استيقظت من نومي متعبة للغاية، وكأنني مشيت أميالا بالأمس، ولم أكن نائمة، ولا أعلم سبب هذا، فقد تكررت هذه الحالة معي كثيرا بعد وفاة توأمي روح، ولا أعلم ما سبب ما أشعر به، ربما أشعر بذلك لاشتياقي لها، فقد كنا مقربتين جدا، ولكن منذ الحادثة وأنا أشعر بأن تصرفاتي مختلفة مما سبق، ولكن لم أعطِ للأمر أي أهمية، وذهبت كالعادة إلى الجريدة التي أعمل بها كمدربة صحفيين حديثا، وصحفية قديمة لأنني لن أترك صفحتي التي اعتدت أن أكتب بها أهم المواضيع للقراء حتى بعد منصب أعلى، لولا تلك الصفحة لم أصبح ما عليه الآن، وقد كنت مسؤولة مسؤولية كاملة عن صفحة الحوادث، رغم أنها اصعب صفحة في أبواب الجريدة إلا أنني كنت أحرص دوما عن نقل الحقائق للقراء، ولم أكن أتوقع ان أكون يوما ما مسؤولة عن نشر حادثة أختي بنفسي، وكنت أصب كامل تركيزي على الحادث، خاصة بعد أن جاء أحد الضباط إلى مكتبي بالجريدة ليتحدث معي بخصوص القضية.
في مكتب ريم في جريدة الحقيقة، قام أحد الأشخاص بطرق باب المكتب فأذنت له ريم بالدخول.
- صباح الخير حضرتك الآنسة ريم شقيقة الدكتورة روح فضل.
نظرت له بريبة بعد ذكر اسم شقيقتي، وقلت له:
- نعم أنا ريم شقيقة روح، من أنت.
- أنا الضابط ريان من قسم شرطة الجيزة قسم الجرائم والحوادث.
- أهلا بك، كيف يمكنني مساعدتك؟
نظر لي بحزن قائلا:
- أعتذر آنسة ريم، ولكن معي إذن من النيابة بفتح قبر شقيقتك لإخراج الجثة وعرضها على الطب الشرعي مرة أخرى.
نظرت له بذهول مما يقوله، ولماذا قد يخرجون الجثة بعد مرور ثلاثة أشهر من دفنها -خاصة- وأنها قد مرت على الطب الشرعي من قبل، ماذا حدث الآن لكي يخرجوها من قبرها؟ شعرت بالاستياء مما قاله ورغبت بالرفض، ولكن لا يمكنني ذلك أنه أمر من النيابة فوافقت على مضض بإخراجها، ولكن يجب علىَّ متابعة التحقيقات بنفسي، بما أنني الصحفية المكلفة بمتابعة تحقيقات القضية أولا وشقيقة الضحية ثانيا، ذهبت إلى المنزل لأخذ مفتاح القبر وحرصت على عدم إخبار أمي كي لا تنهار بمعرفتها بذلك الأمر، وذهبت برفقة الضابط ريان ومجموعة من الأمن والأطباء لإخراج جثة شقيقتي، وتم أخذ الجثة عودة إلى المستشفى وعرضها على الكشف الطبي، وبعدها سيتم نقل الجثة إلى المشرحة لتشريح الجثة، ولم أفهم أي شيء مما يحدث هناك فذهبت إلى الضابط ريان للاستفسار عن سبب فتح التحقيقات مرة أخرى بعد حفظ القضية.
- هل يمكنك اخباري ماذا يحدث هنا؟ ولماذا يتم إعادة الكشف الطبي ألم ننتهي من هذه الإجراءات من قبل، وقبل ان يجاوبني خرج من غرفة الكشف الطبيب، وصدمت عندما رأيته فلقد تغير الطبيب أيضا، وان من يقف امامي يكون ياسر شقيق فريد خطيب شقيقتي، وهذا آخر شخص أتوقع وجوده حاليا، نظر لي ياسر بانكسار وتحدث إلى ريان قائلا:
- للأسف يا حضرة المحقق لقد قمت بالكشف الطبي على الجثة أكثر من مرة، واكتشفت أنه تم اغتصابها قبل أن يحترق وجهها وبعض من الأماكن في جسدها، ومعلوماتي عن الضحية أنها مازالت عذراء، في هذه الحالة يوجد هتك للعرض.
نظرت له بذهول مما يقوله، ولم أتمالك أعصابي وفقدت وعيي من إثر الصدمة، وتم أخذي في إحدى الغرف لمعالجتي وإفاقتي، واستعدت وعيي وجدت ياسر برفقتي، نظرت له وظللت انتحب وأبكي على ما حدث مع شقيقتي، لقد كنت أتوقع بعد حفظ القضية أنه مجرد حادث، الآن أصبح الأمر ملفقا وتذكرت حديث شقيقتي آخر فترة معي.
عودة لما حدث
عدت من الجريدة سعيدة بآخر مقالة قمت بنشرها عن بعض الفاسدين تم القبض عليهم، دخلت المنزل وكانت روح تتحدث عبر هاتفها، وعندما رأتني ارتبكت وأغلقت هاتفها، نظرت لها بسخرية قائلة:
- لم يكن هناك داعي لإغلاق هاتفك، سأذهب إلى الغرفة حتى لا أفسد لحظاتك الرومانسية مع فريد.
نظرت لي بغضب قائلة:
- هذا ليس وقت مزح أو مرح، هذه مكالمة تخص العمل وفور دخولك كنت قد انتهيت.
- حسنا حسنا لا تنزعجي، كيف حالك لم أعد اراك كثيرا هذه الفترة؟
- أنا منشغلة كثيرا هذه الفترة، أقوم بالتجهيز للدواء الجديد الذي سينزل الأسواق قريبا.
- هنيئا لكِ، وأخيرًا انتهيت سعيدة لأجلك، ولكن لماذا يبدو عليك القلق والهموم.
نظرت لي بحزن بالغ في عينيها قائلة:
- أشد أنواع الفشل حين يقترب المرء من النجاح فيجد من سبقه بخطوة.
- لماذا تقولي ذلك؟ لم تعرفي الفشل أبدأ، وأنا واثقة من أنك ستنجحين.
نظرت لي بنفس نظرة الحزن والانكسار وقالت:
- أتمنى لو كان لدي المزيد من الوقت، أصبح ما أفعله ثمنه كل لحظة من حياتي.
- ماذا تقصدين لقد أقلقتني كثيرا، ماذا بكِ أختي؟
- لا شيء يا ريم، ولكن أود أن أنصحك نصيحة يا أختي، لا تكوني مترددة أبدأ كوني محاربة لأجل الحقيقة.
- حسنا أختي أعدك أن أكون مدافعة عن الحقيقة دوما.
عودة للوقت الحالي في منزل فريد..
عدت من العمل منهك ومتعب لأنني أشعر بالدوار كثيراً، وذهبت إلى الغرفة كي أنال قسطا من الراحة، ولحظات قصيرة وغفوت على السرير، استيقظت على إثر سماعي أشياء تسقط خارج الغرفة، خرجت من الغرفة وذهبت باتجاه الصوت، ولكن لم اجد شيء عدت إلى الغرفة مرة أخرى ظنا مني أنني أتوهم، توقعت بأني كنت أحلم كعادتي، ولكن سرعان ما أغلقت باب الغرفة، قد استمعت إلى نفس الضجة التي حدثت قبل قليل، ولكن هذه المرة خرجت فوجدت المنزل مقلوبًا رأسا على عقب، وجدت النيران مشتعلة في المطبخ اطفأت جرة الغاز وعدت إلى صالة المنزل، وجدت جميع الكراسي مقلوبة وبجانبها جميع الملابس وإضاءة المنزل خافتة إلى أن شعرت بالهلع دب في أوصالي، فركضت مسرعا صوب الغرفة أمسكت هاتفي واتصلت بأمي لكي أعلم لماذا تأخرت بالخارج فهذه ليست عادتها، ولأنني أشعر بالخوف الشديد، ردت عليّ أمي وقالت لي أنها ستكون في المنزل بعد نصف ساعة وأخبرتها بما حدث معي، قالت لي أصلي فرض الله وأنها قادمة بسرعة فعلت، ما طلبت مني وجلبت سجادة الصلاة وبدأت صلاتي، ودب الخوف في جسدي عندما استمعت إلى صوت خلفي يقول (الله أكبر) وكأن أحد يصلي خلفي تمالكت أعصابي حتى فرغت من الصلاة، ونظرت خلفي فلم أجد شيئًا وثواني معدودة واستمعت مرة أخرى إلى صوت خلفي يقول: ستنال عقابك حتميا، ركضت من الغرفة وأنا أبتلع لعابي بصعوبة، وارتطمت بأمي كانت وصلت وقادمة لرؤيتي وعندما وجدتني بتلك الحالة، أنارت أضواء المنزل وأخذتني إلى المستشفى.
في المشرحة تم تشريح الجثة بعد انتهاء الكشف الطبي عليها، وسيتم نقل الجثمان مرة أخرى إلى المدافن لدفنها مجددا.
في المستشفى، كانت والدة فريد قد أخذته بعدما فقد وعيه.
أخذتني أمي إلى المستشفى بعدما فقدت وعي، استيقظت وجدتها تتحدث مع الطبيب، وكان يقول لها أنني أصبت بنوبة هلع وألا أظل بمفردي كثيرا، تحدثت قائلا له:
- هل من الممكن أن تتكرر نوبة الهلع مرة أخرى؟
- نظر لي بتشكك وقال: من الممكن، ولكن أنا أنصح أن تذهب إلى طبيبٍ نفسي، لتجنب تكرار هذه الحالة.
شكرته وقلت له أنني سوف أفعل، وذهب الطبيب وأخذت أمي تتحدث بدون توقف، عن ماذا حدث وماذا شاهدت؟ ولماذا منذ أن فقدت روح وأمر بتلك الحالة، لأنها تريدني أن أمر بحياتي أفضل من ذلك، فاقترحت أن أرتبط مجددا رفضت ذلك لأنني لن أنسي روح مطلقا، ولكن بالحقيقة روح هي التي لن تنساني أبدا.
في غرفة الطبيب ياسر بالمشرحة
- هل ممكن أن تخبرني كيف اكتشفتم أمر تزوير الكشف الطبي؟
- في الحقيقة لم أعرف شيئا عن الأمر، بل علمته في الصباح عندما التقيت برئيس قسم الأطباء، طلب الحديث معي بخصوص القضية وأنه لا يثق بأحد هنا يمكنه التعامل مع القضية بواجب وأنني الوحيد الذي يثق به، بأنني لن أخالف القوانين مثلما فعل زميلي الدكتور عصمت الطبيب السابق للقضية، وهو الآن محول للتحقيق معه بأخذ رشوة لتزوير أدلة الجثة والكشف الطبي، ولا أعرف شيئا آخر بعد ذلك غير الكشف الطبي الذي قمت به، لذلك لا يمكنني إفادتك في الأمر كثيرا، ولكن أعتقد أن الضابط ريان لديه أجوبة لكل ما يدور في ذهنك الآن، وهو المكلف بالقضية الآن بعد تغيير المحقق السابق بالتأكيد يمكنك معرفة الأمر منه.
- حسنا شكرا لك يا ياسر على اليوم.
- لا تقولي ذلك أنا بجانبك دومًا.
بعد دفن جثمان أختي مرة أخرى عدت إلى قسم الشرطة لمقابلة الضابط ريان مرة أخرى، دخلت القسم وطلبت رؤية الضابط ريان وانتظرت لبضع ثوان ودخلت إليه، وقمت بسؤاله عدة أسئلة وكان متعاون للغاية أجاب على كل أسئلتي بهدوء تام، ودونت كل ما قاله وبعد ساعة ونصف استأذنت في الرحيل وأنا عائدة إلى المنزل رن هاتفي، وكان اتصال من الجريدة كان رئيس التحرير، وأخبرني بمستجدات ما توصل له وطلب مني كتابة مقالتي وأجلبها له بالغد للطباعة والنشر اليوم التالي، لأن القضية الآن أصبحت ليست مجرد حادث، أخبرته أنني سأفعل ما طلبه وأغلقت الخط، ولكن كيف يمكنني كتابة مثل هذه الأحداث البشعة عن أختي، قد يكون الجميع يتذكر أنني الصحفية ريم ولا يتذكرون أنني شقيقة الضحية، يا له من عالمٍ قاسٍ يا أختي لم يرحمك أحد وأنت على قيد الحياة ولم يرحمك وأنتِ متوفاة، عدت إلى المنزل ودخلت إلى غرفتي مباشرة، ولم يكن لدي رغبة في تناول الطعام حاولت أمي مرارًا ولكن بلا جدوي، جلست ساعات أفكر ماذا سوف أفعل في المقال الذي سأقدمه غدا؟ ولكن انتهى بي الأمر مسكت قلمي وبدأت بكتابة تفاصيل الجريمة كالتالي.
"إنه في اليوم الحادي والعشرين من شهر أبريل، تم العثور على سيارة محترقة على طريق مصر الصحراوي، توجد بها فتاة في سن التاسع والعشرين من عمرها، محترق وجهها وبعض الأماكن في جسدها -ليس جسدها كاملا- تدعى روح فضل (طبيبة وباحثة)، ومن متابعة التحقيقات تم التوصل إلى أن الضحية قبل أن تحترق السيارة، قد تم الاعتداء عليها وتم اغتصابها ووجود آثار خنق على رقبتها من شخص يرتدي خاتمًا في إصبعه لوجود آثاره على رقبتها، وعندما وجد الضحية ما زالت حية أشعل النيران في السيارة، وعندما حاولت الهرب من السيارة بعد احتراق وجهها، قام الجاني بضرب رأسها بأداة حديدية مما أدى إلى ارتجاج في المخ ونزيف داخلي دام لفترة لا تقل عن ساعتين، حتى تم العثور عليها من قبل أحد الأشخاص والذي كان عائدا على نفس الطريق وجدها كانت فارقت الحياة، وتم اكتشاف بالأمس إن أدلة القضية ملفقة وتم تزويرها من قبل الطبيب عصمت فواز، الطبيب الخاص بالطب الشرعي والضابط أحمد بدران المكلف بالقضيّة سابقا الذي أمر بحفظ القضية لعدم كفاية الأدلة، وتم إخراج الجثمان للكشف الطبي مرة أخرى، واكتشاف حالة الاغتصاب ومحاولة القتل العنيفة التي أودت بحياة فتاة في مقتبل العمر، وتم إيجاد ظرف في حقيبتها بداخله ورقة مكتوب بها "أنتِ لم تتوقفي عن اللعب بالنيران فيجب إن تحترقي بها"، وبما أن السيارة احترقت فقد كانت الرسالة رسالة تهديد قديمة مسبقة للجريمة، وجاري البحث عن الجاني لكي ينال ما يستحقه لارتكابه هذه الجريمة الشنيعة، وقتل فتاة بهذه الطريقة، اسأل الله ان يلهم اهلها الصبر والسلوان.
كنتم مع جريدة الحقيقة.. هدفنا هو إيصال الحقيقة لكم مهما كان الثمن، بقلمي ريم فضل".
انتهيت من كتابة التقرير الساعة الثانية صباحا، وارتديت ملابسي لكي أذهب إلى الجريدة مرة أخرى قبل طبع النسخ التي ستوزع صباحا، حتى يكون الخبر الأول في نفس اليوم، خرجت من الغرفة واستمعت لخطواتي أمي وحاولت منعي من الخروج ولكن بلا جدوى، ذهبت وفي طريقي هاتفت رئيس التحرير ووافق أيضا بعد إصراري علي نشره اليوم بدلا من الغد، وأمر ورشة الطبع بنشر المقال صفحة أولى مع صورة الضحية، وبعد أن تم طبع النسخة الأولى وتأكدت من المراجعة النهائية، عدت إلى المنزل متعبة للغاية وسقطت في نوم عميق، فقد كان يوم شاق وقاسي مررت به.