Za7makotab

Share to Social Media

الإطار النظري

مقدمة

أسعى منذ عِدَّة سنوات، بخطىً هادئة نحو استكمال مشروعي الثقافي بجمع وتوثيق عناصر الثقافة الشعبية في مدينتي قويسنا، بل وفي محافظتي المنوفية التي أفخر بالانتماء إليها. وهذا هو كتابي الخامس في هذا الإطار، مُسلحاً بدراستي في المعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون بالقاهرة، وخبرتي التي اكتسبتها من خلال عملي بأطلس المأثورات الشعبية لأكثر من عشرين عاماً.
ويُعَدُ كتابي هذا "المظاهر الاحتفالية بشهر رمضان" سعياً لاستكمال مشروعي الثقافي لتوثيق عناصر الثقافة الشعبية في محافظتي المنوفية. ويكتسب هذا الشهر- رمضان - أهميته لدى الجماعة الشعبية لكونه الشهر الذي أنزل فيه الله سبحانه وتعالى القران الكريم على رسوله الأمين()، وفيه أيضاً، فَرَضَ الله الصيام على عباده، وفيه ليلة القدر، وهي ليلة خير من ألف شهر يُقَدِسُهَا المسلمون في كل مكان؛ قال تعالى في كتابه العزيز


وتكتسب ممارسات الإنسان اليومية التلقائية الروحية منها والمادية، وما يرتبط بهما من عادات وتقاليد، ومعتقدات، وتصورات، ومعارف عامة، وحكايات، وأمثال وتعبيرات شعبية ترتبط بتلك الممارسات، التي تُلَبِي حاجاتهم اليومية وبالتالي تعمل على استقرار المجتمع، تكتسب، تلك الممارسات، أهمية كبرى في حياة الإنسان؛ لأنها في النهاية وسائله الرئيسية في التعبير عن مشاعره، وطموحاته، وآلامه، وآماله.
ولا شك أن الفن إبداع إنساني خالص؛ تتعدد مصادره وميادينه، ولكن ما يبقى منه هو الإبداع التلقائي الذي يُعَبِرُ عن روح الجماعة الشعبية التي ينتمي إليها؛ إذ يُدافِعُ - حينها - الشعبي عن عاداتها، وقيمها ومعتقداتها، ومعارفها العامة، وعن وجوده هو شخصياً كأحد أفرادها. وقد جعل المجتمع منها سياجاً يحافظ بها على أفراده وعلى استقراره واتزانه.

الأسباب التي دفعتني لدراسة هذا الموضوع

• شهر رمضان له أهمية، وخصوصية "شعبدينية" كبيرة لدى كافة المسلمين في كل بقاع العالم بممارساتهم الدينية/الشعبية، التي لها تأثير كبير على غير المسلم أيضاً، ولهذا فهي جديرة بالرصد والدراسة.
• حدثت تطورات تكنولوجية حضارية أثرت على الحياة بصفة عامة، وأسعى من خلال هذه الدراسة إلى التأكد من وجود هذه التطورات والتغيرات - إن وُجِدَتْ - وأثرها على حياة أفراد مجتمع الدراسة.
• رصد أية عناصر احتفالية، أو رموز جديدة للاحتفاء بشهر رمضان.
• السبب الرئيسي هو أنني أسعى لتوثيق عناصر الثقافة الشعبية في نجوع، وقرى، ومراكز، ومدن محافظتي المنوفية، التي أفتخر بالانتماء إليها، وهذا هو كتابي الخامس في هذا الإطار.

تساؤلات الدراسة
• هل الاحتفالية الشعبية بشهر رمضان مازالت موجودة؟
• أمازالت هذه الاحتفالية تستند إلى أساس ديني، أم أن البعد الديني قد اختفى، أو توارى؟ ولماذا؟
• هل لهذه الاحتفالية رموز دالة عليها؟ ماهي إن وجدت؟
• هل هناك رموز مستحدثة للتعبير عن الفرحة بهذا الشهر؟
• ما هي أهم الرموز التي يفضلها أفراد مجتمع الدراسة للتعبير عن قدوم شهر رمضان؟
• هل هذه الرموز والتعبيرات الشفاهية، القديمة، المرتبطة بهذا الشهر - في حال وجودها - مازال العامة يستخدمونها في التعبير عن فرحتهم بقدوم شهر رمضان؟
• هل يشتري الناس زينة شهر رمضان جاهزة، أم يتم تصنيعها بواسطة أفراد مجتمع الدراسة؟
• ما هي الخامات التي تستخدم في تصنيع زينة شهر رمضان؟

أهداف الدراسة
• رصد المظاهر الاحتفالية الشعبية بشهر رمضان من الناحيتين الدينية/الاجتماعية من خلال ممارسات أفراد مجتمع الدراسة قبل وأثناء الشهر الكريم.
• رصد أهم وحدات الزينة أيام زمان والآن، وكذلك رصد أهم التغيرات والإضافات في وحدات الزينة.
• رصد أهم الممارسات الدينية والشعبية أيام زمان والآن.
• رصد أهم التغيرات، التي حدثت في العادات والتقاليد في الأربعين سنة الماضية.

صعوبات الدراسة
يُعَدُ عدم امتلاكي لكاميرا، أو موبايل حديث لتوثيق عناصر الثقافة الشعبية بالصور من أهم وأكبر الصعوبات التي واجهتني، ومازالت تواجهني في رحلتي البحثية، التي أتمنى استكمالها، لتوثيق عناصر الثقافة الشعبية في نجوع، وقرى، ومراكز، ومدن محافظتي المنوفية، وهذا هو مشروعي الذي أسعى لإتمامه، إن شاء الله قدر استطاعتي، وهذا الكتاب هو الخامس في هذا الإطار. وللتغلب على هذه المشكلة ألجأ في كل دراسة لبعض أقاربي وأصدقائي؛ أستعير منهم الموبايل الخاص بهم لتوثيق عناصر الثقافة الشعبية. ولكن ما يؤلمني هو أنني قد تعرضت لرفض البعض منهم إعارتي الموبايل، وهذا شئ مؤلم حقاً. وقد استعنت في دراستي هذه بموبايل أخي: يوسف الفرماوي، وكذلك موبايل أصدقائي: هاني محمد صبحي، وهاني رمضان، وابراهيم نجاح، الشهير بـ "هيما نجاح"، وقد ساعدني صديقي الصيدلاني: أحمد محمد مشعل في إيجاد بعض الحلول لما واجهني من مشكلات تتعلق بالكومبيوتر، وكيفية حفظ مادتي، أو إرسالها إلى دُور نشر؛ إذا أن كِبَرْ حجم الملف كان عائقاً بالنسبة لي؛ فوجد لي حلاً، كما وفر لي "اللاب توب" الخاص به، كذلك ساعدني الصديق/ عبد الله الهيلي في تقطيع بعض الصور وِفْقَ رؤيتي التي تناسب نشرها، كما أعارني الموبايل الخاص به.


المفاهيم والمصطلحات Concepts and terminology
وسوف تتخلل الدراسة بعض المفاهيم والمصطلحات التي يجب التعرض لها لتحديدها، وكشف ما يحيط بها من لبس، أو غموض مثل:
مظاهر: ويقصد بها السلوكيات التي تُعَبِرُ بها الجماعة عن الاحتفال، أو قل الاحتفاء بشهر رمضان بأسلوب، أو تصرفات تَوَّافَقَ عليها العقل الجمعي Collective mind للجماعة الشعبية؛ لتواتره وتكراره. ويتم هذا من خلال ممارسة كافة أشكال السلوك الحركية، واللفظية، والمادية، للتعبير عن حبهم وتقديسهم لشهر رمضان. ومظهر: الجمع مظاهر، والمظهر هو: "الصورة التي يبدوعليها الشيء، والمظاهرة: إعلان رأي أو إظهار عاطفة في صورة جماعية ( ). وفي معجم المعاني الجامع، مظاهر الحياة: الفعاليات الظاهرة التي يعبر بها الكائن الحي عن حيويته.
ويقصد بالمظاهر: السلوكيات التي يُعَبِرُ بها أفراد المجتمع عن تقديسهم لهذا الشهر الكريم، الذي مَيَّزَهُ الله عن باقي الشهور، تلك السلوكيات المتمثلة في الأقوال الشفاهية، والحركية، والتشكيلية بصورة جماعية، يُعَبِرُونَ من خلالها عن عادات وتقاليد، ومعتقدات، وتصورات،..... إلخ ارتبطت بهم بصورة منتظمة، متكررة.
الاحتفال: حالة إنسانية نفسية يُعَبِرُ فيها الإنسان عن مشاعره، وانفعالاته، وعاداته، ومعتقداته وسط جماعته دون خجل. وقد بدأ الاحتفال دينياً بممارسات، وطقوس الكهنة والناس نحو المعبود. وقد أَهَلَتْ الزراعة الجماعة للاستقرار والاحتفال بمواسم الزراعة والحصاد.
العادات Habits: يرى توليس أن العادات "متطلبات سلوكية تعيش على ميل الفرد لأن يمتثل لأنواع السلوك الشائعة عند الجماعة، وعلى ضغط الرفض الشعبي لمن يخالفها"( ).
التقاليد: "جمع تقليد، وهي العادات المتوارثة، التي يُقَلِدُ فيها الخَلَفْ السَلَف، وقَلَّدَ الشئ: لَوَاهُ، وقَلَّدَ الماء في الحَوْضِ: أي جَمَعَهُ، وقَلَدَ الحَبْلَ: أي فَتَلَهُ"( ). والمعنى أن يُقَلِدَ الأبناء مثلاً آبائهم فيما يفعلونه من سلوكيات، أو تصرفات، أو من حيث طريقة ونوعية الملابس التي يلبسونها. بمعنى آخر محاكاتهم في أساليب الحياة التي ينتهجونها، دون الحاجة إلى دليل، أو برهان.
المعتقدات Beliefs: "تلك الأفكار والأحاسيس التي تُحَرِكُ الناس إزاء الظواهر الطبيعية العادية والشاذة، كتصورات الناس عن الزلازل، والبرق، والخسوف، والشهب،......إلخ، وكذلك تصورات الناس عن أسرار بعض الظواهر الفيزيقية والنفسية: كالأحلام، والنوم، والميلاد، والموت، ورؤية المستقبل بأنواعها ووسائلها المختلفة"( ).
شهر: الشُهْرَّة: ظهور الشئ في شُنْعَة حتى يَسْهَره الناس، وفي الحديث من لَبِسَ ثوب الشُهْرَّة ألبِسَهً الله ثوب مِذَلَّة. والشُهْرَّة: وضوح الأمر. وقد شَهَرَهُ يَشْهَرُهُ شَهْرًا. وشَهَرَهُ؛ فاشتهر، وشَهَرَهُ تشهيرا. والشَهْر القمر، سمي بذلك لِشُهْرَتِهِ وظهوره، وقيل قارب الكمال. والأَشْهُر: عدد من الشهور، والشَهْرُ: العدد المعروف من الأيام، وسمي بذلك؛ لأنه يُشْهَرُ بالقمر، وفيه علامة ابتدائه وانتهائه.
رمضان: الرَمْضُ والرَمْضَاءُ: شِدَّةُ الحر. والرَمْضُ: حَرّ الحجارة من شِدَّة حَّرِ الشمس، وقيل هو الجو. والرَمْضُ: شِدَّة وقع الشمس على الرمل وغيره، والأرض رمضاء( ).
وفي معجم المعاني الجامع:
رمضان: الجمع رمضانات، وأرمضاء، وأرمِضَه، ورماضين وهو: الشَهْرُ التاسع من الشهور الهجرية بعد شهر شعبان، ويليه شهر شوال، وعدد أيامه 30 يوماً، أو 29 يوماً فقط.
ورمضان هو الشهر الذي أنزل الله سبحانه وتعالى فيه القران الكريم على رسوله الأمين()، وفيه فَرَضَ، أيضاً، الصيام على عباده، وفيه ليلة القدر، وهي ليلة خير من ألف شهر يقدسها المسلمون في كل مكان؛ قال تعالى في كتابه العزيز:


المجتمع المحلي :Community يُشِيرُ هذا المصطلح إلى: "جماعة من الأشخاص تتوحد من خلال المصالح المشتركة، والعلاقات الشخصية، أوعلاقات الوجه في الوجه في إطار شبكة من علاقات اجتماعية محدودة النطاق، أو في إطار تجمع سكني. ويرى "تونيز" أنه يتميز بسيطرة القرابة، والروابط الأخلاقية، ويخلق نظاماً اجتماعياً متجانساً نسبياً"( ).
الجماعة الشعبية Popular community: "جماعة صغيرة، أو عِدة جماعات يرتبط أفرادها بمصالح مشتركة، أو عامة، وتتميز حياتهم بالمشاعر العاطفية الجادة، والخيال الحي، ونشاطه التفكير وعدم التعمق في التحليل، والتمسك بالقديم. وتتميز تلك الجماعة بثقافة تتميز بالطابع المحافظ ؛ كما أنها تتماثل مع التراث، وقد يُطْلَقُ عليها مصطلح الثقافة التقليدية"( ).
الثقافة المادية Material culture: تُعَدُ الثقافة المادية نشاطاً نوعياُ للجماعة الشعبية، أو لفئةٍ منها تحمل ميراث هذه الجماعة المادي، والشفاهي من الآباء، والأجداد، وتهدف في المقام الأول إلى تشكيل، أو إعادة تشكيل مواد البيئة المحلية على هيئة منتجات لها جانب نفعي، وأخر وظيفي. وتظل هذه الجماعة، أو الفئة في ممارسة هذا الجانب من ثقافتها التقليدية ما دام ما تنتجه يؤدي وظيفة لهذه الجماعة، ويُشْبِعَ لها حاجة.
ويرى دورسون "أننا نُوْلِي اهتمامنا في هذا الميدان لجوانب السلوك الشعبي المنظورة وليس المسموعة، التي قامت قبل الصناعات الميكانيكية واستمرت موجودة معها جنباً إلى جنب؛ فالثقافة المادية تمثل صدى لتقنيات ومهارات ووصفات انتقلت عَبْرَ الأجيال وخضعت لنفس قوى التقاليد المحافظة والتنوعات الفردية التي يخضع لها الفن اللفظي. ومن المسائل التي تهم دارس الثقافة المادية كيف يبني الرجال والنساء في المجتمعات التقليدية بيوتهم ويصنعون ملابسهم ويُعِدُونَ طعامهم، ويُفلحون أرضهم ويصيدون الأسماك ويحفظون ما تجود به الأرض ويصممون أثاثهم وأدواتهم المنزلية. وفي المجتمع القبلي تكون كل العمليات ذات طبيعة تقليدية، وكل المنتجات يدوية الصناعة على الرغم من وجود عمليات تجديد بطبيعة الحال"( ).

مناهج البحث Research methods
تتميز موضوعات الثقافة الشعبية بتعددها، وتنوع عناصرها؛ لذا فمن الطبيعي أن تتعدد المناهج اللازمة لدراستها. ومن هذا المنطلق فإن منهج دراسة المجتمع المحلي Community يعالج أحد جوانب هذه الدراسة، وترجع أهمية هذا المنهج إلى ضرورة فهم وتحليل المعتقد في ضوء المظاهر والعلاقات الاجتماعية، ومختلف الأنشطة الأخرى التي تسود هذا المجتمع؛ فدراسة ملامح المجتمع الأيكولوجي لها دلالة ثقافية ذات مرجعية إجتماعية تنم عن كيفية نمو هذا المعتقد الذي تتأسس به الظاهرة موضوع الدراسة وتنتقل في هذا الإطار جيلاً بعد جيل، كما أن دراسة النشاط الاقتصادي، مثلاً، تُفضي إلى بيان أثر التحولات الاقتصادية على العلاقات الاجتماعية والمؤسسات الخدمية التي تتم في إطار ثقافي محدد.
ويعد المنهج الوصفي منهجاً رئيسياً في الدراسات التي تتناول موضوعات عناصر الثقافة المادية؛ فهو - بلا شك - يتيح للباحث التحقق من التفاصيل الدقيقة لموضوع الدراسة، والرموز التي لا بد من توضيح تفاصيلها للباحث ومن ثَمَّ للقارئ. الأمر الذي يكون له مردوده الإيجابي في هذا الإطار، بالإضافة طبعاً إلى أن الجمع بهذا الشكل لمادة الدراسة يسهل الجمع، وترتيب العناصر بشكل ييسر استرجاعه وقت الضرورة. ولا شك أن ارتباط كل هذا بمكان وزمان محددين أمر بالغ الأهمية للوقوف على مدى شيوع وانتشار العنصر المبحوث الأمر الذي يفيد في فهم طبيعة العقل الجمعي Collective minedلمجتمع الدراسة.
والمنهج الوصفي التحليلي( ) يعتمد على جمع الحقائق - عن ظاهرة ما - وتحليلها لاستخلاص دلالاتها، أي أنه يسعى نحو تقرير خصائص ظاهرة، أو موقف تغلب عليه صفة التحديد. ويرى فان جنب :van Genep "أن الظواهر الاجتماعية تبدوعلى شكل أحجام ذات مظاهر متعددة. ويجب علينا لكي نصفها أن نتناول كلاً من هذه المظاهر على حدة، بالتتابع. ومجموع هذه المظاهر الصغيرة هو ما أسميه بالإطار"( ).
ولا غنى للباحث، في مثل هذه الدراسات، عن استخدام المنهج الوصفي التحليلي الذي يعني"بتحديد المشكلة، ووضع الفروض، وتسجيل الافتراضات التي تأسست عليها فروضهم، وإجراءاتهم البحثية، واختيار المبحوثين، والمصادر الملائمة لجمع البيانات، واختيار وإعداد أساليب جمع البيانات، ووضع القواعد المناسبة لتصنيف البيانات، والقيام بملاحظات منهجية مختارة بطريقة منظمة، ومن ثم وصف النتائج، وتفسيرها، وتحليلها في عبارات محددة وواضحة"( ).
ويُعد المنهج التاريخي Historical method( ): أحد أهم المناهج التي سأستخدمها لتناول هذه الدراسة، وهو "يعنى بالكشف عن أصول، ليس بالضرورة الأصول الأولى لهذه العناصر، والنظر إليها نظرة تشريحية تعميقية على اعتبار هذا الكيان الثقافي الماثل أمامنا في الحاضر كشئ متطور، ومتغير عَبْرَ العصور، ومن خلال الاحتكاك بالثقافات الأخرى.
ويعتمد هذا المنهج على هدفين رئيسيين:
أ‌- الكشف عن المنشأ التاريخي لمختلف عناصر التراث الشعبي وصولاً إلى فهم التطور الذي قطعه كل عنصر من تلك العناصر سواء كان حكاية، أو عادة معينة، أو معتقداً، أو قطعة من الزي،.....إلخ.
ب‌- تلخيص تلك المعلومات المفصلة لإعطاء نظرة عامة، شاملة إلى الإطار التاريخي للتراث الشعبي لمجتمع معين".
ومما لاشك فيه أن الكشف عن المنشأ التاريخي لعنصرٍ ما من عناصر ثقافتنا الشعبية، وتتبع مراحل وجوده، وانتقاله من جيل إلى جيل، هو ما يتيح لنا إعادة ترتيب الفترات التاريخية الماضية وفق ما تم استخلاصه من معلومات. "وترجع أهمية مواد التراث الشعبي، والحياة الشعبية إلى دورها في إعادة بناء الفترات التاريخية الغابرة، والتي لا يوجد عنها إلا شواهد ضئيلة متفرقة، وهو ما يعرف باسم منهج إعادة البناء التاريخي Historical Reconstruction ( ).
ويتيح لنا هذا المنهج إعادة تفسير عناصر الثقافة الشعبية خلال هذه الفترة، ومقارنتها بما تبقى، أو تغير، من هذه العناصر، التي ينبغي ألا تتعارض مع ذائقة الجماعة الجمالية والقيمية؛ حتى يتقبله الضمير الجمعي Collective Conscience للمجتمع، ومن ثم يعطينا الدافعية لإعادة التفسير Reinterpretation بما يفيد في إعادة رسم الفترات التاريخية السابقة، بما يتوافق والتفسير الجديد لهذا العنصر وما يرتبط به. بمعنى إضفاء معنى، أو معاني قديمة/جديدة لهذا العنصر في مرحلته الراهنة، أو إضفاء "قيم جديدة أخرى" لم تكن موجودة، أو لم يتم الإلتفات إليها.
ومما يعطي الأهمية لهذا المنهج "أن كثيراً من الدارسين قد استخدموا مواد التراث الشعبي، والحياة الشعبية في إعادة بناء الفترات التاريخية الغابرة، والتي لا يوجد عنها إلا شواهذ ضئيلة متفرقة، وهو ما يعرف باسم منهج إعادة البناء التاريخيHistorical Reconstruction . وليس من الضروري بطبيعة الحال أن يعطينا هذا البناء، أو بالأحرى إعادة البناء تسلسلاً حقيقياً مئة بالمئة، ولكنه سيوضح لنا بصورة أدق كيف انتقل هذا العنصر، أو الأدوات الخاصة بتصنيعه، وكذلك كيفية انتقال عناصر الثقافة الشفاهية المصاحبة لهذا العنصر - إذا كان ثقافة مادية - مثل الأمثال والتعبيرات الشعبية، العادات، التقاليد، المعتقدات.....إلخ من مكان إلى آخر حتى انتهت إلينا. "ولابد أن تتضمن أي دراسة حديثة للثقافة المادية الوصف المفصل، وترتيب البيانات الميدانية وتصنيفها، وتوضيح العلاقات الجغرافية التاريخية بين الأنماط المختلفة، وتركيب الأشياء واستخداماتها، وكذلك الجوانب الوظيفية والسيكلوجية"( ).
ويُعَدُ منهج دراسة الحالةCase Study : من المناهج المناسبة لدراستي عن"العادات والتقاليد المرتبطة بشهر رمضان حيث يتم تصنيع الفانوس الصَاج المُطَعَّمْ بالزجاج، وكذلك الفانوس الخشبي في مدينتي قويسنا". ويعده البعض أداة، والبعض يعده منهجاُ علمياً، ولكلٍ مبرراته، ليس هنا مجال طرحها؛ ما يهمنا أنها: "تهدف إلى تجميع بيانات ملائمة تصلح أساساً لتفسير الوضع القائم للوحدة المبحوثة على ضوء خبراتها الماضية، وعلاقاتها مع البيئة المحيطة"( ). وقد تكون هذه الوحدة شخصاً، أو أسرة، أو جماعة، أو مؤسسة، أو مجتمعاً محلياً. وقد لجأت لهذا المنهج، واعتبرته أحد أدواتي للأسباب الآتية:
• النفاذ إلى أعماق شخصية من يعملون في تصنيع الفوانيس لمعرفة اهتماماتهم، وحاجاتهم، وخبراتهم في هذا المجال، وتفاعلاتهم مع بعضهم البعض داخل ورشة التصنيع.
• التعرف على طبيعة العلاقات الاجتماعية التي تربط صانع الفانوس بأفراد المجتمع.


أدوات استخدمها الباحث في دراسته
ولقد استعان الباحث بالعديد من الأدوات التي تتناسب وموضوع دراسته، وتعينه بالضرورة في الجمع الميداني للعادات والتقاليد والمعتقدات والمأثورات، والرموز الشعبية المرتبطة بشهر رمضان بمحافظة المنوفية، وكذلك رصد الوحدات الزخرفية والرموز النابعة من البيئة الحاضنة للمبدع الشعبي/ للحِرَفِي، وكيفية تصميم إبداعاته الفنية والخامات المستخدمة أيضاً:
أ‌- الملاحظة Observation: "مراقبة مقصودة تستهدف رصد أية تغيرات تحدث على موضوع الملاحظة سواء أكان الملاحَظ ظاهرة طبيعية، أو حيوانية، أو إنسانية، أو مناخية") ). والحقيقة أنه لا غنى لأي باحث عن هذه الأداة التي أعتبرها يد الباحث التي تكشف له مفاتيح مجتمع البحث مما ييسر له المعرفة الوثيقة عن علاقات الأفراد مع بعضهم البعض، وأساليب التعامل في كافة مناحي الحياة الاجتماعية، الاقتصادية،....... وكيفية التعبير عن ممارساتهم اليومية بصفة عامة. وباعتباري أحد أبناء منطقة البحث أعتبر نفسي ملاحظاَ مشاركاً، وترى بولين يونجPoline Younge أن الملاحظة بالمشاركة هي: "تلك الملاحظة التي تمكن الباحث من أن يحياها وسط الناس الذين يرغب في ملاحظتهم وتتيح له أن يساهم في مختلف أوجه النشاط للمبحوثين "( ).
ب‌- المقابلة Interview هي: "طريقة علمية منظمة تمكن الباحث من التعرف على ما يدور في خلد المبحوثين وفقاً لخطة موضوعة" ( )، ومن المؤكد أن المقابلة مهمة جداً بالنسبة للباحث وذلك لأنها تساعده في توضيح ملاحظاته الأولى، هذا بالإضافة إلى أنني أعتبر تلك المقابلات بمثابة أعمدة البحث التي يبني عليها الباحث بحثه.
- دليل الجمع الميدان Field addition:
ويُعَدُ دليل الجمع الميداني، الذي يصممه الباحث، العمود الفِقَرِي للدراسة، أي دراسة؛ فهي أحد أهم أسلحة وأدوات الباحث قبل بداية جمع مادته؛ إذ يستقصي من خلالها جميع الجوانب المطلوبة لعناصر موضوعه البحثي. "وتعتبر استبيانات العمل الميداني وسيلة أساسية من وسائل جمع مواد المأثورات الشعبية جمعاً علمياً دقيقاً. وتتنوع الاستبيانات تبعاً لتنوع مواد هذه المأثورات من فنون أدبية، أو تشكيلية، أو صناعات شعبية، أو من عادات وتقاليد، ومعتقدات شعبية، أو احتفالات طقوسية وعائلية، إلى غير ذلك من أنماط الإبداع الشعبي بحالاتها المتعددة، ومناسبات ممارساتها المختلفة( ). وعلى الرغم من تعدد وتنوع استبيانات العمل الميداني تبعاً لكل فرع من فروع المأثورات الشعبية؛ فإنها تتبع الأسلوب نفسه في استقصاء المعلومات الوافية عن المادة موضوع الاستبيان، ورصد البيانات الدقيقة عن مصادر هذه المادة؛ فالمادة المجموعة ميدانياً هي أساس كل عملية علمية في دراسة هذه المادة وتحليلها، واستخلاص العناصر المكونة لها، ومعرفة واقع كل عنصر في بنية هذه المادة، ووظيفته"( )، وعلى الباحث أن يتمتع بالوعي بعادات وتقاليد وقيم مجتمع الدراسة التي يقوم بالجمع منها وذلك قبل نزوله إلى الميدان؛ " فَتَعَرُفْ الجامع على التقاليد المحلية الخاصة بالقرية، أو المنطقة التي سيعمل بها هام وضروري يُجنبه الوقوع فيما قد يصدم جُمهوره ويساعد في اتباع قواعد السلوك وآداب المعاشرة المحلية مما يجعله أقدر على النفوذ إلى عالم رواته"( ). وقد صمم الباحث دليلاً لجمع مادة دراسته عن المظاهر الاحتفالية "الشعبدينية" بقرى ومدن محافظة المنوفية، وهو متاح الآن ( ) للتعامل معه وعلى الجامع الذي يتخذه دليلاً أن يراعي ظروف المنطق التي يقوم بالجمع منها؛ فيقوم بحذف وإضافة ما يراه مناسباً لقيم وتقاليد ومعتقدات جماعة البحث، بحيث لا يقف كل هذا عائقاً أمام استكمال بحثه بالصورة التي خطط لها.
وقد أضاف الباحث بطاقات للتعريف بأدلاء الجمع الميداني وكذلك مصادر دراسته. وعلى الباحث أن يَعِّي جيداً أن أسئلة هذا الدليل موجهة له هو في المقام الأول للإحاطة بموضوع دراسته من كافة الجوانب للحصول على مايريده من بيانات وتحليلها ومن ثَمَّ الوصول إلى نتائج تفيد البحث العلمي والجماعة في آنٍ واحد.
- التصوير الفوتوغرافي: لا شك أن التصوير الفوتوغرافي له أهمية كبرى في توثيق جوانب العنصر الشعبي الذي اتجه الباحث لجمع مادته في وقتٍ وزمانٍ محددين.
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.