تتناول مجموعة " سقط سهواً " جوانب مهمة من طقوس كتابة النصوص النثرية، وأسرارها الفكرية، والوجدانية في سياق من التوصيات البوحية المتنامية التي غلب عليها ظاهرياً طابع التبسيط الأدبي في الطرح التشكيلي والبلاغي، بالإضافة إلى تدوير اللغة والصور وفق معطيات تداولية تنم عن وعي الذات الشاعرة بتوظيفاتها من جهة، وعن مدى انغماسها الذاتي - فكراً و – وجداناً - بالتقاطاتها الصورية من جهة أخرى، حتى جعلتنا نقرأ نصيات نثرية شعرية شاءت الانتصار في العديد من محطاتها للحداثة في مستوييها الفني و التقني مع اللعب على مفاجأة الداخل لعوالم النص بتعددية التناول داخل رؤية تقاطعية تمليها ضرورة الالتزام بما يرضي توزيع الفكرة الأم إلى مقاطع تصعد الحالة و توضحها في آن، فضلاً عن القيمة الاِستدلالية للعنونة التي برعت الشاعرة في انتقائها مستفيدة من العنوان الرئيس " سقط سهواً " بحيث تناغمت العناوين الأخرى وبنسبة واضحة مع نسقه الاستدلالي " عصيان – أنا أكرهك – رماد – في سفر الرحيل عنك – خارج وجهك – على مشارف الجفاف....." ـ مع الاحتفاظ بخصوصياتها تحديداً ضمن مسارات النصوص.
حملت النصوص تنوعاً وتعددية ليس على مستوى المضمون والحراكات الداخلية الروحية، والوجدانية، والنفسية فحسب، بل على المتسويات الفنية الأخرى، كالأسلوبية فبين الوضوع والمباشرة البوحية في نصوص ك" هل قلت لك – لا أملك غير صورتك – كل الكلام – فوضى – هاجس ليس أكثر ..... " جاءت نصوص أخرى حملت أبعاداً رمزية شفافة فيما وراء تلك المظاهر الفنية ك " ربما – حلم واحد لليلة أخيرة – فوق وجه الماء – سقط سهواً – اطليني باللون ..."، وهذا ما جعل التبسيط الذي تبنته الشاعرة يمتاز بما يمكن أن نسميه بالتمويه الفني الذي يقرب المتلقي في القراءة الأولى من منطقة تلقي الرؤى التي تبثها النصوص بنوع من المباشرة " فلا الوطن استبقاها بين أحضانه، ولا أرض الاغتراب لونت ريشها بلون الاستقرار..." ومِنْ ثَمَّ تحفزه على قبولها ".. تكتكات النبض تتوالى زخات على أسوار الحنين بلا انتظام، فترتطم بالفراغ المعشش بين اللحظات.." ولكن في الوقت نفسه تمنحه مساحة تأويل اخرى محملة بالأبعاد الدلالية المكثفة " يقترب صفير الريح، فتفزع بقايا شمس كانت ترغب بفتح نوافذها، فخافت أن يصيب وجهها سموم لن تستطيع لها صدّاً..."، وذلك ما يجعله يعيد حساباته التي بناها وفق معطيات التبسيط، ليضطر إلى الحفر فيما وراء هذا الظاهر غير مكتف بخديعة التبسيط " أرتدي قلبك لأرى كيف تصبح علب النبض الصدئة أكثر بريقًا.." و " انتحر الوقت في قطع المسافات جيئة وذهابًا في إشارات لعودة مفقودة..." و " فأنا سأموت بــ بحة الضوء الحافي على الأرصفة السئمة.. سيصلبني إشتباك الأغصان شبق الأشجار العارية في الغابة...."، وفي العديد من النصوص الأخرى التي تتخم بالتكثيف والعمق الدلالي والصوري بحيث يجبر المتلقي على الانصياع لمنطق البحث الما ورائي لفك رموزها.
كل نص في هذه المجموعة يبرهن على أنه عالم خاص له مداخله ومساراته، وله حيثياته ومحفزاته الجوانية والبرانية، لذا نجد فيها حركية منوعة تراكمية ومتنامية تعمل على فرز مكوناتها الفنية، وتبث عبر سلسلة متداخلة من الانصياعات البلاغية رؤاها لتجعل المتلقي يلتقط جمالياتها الفنية تارة، ويندمج مع مضمونها ويتلاحم مع صورها تارة اخرى، وبذلك تتحول النصوص الى ايقونات مؤثرة لا على مدايات الذات الشاعرة فحسب، إنّما على نفسية المتلقي، وذلك ما يمنح النصوص عمراً فنياً أطول.
جوتيار تمر
كودرستان / 15-2-2019