تعديل سلوكي في أنك تكون أقل تهورًا، أقل إندفاعًا، أكثر روية.
ولكن بما أني أتكلم على شاب في بداية عقده الثالث، أو على أعتابها فيجب أن تحكمني وقتها اتجاهه السلوكي كيف سيكون.
يجب أن يكون الكاتب واعيًا بالمرحلة العمرية لشخوصه عند رسمه لهم، لا يسقط مرحلته العمرية، أو انفعالاته هو الشخصية على أبطاله، فيكونوا نسخًا مكررة من الكاتب نفسه، فلا تستطيع أن تفاضل بين هذا وذاك فكلهم لديهم ردة فعل واحدة وحكمة واحدة واتجاه سلوكي واحد.
لذلك جعلت لفارس ميزة، وهي قدرته على تجسيد الأحداث التاريخية كمشاهد سينمائية، وقدرته على تخيل ما حدث في مسارح الجرائم المختلفة، ذكاء طبيعي يتأتى لأي شخص في استنتاج بعض الأمور، و وضع بعض التخمينات، ومن الطبيعي أن يخطئ بعض الشيء في استنتاجته، ويوفق في البعض الآخر، في أن يكتشف أخيرًا الرأس المدبر لكل هذه الأحداث.
وضعه في إطار أنه ملم بكل المعلومات التاريخية والعقائدية وقادر على الاستنتاج، واستباق الأحداث، والكشف عن الشخوص الغامضة التي تسّير هذه الجرائم، وأن يفلح في الإمساك بالمجرم في الوقت المناسب، الحقيقة أن هذه أمور لا نراها إلا في الأفلام فقط!
من الجائز جدًا أن ينجح القاتل في إنفاذ كل جرائمه دون أن يتم الإيقاع أو الإمساك به، قد تفشل الأجهزة المعنية، أو بطل القصة في الإمساك به قبل ارتكاب مزيد من الجرائم، أو ربما تفشل أيضًا في الإمساك به حتى بعد أن يتم كل جرائمه. وينتهي العمل وقد أفلت، هذا يحدث في الواقع، وبشكل متكرر، والذي يحدث في الواقع بشكل استثنائي هو ما يتكرر دائمًا في الأفلام باعتباره المرغوب والمطلوب الذي نفتقده في الواقع، فيستنكف البعض من أن يتكرر هذا الواقع مرة أخرى في الروايات والقصص والأفلام!. نريد في الروايات والأفلام ما عجزنا عن تحقيقه في الواقع.
هذا ليس دفاعاً عن العمل مرة أخيرة، ولربما كان البعض محقًا في رأيه أن فارس لم يكن على المستوى المطلوب للأحداث، وأنه شخصية إتكالية، هذا تأويل القارئ، وإن كان يرى فيه أكثر من ذلك، ولكن هذا المنشور لشرح دوافع الكتابة، ورؤية معينة في الكتابة قد يستثيغها بعض الكتّاب، والبعض الآخر لا، هي مجرد رؤى ونظرات مختلفة لكتابة عمل أدبي، ولا يجود الجزم، أو الحكم القاطع بشأن عالم الأدب، ومن يضعون أحكامًا قاطعة جازمة بشأن عالم الأدب هم كمن يرى بعين واحدة، لا فائدة ترجى منه، لأنه حصر عالم الأدب في الزواية التي يرى منها فقط.


كيف يحاكم النص الأدبي؟


حديثي هنا عن رواية "التربة الحمراء"لن يكون بهدف الدفاع عنها أو حتى يمكن اعتبارها محاولة استباقية مني لهجوم محتمل من القارئ.
أؤمن بأن الكاتب الذي ينبري للدفاع عن عمله، أو تبريره هو يدرك تمامًا ضعف عمله، مما يستلزم منه أن يدافع عنه، كأنه طفلًا قاصرًا غير قادر على أن يفعل ذلك منفردًا، وهذا يعني بالضرورة أن العمل لا يحمل مقومات فنية كافية ليدافع النص عن نفسه بنفسه.
ولكني استغل الحديث عن روايتي "التربة الحمراء" لتوضيح بعض الموضوعات الأدبية الهامة، لأي كاتب وأيضًا للقارئ أن يضعها في حسبانه، بعضها قد أثرته في كتابات سابقة على مدار عدة شهور، ولكني أرتأيت أن أجمعها اليوم بالحديث عن مثال واضح وهو روايتي.
إذا احتوى العمل على كتابة تاريخية أو علمية أو مرويات من الأثر والتراث أو الدين، هل يجوز وقتها محاكمة النص الأدبي بناء على دقة المعلومات الواردة فيها من عدمه؟!
عاب الكثيرون على أحمد مراد في روايته أرض الأله، أنه من وفق معتقدهم، وما يؤمنون حول قصة سيدنا موسى، وأنه أورد معلومات تاريخية تفتقر إلى الدقة، أو غير متفق عليها، وقرأت عددًا من الريفيوهات التي تندرج تحت محاكمته تاريخيًا/معلوماتيًا.
ويعتبر البعض أن هذه الريفيوهات تندرج في باب النقد الأدبي، والحق أنها ليست لها أي علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالنقد الأدبي ومقوماته وآليات عمله.
لا يحاسب الروائي على ما يورد من معلومات أيًا كانت طبيعتها في عمله الأدبي، طالما أنه أقر وأعترف منذ البداية أنه عمل روائي أي نص أدبي بحت.
إن أورد عددًا من المرويات التاريخية التي تفتقر إلى الدقة أو المصداقية أو مشكوك في سند هذه الروايات، هذا لا يعيب الكاتب، أجد الكثيرين يتذمرون من هذا التصريح الذي يرونه غريبًا وشاذًا.
من حقك أن تعترض ولكن هذا لا يتصل بآليات النقد الأدبي لأي نص أدبي، أن يلام المؤلف إذا قام بالإضافة، أو الحذف من حدث تاريخي، أو قام حتى بتشويه ذلك الحدث التاريخي، فهي ملامة في غير محلها، لأني كما ذكرت لا تتصل بعملية النقد الأدبي ومعايير التحليل الخاصة به لأي نص أدبي.
أن أورد الكاتب معلومة علمية قام بتضفيرها بخياله وأضفى عليها أبعادًا تتلبس ثوب العلم وهي ليست من العلم بشيء. لا يحاكم المؤلف على ذلك إلا إذا أقر وأعترف بأن هذا العمل يرصد فترة تاريخية معينة، أو يؤرخ بشكل أدبي لحقبة تاريخية معينة، فبالتالي هو يقدم بحث تاريخي مدقق تم التحري من صحة مصادره في ثوب أدبي، وشتان بين ذلك القوام الأدبي وذاك.
فهذا نص أدبي مقيد، وذاك نص أدبي حر غير مقيد بأي قواعد أو شروط ملزمة بخصوص المعلومة المقدمة.
من يتصور أن النص الأدبي يهدف إلى تثقفيف القارئ، فالخطأ عند من تصور ذلك، ليس هذا هو هدف النص الأدبي إلا إذا أقر الكاتب وأعترف بذلك فهذا شأن آخر.
للمؤلف مطلق الحرية أن يتلاعب بالتاريخ كيفما يشاء، أو يقلبه رأسًا على عقب، أو حتى يزيف التاريخ بالكامل من عنده ويضفره بحقبة تاريخية معلومة، ولكن ينسج لها من خياله أحداثًا تاريخية مغايرة تمامًا بشخصيات أخرى.
له الحرية أن يفعل ذلك.
وكذلك مع المعلومات العلمية أن يتلاعب بها، أو يتجاهل بعض الحقائق العلمية التي قد لا تخدم النص، أو يتجاهل بعض الحقائق الخاصة مثلًا بالتنظيم الإداري لبعض المؤسسات، أو لبعض أجهزة الدولة طالما لا تخدم النص.
وأعود وأكرر إلا إذا أقر الكاتب بأنه يرصد الواقع الحاضر، أو الماضي كما هو، فهنا تختلف كلية طريقة التقييم.
في روايتي التربة الحمراء، أوردت العديد من الأحداث التاريخية التي قد يتطرق الشك إلى بعضها في مصداقيته أو ثبوته أو حتى أنها مروية تاريخية مكذوبة بالكامل، لا يعنيني في أي مقام مصداقية تلك المروية التاريخية من عدمها، واستخدامي لها من عدمه موقوف على مدى إمكانية أن تخدم النص من عدمه.
أن أضفي من عندي بعض المعلومات التاريخية أو العلمية غير الحقيقية، لي مطلق الحرية أن أمارسه طالما لم أقر وأعترف بأن هذا العمل الأدبي يهدف إلى تأريخ فترة تاريخية معينة.
محاكمة روايتي كمثال في هذا المنشور لا تتم على مدى مصداقية ما ورد فيها من معلومات من عدمه، لم أقل أو أقر أو أعترف بأني أقدم كتابة تاريخية، أو علمية، فإن شئت أن تحاكمني عليها، فهذا شأنك لا علاقة لي به، وهذا هو تأويلك أنت كقارئ للنص، وإعادة إنتاجك للنص بصورة أخرى.
قد يكون لدي هدف من وراء هذا النص الأدبي أن ألفت نظرك لقضية معينة، ربما أفعل ذلك، و ربما لا أفعل ذلك، ولكني لست ملزمًا أمامك بطرح الحلول، يكفي أن ألقي بين يديك ببضعة أسئلة وجعبة تمتلئ بالشكوك، وأشركك كقارئ في البحث عن حلول، أو بحث وتقصي من طرفك لهذه الشكوك التي أثيرها.
لست ملزمًا كأديب أن أقوم بدور المصلح الاجتماعي كما يحلو للكثير أن يتبنى هذا الدور من خلال عمله الأدبي، وإن كنت لا أحجر على من يفعل ذلك، ولكني لا استسيغه بالمرة.
كل الأبواب مفتوحة على مصراعيها؛ لأن يتقمص الكاتب الدور الذي يحلو له وهو يكتب عمله الأدبي.
ما يهمني في كل ذلك هو المقومات الفنية التي قامت على أكتافها هذا النص الأدبي.
كيف بدت وتجلت وأجاد فيها الكاتب، أو إلى أي مدى أخفق في ذلك؟
أما كل رسائله النبيلة وقيمه الأخلاقية التي يسعى لبثها من خلال هذا النص الأدبي لا تعنيني في إطار التقييم الأدبي للعمل.
هذه قضية أخرى لا علاقة لي بها في مجال تقييم فنيات العمل ومقوماته.
من السخيف أن يميز الكاتب بين الحقائق التاريخية أو العلمية الواردة في نصه الأدبي وبين أخرى من بنات أفكاره أو خياله بنجمة أو ما شابه!
سخيف جدًا في الحقيقة أن يفعل الكاتب ذلك، أنا لم أدعِ أني أقدم لك بحثًا تاريخيًا، أو ورقة بحث، أو دراسة تتبع قواعد علمية في البحث والتقصي.
كأديب دع الحقيقي يختلط بالمتخيل، هذا حقك ككاتب فأنت صانع العمل الذي تخلقّه بين دفتيّ كتابك هذا.
فلتصنع فيه ما شئت دون خجل أو حذر أو تحذير للقارئ بين المتخيل والحقيقي.
أنا أنظر بعين التقييم الأدبي إلى رسم الشخصيات، وكيف تم بناؤها طول خط العمل؟ كيف رسم الكاتب انفعالاته؟، كيف تجلى جمال اللغة لديه في وصف هذه المشاعر وأن يسبر أغوارها ويستخرج مكنوناتها.
كيف استطاع أن يتسلل للاوعي الخاص بشخصياته ويفضحه أمامنا متسلحًا في كل ذلك بجمال اللغة وطاقاتها التعبيرية، إن يعيد رسم الواقع هو مرة أخرى لا أن يضع أمامي الواقع كما هو كأني أشاهد فيلمًا تسجيليًا.
كيف استطاع أن ينفذ بالحوار بين الشخصيات إلى قلبي، ويتسلل بخبث إلى عقلي، ويزرع فيه ما شاء من أفكار.
كيف وصل بالتخيل عن طريق اللغة؛ لأن يرسم لي لوحة متكاملة أعجز أنا كقارئ عن رؤيتها على أرض الواقع.
أن تصف لي أنَّ القمرَ مضيءُ، فضي اللون، فأنت لم تقدم الجديد لي، ولكن أن يصلني نفس هذا المضمون عن طريق وصف انعاكس ضوء القمر على صفحة الماء، ويصل لي أيضًا نفس هذا الشعور لهو الإبداع بعينه، لا يصف الكاتب الظواهر والأشياء من حوله كما هي على حالها إلا إذا كان نوع العمل ملزمًا لذلك، ولكن أن يصف لي جوهرها وانعكاساتها على الموجودات من حولها لهو الأروع والأكثر إبداعًا.
عدم إقحام صوت الكاتب في النص – أن لا يتورط الكاتب بإطلاق الأحكام الجازمة الباتة على شخصياته، أو الأحداث التي تجري فيها عمله، أن لا يقدم لي أحداث يمكنني التكهن بها بسهولة فيقتل عندي كقارئ عامل التشويق للصفحات التالية، وإن كشف لي بعض المستور فلا يفلت منه عنصر التشويق، ولكن يضفي إلى المزيد من التشويق.
هكذا يحكام النص وعلى غيره من المعايير التي أرى بها النص، فقط من خلال هذا الإطار.
أنواع الرواة المستخدمين في العمل، هل يستخدمهم جميعًا أم بعضًا منهم، أو اكتفى بنوع واحد فقط من الرواة، يجب أن يكون الكاتب على دراية تامة بأنواع الرواة حتى يكون واعيًا بما يكتب، هذه كلها مهارات كتابية تميز كتابة عن أخرى.
قد يسيء الكاتب استخدام أنواع الرواة، ويكثر منهم، أو يلتزم بواحدٍ منهم فقط مما يفسد المتعة السردية، وذلك مرجعه كله لجهله المفرط بأنواع الرواة.
كلّ المبتدئين في الكتابة بلا استثناء يستخدمون الراوي العليم بكل شيء، فهو الأسهل في الكتابة، أسلم أنواع الرواة هو الرواي العليم ولكن ألا يمكن أن يضفي ذلك على النص الملل.
كذلك أنواع السرد، هذا ما يحاكم عليه الكاتب، وليس ما يقدمه من معلومات داخل عمله الأدبي، أي أنواع السرد استخدم وكيف كانت الحبكة والعقدة والحل؟ عندما وصل العمل إلى ذروته كيف اشتركت الشخصيات كلها الثانوية أو الرئيسية في حل العقدة أو الفشل في حلها، أو الوقوف بشكل سلبي دون حلها.
يجب أن يكون الكاتب واعيًا بكل ذلك وأن يكون الناقد أو المقيم للعمل واعيًا أيضًا بكل ذلك؛ لأنني أرى ريفيوهات عظيمة كلها لا علاقة لها بالنقد الأدبي، وتنال الاستحسان والإشادة وهي ليست من معايير التقييم الأدبي في شيء!
أن ينجح الكاتب معي كقارئ في إقناعي بردود أفعال غير منطقية لشخوص عمله لا تتفق ولا تنسجم مع الواقع، ومع ذلك اتقبلها بسهولة ويسر، بل وأتعاطف معها وأؤيدها، هنا تكمن براعة الكاتب، أن تبرر لي غير المنطقي، أن تقنعني باللا معقول، أن يتحول الكاتب إلى ساحر يبهر الأعين ويجعلها تصدق ما لا ترى.
أن تحول أبسط الأشياء من حولنا إلى أعجايب ومعجزات، كم كاتب اتفق له أن يستحوذ على هذه الأدوات الإبداعية الثمينة والغالية جدًا، قلة ممن يجيدون هذا الفن.
يا أخوتي تعلموا كيف تحاكموا النصوص.
أقولها بوضوح ليس ما سبق ذلك تمهيد استباقي لما يمكن أن ينال روايتي من نقد وهجوم لاذع، اهتم بالنقد والهجوم اللاذع، ولا أخافه أو أتحاشاه فهو مما أحبه وأرغب فيه.
ولكن للنقد أصوله التي يجب أن تتبع. أمَا من حاكم نصي في التاريخ أو المعلومات؟ فله دبر أذني! وكما قال كأنه لم يقل ليس تقليلًا لشأنه، ولكن لأنه يخوض فيما لم أقر أو أعترف به فهو شأنه، فكأنه لا يوجه لي هذا الحديث، فأسمعه غيري.
لا شأن لي بالأمر. أمّا أن يتناول المقومات الفنية التي يقوم عليها عملي فكلي آذان صاغية وقتها.


مقولة أدبية فاسدة


هناك مقولة أدبية اعتبرها على نحو شخصي "فاسدة" وإن اختلف معي البعض، أو الكل في ذلك، وهي مقولة يتم تصديرها عندما يخفق كاتب ما في نشر عمله، أو يخفق في إحدى المسابقات الأدبية الجادة، دائمًا ما يستحضر نوعية معينة من الكتّاب هذه المقولة كنوع من ميكانيزمات الدفاع النفسي التي يصد بها تلك الصدمة النفسية التي ضربته بقوة.
هذه المقولة هي: اليوم هم يرفضون أعمالنا، ولكن غدًا سيكون لنا شأنًا آخر، وسيشار إلينا بالبنان، ولنتذكر كم من كاتب مشهور اليوم حقق العالمية، وبيعت ملايين النسخ من كتبه، وقد رفضت ما لا يقل عن عشرين دار نشر أعماله
مقولة يستخدمها البعض كمرطب يثلج صدره بها وتوقف نفسه اللوامة عن تذكيره بفشله.
ولكن لم يذكر هؤلاء هذا الكاتب الذي رفضت نحو عشرين دار نشر أن تنشر له أعماله، هل كان بالفعل من باب التعسف والرفض المطلق أم كان هذا الرفض مبنيًا على أسباب موضوعية ومنطقية وعادلة في وقتها، هذا الأمر لا يذكر على الإطلاق، ألم يكن من المحتمل أن كتاباته في الوقت الذي قدمه فيه لهذه الدور كانت بالفعل طفولية وبدائية للغاية ممّا استدعى أن يرفضوا النشر له، ألم يكن هذا دافعًا لهذا الكاتب المشهور فيما بعد، لأن يُطور من أدواته الكتابية، ويتكسب تقنيات الكتابة عن طريق الدراسة والتحصيل والاجتهاد، ألم يسألوا أنفسهم هل عندما رفضت دور النشر أعماله قال غدًا سيعرفون قيمتي الأدبية، وسيتهافتون وراء طلبي، ويرجوني للنشر أم قال لأعرف لماذا رفضوا عملي ولأعمل على تطوير نفسي من أجل ألا يرفضوا مرة أخرى.
نحن إن فكرنا في الأمر على هذا النحو سيبدو طبيعيًا للغاية، وغير براق بالمرة، كقصة إعجازية ترسم مسيرة مثيرة لهذا الكاتب، سيضحى الأمر طبيعيًا و روتينيًا ومملًا جدًا، أنه لم يقبل عمله نتيجة لتواضع كتاباته في هذا الوقت، فعمل على تطوير نفسه بالاجتهاد والمذاكرة والتحصيل والدراسة، فأرتقت أدواته الفنية، حتى أصبح في مرحلة لاحقة مقبولًا، وتهافتت عليه دور النشر، لو رُسم الأمر بهذه الطريقة سيبدو واقعيًا للغاية، ونحن أسرى القصص الإعجازية التي تحاكي قصص الأنبياء!
لا أتصور أن دور النشر هذه أخطئت عندما رفضت عمله في بداية مسيرته الأدبية، لأنه كتاباته بنسبة كبيرة كانت متواضعة وبدائية للغاية، وطفولية جدًا مما استدعى وقتها أن يرفضوا النشر له، لم تخطئ هذه الدور في قرارها، ولكن يحسب لهذا الكاتب الذي حصد المجد فيما بعد جده واجتهاده، وأنه لم يكتفِ بمحصولة الثقافي مما قرأ، ولكن نمى محصوله الثقافي بمزيد من القراءة، والتهم الكتب التهامًا في شتى مجالات القراءة بدون توقف، ومِنْ ثَمَّ اندفع؛ ليكتب مرة أخرى، فلاحظ فارقًا ضخمًا في كتاباته، وأخذ بآراء من يثق بذائقتهم الأدبية وصدق نصيحتهم وعلمهم الواسع، وعمل بها وكم من مرة مزق ما كتب وأعاد كتابته أو كتب غيره، كم من مرة بدل أفكاره، ربما فعلها مئات المرات.
كم من مرة استعصى عليه الموضوع الذي يكتب فيه، ولم يطاوعه قلمه، ولَمّا جرب الانتقال إلى موضوعٍ آخر طاوعه القلم وزالت عنه العثرة، لأن في مرحلة تجريب الكتابة يكتشف الكاتب نفسه وتوجهاته والقالب الذي يحب أن يصب فيه عمله.
كم من مئة مرة غير أسلوبه الأدبي وخلط بين أساليب أدبية مختلفة حتى وصل إلى أسلوبه الأدبي الخاص به، هذا الكاتب الذي وصل إلى الشهرة لم يصلها بطريقة إعجازية، ولكنه عمل على تطوير نفسه بكثرة التجريب في الكتابة والقراءة المكثفة، والأخذ بالآراء المعتبرة، ولربما دار النشر التي قبلت عمله بعدما رفضته عدة دور نشر أخرى كانت لترفض أعماله لو كان أتاها من قبل بمستواه السابق الذي دعا الآخرين لعدم قبول عمله.
الفكرة أن هذه الدار كانت بابًا مفتوحًا أمامه في مرحلة نضجه الفني ليس إلا، لم تكن دور النشر الأخرى غبية، وهذه الدار هي التي استطاعت أن تتبين موهبته وإبداعه، في تلك المدة بين الرفض والقبول لا نعرف كم من مرة تطور هذا الكاتب، وارتقى في كتاباته حتى قُبل عمله في الأخير.
وإن احتج البعض بأن هناك من الكتّاب من رفضت دار ما عمله، ثم بعد مدة زمنية قد تكون خمسة أو عشر سنوات، قبلت دار أخرى عمله أو قبلت هذه الدار نفسها عمله بعد هذه المدة، ليس في الأمر إعجاز أو ما وراءيات، أنت لا تعلم عن المسودة الأولى التي قدمها أي شيء وكيف كانت، أنت رأيت فقط المنتج الأخير كيف كان وقرأته في صيغته النهائية، لربما كانت المسودة الأولى طفولية للغاية، واستلزم منه الأمر مدة طويلة من الزمن، ليطور الأفكار والطرح والمعالجة والأسلوب الأدبي وتقنيات الكتابة حتى يعيد عرض نفس العمل مرة أخرى بعد أن أجرى عليه مئات التعديلات والتنقيحات حتى كان ما كان عليه في مرحلته الأخيرة، فقبلته عندئذ دار النشر هذه أو تلك.
البعض الذي يضلل نفسه بهذه العبارات يقرأ من مسيرة هذا الكاتب السطر الأول ثم السطر الأخير فقط، مسقطًا عن جهل أو عمد عشرات الصفحات من التعب والجد والجهد والمذاكرة والتحصيل ومئات التجارب الفاشلة حتى وصل إلى ما وصل إليه بين مرحلة الرفض إلى مرحلة القبول.
هذا الكاتب الذي أصبح مشهورًا لم يكابر، كما يفعل العديد من الكتّاب العرب والمصريين في مواقف مماثلة، لم يستنكر رفض دور النشر لعمله، بل سعى سعيًا حثيثًا لمعرفة لماذا تم رفض عمله وعمل على تطوير نفسه، ولن يتبنى موقف الاستنكار ويخدع نفسه أنهم لم يقدروا قيمته، وسيأتي بعد مضي بعض من الوقت من سيقدر قيمته، ولا يعمد إلى تطوير نفسه، وإلى التحصيل والمذاكرة والدراسة ولكن يجمع بعض الجنيهات، ليذهب لدار نشر أخرى على استعداد أن تنشر هراءه؛ ليكذب على نفسه وعلى الآخرين بأن الدار التي رفضت النشر له خسرت كثيرًا، وها هي دار نشر أخرى تنشر له، هذه النوعية ستظل "محلك سر" لن تتقدم ولو خطوة واحدة، ومهما انفقوا من أموال على نشر أعمالهم على نفقتهم الشخصية لن تدفعهم ولو خطوة واحدة إلى الأمام، ولكنّهم سيظلون كما هم لا يقدمون ولا يأخرون، صمٌّ بكمٌّ عميٌّ فهم لا يفقهون، وأما من تضرب بهم المثل لو كانوا سلكوا مسلكك ما كنت سمعت عنهم، ولظلوا مغمورين مثلك، ولكنهم تعاملوا مع الأمر بشكل إيجابي واقعي بدون أي إضافة خزعبلية لقصصهم، ولكن نحن من نصنع الخزعبلات عنهم؛ لأن هذه الخزعبلات مسكن جيد للغاية لحالة الرفض والاستنكار التي تعتري بعضنا عوضًا عن العمل على نفسه من أجل الإرتقاء بكتاباته فنيًا.
وإن كان لديك أمثلة تشذ عن هذه القاعدة، فالأحكام والقياس لا يستنبط من شواذ القاعدة، ولكن تستنبط الأحكام والقياسات من القاعدة نفسها؛ لأن لا يحكم على الكل بالجزء.


مصطلحات خداعة في عالم الإبداع


سأحاول أن أجعل حديثي بقدر المستطاع مرتبًا، دعنا بداية نتكلم عن فكرة خداعة سأعتبرها توطئة لهذا المنشور وهي كالآتي:
الموهبة – الوحي – الإلهام – جنون الفنان – الطريقة البوهيمية للفنانين – العزلة ...إلخ.
هناك فئة ما في وقتٍ ما "وهذه الرؤية أنسبها إلى نفسي حتى لا يسألني أحد عن المصدر" قررت تروج لعدد من المصطلحات المطاطية الخداعة جدًا، ورسمت صورة فانتازية براقة لشكل الفنان كيف يجب أن يكون؟! وهذا أرجعه لسببين:
1- هناك فئة تستفيد من وراء ترويج هذه الصورة الفانتازية ماديًا لأنهم يتاجرون بالفن.
2- هناك فئة أخرى تواري ضعفها وضحالتها الفكرية والمهارية وكسلها وراء هذه الفكرة الفانتازية البراقة جدًا.
فلنأخذ على سبيل المثال فان جوخ "وليتحفز القارئ ويسأل من أنت لتعيب في فان جوخ، ولكن لا بأس إن قرأت للنهاية"، طبيعيًا جداً في العصر الحالي عندما نأتي على ذكر فان جوخ أن نقول أنه فنان عظيم ورائد للفن التاثيري الانطباعي الخزعبلي اللوزعي...!
بداية هو شخصية حقيرة جدًا وكان فاشل فنيًا " كأني أسمع أحد القراء يقول هو من أنصار مبدأ خالف تعرف، لا بأس فلتكمل قراءة"، وقبل الخوض أكثر في سيرة هذا الشخص أحب أن أنوه أنه لدينا في مجتمعاتنا الشرقية تحديدًا آفة مفزعة وهي التابوهات، إياك وأن تحطم التابوه أو تتحدث عنه.
المتدنوين الأصوليون يفعلون ذلك.
الليبرالي والعلماني والمثقف أيضًا يفعل ذلك.
كل هذه الفئات في مجتمعاتنا العربية لديهم مجموعة من التابوهات التي تمثل خطًا أحمرًا لا يمكن تجاوزه أو النقاش حوله.
لماذا هذه التوطئة السريعة والخروج من سيرة فان جوخ لرصد هذه الظاهرة الاجتماعية؟ هي محاولة مني لتحطيم فكرة التابوهات لديك عزيزي القارئ، وأن تتحرر من أسرها لتقرأ معي بموضوعية سيرة فان جوخ وهي كالتالي: فلقد كان يعمل عند ابن عمه "تقريبًا" في محل لبيع اللوحات والإنتيكات، وقد شاهد ابن عمه هذا فان جوخ يحاول تقليد اللوحات التي تباع بالمحل، يحاول فيفشل فترفق به ابن عمه أو عمه "لا أتذكر القرابة بالتحديد" وأشفق عليه وقرر أن يرسله لإحدى مدارس تعليم الرسم، وأن يتولى هو نفقاته التعليمية حتى يتعلم الفن وفق قواعدها وأصولها، الحقيقة أن فان جوخ لم يستطع أن يكمل الدراسة لعام واحد حتى ترك مدرسة تعليم الرسم!
سيقول البعض لأنه فنان عظيم موهوب يوحى إليه مما يجعل ما يقدمونه في هذه المدارس من السفائف أمام موهبته ووحيه وإبداعه.
أتصور أنَّ عددًا ممّن يقرأون هذا المقال سيتعاطفون مع هذه العبارة الأخيرة وأنا أقول باختصار شديد لأنه إنسان فاشل ولا يحبذ العمل وبذل الجهد والوقت، قرر فان جوخ أن يعيش حياة الصعاليك "حياة بوهيمية" ألا يتكسب من قوت يومه ولو كان من خلال بوابة الفن بعد الدراسة والتحصيل، لم يكن هذا هدفه أبدًا.
ليست هذه هي نظرة فان جوخ للحياة فهو يريد حياة الصعلكة والتطفل على الآخرين في المال والمأكل والملبس والمشرب والمسكن! ويتعامل مع الرسم كهواية، كشيء يسد به أوقات فراغه في عالم الصعلكة، يرسم بشكل طفولي والذي أطلق عليه فيما بعد "إبداع" وما هي إلا حصيلة اللا تحصيل واللا تعليم، يرسم بشكل طفولي بدائي لأنه لم يتعلم، هذا هو ما في الأمر.
وحتى علاقاته الجنسية مع النساء كانت تتم مع أرخص العاهرات وأدناهم؛ لأن البعض يعطيه هذا الجنس بلا مقابل، حتى في حياته الجنسية يتطفل على العاهرات الرخيصات، حياة في منتهى القذارة والتي لم تثمر بأي جهد أو إبداع حقيقي، جل ما فعله أنه سد أوقات فراغه برسومات طفولية بدائية تفتقر إلى التعليم والقواعد والأصول.
ولكن تم إعادة إنتاج ورسم لحياته الصعلوكية القذرة التي يستنكف أي شخص سوى صاحبها، ويزدريه لتكون حياة مثالية، تناسب أصحاب العقول المبدعة الموهوبة التي يُوحى إليها، أصبحت هذه هي صورة الفنان المثالي المبدع الخارق للعادة، تم تسويق هذه الحياة السلبية القذرة على أنها حياة مثالية لا يحظى بشرف معايشتها إلا العباقرة والمبدعون.
من رسم هذه الصورة المفبركة المزيفة واستطاع زرعها بمهارة وحرفية عالية في العقل الجمعي للإنسان.
تجار الفن الذين استفادوا لاحقًا من بيع لوحات فان جوخ بأسعار فلكية، ولم يستفد هذا الصعلوك بأي مليم في حياته من لوحاته الطفولية البدائية هذه.
دعنا نخض في مسألة تجار الفن هذه أكثر، ونطرح السؤال الأهم، إذن لو أنت عزيزي القارئ أسلمت بأنه إنسان حقير، معدوم الموهبة لا يفقه في الفن شيئًا، كيف بيعت لوحاته فيما بعد بملايين الدولارات.، ولكن دعني قبل أن أجيبك على هذا السؤال أن أبادرك بسؤال آخر وأسألك: وهل حدث هذا على عين حياته؟ لا، لم يحدث ولكن بعد أن مات وبسنوات طويلة، إذن هذا يدفعك عزيزي القارئ لأن تسألني سؤالًا آخر: هل كان هناك فنانون تشكيليون آخرون معروفون ومشهورون؟ أجيبك وأقول: بالتأكيد ووجود فنانين تشكيلين في عصره مشهورين عاشوا وتكسبوا من فنهم، بل واغتنوا منه لهو أكبر دليلًا على أنه معدوم الموهبة، ولو كان في مثل قدراتهم وبذل ما بذلوه من جهد وتعب في الدراسة والتحصيل لكان ملكًا متوجًا مثلهم.
إذن فليكن سؤالك الثالث عزيزي القارئ وكيف اشتهر إذن بعد موته وبيعت لوحاته بملايين الدولارات؟ إذن دعني أذكرك مرة أخرى بتجار الفن، هم فقط المستفيدون الوحيدون من تربح ملايين الدولارات، تذكر: فان جوخ لم يكسب قرشًا، فقط تجار الفن.
وهذا يعود بنا إلى فترة الثورة الصناعية في أوروبا ورفض المسيحية وهدم الكنسية معنويًا في نفوس الأوربيين، والثورة على كل الثوابت التي كانت موجودة حينئذ، ومنها الفن التشكيلي، كانت أحد الأوجه التي تأثرت بموجة التمرد على كل الثوابت.
هذه الموجة من التمرد التي اجتاحت أوروبا استفاد منها تجار الفن للتأسيس إلى اتجاه فني جديد خزعبلي ليس له وجودًا، هم من اخترعوه وروجوه على أنه حقيقة راسخة كائنة بالفعل، استأجروا أقلام نقاد الفن ومحبيه المشهورين؛ ليصيغوا عالم وهمي عن مدارس فنية تشكيلية جديدة، وجعلوا من روادها الطليعين فان جوخ ومن على شاكلته مثل جوجان ...إلخ.
تجار الفن في هذا الوقت يجب أن ترفع لهم القبعة، لقد روجوا لمنتج لم يكن مطلوبًا في السوق وقتها، وخلقوا له الحاجة عند المستهلك عن طريق تلك الأقلام المستأجرة، ومع موجة التمرد على كل الثوابت والثورة على كل شيء لاقى هذا الأمر رواجًا شديدًا.
صيحة جديدة في عالم الفن التشكيلي.
رواد جدد لها لم تسمع عنهم من قبل.
لم تسمع عنهم من قبل لأن الاتجاه المحافظ الظالم "أعلى ممثل له الكنيسة فيما سبق" كان يطمس وجود هذه العقول المبدعة المستنيرة "هكذا أوحوا لنا"
وبالتالي أعمالهم الطفولية، لا تنظر إليها على أنها أعمال طفولية بدائية، ولكنها ثورة جديدة في الفن التشكيلي.
نجح تجار الفن في خلق موجة فنية جديدة "وهمية"، جيد جدًا.
ما النتائج المترتبة على خلق هذه الموجة الفنية الجديدة؟
خلقت الحاجة عند المستهلك.
أحسنت، أصبحت هناك حاجة ملحة لمنتج وهمي، قيمته الفعلية صفر، ولكن مع الترويج والدعاية والبروباجندا، أصبحت له قيمة سوقية مفتعلة تحولت مع مرور الوقت لقيمة فعلية مطلوبة بفعل البروباجندا الإعلامية الواسعة.
فلنبدأ ببيع المنتج الوهمي الذي خلقنا له حاجة عند المستهلك!
ومن ثم انبرت تلك الأقلام المستأجرة لرسم صورة خيالية لشكل الفنان التشكيلي بعد الثورة الصناعية، كانت أرضهم الخصبة لهذه الصورة الجديدة من حياة الصعاليك أمثال فان جوخ، يجب أن يكون الفنان التشكيلي والمبدع عامة كالتالي:
هائم وشارد دائمًا، يجب أن يقوم بأفعال حمقاء وخرقاء، لا تدل على الخرق والبله ولكن هي انعاكس للعبقرية، هل رأيت كيف تم التلاعب بالمصطلحات وتزييفها وإلباسها تعريفات جديدة، البله الذي تتصور أنه بله ليس بلاهة ولكنه صورة من صور العبقرية، يجب أن تختزن هذا التعريف الجديد في ذاكرتك.
فبالتالي الفنان الحديث يجب أن يكون هائمًا في الطرقات لا يعمل. وأهم فكرة براقة بعد هدم الدين في أوروبا، بما أنَّ الدين هو الذي يمثل الوحي والإلهام، يجب علينا أن نستعيد صورة الوحي والإلهام البراقة في العقل الجمعي، ونميز بها الفنان الجديد، نهب هذه الميزة البراقة الفانتازية للفنان والمبدع، لأن العقل الجمعي لازال متمسكًا ببريق فكرة الوحي والإلهام، ونحن لن نحرمه منها وسنجعلها إحدى مزايا الفنان والمبدع، سنستبدل الأنبياء والقدسين الذين يتنزل عليهم الوحي والإلهام بالفنان الحديث بعد الثورة الصناعية، صورة ذلك الفنان التي خلقناها من عدم عن طريق أقلام الفن المستأجرة.
تم تخليق عقل جمعي جديد، وعي جمعي جديد، سيعمل كحائط صد مستقبلًا لكل معترض على هذه الصورة المبتذلة الخزعبلاية للفنان والمبدع، سنثبت عدد معين من الكلمات تحيط كهالة مقدسة بالفنان كالإلهام والوحي، وبالتالي العقل الجمعي من وراء ذلك بدأ يردد نفس الكلمات: وحي – إلهام!
محاولة نجحت جداً في إعادة رسم العقل الجمعي للإنسان، عملية إعادة تعريف مزيفة للمصطلحات مرة أخرى. إذن الرسومات الطفولية البدائية الساذجة لفان جوخ، ليست رسومات طفولية ساذجة ولكنها ماذا؟... نعم وحي وإبداع وإلهام وتجديد، فلتردد ذلك عزيزي القارئ وعليك أن تقنتع به، لا تناقشه أبدًا، وإلا أنت بذلك تغرد خارج السرب، وبالتالي ستصبح منبوذًا.
من هي الفئة الأخرى المستفيدة من هذه الموجة الجديدة التي أسس لها تجار الفن عن طريق الأقلام المستأجرة؟
فئة معدومي الموهبة والإبداع فعليًا، هم ثاني فئة مستفيدة من هذه الموجة التي صنعها تجار الفن، تلقفوا هذه الفكرة، وتقمصوها جيدًا، وبرعوا في تقصمها حتى تبرر منتجاتهم اللا فنية، وتلبسها ثوب الفن والإبداع، ليطرحوا على الناس منتجهم الضعيف المهترئ السطحي على أنه صيحة جديدة في عالم الفن، هم فئة لا تريد أن تبذل أي مجهود في دراسة الفن. وكيف تتم ممارسته وفق القواعد والأصول، يريدون بأقل مجهود أن يبيعوا أكبر عددًا من اللوحات المخرفة على أنها إبداع حقيقي، وسيكون حائط الصد للمهاجمين والمعترضين، كلمتين براقتين: (وحي + إلهام).
هذه الفئة المدعية للفن للأسف تضخمت للغاية في العقود التالية على الثورة الصناعية، وأصبح لها حيز وجودي واسع جداً حول العالم وتجتذب ملايين المريدين، فبالتالي أصحاب الفن الحقيقي مضطرين أسفين إلى الانخراط في هذه الموجة الجديدة، وتقمصها حتى لا يلفظهم العالم خارجه.
ولكن هل حدث أن الفئة الموهوبة المبدعة التي تمارس الفن على قواعد وأسس، أنها تعرضت بالفعل للطمس التام والذوبان في موجة التجديد المزعومة؟
هذه الفئة معدومة الموهبة والإبداع تضخمت في أوروبا، ولكنَّ فئة الفنانين الجادين، الذين يبذلون الكثير من الجهد في سبيل تقديم فن تشكيلي حقيقي كانت لها مكانتها أيضًا، لم يتم إزاحتها بالكامل، وأصبح هناك خطان متوازيان في العالم الغربي للفن الحقيقي، والفن الذي هو صنيعة تجار الفن.
في عالمنا العربي فكرة الفن البوهيمي الذي روج له تجار الفن في أوروبا عقب الثورة الصناعية تضخمت عندنا، وأصبحت هي الأساس، ولن تسير بالتوازي مع الفن الحقيقي، ولكن أصبح الفن الحقيقي مجرد من تراث بالي لم يعد يصلح هذه الأيام.
إذن فكرة الفنان بشكلها الحديث الذي تم تخليقه من قبل تجار الفن هي فكرة مثيرة رائعة، أفضل ألف مرة من فكرة الفنان الذي يجد ويجتهد ويقلد وينسخ ما أمامه من لوحات، فيفشل حتى يحسن الأمر وتتكون لديه المهارات الفنية اللازمة؛ لأن يصنع مستقبلًا لوحاته الخاصة، ولكن ذلك يتطلب جهدًا ومشقةً و وقتًا طويلًا و رسمًا، ومِنْ ثَمَّ مسح كلّ ما رسمه، ثُمَّ إعادة رسمه مرات ومرات حتى يجيد الأمر، ومِنْ ثَمَّ يتألق ويبدع فنيًا.
تبدو هذه فكرة سخيفة واقعية جدًا، شاقة تستلزم الكثير من الوقت والمجهود، ولا إثارة فيها، فكلنا نعلم أن الثمار لا تجنيها إلا من بعد زرع وحصاد وتعب، أما الفكرة الأخرى فانتازية رائعة جميلة، الفنان هنا يكون مكان النبي والقديس، يصنع المعجزات مثلهم بفرقعة من أصبعيه، لا يبذل الكثير من الجهد، والوقت ليتقن ما يصنع، فقط يرتعش جسده لبضعة دقائق وتنتابه قشعريرة باردة ويتلوى في الأرض لدقائق أخرى ثم يشرع في رسم لوحات رائعة عظيمة، ستتمزق أكف الناس من كثرة التصفيق لها وكل هذا الأمر لم يستغرق سوى بضع ساعات، وليس أيامًا وشهورًا وسنين.
لا يمكن أن نكذب وحي الأنبياء، وبالتالي لن نكذب أيضًا وحي الفنانين وإلهامهم، وكذلك وحي الكتّاب والمؤلفين، يتفصد جبينه عرقًا، ويغمض جفنيه المرتعشين، ثُمَّ يشرع في كتابة رواية رائعة بل هي ملحمة خالدة !
لماذا؟
تذكر أيها القارئ العزيز، نحن نزرع في رأسك فكرة مختلفة، ما تراه أمامك ليس من قبيل الخرف، أو الهزل، ولكن هذا يحدث لأنه يوحى إليه، ويأتيه الإلهام.
إذن تم زرع في وعيي الشخصي ووعيك عزيزي القارئ فكرة أشبه بالقلعة الحصينة قادرة على أن تدافع عن نفسها بقوة، وتسحق كل ما عداها، سنرددها جميعًا لأننا من ضمن السرب، من ضمن القطيع.
إذا سمعت عن كاتب كتب عشرة أعمال، أو خمسة في عام واحد، ماذا ستقول؟
مبدع "ها، تذكر، ماذا أيضًا؟" يُوحى إليه "رائع، أنت تبلي حسنًا وماذا أيضاً؟" يأتيه الإلهام "رائع وهل لديك إضافة؟" موهوب بالفطرة " أحسنت، مبروك أنت أصبحت عضوًا مميزًا في القطيع!"
إذا أطلعت على عمل ما عزيزي القارئ، ووجدت ما هو مكتوب غث وهراء، كيف سيكون رد فعلك على هذا، هيا أخبرني؟
يا سيدي هذا ليس غثاءً وهراءً كما تقول، ولكنه إبداع من الكاتب، فهو لا يتحكم بقلمه، ولكن القلم يسيره، ويدفعه للكتابة بجنون، وإذا فرغ الكاتب لا يكون واعيًا بما كتبه، ويعيد قراءته كأنه يقرأ لغيره، وهذا بسبب الإلهام والوحي.
أريد أن أصفق لك عزيزي القارئ، أبدعت في الرد، أنت خير ممثل بالفعل للقطيع الذي تم إعادة صياغة عقله الجمعي، أنت مميز فعلًا.
عزيزي هذا هو ما يريدون أن يخدعوك به، إذا رأيت شخصًا ما غزير الإنتاج، فهذا من قبيل الإبداع والوحي والإلهام، وإذا رأيت كتابة عبثية فهذا من قبيل الإبداع والتجديد في الكتابة والتجريب، هم خربوا وزيفوا وعيك، وأنت وافقت على كل ذلك بأريحية، ولم تكتفِ فقط بالموافقة، ولكنك أنبريت أيضًا للدفاع عن هذه الفكرة، و مستعد للموت في سبيلها، تحولت لديك لواحدة من التابوهات التي لا يمكن إسقاطها أو مناقشتها حتى!، لقد أضحت عقيدة أخرى تضاف إلى عقائد أخرى تؤمن بها.
وأصبحت تراها كحقيقة راسخة مسلمة لا تقبل النقاش أو الجدل، مع أنها تم تخليقها من فترة قريبة، ولكن لا بأس فنحن البشر سريعي النسيان، سننسى الحقيقة الأخرى، وسنتقبل هذه الحقيقة الجديدة التي تم تصنيعها بالكلية!
أصبحنا نفسر الكتابة المهترئة بأنها وحي
أصبحنا نفسر الركاكة اللغوية بأنها إلهام
أصبحنا نفسر الإسهال الكتابي بأنه غزارة في الإنتاج.
أصبحنا نفسر الكسل العقلي والذهني في الكتابة بأنه شغف الكتابة.
نعم تم إعادة تعريف كل هذه المصطلحات لإخراجها من إطار السلبية إلى إطار الإيجابية، واستبدالها بمصطلحات أخرى أكثر بريقًا وأكثر استحسانًا لدى المتلقي.
بالإضافة إلى أنه تم ترسيخ عددًا من التعريفات المتصلة بالفنان الفانتازي هي في ذاتها ما وراءية للغاية، ولكن لوقعها بريق ومثيرة للنفوس، وترسم صورة حالمة يطوق إليها أي إنسان، على سبيل المثال لا الحصر:
غزارة الإنتاج عنده نتيجة لحب وشغف عظيم بالكتابة "أحفظ هذا التعريف جيدًا فهو الرد المانع القاطع أمام أي مهاجم"
أن موهبته تتحكم فيه وليس هو من يتحكم فيها، إرادته الذاتية وقتها تكون خاضعة لإرادة خارجية " يقصد بها الوحي، كلمة براقة...تابع" و لذلك هو مجبر على الكتابة على هذا النحو، الكاتب لا يتحكم في قلمه.
هل ترى جمال التعريف وكيف أنَّ له رونق خاص، بالله عليك ألم تنتشي، وتأخذ نفسًا عميقًا بعد قراءة هذا التعريف؟، ألم تشعر وقتها بأنك وصلت إلى هذه الدرجة الحالمة من الإنسان الكامل الذي نصبو إليه، لأن هذه الفكرة خلابة، فنحن نتمسك بها حتى لو كنا على يقين بزيفها، ولكنها فكرة مثيرة؛ لأن بديلها الواقعي مرهق ومتعب ولا إثارة فيه.
إذا أخبرتك هذه المرة عزيزي الكاتب أنه حتى تكتب أول قصة لك وليس أول رواية قصيرة. ولكي تكتب أول قصة قصيرة يجب أن تكون قرأت على الأقل خمسين كتابًا.
بذلك أنا حطمت لك الفكرة الجميلة البراقة عن الشخص الموحى إليه، الذي يأتيه الإلهام من حيث لا يدري، الذي ينتشى عند الكتابة وهو لا يدري كيف ولماذا يحدث له هذا؟
أما أن أطالبك بالجهد والتعب وأن تمكث لمدة أربع أو خمس سنوات لا تنشر ما تكتبه، وتعتبره تدريب على الكتابة حتى تصل لمرحلة النضج الفني المطلوبة، فهذا يستلزم الكثير جدًا من القراءة وممارسة فعل الكتابة، والتي هي بالتأكيد ليست من أجل النشر، ولكن لعرضها على المختصين، ليبدوا فيها آراءهم وسبل تطويرها وتفادي مواطن الضعف فيها، ومِنْ ثَمَّ تشرع في القراءة مرة أخرى، وتدرب نفسك مرات عديدة على الكتابة حتى تصل إلى المستوى المنشود، وبعد مضي خمس سنوات يمكنك وقتها أن تدعي أنك قادر على الكتابة الحقيقية، ومِنْ ثَمَّ النشر، هذه فكرة قبيحة واقعية للغاية، والواقع على الدوام مرير، وفيه الكثير من الكد والمشقة والتعب، وبالتالي تم تجريد صورة الفنان والمبدع من أي ملمح فانتازي، وتحول الأمر كأني طالب جامعي علي أن أتم دراسة جامعية لمدة أربع أو خمس سنوات قبل أن أشرع في النشر.
هذه صورة مقيتة للغاية، وبالتالي ستقوم بتفعيل الحصن المنيع الذي تم زرعه حديثًا بعد الثورة الصناعية، هذه ليست صورة الفنان المثالي، الفنان موهوب، موهبته كفيلة بمعالجة هذه الأمور كلها دفعة واحدة.
والدي "أطال الله في عمره" خريج في كلية الفنون الجميلة هو و والدتي، والدتي قصت لي أنه كان مشهورًا عنه أيام الجامعة أنه الطالب الممحاة، لأنه يمسح أكثر مما يرسم، وكان أقرانه يقولونها على سبيل التندر والاستنكار.
وأنا أقول أن هذا هو الفنان الحقيقي الذي يمسح أكثر مما يرسم.
الكاتب الحقيقي هو الذي يحذف ما يكتبه أكثر مما يكتب.
أن يقرأ أكثر مما يكتب.
معدومي الموهبة المنتسبين للفنون الجميلة روجوا لفكرة أن الفنان الذي يقلد لوحات من سبقوه ليتعلم منها، لا يعتد به فنانًا وأن هذا ليس من الفن في شيء، لماذا روجوا لمثل هذه الفكرة؟
لأنهم لا يريدون أن يبذلوا أي مجهود لأنه في حالة تقليد لوحات من سبقوك من الفنانين الجادين هذا يعني أن تستغرق أسابيعًا وشهورًا حتى تجيد تقليد لوحاتهم، وبالتالي تتكون لديك مهارات الرسم اللازمة، لتبدع أنت بعد ذلك لوحاتك الخاصة، وسيستلزم منك الكثير من المسح ثم إعادة الرسم لمئات المرات، هؤلاء يريدون أن يضعوا عدة خطوط لا معنى لها على لوحة ما، ومِنْ ثَمَّ يصدرونها للمتلقي على أنها إبداع ووحي وإلهام.
إن لم يحذف الكاتب مئات المرات ما يكتب، ومِنْ ثَمَّ يعيد كتابة ما كتبه مرة أخرى، ثم يحذفه مرة أخرى، وهكذا دواليك مئات المرات حتى يطمئن لما كتب وتستقر نفسه فهو بلا شك يمارس العبث في أجلى معانيه.
هذا الطريق صعب وشاق، وللأسف واقعي للغاية، وهو أشبه بالتحصيل والدراسة، ولكن هذا ما يصنع المبدع الحقيقي، وبالتأكيد هي ليست بالفكرة البراقة للعامة أن تخبرهم بأن ما وصلت إليه من إبداع وإتقان هو حصيلة سنوات من الدراسة، ولكن البريق والمثير فعلًا للعامة أن تصورها على أنها وحي وإلهام وموهبة.
أنا بذلك أحطم تمامًا تابوه الوحي والإلهام، وبالتالي فإني أنفي الموهبة تمامًا عن المبدع، إذن بما أفسر الكتّاب الذين ينقطعون مرة واحدة عن ممارسة الكتابة لفترة من الوقت قد تطول أو تقصر، ومِنْ ثَمَّ يأتيه الدافع للكتابة مرة واحدة فيكتب بغزارة.
بداية بسبب محاولات تزييف العقول وتزييف التعريفات ورسم صور خداعة للفنان على مدار ما يقرب من قرنيين من الزمان، بداية من الثورة الصناعية حتى الآن، غابت للأسف التفسيرات المنطقية الموضوعية للكثير من الحالات التي تصاحب الفنان أو المبدع بشكل عام وأصبحنا نخضعها للتفسيرات اللامنطقية والما ورائية التي اعتدنا عليها لقرابة القرنيين كما أسلفت، ولكن يمكن إحالة ذلك إلى الحالة المزاجية للكاتب، كما يعتري أي إنسان طبيعي حالات مزاجية تكون طاقته في أدناها، وحالات أخرى تنتابه طاقة قوية دفعة واحدة، هي تتبع الحالة النفسية والمزاجية للإنسان والمؤثرات الخارجية من بيئة وعوامل اجتماعية مختلفة، هذا التفسير الذي أميل إليه أكثر بعيدًا عن التفسيرات الما ورائية.
وأما بالنسبة للموهبة فهي قد أخذت حيزًا زائفًا أكبر بكثير من حجمها الحقيقي، فالموهبة في العملية الإبداعية لا تمثل أكثر من 30% وهي عامل مساعد وليس رئيسًا، أقرب ما تكون لعامل محفز، أن تميل نفسك لشيء دون الآخر، فتكون النتيجة المنطقية أنك توليه اهتمامًا خاصًا و وقتًا أكثر عن باقي الأشياء التي تحظى لديك بميل أو اهتمام أقل، فتبرع وتتميز فيما توليه عناية واهتمام أكبر.
الموهبة أقرب ما تكون لكونها ميل أو اهتمام زائد ولكنها بالتأكيد ليست قوى سحرية، تجعلك تكتسب مهارات من مصادر لا دينية!
وأيضًا نتيجة لزرع مجموعة من التعريفات والأفكار والمصطلحات المزيفة لعقود طويلة في عقولنا يمكن القول بأنه غُيب عنا التفسير الحقيقي، والمنطقي لهذه الظواهر، لأن هناك مصلحة لفئتين في تغييب التفسيرات الموضوعية والمنطقية لهذه الظواهر.
وكم من أُنَاس لا يتمتعون بأي موهبة، ولكنهم برعوا في مجال الفن والإبداع نتيجة لاجتهادهم ودراستهم، وأيضًا لكل قاعدة شواذ، والأحكام لا تبنى على الشواذ من القاعدة، كمثل محاولة تفسير المجيدين لفن الرسم وتكون البيئة المحيطة بهم لا يتواجد بها عوامل تحفزهم على الرسم أو حب الرسم أو الميل نحوه، ويبرعون فيها من غير تعلم، وكذلك أصحاب الأصوات الجميلة وهكذا، وكأنَّ الأمرَ عبارة عن مجموعة من الجينات تتفجر لدى البعض، وتبقى كامنة لدى البعض الآخر، هل تتفجر نتيجة لمحفزات ومثيرات خارجية؟ أم أنها تنفجر من تلقاء نفسها بدون أي محفز خارجي، وبالتالي فهي هبة ومنحة من الله، كما قلنا غياب التفسيرات الموضوعية نتيجة لتغييب متعمد للتفسيرات الموضوعية لصالح مجموعات المصالح، يجعل من غير الممكن أن نضع تعريفًا أو تفسيرًا جازمًا لهذه الظواهر ولكن ما أنا على يقين منه حتى في ظل وجود الموهبة الفطرية لدى البعض إلا أنها لا تمثل إلا عاملًا مساعدًا فقط في عملية الإبداع ككل، ولا تتكفل هي بالأمر برمته.


جيل الكتّاب من التسعينات


أعلم أن مقالي هذا سيغضب جيل التسعينات، وأواخر الثمانينات، ولكنّه شرٌ لابد منه، الذين اتجهوا منهم لكتابة الأدب سواء شعر أو قصة أو رواية، لديهم مشكلة كبرى في المهارات الكتابية، هذا ما لمسته من خلال بعض ممن قرأت لهم.
يقرأون القليل، ويكتبون الكثير، سيظن البعض أنني أتجنى أو أبالغ، ولكن من يطلع على كتاباتهم، معظمها يشي بذلك، فرحون أشد الفرح بعدد اللايكات والإيموشنز، والتعليقات المقولبة التي تأتيهم على الفيس بوك، وأنا وغيري طفح بنا الكيل في القول بأن تجاهلوا لايكات وإيموشنز الفيس؛ لأنها في مجملها إن لم تكن كلها تأتي من باب المجاملة فقط، وتعطي انطباعًا خادعًا لمن يكتب أن كتاباته مميزة.
ليس بعدد اللايكات تحسب أنك بلغت العلى، لم يحدث، هذه صورة زائفة تمامًا.
ويتجلى لك أنهم يكتبون أكثر ممّا يقرأون، إذا شرعت في قراءة أعمالهم، أغلبها ينطوي على أسلوب أدبي ركيك بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، وهذا يعود فقط لقلة القراءة، وعدم التنوع فيمن يقرأون له، أو في أبواب مختلفة.
أخطاء إملائية تفوق الوصف في مواضع الهمزات، والآفة الكبرى عدم التمييز بين التاء المربوطة والهاء المربوطة والتنوين، وأيضًا نصب الفعل وهو محل جر، أو جره وهو محل رفع، قواعد نحوية من بديهيات اللغة.
بعضهم يسوق أفكارًا ما أنزل الله بها من سلطان، وإن كانت بالفعل لها وجود في أرض الواقع، فهي من الهزل والتخريف ممّا يعيب الكاتب أن يتشدق بها على مسامع الآخرين.
ومن أمثال هذه الأقوال المخرفة: أنه ليس من المهم النظر إلى اللغة! إذا كانت فنيات العمل قابلة للإقناع، أما أنه فهم سقيم، وإن لم يكن الفهم سقيمًا، فصاحب هذه المقولة أيًا كان اسمه مخبولًا!
من فنيات ومقومات أي عمل أدبي اللغة، اللغة ليست فقط سلامة الكلمة نحوًا وإملاءً، بل سلامة الجملة من حيث التركيب والصياغة، من حيث ركاكتها وقوتها، ومن المقومات الفنية للغة الأسلوب الأدبي والأسلوب السردي، ففي الأسلوب الأدبي: السهل أو البسيط، وفيه المعتدل أو الوسيط، وفيه الجزل أو السامي. وأمّا في الأسلوب السردي، فيتم تناوله من ثلاث زوايا: زاوية الخطاب و زاوية المخاطب وزاوية المتكلم، كلها من المقومات الفنية للعمل وتندرج كلها تحت مظلة اللغة، فإن لم تستقم اللغة لا يستقيم أي شيء بعدها، فسد كل شيء، لأنها لبنات العمل والأساس الذي يقوم عليه العمل، فإن فسد، فسد العمل كله.
من يتمسكون بهذه المقولة الغريبة كمن قدم لي قطعة من الحلوى الشهية على طبق متسخ، كُسرت حوافه، ويقول لي تذوق هذه الحلوى، من الطبيعي أن تعافي نفسي هذه الحلوى، وإن كانت شهية وإن قدمها على طبق زُين بالرسومات والزخارف ستكون لدي شهية كبيرة لتناولها، وهي هي نفس قطعة الحلوى.
لا تقدم لي إناءً مثقوبًا، وتقول لي: أنه يحفظ الماء، سينسرب ما فيه رغمًا عنك من أفكار ومن طرح ومعالجة وأحداث، سينسرب منك كل شيء حتى يصبح خاويًا.
قولًا واحدًا: من ضرب بسلامة اللغة وجمالها وطلاوتها عرض الحائط في عمله الأدبي، فإنما يتبع مقولة فاسدة، ومن يشجعه على ذلك فسد ذوقه.
وقلة من هذا الجيل "التسعينات وأواخر الثمانينات" تطرفوا في استخدامهم للغة، فبالغوا فيها حتى طغت على المضمون الذي تقدمه، وما قدموه من زخرفة للكلام، ليس من بنات أفكارهم، ولكنه نسخًا لمن سبقوهم، وحسبوا أنهم بذلك أحسنوا صنعًا، وإن أطلعت على أطباقهم المزخرفة بعناية وجدت فيها حبة متعفنة.
أمرًا أخيرًا، لن يتطور بأي حال من الأحوال مستوى كتاباتك أو نضجها الأدبي بغير القراءة، والله أن الورش الأدبية وكتب ألف طريقة لكتابة كذا... إن هي إلا دجل وشعوذة إن لم يرافقها كثرة القراءة وفي كل شيء.
أن تؤمن بأن ما تكتبه في المرحلة الحالية ليس من قبيل النشر، ولكنه تدريب على الكتابة وتطوير للنفس.


نصائح عامة للكتّاب


الكتابة تعني أن تقرأ، لا توجد حلول سحرية بشأن الكتابة، بدون أن يسبقها شغف القراءة، نهم القراءة، القراءة في كل شيء، وأقصد المعنى الحرفي؛ لأن تقرأ في كل شيء، هذا هو باب الكتابة، لا تأتيك مهارات الكتابة من عدم، ولا تأتيك من خلال سلسلة من النصائح فقط أو الإرشادات، ولكن منبعها كثرة القراءة، لا توجد حلول وسط بشأن اكتساب مهارات الكتابة، لا توجد مساومات أو مقايضات بشأن الكتابة، الدرب واحد، والطريق واحد، إذا أردت أن تكتب فعليك أن تقرأ.
أن يغامر الكاتب بالخوض في مناطق كثيرة من مناطق الكتابة، وألا يكتفي بمنطقة واحدة أجاد فيها الكتابة، فلبث عليها عاكفًا منكبًا، لا يلي غيرها، ولا يصبو لدربٍ آخر.
يجب على الكاتب أن يجرب كل مناطق الكتابة، كل الاتجاهات، كل المدارس، أن يرتاد كل قوالب الكتابة، وهذا لن يدركه أو يعيه الكاتب بدون قراءة.
إذن أي نصائح تسدى بدون قراءة، هي ذرات غبار تذروها الرياح، هي كالنقش على الماء، لا تنساق وراء تعليقات الاستحسان والإعجاب ممن قرأوا لك، فإن لم تكن تقرأ كما ينبغي لكاتب أن يقرأ، وكتبت نصًّا استحسنه البعض، فالطيور على أشكالها تقع، فاستحسن ما كتبت من لا يحسن القراءة، أو جل قراءاته سلاسل للجيب وشذرة من هنا وهناك.
شاعر ويخطئ في لغته العربية، صديقي هو ذنب لا يغتفر، وعذرك فيه أقبح من الذنب، فلا مفر تفر إليه، وتتعذر به أمام أي خطأ لغوي، وإن أخطأت لغويًا، فإنك تخطئ في الكبائر، وليس مثلنا كتّاب الروايات قد يسقط منهم سهوًا الصغائر من الأخطاء اللغوية، أما زعمك بأنك شاعر وأنت لا تفرق بين التاء المربوطة والهاء المربوطة! ومتى تكون همزة وصل ومتى تكون همزة قطع؟ أن تكتب (عليكي)، أنت مخرف ولست بشاعر، حتى إن كاتب الرواية أو القصة إذا وقع في هذا الخطأ، فهو ذنب لا يغتفر وتوبة لا تنفع.
وأما كتّاب شعر العامية وبعضهم يتبجح ويتعذر بإنه طالما يكتب العامية، فلا حرج عليه في أن يخطئ في إملاءه ونحوه كيفما شاء، ويدعي زورًا أن العامية تحتمل ذلك، لا والله أنك لتفتري على شعر العامية الكذب.
وأما شعراء العامية والفصحى الذين صدعوا عقولنا بالأشواق والحب والهجر واللوعة والدموع، التي يسكبونها ليلًا و نهارًا على فقد الحبيب وغدر الحبيب والاشتياق للحبيب، وكيف أنه وكان وما كان منه ما لم يكن، إلى آخر هذه التُرهات، كفانا من شعركم الأعوج الأبله الأحمق هذا، أبدعوا أيها المستنسخون، أبدعوا أيها المقلدون، أبدعوا فأنتم تسرقون صور غيركم.
ولكتّاب القصة القصيرة والله العظيم ليس شرطًا أن تكون نهاية كل قصة تكتبونها مفارقة مدهشة؛ لأنها مفارقات حمقاء مقولبة معلبة استهلكت عن بكرة أبيها، كفاكم من جرعة الدراما المفتعلة السمجة التي تضخونها في قصصكم المهترئة.
كفانا وكفاكم من قصصكم الوعظية وأصواتكم التي نسمعها. أما في مستهل القصة أو في خاتمتها وأن تتفضلون علينا ببعض من الحكم والمواعظ المباشرة الفجة السخيفة، توقفوا عن كتابة النهايات المدهشة؛ لأنها نهايات مزعجة مفتعلة فضلًا عن كونها محفوظة ونعرفها جيدًا، لا يجب أن تنتهي كل قصة بنهاية صادمة؛ لأنها تكون في الأغلب مبالغة ساذجة سطحية تنتمي إلى كتابات ما قبل مرحلة النضج الأدبي.
من الممكن أن تنتهي القصة القصيرة بدون أي مفارقات أو دهشة أو صدمة، من المقبول أن تنتهي بنهاية عادية لا تكون النهاية الخاتمة، وأما الذي يضع موعظة حسنة ودروس مستفادة في نهاية عمله، أي خبل هذا؟ من أين تعلمتم هذه التُرهات؟! من قال لكم أن هذا هو فن القصة، هذا هو فن الخبل وفقدان الإدراك والوعي.
أنا كقارئ لا يهمني رأيك، ولا يعنيني في شيء، وأضف إلى ذلك أن موعظتك الحسنة أحفظ ما هو أحسن وأفضل وأجمل منها! وتبدو موعظتك أمامها باهتة عارية من الجمال.


القارئ الحصيف لا يغفر!


عادة عندما أتصفح صفحتي الرئيسية على الفيس بوك، أشاهد بين الحين والآخر منشور لبعضٍ ممن يسمون أنفسهم بالكتّاب، يسأل الكاتب منهم في منشوره أنه ينوي أن يفعل في روايته أو قصته بالبطل أو الأحداث كذا وكذا، ما رأيكم؟ وأحيانا يتمادى ويقول ومن يأتيني بأفضل طريقة درامية لهذا الحدث ستكون له نسخة هدية عندما أنشرها، وكلام غث بوفرة.
هؤلاء تعلموا الكتابة في سوق الخضار، أنا أقولها بكل صراحة، أنتم حفنة من المدعيين، تمارسون الأدب من وراء طاولة الخضار في الأسواق الشعبية!
ومنهم من يسأل المتابعين وعامة الأصدقاء أيكتب الحوار بالعامية أم بالفصحى، ومن مدعي الكتابة ممن يعقدون مسابقة سخيفة بين متابعي المنشور، لمن يكتب عنوان لروايته، وإذا راقت له فسيجعلها عنوان لعمله!
وآخرون يكتبون في منشورهم من يستطيع أن يتنبأ بأحداث روايته ستكون جائزته كذا...!
أي خبل هذا!
وعلى هذه الشاكلة من الإسفاف، والتي لا تختلف كثيراً عن أغاني المهرجانات التي انتشرت في السنوات الأخيرة ستجد الكثير من المُدّعين ينشرون منشورات مثل هذه.
أي إستهانة...
وإهانة...
وسخافة...
وتصرفات لمُدّعين لا علاقة لهم بالأدب، ليس على هذا النحو يدار الأمر في عالم الأدب وعالم الكتابة، أبذل القليل من الاحترام من أجل الكلمة التي تكتبها، سأظل أسلط الأضواء على أفعالكم في منشوراتي، وأذكر من يقرأون لي منشوراتي، وإن كانوا قلة بأن ما يفعله هؤلاء، أفعال مشينة وصبيانية وخرقاء وأنها دلالة على فقره وعجزه وسطحيته البالغة حتى يعرفوهم. فأما أن يستقيم هؤلاء مع طول إلحاحي وتكراري. وأما يعرفهم الناس فلا يتبعوهم سوى من أعتادوا القراءة أيضًا من خلف طاولة الخضار!
من الطبيعي جداً أن يسعى الكاتب لترويج عمله سواء كان منشورًا إلكترونيًا أو ورقيًا، أنا أفعل ذلك باستمرار، ولكن هناك أصول للدعاية لعملك؛ تحترم فيها الكلمة ولا تهينها، فالبعض يروج لعمله الأدبي من باب أنه مندوب مبيعات، أشْتَرِ واحدة تحصل على الأخرى مجانًا! إذا عرفت ما بالعلبة تكسب معنا 10 جنيهات! ليس على هذا النحو يروج الكاتب لعمله بين القراء، احترم قدسية الكلمة التي تكتبها، تعامل معها على أنها تسكن برجًا عاجيًا، ولا تبيعها على طاولة في الطريق مثلك مثل بائع الخضار!
هناك أمثلة لأن تروج لعملك بشكل لائق، على سبيل المثال أن ترفع صورة لغلاف عملك، ومن ثم تقتبس فقرة تظن أنها الأفضل في عملك، وترفقها مع الغلاف ثم تضع عناوين منافذ البيع التي يتواجد فيها عملك مع سعر العمل. وأن تشارك هذا المنشور على مئات من الجروبات الثقافية، أن تقوم بعمل "برومو" فيديو لعملك كنوع من الترويج والدعاية، أن تستعين بآراء نقدية لأشخاص تثق في آرائهم، أبدوا آرائهم بخصوص عملك، ومِنْ ثَمَّ تنشرها باستمرار على صفحتك الشخصية، وجروبات ثقافية وأدبية.
أن تصيغ نبذة عن عملك غير كاشفة لأحداث العمل، ولكنها مشوقة تستفز القارئ لأن يشتري عملك هذا.
أن تصنع عدة أغلفة لعملك مصحوبة باقتباسات من عملك، أو حتى نبذات مختلفة لعملك.
كل هذا لائق وجائز.
أن حتى تصنع فيديو يضم فيديوهات لآراء شخصيات مختلفة لعملك وتنشره على الفيس بوك، هذا أيضًا جائز.
أن تحاول التواصل مع مشاهير الكتّاب، وتستحثهم على قراءة عملك، ثُمَّ نشر الريفيو الخاص بهم، هذا أيضًا أمر مشروع.
أن تنشر حتى مشهد أو مشهدين من عملك، ومِنْ ثَمَّ تصنع هاشتاج تكتب فيه من روايتي القادمة.
هذا أيضاً من أساليب الدعاية اللائقة لترويج عملك. أما غير ذلك فأنت أشبه ببائع الخضار، أرجوك إن كنت تفعل ذلك، ولا تدرك بأنك بذلك تهين عملك وتهين الأدب والكلمة، فتوقف عن فعل ذلك، ارْتَقِ في الدعاية لعملك يحترمك القارئ، ولا تنبهر بعلامات الإعجاب والقلوب على منشورك الدعائي الأشبه ببيع معطر للجو، ولا تتصور بأنك بذلك قد أصبت وروجت لعملك.
إن كنتم تفعلونها عن جهل فالآن قد علمتم، فجهلكم بالذنب يجبه. وأنك الآن تعلم فأنه ذنب لا يغتفر، فآن لك أن تتوقف عن فعله فالقارئ الحصيف لا يغفر.


أدب الخيال العلمي العربي


لا أرى أن أدب الخيال العلمي أو الرعب أو الإثارة الحركية أو أدب الأساطير أقل مكانة في عالم الرواية عن باقي التصنيفات والألوان الروائية الأخرى، كما يقول البعض الآخر من كتّاب ونقاد يتأففون من هذه النوعية من الروايات، لا أتفق معهم في ذلك تحت أي مبرر، هناك معايير محددة لبناء أي عمل روائي مهما كان لونه الروائي، معايير معروفة يتم على أساسها تقييم وتحليل بنيان العمل الروائي، إن حاز العمل على أعلى التقييمات وفق هذه المعايير، أيًّا كان لونه فهو عمل جيد جداً، أو رائع بالفعل، هذا جانب لا ينضوي تحت لواء الرأي، أو الذائقة الشخصية للناقد، أو القارئ، ولكن منهجية معينة في تحليل أي عمل روائي متبعة في أن يوافقها العمل أو لا، هي لا تخضع لرأي أو هوى.
وعلى الجانب الآخر، لماذا يتعامل القارئ العربي مع أدب الخيال العلمي العربي على أنه أدب غير ذي شأن؟، فهذا أرجعه لعدة أسباب.
أولًا: لم أقرأ أدب خيال علمي عربي إلا ووجدته استنساخ ولا أقول تقليد أو إعادة طرح، ولكن أقصد المعنى الحرفي للكلمة "استنساخ" لأدب الخيال العلمي الغربي، وأفلام الخيال العلمي الغربي، ويتمحور أدب الخيال العلمي في العالم العربي على نوعين من الاستنساخ.
أولًا: روايات خيال علمي على نسق star war، سلسلة الأفلام المشهورة.
ثانيًا: نوعية أفلام وأدب غزو الكائنات الفضائية لكوكب الأرض.
ما رأيت كاتب خيال علمي عربي يخرج عن هذين الموضوعين، قالب معروف مستنسخ يتم تداوله بين كافة كتّاب الخيال العلمي العربي! قد يرى بعض كتّاب الخيال العلمي أني أتجنى عليهم بقولي هذا، ولكني ما قرأت إلا هذا في أدب العرب من الخيال العلمي.
ثانيًا: أدب الخيال العلمي الغربي إلى حد كبير (ليس على نحو الدقة) من الممكن أن أقول أنه تجاوز لهذين النوعين، لازال هناك أدب خيال علمي غربي يتناول لهذين النوعين، ولكن تغلب عليه نوعية أخرى من أدب الخيال العلمي. أصبح الأكثر إثارة والأقرب إلى مخيلة قارئ اليوم ويمكن ضرب أمثال بذلك مثل أفلام artificial intelligence و I robot وأول فيلم من سلسلة أفلام planet of apes، و أيضًا فيلم minority report وهكذا، هذه أمثلة ليست للحصر ولكن لتوضيح الفكرة، أعطت بعدًا جديدًا لأفلام الخيال العلمي، والتي حتى لن أرى لها استنساخًا بين كتّاب أدب الخيال العلمي العربي!
إذن نحن أمام كتّاب خيال علمي عرب لازالوا في أسر المرحلة الكلاسيكية من الخيال العلمي، لم يتجاوزوها بعد. وجيل اليوم من القراء بفضل القفزات العملاقة للتكنولوجيا تجاوز هذه المرحلة، كانت تناسب جيل الثمانينات والسبعينيات، ولكنها لم تعد مناسبة لما بعد ذلك حيث كان نبيل فاروق هو رائد هذه المرحلة من أدب الخيال العلمي، وكان رائجًا جدًا وقتها، ولم يعد رائجًا الآن، ولازال كتّاب الخيال العلمي العرب مُصرّين عليها.
هناك جانب آخر إذا تم تناول أفلام من نوعية artificial intelligence للأسف لن تكون مهضومة بالنسبة للقارئ العربي؛ لأنه عندما يقدمها الغرب، فلديهم مقدمات تكنولوجية تواكب مثل هذه النوعية من الأفلام، وتكون أرضية خصبة لها، متقبلة لمساحة هذا الخيال، لديهم من التكنولوجيا حاليًا ما يبرهن على ذلك، ولكن بالنسبة للدول العربية ستبدو منتقدة غير مهضومة، لا تحظى بالمصداقية، فنحن من فرط التخلف حيث أنه لو أدعى كاتب أن دولة عربية انتجت سيارة؛ لأمتعض وقال لقد شط الكاتب بخياله!، فما بال هذه النوعية الأعلى من أدب الخيال العلمي.
فلذلك ألتمس بعض العذر لكتّاب الخيال العلمي في هذا الجانب، ولكنْ، هل يعني ذلك أن يتوقف كتّاب الخيال العلمي عن الكتابة في هذا اللون الأدبي؟ لقد أوصدت في وجوههم جميع الأبواب بكلامي هذا، أقول لهم لا، من الجائز جدًا أن يتحول كاتب الخيال العلمي من كتابة رواية خيال علمي إلى كتابة رواية علمية، سيتضح المعنى بمثال سأضربه لمن قرأ لدان براون رواية "حقيقة الخديعة"، الرواية بإيجاز شديد تدور حول فكرة اكتشاف علماء ناسا لنيزك فضائي في منطقة الألسكا قّدر عمره بأربعة ملايين سنة، و وجدوا عليه مستحثات تُنَبِؤ بوجود شكل من أشكال الحياة على كوكب المريخ، ومن هنا تدور الرواية حول طرح علماء ناسا لهذا الاكتشاف، وتشكك علماء أوربيون في هذا الطرح، ومِنْ ثَمَّ ارتحال وفد من علماء أوربيين لألسكا للكشف على النيزك، ويدور صراع علمي مشوق بين علماء ناسا، و وفد العلماء الأوربيين حول هذا الأمر، وهذا الكشف العلمي الذي أعلنت عنه وكالة ناسا هو حقيقي، وقرأت الكتاب الخاص به، والذي استمد منه دان بروان مادة عمله الأدبي.
إذن هل من الممكن أن يتحول كاتب الخيال العلمي إلى كاتب علمي؟ نعم من الممكن ذلك، بل أقول من المؤكد أنَّ هناك بحوث علمية مصرية أو عربية لن تحظى بأي تغطية إعلامية من قبل الأنظمة العربية مثيرة للجدل، تصلح أن تتحول لرواية علمية مثيرة، فقط الأمر يحتاج لبحث دقيق وجهد من الكاتب، يحتاج لأنْ يقرأ له عدد من الكتب وآراء علماء مع و ضد. ومقالات حول هذا البحث العلمي الكائن في مكان ما، صناعة عمل روائي علمي مثل هذا قد يتطلب من الكاتب تمضية نحو عامين في طريق البحث والتحري والتقصي. وطرح الأسئلة على المختصين حتى يصل لمادة جيدة؛ ليبدأ منها كتابة عمله الروائي. وربما عام آخر ليكتب الرواية وينقحها ويهذبها ويراجعها عدة مرات، فهل يفعل كتّاب الخيال العلمي ذلك؟ آسف في قولي هذا والذي سيبدو كهجوم لاذع عليهم، لن يفعلوا ذلك، فهم من فرط كسلهم وركونهم إلى السهل سيستمروا في استنساخ النمط الكلاسيكي من أدب الخيال العلمي على وزن أفلام حرب النجوم، فهي غير مكلفة، غير مجهدة، غير متعبة، لا تستلزم الوقت الكثير لكتابتها، هي فقط بضعة أسابيع، أو أيام ليكتبوا 150 رواية خيال علمي كما فعل نبيل فاروق من قبل! عليه فقط أن يستدعي ذاكرة الاستنساخ ليكتب كل هذا الكم من حبكة وموضوع معروف سلفًا، وهو أمر غير مرهق أو متعب.
وللأسف ينصرف غالبية كتّاب الخيال العلمي للوم القارئ خاصة، والمجتمع عامة على قلة ثقافته العلمية، وعدم اكتراثه بالعلم، وأنه لا يقع ضمن مجالات اهتمامه، هو بالنسبة لي حق أريد به باطلًا!، لماذا؟ لأننا نشارك على نحو ما ككتّاب في صناعة الاهتمامات الثقافية المختلفة للقارئ، هذا أحد الأدوار التي نضطلع بها، وهو رفع المستوى الثقافي لدى القارئ، ولكن يظل كتّاب الخيال العلمي يلقون باللائمة على القارئ !
القارئ متشوق لعمل جيد محكم ثمين ثري، أمّا مئة وخمسون رواية على شاكلة ما كتبهم نبيل فاروق في سلسلة ملف المستقبل، كانت وجبة جيدة لأجيال السبعينات والثمانينات؛ لأنه لم يكن هناك نت، ولا قفزات تكنولوجية عملاقة، كما هو الحال اليوم، وبالتالي فكان ما يقدمه هو وجبة جيدة دسمة مبهرة بما يتوافق مع معطيات هذين العقدين من الزمن، أما والآن الأمر تغير تمامًا، فروايات الخيال العلمي أشبه بالتكنولوجيا بحاجة إلى تطوير مستمر، وما يتم عرضه حاليًا في أدبيات الخيال العلمي العربي تجاوزته التكنولوجيا، وللأسف أصبح محط سخرية واستهجان من الكثيرين، فمتى يدرك كتّاب الخيال العلمي هذه الفجوة الزمنية بين ما يكتبون وبين معطيات اليوم التي يعيش فيها قارئ اليوم.


ليس كل ما تكتبه يصلح للنشر


ليس كل ما تكتبه يصلح للنشر، لا تبادر بنشر كل كلمة تكتبها سواء إلكترونيًا أو ورقيًا، لا تسعد بإسهال الكتابة الذي يعتريك، ولا اسميها غزارة إنتاج كما يحلو للبعض التأدب، وتسميتها على هذا النحو، ولكن دعنا نلقي في اسماعهم التسمية الصحيحة وهو الإسهال الكتابي، فليكن إسهالك الكتابي هو مجرد تدريب على الكتابة فقط، البعض يملأ صفحات كثيرة، ويصدر العديد من الكتب في العام الواحد.
تروّى فيما تنشر، أكتب كما شئت، ولكن تروّى فيما تنشر؛ لأنه محسوب عليك أمام نفسك، وغيرك من الكتّاب وبالأخص والأهم أمام القارئ.
لا تفرح بأنك انهيت رواية أو ديوان شعر أو مجموعة قصصية وتركض لنشرها.
ليس جميلًا أن تعدد العناوين التي ألفتها.
ليس مبهرًا على الإطلاق.
هذا الإسهال الكتابي كما قلت إن استخدمته من أجل تدريب نفسك على الكتابة فلا بأس، استمر
أما أن تتصور أنه يصلح للنشر فيجب أن تراجع نظرتك للأمور.
الذي يجعلك تكتب هذا الكم الهائل من الأعمال في فترة زمنية قصيرة، أنا اسميه وإن شئت، فلتختلف أو ترفض أو تستنكر هو "خواء عقلي"، سطحية شديدة، كلها عوامل دفعت إلى هذا الإسهال في الكتابة والنشر.
أي إن عقلك يبذل أقل القليل من المجهود ليكتب.
يمكنك أن تكتب عملًا كاملًا في زمنٍ قصيرٍ، ولكن تستغرق الشهور وربما عدة سنوات أو سنتين لتراجعه.
إذن إذا استشعرت في نفسك رغبة جارفة لنشر كل ما تكتب، فيجب أن يكون هذا ناقوس خطر يدق بابك، وإنك مصاب بحُمى الكتابة المهترئة السطحية الخالية من أي آثر تتركه لدى القارئ، حتى أمام نفسك.
هناك صديق عزيز احتج علي بأن كاتبة انجليزية لا أذكر اسمها من فرط استنكاري واشمئزازي مما تفعل كتبت 750 رواية بمعدل رواية كل أسبوع، هذا هو قمة الخبل، هذه ليست بمبدعة، هذه بائعة لكلمات تجارية، ولا حاجة لي بأن أقرأ لها أي عمل أمام هذا الخبل الذي تصنعه، ومن الطبيعي أنه من واقع 750 عمل أن تجد عدة أعمال جيدة فهي مارست الخرف والهراء ل750 عملًا كاملًا!
وأغلب ظني أن كل ما تكتبه غثاء، هل هذا غزارة إنتاج؟ أو موهبة سميها موهبة، إبداع، شغف الكتابة، قدرات خاصة، حاول أن تخدع نفسك بكل هذه الكلمات المطاطية فأنا لن تنطلي علي هذه الخدعة السمجة.
هذا خبل وليس له تعريف آخر.
إن كنت تكتب كثيراً فثق أنك لا تفكر فيما تكتب، وقلما راجعت ما تكتبه؛ لأنك لو راجعتُ العمل بعين موضوعية محايدة لأحرقت جل ما كتبته.
أن تكتب كثيرًا هذا يعني أن مخيلتك وعقلك في أعلى مستويات السطحية الكتابية والثقافية، لأن ثقل المعرفة والثقافة يعوقان المرء عن الإسهال في الكتابة، يصبح أكثر تخوفًا وحذرًا وتأنيًا فيما يكتبه، كما يمسي مهووسًا متوجسًا باستمرار مما يكتبه، تضغط عليه معرفته وثقافته فتعجزه عن الكتابة السهلة السريعة السلسة، نعم تقف كصخرة عثرة على أن يُسهل في الكتابة على هذا النحو، ولكن حينما يفرغ من كتابة عملٍ ما. فإنّك ترى تحفة أدبية تستحق النظر والقراءة والحفاوة؛ لأنها حصيلة تراكم معرفي وثقافي عظيم مذهل.
كثرة الكتابة عندي وجريمة نشر كل ما يُكْتَب، لهو خير دليل على خواء وتفاهة صاحب هذا القلم، الذي يطل علينا كل شهر وكل أسبوع بعملٍ جديد، وأجدني أسأل نفسي، كم من الوقت استغرقه لمراجعة ما كتب، وكم من مرة هاجم فيها نفسه، وعنف نفسه بشدة على ما كتب، وحذف مما كتب كثيرًا، أو قرر في كثير ممّا كتب أن يحرقه حرقًا، كيف لم تعذبه عمليات المراجعة المتكررة لعشرات المرات؟
نشرك لكل ما تكتب على هذا النحو، يعني أنك مررت على ما كتبت مرور الكرام أو لم تمر أصلًا.
مرة أخرى، لا أعتبر إسهال الكتابة نقمة إذا كانت من أجل تدريب يدك والتجريب، إنّما هو إسهال إذا كان بغرض النشر وأن تعد قائمة طويلة بعنواين من تأليفك فأنت بكل ما كتبت بالنسبة لي لم تكتب شيئًا، ولن أراك بعد.
لازلت بالنسبة لي غائبًا بالكلية عن المشهد الأدبي الصحي السليم.


انتقاء اللفظ


أهم ما يجب أن يلتفت إليه كل الكتّاب هو انتقاء اللفظ بدقة، تحري الدقة في اللفظ الذي لا يحمل لبس أو غموض أو ميوعة، هذا كان أهم ملاحظة أعرب عنها الأستاذ يحيي حقي في حق الكتّاب العرب في منتصف خمسنيات القرن الماضي وهي الآفة التي تلازمنا كلنا حتى يومنا هذا، دلالة اللفظ واستخدامها في السياق المناسب لها يجب أن يكون الشغل الشاغل لأي كاتب، هل هذا اللفظ أو هذه الكلمة فعلًا مناسبة للسياق الموجودة به؟ أم أنها قد تشوه السياق، قد تصيبه بميوعة المعنى والدلالة، قد يغيب القصد من السياق بسبب سوء اختيار الألفاظ.
أيضًا يجب أن تكون الأخطاء اللغوية في أقل مستوياتها، كثير من الكتّاب يعتمدون على المدقق اللغوي في تغطية كل أخطائهم اللغوية.
كثرة الأخطاء اللغوية دلالة قوية على ضعف الحصيلة اللغوية وحصيلة الكلمات لدى الكاتب، فلذلك تكثر الأخطاء اللغوية، لأن من لديه حصيلة لغوية واسعة، بكل بساطة من الممكن أن يستبدل الكلمة التي يظنها على خطأ بأخرى يثق في صحتها، وأيضًا من إتساع حصيلته اللغوية أنه يستطيع استبدال الكلمة بأخرى قريبة من المعنى، ولا تشوه النص عند استخدامه، أو تحرفه عن قصيدته.
من لديه المقدرة على استحضار العديد من المترادفات التي لا تخل بالمعنى والسياق العام الموضوعة فيه، يعني أنه يمتلك ناصية اللغة.
يجب أن تكون أخطاء الكاتب اللغوية من الندرة بمكان حتى يلجأ فيها لمدقق لغوي متخصص يصوبها له، ولكن لا يكون شغل المدقق هو أن يصوب التاء المربوطة والهاء المربوطة وهمزة الوصل وهمزة القطع، ليس هذا عمل المدقق اللغوي، هذا عملك أنت ككاتب طالما قررت أن تخوض غمار الكتابة.
تركيب الجملة وعلى وجه الدقة أكثر استخدام التأخير والتقديم، كيف يراعي الكاتب هذه النقطة حتى لا تؤثر على بنيان الجملة وتنحرف بها نحو الركاكة أو الارتباك في المعنى، وكل هذا يندرج تحت البناء السليم للجملة وعند استخدام الكاتب للصور الجمالية والتشبيهات ...إلخ، يجب أن يراعى ألا تدفعه استخدام كل هذه الأدوات إلى غموض الجملة وصعوبة إدراك المتلقي لها، أو أن يصعب على المتلقي تخيلها وربطها بالواقع، لأن التشبيهات والصور والاستعارات يحتاج أي متلقي أن يربطها بأشياء تتصل بها في الواقع حتى يستطيع فهمها وتخيلها، وإن عجز عن فهمها وتخيلها ليس براعة من الكاتب أكثر من كونها عدم وعيه بكيفية صنع صورة جمالية يستطيع المتلقي ربطها بالواقع.
أن يقول شاعر مثلاً "قشرة الحفرة"، كيف يمكن للمتلقي أن يتخيلها؟! وهناك تناقض واضح بين الشيئين حتى هذا التناقض لا يؤدي إلى معنى ثالث يمكن إدراكه، فالحفرة تتسم بالعمق والقشرة شيء سطحي رقيق السمك، فما هو الرابط بين الشيئين حتى يصل إلى المعنى المجازي للشاعر، لن يصل إلى شيء، وهذا يعود لفشل الشاعر في ابتكار صورة مفهومة استطيع ربطها بالواقع.
وأما أن يقول الشاعر"وطائرة تحلق كعصفور طليق في الهواء" بصرف النظر عن قولبة التشبيه، ولكن هو مفهوم استطيع أن أربط بين طائرة وعصفور يحلق في الهواء، فبينهما سمات مشتركة استطيع الربط بينهما، وتفهم المعنى المجازي الذي يقصده الشاعر.
في استخدام لفظ كلمتين "الخشية" و"الخوف"، الكثير جدًا من الكتّاب يخلطا بين هذين اللفظين، ويعتبرون كلا اللفظين يؤديان معنى واحدًا، فيستخدمان تارة "يخشاه"، وتارة أخرى "يخافه"، إن كان يؤديان لمعنى واحد متطابق فما حاجاتنا لوجود لفظين، فكان يكفي واحد منهم، ولكن بالتأكيد هنا فروق في المعنى على حسب السياق الموجودة به.
الأحرى بنا ككتّاب إذا اختلط علينا معنى مترادفين أن نلجأ للغويٍ مختص، أو إلى المعجم، وألا نستاهل مع الأمر ونستخدم اللفظ الذي يحلو لنا وقعه في آذاننا، ولكن الأفضل والمناسب لل

الأزمة الثقافية في مصر


أرجو من جميع المهتمين بالثقافة والكتابة والقراءة أن يقرأوا هذه النقاط جيدًا من البحث التالي بعنوان "بحث عن المستوى الثقافي لخريجي الجامعات" جاء فيه ما يلي:
1- الأطباء: عجز في الاختبار الشفوي عن التعبير عما في أذهانهم كما أن ذخيرتهم من الألفاظ والعبارات ضعيفة.
2- الكيميائيون: عدم العناية بربط المعلومات، وعدم التدريب الكامل، عدم الاعتماد على النفس في البحث والإطلاع، جمود معلوماتهم.
3- المهندسون: المستوى الثقافي العام ضعيف جدًا مما يشعر الممتحن أن الطالب لا يعني بقراءة أية كتب ثقافية أو جرائد. عدم العناية بتجديد المعلومات بعد التخرج. عدم محاولة الاستفادة من الدراسة من النواحي التطبيقية والعملية.
4- التجاريون: جهل شديد بالمعلومات العامة. نتائج سيئة جدًا في المعلومات التطبيقية والمكتبية.
5- المشرفون الاجتماعيون: اهتمام بالبحث عن المشاكل، وضعف في اقتراح الحلول. معلومات ضعيفة عن الريف المصري ومشاكله، ودراسات نظرية لم تدعمها الخبرة والمشاهدة العملية.
6- الزراعيون: جهل جغرافية البلاد البسيطة (موقع قناة السويس) وضعف المعلومات العامة.
7- مدرسو لغة عربية: ضعف في المعلومات العامة والقراءات، أخطاء نحوية لا تليق.
8- مدرسو فلسفة: فلسفة في صورتها المدرسية البحتة. يلزم تعديل المناهج بما يعين على تحليل المادة، ونقدها نقدًا ذاتيًا. عدم الربط بين المدروس والحياة العملية وتطبيق الفلسفة على التربية.
9- حملة التوجيهية والتجارة المتوسطة: ضيق الأفق من نواحي الثقافة العامة. أسلوب ركيك. ضعف شديد في المعلومات العامة.
10- حملة الزراعة الثانوية: استعراض لمعلومات نظرية فقط دون أي تطبيق عملي. جهل بالقوانين الزراعية في عهد الثورة. معلومات مشتتة دون العناية بالتفاصيل.
أرجو أن يحتمل معي؛ من يقرأ هذا المنشور ويواصل قراءة الفقرة التالية لأنها لناقد أدبي مصري مهم جدًا يتحدث فيها عن حال الأدب في العالم العربي:
"إن بحث أسباب هذه الحيرة من أهم المسائل التي ينبغي لمؤتمر أدباء العرب أن يعني بها في اجتماعه القادم...فلينظر أول الأمر في مدى اشتراكنا في الوقت الحاضر في الإنتاج العالمي. إن موقفنا هو موقف من يأخذ ولا يعطي...وكم كنت أود أن يتسع لي الوقت لأعني بتحضير بحث تراودني فكرته منذ زمن غير قليل، وهو اعتقادي بأن لا وسيلة لبعث الفلسفة العربية من جديد، وبالتالي بعث حركة جديدة في الأسلوب والفنون، إلا إذا عدل أدباء العرب من الأسلوب المسترسل العائم، والألفاظ التي تداخلت بعضها في بعض، وفقدت معانيها من سوء الاستعمال، إلى أسلوب علمي محدد اللفظ تحديدًا دقيقًا. ليست المشكلة في نظري راجعة إلى الصدام بين الفصحى والعامية، بل هي مثل كل شيء مشكلة القوالب الفاسدة، أيًّا كانت اللغة التي نكتب بها، والتي تصب فيها الأفكار...وكلما قابلت رجلًا يحاول أن يترجم لكاتب عربي معاصر إلا واشتكى من ميوعة اللفظ وغموضه، وإن الفكرة تائهة وراء حشد من الألفاظ لا تؤدي غرضًا معينًا مقصودًا. وأخشى أن يكون الاعتياد على هذا الأسلوب الغامض المائع قد أثر في مقدرتنا الذهنية على الوضوح والتألق... إنَّ الأسلوب العلمي في الأدب كفيل وحده بخنق كل فكرة تافهة في مهدها..."
كثيرًا ممّا قُرِأَ ما سبق سيهز رأسه أسفًا على الوضع المزري الذي وصلت إليه الثقافة العامة لدى خريجي الجامعات، وعلى إنحدار المستوى الأدبي عامة في العالم العربي، وستتأسف عزيزي القارئ على ماضينا الجميل حينما كان الأدب أدبًا، وخريجو الجامعات غير خريجي جامعات هذه الأيام.
ساستمتع جداً بالقادم من السطور لأنني سأفجر في وجهك قنبلة في ظني أنك لن تتوقعها أبدًا.
البحث المعنون بـ" بحث عن المستوى الثقافي لخريجيّ الجامعات" صدر في 20 أغسطس 1957، حيث رفع السيد العطافي سنبل رئيس ديوان الموظفين تقرير الديوان عن السنة المالية 1957/1958 إلى وزير المالية والاقتصاد!
والفقرة الخاصة بوصف تردي حالة الأدب في عالمنا العربي، وردت في مجلة "الرسالة الجديدة" لعدد ستمبر عام 1957 من مقال للأستاذ يحي حقي.
شعرت مثلك بصدمة مماثلة، ما قرأته سابقًا من سطور ينطبق تمامًا وحرفيًا على وضعنا الحالي، تكاد تنطبق كل كلمة مما سبقت على وضعنا الحالي تمامًا، تصفه بمنتهى الدقة.
دعني قبل الولوج إلى المغزى والحكمة والموعظة الحسنة من كل ما سبق أن أضع بين يديك ما يلي للدكتور علي الراعي وقد كتب في جريدة المساء بتاريخ 18/9/1957 ما يلي:
“لقد تعاون هؤلاء (يقصد الجيل الأول: طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ويحيي حقي والجيل الثاني: نجيب محفوظ وعزيز فهمي ولويس عوض والجيل الثالث: الخميسي والشرقاوي ونعمان عاشور ورشدي صالح)، فيما بينهم، على زعزعة أركان العالم القديم، والتشكيك فيه من كل السبل فساهموا بهذا في التحضير للحركات الثورية المختلفة التي وجدت التعبير المتكامل عنها في ثورة 1952، غير أن جهودهم جميعًا وقفت عند هذا الحد. وحتى الكتاب الذين اصطلحنا على اعتبارهم ممثلين لأدب أكثر ثورية من أدب طه حسين - نجيب محفوظ، وأعني بهم أدباء الصف الثالث (يقصد بهم الخميسي والشرقاوي ونعمان عاشور ورشدي صالح) أو الجدد (اقرأ ماذا قال عنهم؟!)، حتى هؤلاء يقفون في أعمالهم الفنية على عتبة العالم الوليد ولا يدخلونه. أنهم بطبيعة وضعهم وتفكيرهم لا يستطيعون أن يتخطوا الشقة الحرام بين العالمين، لا إلى أمام ولا إلى وراء"
نكتفي بهذا القدر، ولمن أراد أن يرجع لهذه المعلومات، وأكثر منها فعليه بقراءة كتاب الشارع المصري والفكر للدكتور أنور عبد الملك.
ما الذي يعنيه كل هذا؟
يعني: أنه يعتريني شعورًا عارمًا بالصدمة كما أعترى العديد منكم بعد قراءة كل هذه السطور السابقة، إذن ما نحن فيه ليس انحدارًا أكثر في الأدب، أو إن ما نحن فيه يمثل قاع الحضيض الذي وصلنا إليه متمثلاً في ضعف القراءة والثقافة العامة لدى خريجي الجامعات، وغيرها من المثالب الموجودة في عصرنا الحالي، اتضح أنها لا تمثل الذروة، أو قمة الانحطاط الثقافي.
الحقيقة أننا لم نرتقِ في الانحطاط، ولكننا وللمصيبة الكبرى؛ في هذا الانحطاط المزرى على نفس هذه الوتيرة والوضاعة والسطحية منذ العام 1957 إلى يومنا هذا في العام 2018.
أي أننا في تردي ثقافي وأدبي منذ 61 سنة!
الحقيقة أننا لم ننحدر أدبيًا وثقافيًا فحسب، ولكننا في هذا الإنحدار المزري المرعب المفزع منذ ستة عقود مضت!
فلتنكر كما تشاء، أمامك تقرير من رئيس ديوان الموظفين مفزع ومرعب بكل المقاييس، والذي رفعه إلى وزير المالية والاقتصاد في العام 1957، وستجد هذا التقرير ينطبق على وضعنا الحالي تمامًا لا يزيد حرفًا، ولا ينقصه نصف حرف!
وستجد وصف الأستاذ يحيي حقي للوضع الأدبي والأدباء في العالم العربي يطابق حرفًا بحرف ما نحن فيه من تردي الآن.
وأيضًا رأيّ الدكتور علي الراعي في ثلاثة أجيال من الكتّاب عاصرهم، كأنه يصف الأجيال كلها التي تلت هذه الأجيال الثلاثة الأولى.
نحن يا سادة في هذا الحضيض كما هو، نحافظ على نفس مستوى الحضيض منذ ستة عقود بالتمام والكمال.
نحن حتى لم نَرْتَقِ في درجة الانحطاط، ولكننا حافظنا عليه كما هو بدون زيادة أو نقصان.
لم نتحرك خطوة واحدة إضافية للوراء أو حتى للأمام.
كما تقول صفاء أبو السعود "هنا ومحلك سر"!
الجملة الآسفة الزائفة، والتي تترحم على الزمن الجميل، تبين أنه لم يكن بالزمن الجميل، ولكن نفس الزمن السيء الرديء المفزع الذي نحياه اليوم.
جل ما في الأمر أن هذا الزمن الرديء الممتد من 1957 إلى يومنا هذا تضخم أكثر بفضل التكنولوجيا، وظهور النشر الإلكتروني وكثرة دور النشر الورقية التي تفتح أبوابها كل يوم لتستقبل نفس هذه العينة المنحظة من الكتّاب منذ العام 1957 إلى يومنا هذا، في الستة العقود الماضية لم يكن الباب مفتوحًا أمام كل المنحطين في عالم الأدب، ولكن لعدد محدود. أما اليوم فجميع الفرص تساوت أمام المنحطين في عالم الأدب؛ لينهالوا علينا برجل لا يؤخر ولا يتقدم.
لم يكن هناك زمنًا جميلًا والآن أصبحنا في زمن المسخ، نحن في زمن المسخ منذ ستة عقود.
لم تكن أجيال الخمسينات والستينات أجيال مثقفة، والآن هي تضرب بالثقافة عرض الحائط، هذه الجريمة في غياب المعلومات العامة والثقافة تلاحق الملايين من خريجي الجامعات منذ ستة عقود مضت.
السؤال هنا: إلى متى سيتسمر هذا الحضيض الذي بدأناه منذ العام 1957، هل سيتسمر لعدة عقود أخرى؟ أم هناك فرصة لوقف هذا النزيف الدامي منذ ستة عقود عما

فن الرواية


فن الرواية بشكله الحالي الذي ورد إلينا من الخارج (الغرب) مع مراحل تطوره منذ بداياته حتى يومنا هذا؛ هل هو صنيعة عربية أم تم تخليقه في بيئة غربية؟ الحقيقة إن هذا اللون الأدبي تم استيراده من الغرب بالكامل هو وفن القصة القصيرة بشكلها الحالي، إذن ليس لنا في صياغته على شكله الحالي فضل ولا إحسان أو حتى مع بدايات نشأته، إنما سرنا على دربهم وأبدعنا ما أبدعنا من محيط بيئتنا في قوالبهم التي صاغوها.
وأما القول بأن المقامات وغيرها من النثريات هي الأشكال الأولى لفن الرواية والقصة القصيرة، ولنا الأ في ذلك، فهي من الأقاويل التي لا تلقى لدي قبول، ولا قناعة، وهي من تبعيات ضعفنا الحضاري والثقافي الحالي، أن نحاول أن ننسب كل منجز ومكتشف قام به الآخر ونرده إلى أن أصوله كانت عندنا، هذا أمر أتفهمه في هذا الإطار من تردينا الثقافي والحضاري.
فن الرواية والقصة القصيرة كما عُرفت في بلادنا في أوائل القرن الماضي، وحاليًا هي كما أسلفت نتاج ثقافي إبداعي أدبي غربي بالكامل، وكلما جددوا في شكل الرواية والقصة القصيرة أتبعناهم، وكلما خلقوا بناءً سرديًا جديدًا قلدناهم فيه، فلم أسمع أن عربيًا حتى بعد أن قمنا باستيراد هذا اللون الأدبي من الغرب أن أضاف إليه الجديد، ولكنه أخذ القالب الآتي من الخارج كما هو ووضع فيه بضاعته، وهو أمر لا يعيبنا، شأننا في ذلك شأن أمم أخرى تفعل مثلنا وأبدعت في استخدام هذه القوالب.
إن قال أحدهم أني أقسم لكم أن الشمس تشرق ولا تغرب، هل يغير ذلك من حقيقة أن الشمس تشرق وتغرب؟! ستظل وفق القوانين الطبيعية التي سنها الله سبحانه وتعالى تشرق وتغرب، أن يغالي أحدهم ويقول اللغة مقدمة في فن الرواية والقصة القصيرة على المحتوى نفسه، أو أنها تساويه، أو تعلو عليه، هل جزمه وقسمه وإحمرار وجهه يجعل الحقيقة تتغير؟ ستظل الحقيقة كما هي!
لكم نصحت في منشورات سابقة نفسي الآخرين إن أرادوا أن يرتقوا بأسلوبهم الأدبي عليهم أن يقرأوا القرآن الكريم كثيرًا، ففيه من البلاغة ما يكفي ويفيض، لأنْ ترتقي بأسلوبك الأدبي في كتابة الرواية والقصة القصيرة، وأن يقرأوا الكثير من الشعر، وأن يقرأوا المقامات وكتابات المنفلوطي والرافعي ومن على شاكلتهم حتى يرتقي أسلوبهم الأدبي.
ما قرأت مقالًا يغالي في الدفاع عن اللغة العربية إلا وكتب صاحبها موضوعًا تعبيريًا جميلًا ينبري فيه للدفاع عن اللغة، وكأنها أختُطفت أو اغتصبها أحدهم على قارعة الطريق! وللأسف من الأخطاء التي نقع فيها ولا استثني نفسي من هذا الأمر، أنه كلما اختلفنا نلجأ لسلة جاهزة عامرة بالاتهامات المقولبة ونظريات المؤامرة، حقًا، كفانا من هذا العبث ونظريات المؤامرة السخيفة، هذه آفة عامة في أي مجال أخفقنا فيه، أشرنا بأصبع الاتهام للمؤامرة، " أمريكا – إسرائيل – الغرب الاستعماري"، إن ضل منا الطريق، فلنيقظ نظرية المؤامرة فورًا، لتصبح المشجب الذي نعلق عليه كل إخفاقاتنا وفشلنا وتردينا، حقًا كفانا، طفح الكيل من المؤامرة والغرب، إن كان فينا عيبًا، فالعيب منا وليس من غيرنا، فلنصارح أنفسنا وكفانا تعليق بلوانا على غيرنا.
ومن خالف المغالين في اللغة فيما ذهبوا إليه، يتهمون مخالفيهم بأنهم خاضعون لنظرية مؤامرة الاستعمار الغربي الذي يريد أن يفعل بنا كذا وكذا وكذا، ليس كل من خالف الغلو في اللغة أصبح عدوًا للغة العربية يريد بها الذل والعار والهوان، وأنه يتبع مخططات الغرب عن قصد أو بجهل، كما أنه من فرط حماستهم يسيئون أشد الإساءة إلى قامات عالية من الأدباء، لن أقول لهؤلاء: أفعلوا ما فعلوا، ثم أروني عوراتهم، لن أقول ذلك، ولكن لا تدفعكم الحماسة إلى المغالاة والتطرف.
لن أرد على نظرية المؤامرة هذه، لأنها من فرط سخافتها فإنّي أنأى بنفسي عن الخوض فيها، وليس معنى رفضي للمغالاة في اللغة أن أقول يجب أن تخلو النصوص الأدبية من التشبيهات والصور الجمالية والاستعارات، وما إلى ذلك، ولكن أن نغالي فيها ويكون محور اهتمامنا، وأن يتم تقديمه على محتوى العمل نفسه هو الغلو، هو من قبيل الاستعراض اللغوي، كأنك أنزلته مقامًا ليس مقامه، تتساوى اللغة والمحتوى في الشعر والخواطر النثرية ولا يستويان أبدًا في فن الرواية والقصة القصيرة، وغلو اللغة لمن يغالون ليس دليلًا قاطعًا على أن هذا هو الأصل وأن من تخففوا من هذا الغلو يحسبون أن ما يكتبوه من الفصحى وما هو من الفصحى بشيء، لماذا المغالاة بالله عليكم؟، ليست بالمغالاة يكون السبيل للدفاع عن اللغة العربية، فلتجزموا وتقسموا وتغلظوا في الإيمان أن ما نكتبه ليس من الفصحى بشيء، وتظل الشمس تشرق وتغرب! لن تتوقف عن فعل ذلك!
إن أردت أن تغالي في استخدامك للغة فلتفعل، إن أردت أن تقدمها على المحتوى فلتفعل، أن أردت أن تقوم بحشو نصك الروائي أو القصصي في كل سطر بصور جمالية وبلاغية فلتفعل، هل رفضي سيمنعك؟! أنت بالنسبة لي تغالي نعم، ليس حشوك لنصك الروائي أو القصصي بغريب الألفاظ والمستوحش منها هو الدلالة على قوة اللغة، "وإن قلت أنت: يحسبون أنها من غريب المفردات لضعفهم اللغوي، فهذا هو قولك المردود عليك"، يمكننا أن نظلل منشورات طوال الوقت تقول ذلك، وأقول لك ما عليَّ أن أقوله، الطعن في فصحى أخرى، لا تروقك ليس السبيل للإقناع، أما أن ترفضها سيظل الحل الأفضل بالتأكيد، فلتغالي في اللغة، فلتغرقها فيما شئت من ألفاظ، وضع لي معجمًا صغيرًا في هوامش النص يشرح لي هذا المرادف، فلتفعل ذلك، من سيمنعك؟ ولكن يبقى أن الشمس تشرق وتغرب وما تحشره حشرًا في النص من غريب الألفاظ والمستوحش لا هو أصل ولا فرع، ولكنه غلو وفذلكة لغوية وهو بالمستحدث الطارئ، ولكن حتى هذا لن يمنعك فلتتفضل وتفعل، من منا سيقيد يديك عن الكتابة على هذا النحو، سأظل أرفض هذا الأسلوب الأدبي المتكلف، وسأطلق عليه غلوًا، وستظل تكتب به وتشهد له بأنه العربية الحق، ولن يتغير من أمري أو أمرك شيئًا.
دعني أخبركم بتجربتي ممّا قرأته لهؤلاء الذين يحشون نصوصهم حشوًا بهذه المفردات وتلك التراكيب اللغوية المعقدة والإكثار من الصور الجمالية المختلفة، والله ما وجدت حتى فيما قالوا أنه إبداع أي إبداع! والله أنهم خروا صمًا بكمًا عميًا على تراث آبائهم ينهلون منه كما هو، حرفًا بحرف، كلمة بكلمة، سطرًا بسطر، يضعونها كما هي بغير تغيير أو تبديل أو تحريف، كما هي!
ثم يأتون ويتابهون وينفخون أفواههم قائلين: هذا ما صنعنا، أرونا ما صنعتم، يا أخي أمرك عجيب، أنت نسخت، ما أبدعت! أنت تنسخ ممن أبدعوا قديمًا، ثم تكذب فتقول هذا إبداعي فأروني إبداعكم، على الأقل أنا لا أنسخ من سبقني، أحاول أن أجدد وأقول أني أفشل، وأحيانًا لا أأتي بجديد، ولكني أحاول.
أنت تمسك كتاباتهم التي أبدعوها ثم تهزها هزًا لتسقط حروفها في ورقك هذا كما هي بدون زيادة أو نقصان، وتقول فلتنظر إلى إبداعي، بالله عليك أتصدق نفسك حين تقول ذلك؟!
كتابات الأقدمين نقرأها، لنرتقِ أدبيًا لا لنحاكيها، أما أن تحاكيها وتنسخها بمهارة، ومن ثم تقول لي هكذا تكون اللغة؟ والله لو الأمر كذلك، فهنيئًا لك ما فعلت، فأنا من أنصار نظرية المؤامرة الغربية!
هل المغالاة في اللغة هو مقام الرواية والقصة القصيرة؟، زخرفة الكلام والمبالغة فيه وتقديمه على بناء الرواية ذاته، والله من صنعوه لم يقولوا بذلك، إن لويت أنت عنق الحقيقة وقلت بل هي كذلك، حسناً، تظل الشمس تشرق وتغرب! وإن أقسمت مئة مرة أنها تشرق فقط! نعم الذين يغالوا في اللغة هم رد فعل طبيعي أتفهمه في إطار أنه تصادم حتمي مع أصحاب الأساليب الأدبية الركيكة، أصحاب الأساليب الأدبية الركيكة أصبحوا أكثر ممن يحسنون الكتابة بأسلوب سليم، فخرج المغالين في الكتابة الذين يزعمون أن المغالاة هي الأصل، وأن محاكاة الأقدمين هو الحق وحده، فهي رد فعل كما قلت على أصحاب الأساليب الأدبية الركيكة، فتبارى المغالين فيما بينهم أيهم يحشو نصه بألفاظ مستوحشة أكثر، أيهم ينهل من صور جمالية وتشبيهات الأقدمين أكثر من الآخر، أيهم يعلو على أخيه في نسخ تركيب لغوي معقد أكثر من الثاني، فيصفقون لبعضهم البعض قائلين: أنظر يا فلان، أدركتك ومضيت قدمًا عنك، لقد حشوت نصي بمئة لفظ غريب، هل تستطيع أن تصنع مثلي؟
فئة كبيرة منهم ولن أقول كلهم. يقدمون اللغة على محتوى النص الروائي أو القصصي لموارة عوار المحتوى، والله قرأت قصة قصيرة كاتبها يسجع فيها الجمل! أي خبل هذا؟ فلتقل ما تقول عن نظرية المؤامرة على اللغة، أقول لك أي خبل هذا؟
والله ما وضعوا صورة جمالية أو تشبيه إلا وقرأت مثله عند المنفلوطي، الرافعي، الجاحظ، ابن المقفع، عبد الحميد الكاتب، ثم يهزون روؤسهم قائلين: هكذا تكون اللغة، هكذا تُصنع! أي خبل هذا؟!
أهذا مقام الرواية أو القصة القصيرة؟، يقولون نعم ويتطرف بعضهم أكثر ويقول اللغة مقدمة على محتوى الرواية، يا أخي فلتصنع هذا في نص شعري أو خواطر نثرية، فهذا مقامه ولكن ليس مقام الرواية أو القصة القصيرة.
يمكن تطعيم الرواية والقصة القصيرة بالصور الجمالية والبلاغات والتراكيب اللغوية الرشيقة، نعم، بل لابد للكاتب أن يفعل ذلك، ولكن أن نجد هذا محشور حشرًا بين كل سطر وسطر!، هل أنت على ثقة ودراية بأن هذه تعد رواية؟، سيقولون رواية، لا عليَّ أنا مما يقولون فليقولوا إن أرادوا هكذا هي الرواية وما دون ذلك عدم، أقول لهم ما عليَّ من جزمكم وإيمانكم، لن ترهبني إتهاماتهم المقولبة والتي أعرفها كلها سلفًا، لا تحرك في شعرة، فأنا أعلم أنه ليس في مقام الرواية المغالاة في زخرفة الكلمة.
يشترط في الرواي والقاص سلامة لغته إملاءً ونحوًا، أن يكون تركيب الجملة سليمًا غير مرتبك، والأصل في فن الرواية والقصة القصيرة المحتوى واللغة عامل لضمان سلامة المحتوى، هو كالإناء إن كان مثقوبًا تسرب منه المحتوى فلم يبقى للكاتب شيئًا ليقدمه، أما أن أبهر عينيّ القارئ بالإناء وزخرفته، سأقول لك أحسنت، مثلك مثل "الصانع" يحسن زخرفة إناءه، مهنة توارثها عن آبائه، وتعلمها منهم فنسخ مثلهم، أما أن يبدع من مخيلته زخرفة أخرى فهو عاجز، وإن قلت له دعني أنظر داخل إناءك المزخرف بعناية عما يحويه فأجد نقطة من ماء في قاع الإناء!
اهتم بالشكل على حساب المضمون، صرف وقته في زخرفة الإناء ونسيَّ أن يصب فيه حتى الماء!، أقول لك: يكفي الكاتب سلامة لغته ليولي عنايته للمحتوى، ليس مطلوب من الكاتب المغالاة، إن أردت أن تحشو نصك الأدبي بالصور الجمالية والبلاغات والاستعارات والجناس والطباق والتشبيهات فهذا مقامه الشعر والخواطر النثرية، وأقولها مرة أخيرة ليس مقامه الرواية أو القصة القصيرة، وأقول أخيرًا إن من أسخف ما سمعت أن يقول أحدهم أن قمة الإبداع هو الرواية الشعرية! والله ما سمعت أسخف من ذلك.


الفرق بين النقد الأدبي والقراءات الانطباعية


هنالك فارق ضخم بين التذوق الشخصي للعمل الأدبي والذي يخضع بالضرورة لأهواء الشخص المتذوق للعمل وميوله وبين النقد الأدبي للعمل، كثير من الكتّاب، ولا أقول القراء، فللقراء حق الخلط بين النقد والانطباع الشخصي أو التذوق الشخصي، فهو ليس ملزمًا بأن يدرك هذا الفارق، ولكن كون أن الكاتب لا يدرك هذا الفارق، أو ذلك البون الشاسع بين النقد الأدبي وبين الانطباع الشخصي، هذه مصيبة كبرى، تدل على عدم وعيه بما يكتب.
فلنعطي أمثلة على ذلك حتى تكون الأمور جلية و واضحة، أن يتم محاكمة نص أدبي على ما ورد به من معلومات تاريخية قد تراءى للكاتب أن يتلاعب بها أو يزيفها، أو فلنقل أن الكاتب لن يتحرى الدقة في معلوماته التاريخية، هل هذا يدخل في صلب النقد الأدبي وعلى أساسه يحكم بجودة النص من عدمه، من يخلط هذا بذاك فهو لديه خلل واضح بمسألة الإدراك والوعي بالكتابة الفنية.
من يحاكم النص أخلاقيًا أو دينيًا، هل هذا يدخل في صلب التقييم النقدي للعمل؟ هذه مصيبة كبرى، لا يحاكم النص الأدبي أخلاقيًا أو دينيًا أو غير ذلك، إطلاقًا، لا يحكم على جودة نص من عدمه بمدى قربه من القيم الإخلاقية أو بعده عنها.
كقارئ يحق لك محاكمة النص الأدبي الماثل أمامك بالطريقة التي تروق لك، فليس هناك من يجبرك على تبني خط معين لقبول عمل من عدمه، لست ملزمًا بالتقيد بهذه الحدود أو المعايير، ولك كقارئ كل العذر، أما كاتب يتورط في هذه الجريمة الأدبية، ونعم اسميها جريمة أدبية!
هذا يدل على أن هذا الكاتب فاقد تمامًا لبوصلة الكتابة، لا يعي كينونة فعل الكتابة وممارسته، لا يحيط علمًا بقواعد الكتابة ومعاييرها.
إذا أردت أن تحاكم نصًّا أدبيًا وفق معايير النقد الأدبي فعليك أن تتخلى عن عدة أشياء، أولها محاكمة الكاتب وفق أهوائك وميولك الشخصية، هذا أمر بديهي تمامًا، ألا تحاكم الكاتب أخلاقيًا على النص الذي يكتبه، هذا أيضًا أمر بديهي تمامًا.
أنت تخضع النص الأدبي الماثل أمامك لمشرط النقد الأدبي والذي يلتزم بعدة معايير، وقواعد حاكمة للنص الأدبي، منها على سبيل المثال لا الحصر، الأسلوب السردي المستخدم من حيث أنواع السرد- هل كان سردًا تناوبيًا أم متسلسلًا أم متقطعًا وزوايا السرد - الأسلوب الأدبي المستخدم، هل هو مناسب للموضوع المطروح؟، أعلى منه... أقل منه، الحبكة - الخيال - الوصف - الشخصيات - الحوار - الفكرة - العقدة... هل كان موفقًا في استخدام أنواع الرواة وأي نوع من الرواة استخدمه؟ وهل استخدم عدة رواة؟ وهل أفاد ذلك النص أم أضر به؟ هل كان الأفضل أن يستخدم نوعًا واحدًا من الرواة فقط؟ وهذا يرتبط ارتباطًا جذريًا بالموضوع المطروح، يحتمل أكثر من راوٍ أم يلزمه نوع لراوٍ واحد فقط.
افتضاح صوت الكاتب في النص - الحشو الزائد- التوظيف الأدبي للأحداث والشخصيات، هل كان موفق؟
من هذا المنطلق يحاسب أي نص أدبي، وهناك معايير أخرى كثيرة لتقييم أي نص أدبي سواء، كان روائيًا أو قصصيًا، وما ذكرته كان على سبيل المثال، وليس الحصر كما أسلفت.
يترك الناقد أهواءه الشخصية وميوله جانبًا، معتقداته ونسق القيم الأخلاقي الذي يتبناه جانبًا. ومن ثم يشرع في تشريح النص، وعلى الكاتب أن يكون واعيًا ملمًا بكل هذا وإلا كيف يجلس ليكتب إن لم يكن واعيًا بكل ما ذكرت، هذا أمر لا أفهمه حقيقة، ولذلك أجد خلطًا فظيعًا مفزعًا في تعليقات البعض بين انطباعاته الشخصية وبين معايير النقد الأدبي، ويعتبرهم جميعًا أمرًا واحدًا، وإذا طلبت منه تحديد وجهته في الحديث، هل تحدثني عن انطباعاتك الشخصية أم معايير تحكم النص؟ تثور ثائرته ويغضب وكأني وجهت له إهانة شخصية، قد أحاكم نصًّا أدبيًا وفق معايير النقد الأدبي فأجده قد حققها جميعًا كأفضل ما يكون، ولكن يبقى انطباعي الشخصي عن العمل أنه لا يروقني شخصيًا.
يجب ككتّاب أن نكون على وعي كلي بهذه الأمور، وأن نفرق بين أهوائنا وبين النقد الأدبي ومن العيب كل العيب أنْ يقع كاتب ما في هذه الورطة، ويخلط كل هذا ببعضه.
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.