اليوم الرابع : في خزانة الذاكرة
كانت أمي تحيك لي ثوبًا من بقايا الأقمشة التي أرسلها لنا خالي العام الماضي، وأنا أتناول الطعام اليابس مثلما كانت تطلق عليه، نظرت إليها وفي عقلي تدور تساؤلات عديدة، لماذا لا نأكل سوى هذا الخبز؟ ولا نرتدي سوى هذه الأقمشة؟ ولا نرى ضوء الشمس الذي يقبع خلف البيوت العالية التي تحجب رؤيته علينا ؟ ولا نسمع صوت قر الماء منذ سنوات؟
ولكني ابتلعت الكلام مع أخر لقيمة من الطعام، وقمت أرتب مقعدي ذا القطن الذي أصبح مصبوبًا كالحجر داخل القماش الذي يحتويه منذ سنوات، وحركت القطعة الخشبية المخصصة للطعام بجانب سلم المنزل، رجعت وكانت قد انتهت من أخر غرزة في هذا الثوب و كعادتها تهلل وجهها كأنها أنهت عمل بطولي
الام: لقد انتهيت اخيرًا ربما تريد ارتدائه اليوم.
هذا! هذا يا امي أنه لا يصلح
الأم: لما ؟
لقدم طرازه كيف ارتديه وغيري يرتدي من الطراز الحديث
الأم: جربه اولا ربما يعجبك.
،هل سوف اظل هكذا ارتدي بقايا الأقمشة ؟
الأم: وما بها ؟
بها اشواك تعصر قلبي كلما مررت بالمحال ورأيت الثياب الأخرى
الام: لا يشعر المرء بزهو الأشياء الا عندما يمتلكها فربما تلك الثياب هلاكًا لك، وليس كل زهو بالأشياء محمودا وتلك الأشواك التى تعصر قلبك هي نتاج أمور كثيرة لا تتهم هذا الثوب البسيط بها لانه سوف يحاكمك في يومًا من الايام.
لقد فاض الكيل.
الأم: تذكر عندما يفيض أن القدر كالسد له يحتوي فيضان مشاعرك ويخزن لك الافضل.
أتذكر أنني تلك الليلة بت ابكي حتى تورمت عيناي، وأتذكر أيضا أنها لم تأتي ليلتها لتمسح على جبيني مثل كل مرة ، وأتذكر أنني منذ ذلك الوقت اضع هذا الثوب داخل خزانتي، واضع حديثها الاخير داخل ذاكرتي
لقد كان دائما القدر معي كالسد يحتوي فيضان مشاعري حتى لو كان الواقع مؤلم