المشهد الأول
بُسْتان ضَخم مليءٌ بالأشجار والثمار اليانعة، مختلفة الألوان والأحجام. الروائح العطرة تتدفق مِنْ كلّ مكانِ، ويبدو صاحب البُسْتانِ مفتوناً بالمشهدِ، وَيَقِف مناجياً نَفْسه فرحاً بِمَا فَعَل.
صاحب البستان: الله، ما أجمل ذلك المشهد!
صَوْت1: نعم ما أجمله. هذا هو الحصاد.
صاحب البستان ( مُنْدَهِشاً ): مَنْ؟! مَنْ المُتحدث، لا أَرَى أَحَداً.
صوت1: أنا، أنا بجوارك، تسمعني ولا تراني؟!
صاحب البستان "فزعاً": يا إلهي. لا أَرَى أَحَداً. ما هذا الصوت؟
صوت1: هههههه، لم أظن أنَّ قلبك ضعيفًا هكذا.
صاحب البستان: لابد أنّك صديق، اظْهر وكلمني.
صوت1: حسناً، أنا وراءك تماماً.
يلتفت صاحب البستان خلفه، و يهز كتفيه متعجباً
صاحب البستان: أين...، مَنْ؟
صوت1: أنا شجرة المانجو.
صاحب البستان: شجرة المانجو؟!
صوت1: نعم، أنا شجرة المانجو، نعم أنا التي تكلمك.
صاحب البستان: بالله! شجرة ومانجو وتتكلم؟!
شجرة المانجو: نعم، وما الغرابة في ذلك؟!
صاحب البستان: وما الغرابة في ذلك؟! إن ذلك هو الغرابة نفسها!
شجرة المانجو: آه، نسيت عفواً، عندك حق، إنّا نتحادث طوال اليوم.
صاحب البستان: إنّا؟! من تقصدين بــإنّا؟
يناجي الرجل نفسه قائلاً: يَبْدو أنَّ العملية فيها إنَّ.
شجرة المانجو: نحن الأشجار.
صاحب البستان: أنتم الأشجار!
صاحب البستان: وهل تتكلم الأشجار؟!
صوت2: يا سلام؟! نعم، نتكلم ونصف.
صاحب البستان: ومن أنتَ، أو أنتِ هذه المرة؟!
صوت2: ألا تعرفني؟!
صاحب البستان: لم نتشرف بعد.
صوت2: أنا شجرة الكمثرى.
صاحب البستان: مرحباً يا شجرة الكمثرى، ماذا وراءك أنتِ أيضاً؟!
شجرة الكمثرى: ماذا ورائي؟ هل هذا سؤال؟ ألم تكن معجباً بنا منذ لحظات!
صاحب البستان: أنا؟، مَنْ أَنْبَئك بهذا؟!
شجرة الكمثرى: لا حول ولا قوة إلا بالله، ألم تكن تتأمل جمال وبهاء البستان؟
صاحب البستان: نعم، هذا صحيح. جمال وعظمة البستان، ولون الخضرة الممتع.
شجرة المانجو: ألسنا جزءً رئيساً من هذا البستان؟
صاحب البستان: بالطبع.
شجرة الكمثرى: إذا كنت تتحدث عنا.
شجرة المانجو: لا، بل كنت تتحدث إلينا.
صاحب البستان: أكاد أُجْن، شجر يتكلم؟!
شجرة المانجو: نعم، بل هناك ما هو أعظم من ذلك.
صاحب البستان: وهل هناك ما هو أعظم من ذلك!
شجره المانجو:ههههههه، هذا هو حَالكم يا بني آدم.
صاحب البستان: وماذا بنا، يا أخت شجرة؟
شجرة الكمثرى: تظنون أنفسكم وحدكم في هذا الكون.
شجرة المانجو: كما تظنون أنكم وحدكم ذوي العقول والمتحضرين.
صاحب البستان: و هذا حقيقي لا شك فِيْه.
شجرة الكمثرى: هذا خطأ كبير.
صاحب البستان: وكيف كان ذلك؟
شجرة المانجو: وكيف كان ذلك؟ أتظنّ أنّني شهرزاد، ستحكي لك حدوتة قبل النوم!
شجرة الكمثرى: أَمْ تظنّ أنّهُ كتاب كليلة ودمنة؟!
صاحب البستان: و تعرفون شهرزاد، و تعرفون كليلة ودمنة؟!
شجرة المانجو: نعم نعم يا ابن المقفع.
يضرب الرجل كفاً بِكَفّ:
أشجار تتحدث، وتعرف التراث والأدب، يعرفون ابن المقفع أيضاً.
ثم يلتفت إلى الشجرتين قائلاً: لست بابن المقفع أنا.
الشجرتان ( معاً ): نعرفك نعرفك، ونعرف اسمك، واسم زوجتك وأبنائك.
صاحب البستان: إذاً ما أسماء...
تقاطعه الشجرتان، لقد داهمنا الوقت، وهذا موعد نومنا.
صاحب البستان: إنها الثامنة، هل ينام أحد الآن؟
الشجرتان ( معاً ): نعم، هذه هي الحضارة الحقيقية.
شجرة المانجو: نَمْ مُبَكّرِاً ؛ تَصْحُ مُبَكّرِاً.
شجرة الكمثرى: وبذلك تحتفظ بنشاطك، وتذهب إلى عملك فى منتهى القوة.
صاحب البستان: أريد، أريد أن تشاهد أسرتي ما رأيت وسمعت.
شجرة المانجو: سيحدث، سيحدث غداً، قبل النوم بستين دقيقة.
شجرة الكمثرى: أحضر كلّ الأسرة، وسوف نتحدث معهم.
صاحب البستان: حسبتكم ستقولون لن يسمعنا أحدٌ غيرك.
شجرة المانجو: وهل تظنّ أنّنا نحيا زمن الجان والشياطين؟
شجرة الكمثرى - وبشكل حازم جدا -: اذهب يا رجل؛ دعنا ننام.
صاحب البستان: حسناً، تصبحون على خير، غداً سوف أحضر الأولاد.
شجرة الكمثرى: تَتَثَاءب، آه، غداً.
شجرة المانجو: تصبح على خير، مع السلامةِ.
صاحب البستان - مُسْرِعاً إلى منزله -: تصبحون على خير، تصبحون على خير.