آنَّا كارينينا
سأخون أعزَّ مَن أحب إذا وجدت من يشبهني... كذلك كان شعاري لأني على يقينٍ أنه من المستحيل أن أجد من يشبهني، عندما تبتسم تستحيلُ إلى آخر لا يشبهك، تحاول عبثًا أنْ تساعدني في أن أظل بعيدة كل البعد عن الخيانة...
تدرك جيدًا أنك يا حضرة الطبيب النفساني إن استطعت أن تَنفُذَ إلى قلوب من حولك وأفئدتهم فانفذْ لا تنفذ إلا بابتسامة، كأنك حين تبتسم آخر، كلما ابتسمت أنت آخر لا يشبهك ليس منك في شيء، ابتسامتك مقتولة منذ البداية ، وفي كل مرة تحاول إحياءها باصطناعِ شيءٍ ما على وجهك يشبهها... يزداد إيماني.. أستَحضِر عظمة الخالق و تتداعى تداعيًا حُرًا ليس لي يد فيه إلى ذهني فكرةَ أن ربي هو الذي يحيي و يميت ليس غيره، من حاول إحياء الموتى إلاهُ باءَ بالفشل، جاء بشبيه من يريد إحياءهُ فقط من أجل التمويه.. أنا لا أموّه، وحدي من أشعر بعمق من تكون، ليتك تدرك أنني الوحيدة التي نفَذْتَ إلى قلبها بعبوسك، كنت أعشق جديتك التي تشبه مرَحي.. مرحك الذي يشبه جديتي، عظمتك التي تشبه صغر عقلي... لا نهائيتك التي تشبه تضاؤلي أمامك، كنت أتصل دائمًا بـ"زهية " أخبرها بما حدث اليوم معي، وحدها من كانت تفهم تكبيري لثواني التقائنا صدفة وتضخيمي لتلك الدقائق المتقطعة التي أمر فيها عليك أو تمر عليّ كما أنتَ في الحقيقة دون ابتسامةٍ أو التفاتة ، دون أن تفعل معي ما تفعله مع الجميع ممن يحبون التمويه ويعشقونك مزيفًا ترضيهم وكفى... لا تهم الوسيلة.
كانت زهية الوحيدة التي تفهم هذا الانقسام العجيب لأجزاء الثواني التي أراكَ فيها حتى تصير ساعة من زمني وأنا أخبرها أنني رأيتك، وكأننا أمضينا أيامًا سويًا. ربما لأنها بفلسفتها الغريبة التي كان يمقتها الكثير ترى الحقيقة التي نلتقي عندها وترى الشَّبَه الانعكاسي الذي يجمعنا.. قالت لي مرة: إنه الحب! هكذا دونما مقدمات قالتها، سألتني قبلها لِمَ بينكما كل هذا التنافر ألا تعلمين؟ أجبتها أنني لا أدري، نحن متشابهان إلى حدِّ التنافر لا مجال للتكامل بيننا، لَمْ أرِدْ منها أن تفضحني أمام نفسي، إنه الحب ! قالتها زهية و اختفت من حياتي نهائيًا و إلى الأبد، أنا المذنبة؟ ربما لأنني أردت منها ذلك، أردتها أن تختفي من حياتي، قطعت كل اتصالاتي بها و مكالماتي معها.. أصبحت أتحاشى أن ألتقيها أحيانًا أشعر أنني المذنبة في حقها و أحيانا ألقي اللوم على " سلسبيل " جارتها هي من اغتابتها مرة أمامي فأكثرت من عدّ مساوئها على مسامعي، قالت و عيناها تفيض من الدمع:
- " يا آسيا يا أختي، زهية هلكتني بالسحور ! "
من يومها قذفتها من قلبي و من حياتي دون أن أشعر بذلك، ربما إيماني الذي لطالما كانت تنعته هي شخصيًا بالقوي هو من دفعني إلى تناسيها و من ثَمَّ نسيانها، رغم أنها لَمْ تبخل عليّ يومًا بالمحبة لَمْ تُثقِل أذنيها بما تسمعه مني، الوحيدة التي أشعر معها بالقدرة على التعبير عنك، تشاركني الشعور الذي أعيشه يوميًا دون جديدٍ يُذكَر، حتى هي لَمْ تُصِر على صداقتنا أن تبقى، اختفت و لَمْ تعد تزور المصحَّة التي أشتغل بها أرتوفونيست لَمْ أعد أجدها تنتظرني بالخارج.
مثقفة مثل زهية لا يمكن أن تكون مشركة بالله، جميع الأديان تُنكِر السحر، جميع النزعات الخيرية فينا كذلك.
زهية؟ لا يمكن أن تكون كذلك، هكذا يدافع عنها الفراغ الذي بداخلي، ذلك الفراغ الذي اعتادها .. رقمها أيضًا لَمْ أستطِع مسحه من هاتفي رغم مرور ثلاثة أشهر على انقطاع حبل المودة بيننا.. لَمْ يحدث و أن افترقنا مدةً كهذه..
" عبد القادر " أو كادار Kader هو من جعل منها مشركة بالله، أعماها حُبُّه، جعلها تزور المشعوذين و الدجالين كي تفوز به.. رجحت هذا الرأي بعدما اختلطت عليّ الآراء وأنا أفكر بموضوع هذه المثقفة الجاهلة، بحثت عن معارفها و كنت أسبر الآراء خفية كذلك، وصلت إلى ناحية من حياتها كانت مظلمة لطالما أخفتها عني...
استرجعت ما كان يجري معها، تعجبت كيف كنت لا أراها إلا ملاكًا أضاءَهُ الله بنوره ما جعله يستشرف ما سيقع في المستقبل، كنت من شده تعلقي بآرائها الفلسفية أخالها من الذين يقتربون من الحقيقة الكلية، ظننتها كذلك...
أحبت عبد القادر إلى درجة الهيام، كان شابًا كثيرًا ما يقال عنه أنه وسيم، يشتعل شبابًا ويقطر طموحًا، يخال نفسه قطعة نادرة في متحف الزمن، يصف نفسه أنه عملة صعبة لا يليق به إلا سلعة "الماركة" و هو يقصد في ذلك النساء، دائمًا يردد أنه " عقلية تاع لهية " يستمتع بمعرفة الكثيرات لا لشيءٍ إلا لأن ذلك يجعله يشعر أنه منفتحٌ على العالم كثير الصداقات، متجدد العلاقات، متميز في ذلك بالنسبة لجميع من يعرفهم...
أعلم أن زهية أحبته بطريقةٍ مختلفةٍ عن الكل.. لكن ما أعلمه لَمْ يُحسن كادار العلم به..
كان يفخر بكونه مسلمًا وكله اقتناع أن المسلم الحق أحسن المتدينين وسطيةً و اعتدالاً، و أن لا رهبانية في الإسلام، كان يؤمن أن الجينز و T-Shirt الضيق و قصات الشعر وحلقات الذقن لا تنقص من إيمانه شيء، شهادة لله كان يقول أن قصّ الشارب و إعفاء اللحية واردٌ في صحيح البخاري دون شك، لكنه ينكر لنفسه هذا المظهر " لَمْ يكن أبي ملتحيًا و لَن ألتحي أنا، لكن إنكاري ليس جحودًا "، هكذا كانت حجته التي لَمْ يطلب منه أحد أن يأتي بها...
عرفت كل هذا عن كادار من خلال زهية، نعتناه سويًا بالمتناقض، لكن لَمْ أتنبأ يومًا بما سيحدثه هذا التناقض فيها ولأنه من أقاربها كانا كثيرًا ما يلتقيان، دائمًا لديه ما يقوله مثلما تصفه زهية، أما أنا فكان يبدو لي ثرثارًا.. أخبرها مرةً أنه سيتزوج يهودية على أن نيته أن يدخلها في دين الله...
كادار لَمْ يكن يجيد التفريق بين اليهود و النصارى، لَم يُرزَق هذه الملَكَة ! يصفهم جميعًا باليهود و للأمانة العلمية نصيب معه، فكلما دخل في حوار مع مثقفين كنى على يهوده "ببني اسرائيل" و"أهل الكتاب" !
زواجه بيهودية لَم يكن مزاحًا ثقيلا كما وصفته عاشقته المتيمة، بل مشروعه الذي شرَعَ في تنفيذه، صديقته باميلا Paméla الفيسبوكية وهي فتاة فرنسية مسيحية الديانة كانت المعنية بالأمر.. ربما نيته سليمة في أن ينكح واحدة من المحصنات من الذين أوتوا الكتاب مِن قبلنا ذلك حِلٌ له لاسيما أنها تُرضي غروره في كل مرة تنطق فيها اسمه وتناديه : كاداغ مستعملة الآغ R الباريسية الأنيقة... لعل نيته سليمة، الله وحده يعلم النوايا، إنه كان توّابًا.
" لا ينقصني الجمال لتكون الفرنسية أجمل مني "
هذا ما رددته زهية طويلاً لقد كانت شقراء فعلا ولا ينقصها الجمال، ما أثبت شقرتها و ثبتها تفتيحها للون شعرها لدرجة الأشقر الفاتح جدًا و ملازمة عدساتها الزرقاء عينيها العسليتين الكبيرتين حتى ظن الجميع أنه لون شعرها و أنها عيناها، إلا أنا.. كانت تبدو لي أجمل بشقرتها الطبيعية و شعرها الكستنائي.. بَكَت طويلاً و هي تردد أنه لا ينقصها الجمال ثم أقسمت أغلظ الأيمان أن هذا الزواج لَن يتم.. بدا لي قسمها دعاءً يائسًا فخففت من يأسها...
بعد مدة قصيرة.. تراجع كادار عن مشروع زواجه من يهوديته تلك ربما ذلك التناقض الذي يسكنه لا يرسو به على بَر .. لا أريد أن أصدق أن لها يدًا غيبية في ذلك، عاد إليها إذّاك بعض الأمل الذي كادت تفقده لو أن معشوقها انتقل إلى الضفة الأخرى من حوض البحر الأبيض المتوسط.
عوّدَها دائمًا على مفاجأته غير المتوقعة ما جعلها شخصيةً غير مستقرة بالمرة.
* * *
يقولون إن غرفتك مليئةٌ بالكتب، وتنعدم منها الأنثى، تعتريني رغبةٌ جامحة في السطو على ما تقرأ، أفتش كل تلك الكتب.. صفحة، صفحة، أشك في أنها هي التي جعلت منك حكيمًا، إن حكمتك تبدو هِبَةً إلهية أو ربما هي الأنثى التي تنقصك هي من صنع حكمتك ليس كل تلك الكتب.. لا أنكر أن المثقفين هم أناس يمحون أجزاء الجهل فيهم و يعوضون بدلاً منها مئات الصفحات بل آلافها و ملايينها من كتب يقرؤونها ليلَ نهار، تهذبهم .. تمحو عنصر الشر فيهم ثُمَّ تأخذ في التوسع على حساب شخصيتهم الطبيعية، ليصيروا كتبًا تمشي على الأرض، أفكارًا تتجسد داخل أعضاء، حركات وكلمات تتقلب بتقلب الصفحات... وتتغير الوجهات بتغير الموضوعات التي يتحدثون عنها..
هذا ما جعلهم حكماء...
أما أنت...
فأجزم أن الأنثى التي قد تدخل حياتك في أي لحظة ستأخذ منك حكمتك.. إن انعدامها هو الذي جعل الكتب عند حضرتك وسيلة تزيدك حكمة و لا تصنع منك حكيمًا..
إذا دخلت غرفتك أيًا من كانت.. ستصبح كباقي المثقفين وتضيع منك ميزتك، أنت.. أنت كما أنت لست بحاجة إلى أنثى.. أراك قضيت شوطًا كبيرًا من حياتك تؤجلها إلى إشعارٍ لاحق.. حتى انتحرَت داخلك أطيافها.. ثم اكتسبت الحكمة فلِمَ تُريدُ إهداءها للعامة؟ الكتب لا تصنع من الإنسان حكيمًا، بل تزيد من حكمته..
لَم أصادف في هذا العصر السريع مَن هُنَّ أشد صبرًا على الكتب من زهية، إنها رغم ذلك لَم تُؤتَ الحكمة بقدر ما أوتيت الدجل.. كانت طالبة في قسم الفلسفة لطالما جعلتني أفكارها أنشغل بدراسة ما تدرس وحفظ ما تحفظ و قراءة ما تقرأ.. فقط لَم تكن تحب الكتابة، كانت تقول لي: "لا تكتبي شيئًا حتى تتأكدي أنكِ قرأت نصف العالم.. ربما هي من ترك في نفسي كل ذلك التعلق بالفلسفة رغم أنه كان لي مساران في الدراسة مختلفان إلى حدٍ ما عن مسارها العلمي.. أحيانًا ألعنها، إن الله يغفر ما دون ما تفعله لمن يشاء، إنها مشركة..
تنتابني كثير من الوساوس حول الوجود والماهية، إنها أفكار زهية الفلسفية تختلط في رأسي مع إيماني الذي أصبحت أحرسه و أنتبه إليه كثيرًا..
إنه ينقص
أو ربما يزيد
ما يهم أنه يتغير و لا أحس بالثبات فيه...
لا أريدك أن تكون كتابًا..
أزعجني طالب في تخصص علم النفس التربوي عندما نعتك مرة بالكتاب، أراد مدحك.. أتفهمه، لكنه أساء إليك من حيث لا يدري...
لا أريد أن يختصرك هكذا دون أن يأخذ لك صورًا من جميع الجوانب والاتجاهات.. أنا وليس غيري من كنت أعرف أنك مختاراتٌ من كتبٍ لا تنتهي، إنك أوسع من أن تُحصى ..
أنت كذلك لا تعلم أنك تقع في التناقض كلما تحدثت عن نفسك، مرة قلت أنك بنويّ ومرةً أصولي، تبدو أحيانًا أديبًا روائيًا وأحيانًا ناقدًا موضوعيًا وتارةً عالم نفس لغوي وأخرى عالم لغة نفسي، أحيانًا أراكَ رَبًا للأنثروبولوجيا وأحيانا إلهً للفلسفة والحكمة.. لا أريد أن أختصرك.. ليتك تدرك و ليتهم يدركون كما أدرك .. أنك لا تُختَصَر هي دائمًا الماهية مهملة في مثل هاته الظروف و أنه الوجود وحده من يصنع الشخصيات العظيمة..
مَن قال أنك إنسان ؟ إنك تتحول إلى إله متى تريد.. ليس كُفرًا أن تجعلني أومِنُ بهذه الفكرة..
أنا أعلم أنك لاتظن أن ماهيتك تساويك.. هي أنت.. ما أراد أن يكونك مجردًا...
أنا و ليس غيري من كان يعرف الحقيقة : وجودك هو الأنا التي تسعك، هو الأنا التي تريدها لكنك لَم تكن لتنتبه...
* * *
انشغالي بروضة الأطفال لَم يُرضي غروري اللغوي لكنه يملأ وقتي و يخفي الفراغ الذي يسكنني ويتمدد داخلي فَيُفرِغُني أكثر فأكثر..
تمر الفترة الصباحية في تلك المصحة التي تصنع فيها ابتسامتك أمام الجميع، تُصِر كعادتك ألا تشبهني ... وأمضي الفترة المسائية مع كتل البراءة في الروضة ممن يبدو أنهم يعانون من اضطرابات في التوظيف الاجتماعي للغة... بينما تمضيها أنت مع طلبتك في الجامعة...
و لأن غروري لا يتوقف إشباعه على تحسين ما يتعلمونه من اللغة في المواقف الاجتماعية، أردتهم أن يحسنوا التوظيف وأن يتعلموا من الألفاظ كل جميل ..
كنت دائمًا أريد توظيفهم أن يتجاوز جانب الصحة إلى جانب الجمال.. و أنا أتذكر قول أستاذٍ لي أيامَ كنت طالبةً في قسم اللغة: " لا يكون الإنسان سويًا اجتماعيًا و لسانه قبيح "..
كنت أستمتع بكلمة سراشة بدل فراشة، و ثماء بدل سماء كل مساء.
* * *
لماذا أصبحت لا أراك مثل الأول؟ كل الأرجاء والأركان تخلو منك.. ربما تباينت انشغالاتك، صِرنا لا نشترك في مواقيت الزمن الهارب بساعاته وأيامه دون أن نترك فيه الأثر.. لَم أبكِ غيابك، مذ أن عرفتك لَم أتمنَّ امتلاكك كما تفعل النساء أو كما قد أفعل لو أحببت غيرك...
جرحٌ صامت ينشأ في فؤادي أيام غيابك، قد يجعلني أنزف لكنه لن يجعلني أبكي ...
الدموع كما قالها الأستاذ الفيلسوف عبد الرحمن بوقاف لن يخلدها التاريخ: " التاريخ لا يسجل دموع الباكين و إنما يخلد آثار الفاعلين " ...
أما أنا فسئمت أعراض الحب المعهودة .. تلك التي يعيشها المراهقون و قليلو التجارب.
لا أريد أن أبحث عنك وسط الوجوه و أستشبهك وأظنك أنت ولست أنت.. هذه الأعراض أمقتها، لا يستأهل حبك أن تكون أعراضًا له، لا تستأهل أن تكون أعراض حبك... حبك أنت.. أنت وجودك، فدعني أحبك بوجودك، لا تجعل هذا الحب قابلاً للذوبان.. أن أفكر فيك و أنت غائب مفقود غباء.. هذا يعني أنني أفكر فيما يوصلني إليك أو ينسيني فيك..
هذا يعني أنني أجمع أشلاءً لأكونك..
أبحث عنك لأوجدك..
أستحضر ماهيتك..
و أنا لَم أعرف كيف أحبك بهذا الشكل
أنت بالنسبة لي انزياح .. و حبك عدولٌ عن سيرة الحب.
- ذاتَ يومٍ من نيسان 2014
ها أنا أراكَ اليوم من جديد، إنك كلما اختفيت ظننتُ أنك حلم لا يجب أن أتذكره، كذلك الحلم الذي يتكرر كل ليلةٍ في غيابك... عندما أعرض عن التفكير فيك أثناء يقظتي تزورني في سِنَتي حلمًا هادئًا يعودني و يمضي.. عندما أصحو لا أحب أن أتذكره، إلى هذه الدرجة أنا قاسيةٌ وأكثر...
ها أنا أراكَ اليوم من جديد.. أنت تعلم كل العلم أن التنفس شهيقٌ وزفير، هكذا تمارس خفاءك وتجليك، أراكَ، أمتلئُ بِكَ مثل الهواء الذي لاينتهي، ثم تغيب فأطرح بقاياك من ذهني.. تلك التي تسمى الماهية.
رأيتك من جديد.. اليوم، لا تزال مثل البداية أنت، أنت والأيام تمر، لكَ أصالةٌ في الثبوت..
لا تزال تشبهني حدّ الجنون شبهًا انعكاسيًا...
أنت بكل ماتصنعه من جدلياتِ الاختفاء والظهور.. الغياب والحضور، تشبه عفويتي، بكل ما تنحته من مواقف جمالية تشبه ارتجالي فيها.
لا تزال أنت أنا ولاأزالُ أنت، نحن لن نتفق.. نتنافر لأنك تشبهني، أنت تعكس صورتي، ليتك تدرك أن التنافر تشابه، أظنك تعلم أني مرآتك أعطيكَ اليمين لتعطيني اليسار، متيقنٌ من ذلك تبدو أحيانًا
رأيتك اليوم... كنتُ في ساحة المصحة، غيرَ بعيدٍ عني لمحتك.. حيث تُركَن السيارات..
انتبهت زميلتي إلى حركاتي وهي تضطرب، سألتني إذا كنت أراقب شخصًا ما أو أرقبه، تجاهلت سؤالها...
أردت التأكد أنك أنت، لا أحب خداع البصر و لا أريد لعامل الترقب و الانتظار أن يزيدني صغرًا في عقلي و يريني آخر أنه أنت...
على يقينٍ ممن أراه زارني جذلٌ يزورني كلما وجدتك..
أنتشي كشارب خمرٍ، يرقص كلي في وجودك، أشعر أنني أريد القيام بأي فعل عدا الوقوف بعيدة عنك ربما أن أمر عليك دون حاجتي إلى ذلك أو أن أروح و أجيء و أتظاهر أنني مشغولة حتى أخلق لقاءً تلمحني فيه عن كثب.. هكذا أجدني مضطرةً أن أصنع مواقفًا عندما تكون في كامل عفويتك...
اقتربتُ منكَ...
بدوتَ لي نحيفًا، شابًا وسيمًا، كأنكَ وفيٌ لحصص الرياضة هذه الأيام، بدوتَ بمظهرٍ لَمْ تتجاوز به عمر الثلاثين، كنت مختصرًا لكل السنوات التي شكلت فارقًا بين عُمرَينا، لستُ من اللواتي يحسبنَ للعمر حساب، كنت دائمًا أومن أنما أعمارنا هي تجاربنا في الحياة، عطاؤنا، تميزنا، إضافتنا ماهو جميل إلى الدنيا ليخلد بعدما نفنى... مع ذلك لاأنكر أنكَ نجحت في شدّ انتباهي إلى مظهرك، "اللوك" الشبابي يقربك إلى جانبٍ من جوانبي، ربما هو الطفلة التي تسكنني...
تلك التي تحب جميع الألوان وزهر " الببُّوشْ" الأحمر، وتحب الربيع و ليالي الصيف و مثلجات الحامض، تعشق نسيم البحر ورطوبة الولايات الساحلية وأكل جميع أنواع السمك والفواكه البحرية...
لطالما كان الحب يطرق بابَ الشتاءِ داخلي، كنت أمنحه رومانسيةً مِن نوعٍ كلاسيكي، آمنتُ بالشوقِ تحت المطر، وبالانتظار خلف الغيوم، لطالما كان منظر المعطف والمِرْط والقبعة الشتوية والحذاء الطويل ومطاريتي الشفافة يذكرونني بالشوق، بالبعد والانتظار، انتظار توأمي الذي يشبهني والذي سيجلب معه الربيع وليالي الصيف ويجلب معه الطفلة التي تسكنني...
لَمْ يأتِ بعدُ إلى حياتي مَن عانَقَ تلك الطفلةَ العذراء، لَمْ يأتِ أبدًا من أحببتهُ بشغفْ، بعفوية ، بطفولةٍ وسذاجةٍ غيرُك !
أنتَ مَن يَدخُل دون أن يعلم، دون أن أعلم... مِن ممرٍ سري إلى بَراءتي.. بمجرد أن أراكَ تُريني براءتي التي تختبئُ خلف جِديتي التي ألِفَها جميعُ مَن ألِفَ مَرحكَ المُصطَنع...
تُريني سَذاجَتي، اندفاعي، وكُل ما يعجز الجميع أن يُرينيه، كل ما أُخفيهِ بقوةٍ أراهُ حينما تصطنعه أيها الشبه الانعكاسي...
عَلِقْتَ بِفكري...
أصبحتُ أفكر فيكَ بشدة، عندما تعود إلى الظهور تسلب مني تلك الأصابع الفولاذية التي تعلمت الضغظ بها على مشاعري في غيابك.. لا تَلُمني عليها، تعودتُ ألا أحبك بسهولة، تعودت مجابهةَ حبك ومغالبته هكذا شِئتَ أنتَ... ثُمَّ شاءت الأقدار ألا تسنح الفرص أن أترك لقلبي المجال أن يحبك...
أنا رغم ما أتصدّاهُ لمشاعري.. أعشقك.. أُتقِنُ كُلَّ أساليبِ الحب معك..
بعيدًا عن تصرفاتي، جديتي، بعيدًا عني مَن أكون .. أحبكَ وأعلم أنكَ لربما لَن تفهم كيف أحبك، لعلي أوجدتُ شكلاً للحب موجودٌ ولا يمكن لماهية الحب أن تستوعبه...
هكذا عُدتُ إلى المنزل دون الذهاب إلى الروضة، مشحونةً بطاقةٍ أقوى مني تسري في عروقي.. تكاد تطرحني أرضًا، تُشبِهُ الحُمى حينما تَستَفحِل..
يومٌ حار
بدايةُ صيفٍ يشبه حبكَ المُتعطِّش دومًا إلى التخفيض مِن حرارته...
لا أشعر إلا برغبةٍ في الاستلقاء بعد شربِ الكثيرِ من الماء..
إنه العطش الروحي.. هكذا يُسمى.
كذلك أطفالي في الروضة أخذوا عطلتهم.. كنت سأحوِّل بعض تلك الطاقة العظيمة حبًا لهم.. سأظل أحملها كلها إذن.
شربتُ ماءً باردًا حتى امتلأتُ دون أن أرتوي..
استلقيتُ..
نظرتُ إلى لوحةٍ على جدار غرفتي لا أسأمُ مِن التحديق فيها، "برج إيفل" الذي يَقطُرُ نارًا و نورًا في ليلةٍ مُقمرة..
تذكرتُ تجربتي الرَّعناء عندما فَرَرْتُ إلى باريس ذاتَ يوم، كنت أظن أنني أفِرُّ مِن الواقع الذي يُصِرُّ على تقييدي، لجأت إلى عمتي هناك... كانت من الجاليةِ الجزائرية بفرنسا، لَمْ ألبث أيامًا لديها إلا وهي تموتُ تاركةً الحياة، عُدتُ إلى الجزائر كأن باريس تطردني بقوة لأعود إلى التعاسة، عُدت جالِبةً عمتي في صندوق الأموات، كأنني ذهبت لإحضارها حيّةً أو ميّتة !
بقيتُ أحدق بتلك اللوحة... امتصت تلك الذكريات شيئًا مِن حرارتي.. تنفَّستُ عميقًا.. و شهيقي الذي عدّل حرارة صدري بهواء لوحة باريس المعتدل وضع حبّك على نارٍ هادئة...
أخاف من حالات الهدوء التي تتبع الغليان...
إنها تُنضِجُ كل ما بداخلنا دون أن تحرقه !
-اليومُ الأول مِن حزيران2014
تَبَّتْ يدا حبكَ داخلي و تَبْ.. لا أجِدُ له عنوانًا يسعه لأصنفه بين مؤلفات خاطرتي و دواوين القلب...
خاطِرتي حَمقاءُ و قلبي صَغير .. و حبّك ضخمٌ ولا منتهي ، لا أجِدُ لهُ طعمًا و لا لونًا ولا رائِحة.. لكنني أحتاجه أكثرَ مِن الماء.. إنه يجعل مِن كل شيءٍ حيّا..
أنا لحد الساعة لا أدري ما حبُّك ؟
سرطانٌ أصابَ مشاعري و مِنَ الصعب التعرف على شكل الخلايا السرطانية في مرحلة الاحتضان، هذا الحب الذي أوجَدَهُ الوجود يغتالني في صمت .. يريد أن يعدمني عندما لا أجدك...
باحثةً عن الراحة أخذت إجازتي...
هنا على شواطئ مدينة بجاية الساحرة أحاول أن أستريح في هذه الأيام الحارة... رغم رغبتي في الراحة أشتاق إلى كل ما يتعبني داخل المصحة...
أشتاق إلى يوم الثلاثاء.. ذاكَ الذي اقتربتَ مني فيه,, اقتربتُ منك.. تحدثنا ومشاعرنا عارية تفضح تفاصيل الحب، لَمْ أتجاهلك كعادتي.. حدثتَني عن أشياءَ كثيرة يومها وكأنكَ تريد إخباري بالكثير منذ أوجدني القدَرُ في المصحة، بعثرتني بأفكارك.. وصفتها لكَ يومها أنها خارقةٌ لكل مألوف ..
كنت أصطنع نظراتٍ عادية وأنا بِقُربِكَ حتى يصعب عليك قراءتي وأنا أتقمص دور الزميلة التي لَمْ تُواتِ الظروف _لا غير_ أن تحدّث زميلها مِن قبل .. دقات قلبي كادت أن تخنقني في تلك اللحظات، هي أول مرةٍ أنعَمُ فيها بالحديث معك، رغم أننا لَمْ نكن على انفراد ،لكن ذلك لَمْ يُزعجني..
فهؤلاء الذين كانوا يحيطون بنا من الزملاء و "عزيزة" الواقفة بجانبي.. كل أولئك كانوا أصحاب فَضلٍ علينا و السبب الذي لولاهُ لمَا كانت جمَعَتْنا، لا أدري كيف ساعدوا في جعلك تقترب مني وجعلي أقترب منك.. اجتمعوا قبل خروجهم من المصحة في الرواق السفلي كَكُفوفٍ عَريضةٍ تُجبِرُ قُطبَينِ مُوجَبين على الالتصاق رغم تلك الطاقة المغناطيسية الغريبة التي تُصِرُّ على التنافر بين القطبين المُتَماثلين، قبسٌ مِن الأحلام التي لا تتحقق كان مساءَ ذلك الثلاثاء، جعل حبّك فيّ يَمتَدُّ مِن الحضور إلى الغياب.. و هذا ما كنت أخشاه، كنت كلّما حاولت أن أُشفى منك أبتعد عنك، أنشغل بغيرك، أتحاشى وجودك الذي خلقك داخلي ضخمًا ومؤلمًا أكثر مما أستوعِب..
الآن.. بعد دُنوكَ مني.. دُنوي مِنكَ أصبحت لا تفارقني.. أنت تمسك بحبل وريدي و تشدني إليكَ رغم بعد المسافات، تزيد من دقات قلبي، يحاول شوقي إليكَ أن يخنقني.. يلتف حول عنقي إلى أن أشتمَّ رائحة الموت فيعيدني إلى الحياة..
هكذا هو حبك.. حياةٌ و مَوتٌ و لا نِهاية..
هذا ما كنتُ أخشاه، أن أحبك حتى أدرك حقًا أن الحب موتٌ في بلادنا كما قلتها .. جعلتني أدرك حقًا أنني للأسف " نموت عليك "
رغم أني لا أملك وسيلةً للاتصال بك أو التواصل معك في هذا العصر الذي أصبح المستحيل به أن نصدق أن هنالك مستحيل..
أن أتصل بك، باتَ مستحيلي الذي أحتكره في هذا العالم المُمكن، رغم كل هذا ما زلت أمارس حماقةً قديمةً للتواصل معك، ما زلت أومن بتخاطر الأرواح... أعلم أنه يصلك مني كل ما أرسله، مثلما يصلني منك كل ما ترسله.. و هذا باتَ مُمكِني الذي أحتكره في هذه الفكرة المستحيلة...
يقولون أن السياسة فَنُّ تحقيقِ المُمكن...
وأقسم أن حبك فنّ تحقيقي المستحيل...
...وأصبحت في كل مرة "أموت عليك فيها" أشعر أنك دنيا من نوعٍ آخر لَمْ أوفّق لأحياها.. أموت عليك و أنا شبه متيقنة أنَّ ما بي حالة تشبه الفصام..
ضقت ذرعًا وأنا أتنقل بين حياتين، لقد صعب عليَّ أن أجعلك داخل دنياي و في عالمي الكاذِب..
أنت دنيا واسعة إلى حدّ اللانهاية لها مذاقٌ غير ما أعيشه، ونظرة مختلفة إلى العالم.. أنت دنيا تشبه الحقيقة.. ها أنا في دنياي التي تختلف عنك.. و في كل لحظة شوق أموت عليك فيها يكادُ مَن حولي وما حولي ألا يعرفني.. أبدو وأنا أختنق شوقًا إليك أني أعيد التعرف على الأشياء مِن خلالك..
مواقفي من الأمور ترجع إلى بداياتها، أعيد تأمُّل البَديهيات ... وبعض التفاصيل الدقيقة التي قرّرتُ ألا أطيلَ الوقوف عليها عادت تشغلني..
كنت دائمًا أظن أنَّ علاج التعلق بكَ أن أفِرّ منكَ و أمحو حدودك مِن ذهني، و بعيدة عنكَ الآن أصبحتُ أحياكَ و لا أعيشُ دنياي حسبته هينًا وهو الآن عظيم، لَم أعد قادرةً على المَساكِ بزمام الأمور، لقد عَظُم عليّ أن أعرف أيّ الأنايين أنا ؟ وبأي العالَمين بِتُّ موجودة ! فقط أشعر أن العالم مِن خلالك أجمل...
رجلٌ مِن برج الدّلو !
كِدتُ أقرأ طالعك، لعلي أطلع على أخبارك.. أبحث عني ربما أجِدُني حظًا مِن حظوظك هذا الشهر .. مزقت صفحة " حظك والأبراج " من مجلة لا تكتب إلا بقلمٍ أصفر، مناعتي ضد تصديق أي بصيص مِن أملٍ تكاد تنعدم، أخشى أن أعتقد بما أقرأه إلى درجةٍ كبيرة، تذكرت زهية عندما أخبرتني أنها تستطيع أن تصبح منجمة وعالمةَ فلك، كنت أضحك كثيرًا مما تقوله و أنصحها ألا تعتقد كثيرًا بما تقوله هذه الحظوظ .. توقعاتٌ قد تُصيبُ وقد تُخطِئ ..
تركت الصفحةَ مُكَوَّرةً فوق الطاولة، دخلت إلى الغرفة المقابلة أزَحْتُ العتمة عنها، فتحت النافذة.. لمحت الورود التي وضعتها بالمزهرية قبل أيام قَد لاقَت حَتفها.. لقد نسيت أن أعتني بها..
أسرعت إلى تغيير الماء الذي تَمُدُّ داخله سيقانها منذ أيام، وأنا آمِلة أن أنقذها.. خرجت بها مِن الغرفة، أخرجتها مِن المزهرية فإذا بأوراقها تتساقط يابسة، تيقنت أنها ماتت و هي تنتظرني أن أصحو من الموت ...
تركتها بالتراب خارجًا، أفرغت المزهرية من الماء، فتصاعدت رائحة الموت منه ! للموت رائحة مميزة، لا يحس بها إلا مَن يموتون شوقًا.. يتعفنون شوقًا، أما غيرهم فيفرون من رائحته وإنه ملاقيهم ليذوقوا طعمه و كل نفسٍ ذائقته ...
وحده المُشتاقُ مَن لا يخاف الموت...
عُدتُ حاملةً المزهرية و هي تشبه فؤادي الذي أصبح فارغًا، يشكل حبك به أشكالاً للفراغ لا يستقر على واحدٍ منها..
فباتَ مِن المستحيل ملئي بغيرك من الأشكال...
عدت أحملها فارغة، وضعتها بقوةٍ فوق الطاولة الزجاجية، ربما أصابني خللٌ في الإحساس، لَم أدرك أن الطاولة قريبة من يدي، لقد خُيل إليّ من شرودي أنها لا تزال بعيدة ...
العالم مِن خلالك أوسع و أبعد من الواقع ...
كادَ زجاج هذه الأخيرة أن ينشقَّ لو لَم يحل بينه وبين المزهرية صفحة المجلة المُكوَّرة التي امتصت جزءًا مِن الصدمة، ورغبتي إذ وضعت المزهرية فوقها أن تمتص بضع قطراتٍ من الماء كانت تَهُمُّ أن تسقط على زجاج الطاولة فتعكر صفاءَهُ ، رفعتها مجددًا، مسحتها بالصفحة المكورة، أعدت وضعها برفق، حدقت بتلك التي بيميني.. صفحة المجلة المكورة.. يدفعني فضولٌ شيطاني أن أعيد تسويتها، ضحكت من هذه الوسوسة، رميت الصفحة بسلة المهملات وعدت إلى هاتفي الذي قَطَعت رنته ذلك الصمت الموحش، رفَعْتُه ! ... ارتجفت، اقشعر بدني، أحسست بتصلبٍ في عضلاتي .. زهيَّة ؟ بعد خمسة أشهرٍ من الانقطاع تفاجئينني باتصال لَم أكن أنتظره ؟ ما الذي جعلكِ تتذكرينني ؟
لماذا لَم تُصرِّي على تذكري طيلة هذه المدة إذا كنتِ لمّا تنسيني بعد ؟ أمْ أنني الوحيدة التي أحببتكِ رغم كل شيء ؟ لا أريد أن أكلمكِ ... ارحلي من حياتي، اخرجي من هاتفي واختفي عن الوجود ..
توقفت رنة هاتفي.. بقيت أنتظر أن تعيد المحاولة ثانيةً لألمس دون تفكير المربع الأحمر على شاشة الهاتف وأقطع الاتصال، لا أشك في أنها لا تزال تتذكر أني لست كغيري من العالمين .. قَطْعُ الاتصال بالنسبة إلي هو بطاقةٌ حمراءُ أمنحها بصمتٍ لِمَن أريد منه الخروج من حياتي...
-ذاتَ يومٍ مِن آب2014
عزيزة .. إنسانة تشبهني في شيءٍ ما..
ربما لأننا مواليد شهرٍ واحدٍ وأسبوعٍ واحد .. كلانا بُعِثَت إلى الوجود وسط الأجواء نفسها، لكنني غيرُ مُقتنعة بهذا التعليل، فلسنا الوحيدتين اللتين ولدنا في أيار ذلك العام، بعيدًا عن هذه التفسيرات تشبهني في شيءٍ ما رغم كل الاختلافات التي تظهر بيننا، يميزها عني واقعيتها التي وصفتها زهية ذاتَ مرةٍ بالسطحية في الأمور، لَم تَكن عزيزة سطحية البتة، لكنها تحب الأمور كما هي في الواقع و تتقبلها بصدر مشروح، فالمشاعر بالنسبة إليها جزء مِن الحياة ،من السهل الإمساك به، وليست كل الحياة كما هي بالنسبة إلي .. كثيرًا ما تهمل أنوثتها عندما تكل وهي تحاول التوفيق بين الدراسة و العمل، لا يضر بها ذلك بل يتجاهل سنوات من عمرها و يجعلها تبدو مراهقة، ما جعل جُلَّ المعجبين بها أصغر منها سنًا، هذا ما أجبتها به عندما سألتني: لماذا لا يُبدي لها مَن هُم أكبر سنًا منها إعجابهم إلا نادرًا و قليلاً ما هُم ؟ ...
غير هذا وذاك .. أصرّ أنها تشبهني إلى حدٍ ما، أرتاح إلى جانبها وتحسّ الراحة نفسها إلى جانبي...
تخرج دفتر مذكراتها الشخصية خصيصًا لكي أقرأه، وهي تسأل: وأنتِ ما جديدكِ؟ أطربينا !، تعجبني وهي تستعمل مفردات الطرب للتعبير عن الكتابة الجميلة، تستعملها لأنها مطربةٌ بالفطرة، لها صوت أخشاه عندما تغني، يفتح كل الجراح على مصراعيها، أقرأ لها مذكراتها، ثُمَّ ألقي عليها شيئًا مما أكتب، يسرُّها أن أفعل ... تَراني نجمة .. هكذا تقول، قالت لي يومًا:
" إياكِ أن تُطلّقي الكتابة لتتزوجي رجلاً !"
كان ذلك في حفلة عيد ميلادي، بعدما أطفأت الشموع وسط الأمنيات، كانت جدتي تجلس فوق بساطٍ على الأرض، ذهبت إليها حاملةً جزءًا من قالب الحلوى:
- هذا لكِ جدتي، ماذا تتمنين لي ؟
ناديت عزيزة أن تقترب وهي تمسك الهاتف، كانت تسجل مقطع فيديو، طلبت من جدتي أن تُكمِل أمنياتها لي .. تمنت لي طول العمر والصِّحة و طول الشعر فقد انزعجت عندما قصصت شعري بعض الشيء ... ثم قالت:
" ونتمنالك تكملي الكتابة "
ضحك الجميع مما قالته جدتي لأنها كانت تقصد الدراسة، تمنت لي جدتي أن أواصل دراستي، قرأت عزيزة عينيّ حينها وأنا أتعجب من أمنية جدتي التي لا تعلم ما تمثله الكتابة لي، فقط سمَّت الدراسة بما تعرف، كانت دائمًا تسميها القراءة وفي هذه المرة أطلقت عليها اسم الكتابة ..
اقتربت مني عزيزة وقتها وقالت:
" فأل خيرٍ على لسان جدتك، أنا كذلك أتمنى لكَ ما تمنته جدتك الرائعة، إياكِ أن تطلّقي الكتابة لتتزوجي رجلاً !".