فى القصر الرابض على النهر ، يسهر مع رفاقه من الفلاحين البسطاء ، زملاء الطفولة والصبا ، يشاركهم بعض المثقفين الذين نالوا حظا من العلم والإطلاع ، يغالبون الحنين إلى الماضى بكل مافيه ،ويرجمون الأحلام المتمردة العصية بكل مالديهم ، يتناقشون فى أمور البلد ،والناس والزراعة ، يشربون الشاى ،ويأكلون الطعام ويتسامرون ، وحينما ينتصف الليل يستأذنون وينصرفون ، وهم يبتسمون لحظة الفراق على أمل اللقاء فى الموعد المعلوم من كل أسبوع .
وحينما انصرفوا فى هاتيك الليلة ، وتركوه بمفرده ،وسط أجواء شتوية باردة ، لم يصعد إلى الطابق العلوى كعادته ، حيث ترقد وداد زوجته ، ربما تكون نائمة ، وربما تكون مؤرقة ،وفى كل الأحوال هى لاتنام قبل منتصف الليل ، حيث اعتادت منذ تزوجته أن يكون هو بوصلتها، وترمومتر حياتها ، إذا سهر سهرت ،وإذا نام نامت ،كأنها ظله الذى يرافقه ولايفارقه .. كانت دوما حريصة على التوحد معه .. سبحان الله ربما تكون ساعتهما البيولوجية واحدة !
ظل جالسا وحده شاردا يفكر ، ويحس أن فى أعماقه شيئا ما له ثقل الحديد وبرودة الثلج ،ثم سأل نفسه :
ـ ما العمل .. لاشىء ؟!
فليس بيده شىء أوبيد غيره .. الأمر كله لله .. فلامخلوق على وجه الأرض يملك من أمر نفسه شيئا .
إنما يكابد احساسا قاسيا بالغربة ،وهو فى قصره الكبير مأمنه ،ومكمنه الذى يحسده عليه الناس كما يكابد مرارة النفى فى كل لحظة من عمره .. ربما تسلل اليأس إلى نفسه من أنه لن يوهب الذرية أبدا .. واليأس إحدى الراحتين !
هاهو يرى ويحس بعجلة الأيام ،تهرول بسرعة رهيبة إلى الأمام ، والشعر الأبيض بخيوطه الشهباء يغزو رأسه!
وحينما سأل الشيخ عبدالرحيم الطناحى إمام وخطيب مسجد المصراوية ، تبسم الرجل الوقور ثم اعتدل فى جلسته قائلا بحكمة الشيوخ :
ـ حين تشيب وأنت على الإيمان ، فتلك نعمة كبرى لأن الله يستحى أن يعذب عبدا من عباده إبيض شعره ، وهوعلى الإيمان .
ثم سكت الشيخ ، وأطرق قليلا ، وعدل من وضع عمامته البيضاء فوق رأسه الصلعاء ،ووجهه المستدير الأبيض كالبدر ، وأنفه المفلطح غير المتناسق مع الوجه الوسيم ثم استرسل متسائلا :
ـ أتدرى سر الشعر الأبيض ياسعد ؟!
ـ لوأدرى بهذا السر ما سألتك يامولانا .
ـ إن الشعر يذكر الإنسان بالآخرة .. أليس الكفن أبيض اللون ؟! وهاهى خيوط الكفن ـ الذى لم يحن موعده بعد ـ تنسج فى رأس صاحبه شعرة شعرة ، وخيطا خيطا عساه يتعظ !
دهش سعد ،واستغرب ماقاله الشيخ :
ـ وماعلاقة الكفن بالشعرالأبيض يامولانا ؟!
ـ كل شعرة ياسعد بمثابة رسالة بأن الموعد يقترب .. الموت حق ، ومكتوب على جبين كل حى ، وكل من عليها فان ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام .
أحس سعد بالخجل والوجل ،فتغيرت نبرة صوته، وهمس باستحياء :
ـ ونعم بالله يامولانا .. رضينا بأمر الله .
ثم عاد إلى شروده ، وصوت الرياح يسفح فى النهر ، ويلطم الجدران ، هواء عاصف كشاب غاضب ثائر .
هنا فى عزبة المصراوية ،كما هو الحال فى ريف المحروسة من أقصاها إلى أقصاها ، تبقى روح الريف خالدة فى النفوس ، بذرة صغيرة تسكن قلوب كثيرة بالملايين كما تسكن قلبه ، أحيانا تذبل ويضربها الضمور ، غير أنها تظل موجودة ،وصامدة تمرض لكنها لاتموت !
قد تكون تلك البذرة حب الفلاح البسيط لأرضه الخالدة ، وأهله وبلده وزرعه ، ومياه النهر التى تجعل كل شىء حى .. ربما تكون تلك البذرة هى الحبة السحرية لحبه لهذا البلد الصغير المنفى بعيدا عن المدائن ، ومعزول عن العمران ، وأبعد مايكون عن عيون الحكومة ، ويدها الطولى الممدودة !
جال بخاطره احساس محدد عن العدل فى هذه الحياة الدنيا ، وإذا كان الله هو العدل سبحانه ، فهو يريد الإنصاف للناس كافة على وجه الأرض .
يريد سعد عبدالراضى أن يرى الإنصاف ،وهو حى يرزق ،وإلا فما جدوى العدل ، وهو فى القبر ، وقد تحول إلى تراب فى حفرة ، أوربما إلى سماد لحقل ما ، من حقول هؤلاء الفلاحين البسطاء السعداء الذين يتناسلون كالنمل ، ويتكاثرون كالجراد ، ويضحكون نهارا وهم يكدحون ، ويختبئون خلف الجدران ليلا ، يستمتعون بعيدا عن العيون ، ليملأوا شوارع العزبة بكائنات جديدة جراء هذا الاختباء الممتع فى الخفاء !
يدرك تماما أن البذرة القابعة فى نفوس هؤلاء الذين يولدون على شاطىء النهر ، يولد معهم قدر كبير من العناد والإصرار ، يظل يسكن عقولهم وقلوبهم طوال العمر ، كأقدارهم تماما .
شىء غريب .. ماذا يعنى هذا ؟!
يعنى أنه لن يتنازل عن حلمه فى طفل من صلبه ،وإلا لمن يترك كل هذا ؟!
يكره الأطباء لأنهم يدسون العسل فى السم ، كى لايموت الشخص من صدمة مايقولون ،حين يحاولون تخفيف المصيبة ، بكلام معسول لايغير من مرارة الأمر شيئا .
يترقب بحذر أن يأتى الأمل من رحم الغيب ، فلاشىء بعيد ، ولاشىء مستحيل حين يأذن رب العالمين .
عليه الآن أن يصعد لأعلى ، يصلى ركعتين قيام الليل ، ويستغفر ربه ، ويدعو فى هذا الليل البارد عسى أن تذهب الغمة ، وينجلى الكرب ، وينفتح الباب المغلق لهذا النوع من الرزق .
صعد للطابق الأعلى ، ودخل غرفته ،وأضاء النور ، ثم خلع ملابسه ، وتخفف من جلبابه الرسمى الثقيل ، وارتدى بيجامة رمادية من قطن خالص ، وتوضأ على مهل ،وصلى بخشوع ، وابتهل إلى ربه بدعاء واحد ، ووحيد ليس سواه :
ـ اللهم الولد ثم الولد ثم الولد .. أنت سبحانك الواحد الأحد .. رب لاتذرنى فردا .
ثم إقترب نحو نافذة الغرفة التى تطل على النهر من الناحية البحرية ، وفتحها بحذر خشية عاصفة باردة ، فامتلأت خياشيمه بهواء الحقول المشبع برائحة الزروع والزهور ، المحمل بقطرات من مطر ،يستحى أن يتساقط ، والفجر ليس ببعيد يوشك أن يتنفس .
عندئذ يشعر بالأمان ،وهو يختبىء من ريح هائجة ، تمرح وتسرح بعنفوان طفلة مفعمة بفرط الحركة !
أحس بفقدان الشهية إلى النوم ، أغلق النافذة ، وعاد إلى فراشه ، مد يده وفتح الراديو على إذاعة القرآن الكريم ، فوجد الشيخ الطبلاوى يرتل أيات من سورة النساء ، أنصت إلى الأيات المحكمات بامعان وتركيز ، فانتابه خشوع مهيب ، ونزلت دموعه على خديه سخية ساخنة ، دون إرادة منه .
وفجأة ختم الشيخ ترتيله ، وتساءل سعد ، وهو يمسح دموعه :
ـ لماذا لايوجد فى كتاب الله سورة باسم ( الرجال ) بينما توجد سورة عظيمة باسم ( النساء ) ؟! إن هذا لشىء عجاب ، وكيف لم يخطر على بالى هذا الأمر من قبل ..ربما لوجاءتنى الفرصة ، وتذكرت لسألت الشيخ عبدالرحيم الطناحى .
تنهد ودخل فى فراشه الوثير الدافىء ، وتدثر بغطاء فخم فأحس بنعمة الدفء المريح .
للأسف جافاه النوم ،واستعصى عليه دون أن يدرى لذلك سببا .
فكر فى وداد شريكة أحلامه، ورفيقة أيامه ، رآها بعين خياله ،واشتهاها تلك الليلة ، لعل الأرض البور تطرح زرعا أخضر ، رآها أجمل النساء كأنه لم يعرفها كل هذه السنوات ، ذهب إليها وهى دائما تنتظره بصبر عجيب ، وصمت مهيب ، وحب بلاحساب مفتوح الرصيد ، كما لوكانت تنتظره فى تلك الليلة ، والليالى القادمة ،تحس به وحياتها بدونه بلامعنى ، وهو كذلك أيضا ، ولوغابت يوما واحدا عن القصر ، وذهبت لزيارة أهلها يبدو القصر كالقبر .
إن حياة الرجل ـ أى رجل ـ بدون أنفاس امرأة تتردد فى صومعته ، أوداره أوكهفه ،أوقصره هى حياة قاسية مشئومة !
إن المرأة تصنع المعجزات فى دارها يوميا دون أن يشعر بها أحد إلا إذا غابت !
نهل من نهر العسل ، وراوده الأمل ،عساها تكون ليلة الولد المنتظر ، ولم لا وأبواب السماء مفتوحة دائما ،تسمع وتجيب لمن يطرقها بالدعاء ؟!
فى صفاء الليل أحس بالرضا ، وزال ماكان فى قلبه ، ويود الآن أن يستنشق أنفاس الفجر الندية الطرية ، ويملأ بها رئتيه المفتوحتين على مصراعيهما ، يريد أن يغرد بحكايته ، ويصدح بها لملائكة السماء والأرض ، ويبوح بها لطيور الفجر المهاجرة فى ملكوت الله ، وهو يحس بحبه لامرأته يكبر مع مرور الأيام ، رغم أن الزمن لايرحم أحدا ، ولايترك شيئا على حاله .
تبدو وداد فى عينيه كجوهرة ثمينة، يرتفع سعرها بمرور الزمن ، وهرولة الأيام ،وزحف السنين إلى الأمام .. تلك المرأة التى تؤمن بأن الرجل بمثابة إله من نوع خاص ، عبادته عليها واجبة ، وأن وظيفتها الأولى والأخيرة فى هذه الحياة هى الإخلاص لهذا الرجل ، وأن ملكيتها لهذا الرجل غير محدودة المدة ، ولامرهونة بالزمن ، ولامربوطة بالإنجاب أوعدم الإنجاب .. إنه الرباط المقدس !
وسواء وهبها حلم الأمومة ، أم لا .. فهى عاشقة لهذا الرجل القلق المضطرب بسبب عجزه عن الوصول بنفسه إلى حلم الأبوة ، والوصول بها إلى شاطىء الأمومة .. منتهى أحلامها ، وأعظم أمالها .
يهتف بصوت متحشرج مكتوم ، عسى الطيور التى تجوب السماء تلتفت إليه ،عساها تأخذه معها فى هجرتها فوق البلاد البعيدة ، والأنهار السيارة إلى معابر مجهولة بلا وجهة معلومة ، لعله يعثر هناك على ضالته ، ويجد فى أقصى البعاد مافقده هنا .
آه لويستطيع أن يكون فى عبقرية الطيور الحرة ،ويملك جسارتها فى الهجر والطير والقنص والصيد ، يأمل أن يكون هو الرجل الطائر الأسطورى المسافر ، بلاحدود فى الزمان والمكان ، ربما يحقق ماينقصه من أحلام .
يريد ألايكون سجينا للزمان ، والمكان والجسد والقدر ، لكن تلك هى الحقيقة ، وتلك هى القيود التى تكبل الإنسان ، وتقيد حريته ، وتحد من قدرته على قنص أحلامه ، وصيد أماله العالية فى الأفاق .. يراها بعيدة ، وربما تكون أقرب إليه من حبل الوريد .
ليس أمامه من سبيل سوى الإيمان بالقدر ،والانتظار والاحتكام لحكمة الصبر ، عسى أن تتبدل الأحوال ،وتغادره ظروف الحرمان من أمل يتيم ، وتعتدل الأيام المقلوبة فى سيرها وعطائها ، تلك الظروف التى جعلت النمل يتناسل ، والجراد يتكاثر ، والفئران تتوالد ، وتتناثر فى الجحور !
كل شىء يولد ، ويتوالد فى العزبة بلاحساب ، الكل يفعل ذلك دون تفكير أوترتيب ، فالثراء ليس شرطا ،ولامهما على الإطلاق ، كما أن الأسماك فى النهر تتناسل ، وتحافظ على ذريتها دون أن تفكر فى قوت يومها ، ولا من أين تطعم صغارها ، ولا كيف تعول نسلها ؟!
إن النهر الذى يحتضنها يتناسل ويتوالد ، وإلا من أين تنبع الترع والمصارف والمجارى المائية ، والجداول النهرية ؟!
سبحان الله الواحد الأحد الذى لم يلد ، ولم يولد .
سبحان الله .. حتى الأشجار فى الحقول ، وعلى ضفاف النهر ، وفى البرارى لاتكف عن التكاثر ، والطيور فى السماء ، والوحوش فى الصحراء ، الكل يتسابق ،ويتصارع كى يحافظ على ذاته ، ويحفظ نوعه ، ويصون جنسه من الإنقراض ، فلماذا هو دون سواه ممنوع من فعل ذلك ؟! أليس هو أغنى رجل فى العزبة ، وأكثرهم مالا ونفوذا .. ؟!
وتظل المشكلة الكبرى التى تطارده ، وتقض مضجعه ، كما تطارد زوجته هى العمر ، وسطوة الزمن الذى لايرحم أحدا ، ولايترك شيئا على حاله إلا ونال منه !
هو يتقدم فى العمر .. لابأس فالرجل يظل قادرا على الإنجاب حتى آخر لحظة ولوتجاوز عامه المئة ، وبلغ من الكبر عتيا .. أما المرأة فلها أوان مثل أوان الورد ، تتوقف أرضها عن الزرع، ويكف نهرها عن الطرح !
لايعرف سعد عبدالراضى كيف تسرب العمر من بين يديه ، ولاكيف هربت السنوات من أمام عينيه دون أن يقبض عليها ؟! لكن من يستطيع ـ منذ خلق الله الدنيا ـ أن يقبض على الماء ، أويمسك بالهواء ؟!
إن محنة واحدة كفيلة بأن تنسف كل المنح ، كما أن العقم الدائم يعنى بالنسبة له الموت بالحياة ، والحرمان من نعمة واحدة لايعوضها الإنسان بكل النعم الأخرى التى بين يديه ، هكذا حاله الآن وحال زوجته ، وهو يئن فى صمت بلاصوت .
أحنى رأسه لإرادة السماء ، واستسلم لليأس ، وأنفق أموالا طائلة دون جدوى ، طاف كل أرجاء المحروسة ، ولم يسمع عن طبيب بارع فى طب النساء والذكورة ، إلا وهرول إليه مدفوعا بالأمل .. لكن إرادة الله فوق كل إرادة .
استحم بعناية فائقة ، تطهر بالشامبو وتعطر بماء الياسمين ، وصلى بخشوع ودعا ربه ، وقال رب لاتذرنى فردا ، وهب لى الذرية الصالحة ، ثم نام نوما عميقا ، ولايدرى كم مر من الوقت حتى سمع أصواتا غير عادية ، وضجة غير معهودة ، فى هذا الوقت المبكر ، والنهار مازال يفتح عينيه بعد ليل أعمى .
تأتى الأصوات من ناحية طريق السيارات الرئيسى المار على النهر بمقربة من القصر ،تداخلت أبواق السيارات مع حشرجة آلات ضخمة كبيرة وغريبة ، تدخل العزبة لأول مرة فى تاريخها ، ونداءات من حناجر جهورية ، تنطق بألفاظ مبهمة .
امتعض فى فراشه ضجرا من هذا الإزعاج ، الذى لم يسبق له مثيل فى تلك العزبة النائية المنسية التى لامكان لها على خريطة المحروسة ، وتقلب فى حريره الناعم الدافىء كسمكة تتعذب على نار حامية ، وهتف بصوت مبحوح نعوس :
ـ ياوداد .. ياوداد .
لاأحد يجيب ، لأنها نزلت إلى الحديقة تتابع الجناينى ،وهو يسقى الورد ، ويهذب الأغصان ويشذب الأشجار ، وتلك عادتها فى هذا الوقت من بواكير النهار .
نهض من مخدعه متجها إلى الشرفة ، وفتحها بتوجس حذر ، فإذا به يرى سيارات نقل كبيرة محملة بمعدات ثقيلة غريبة الأطوار على عينيه ، ولوادر ضخمة عالية لها أذرع ،ومخالب مرفوعة لأعلى ، تفوق أعلى نخلة فى العزبة ، وتبدو له كأنها كائنات خرافية حديدية لامثيل لها فى وضع استعداد للإنقضاض على فرائس مجهولة !
وأعداد كبيرة من العمال بثياب عادية ، والجنود بملابسهم العسكرية الثقيلة الخشنة ،يصنعون جلبة وضجة ، وكأن جيشا قد هبط على العزبة ليحتلها .
لم يصدق الرجل عينيه ، وفركهما بيديه ، وظن أنه مازال نائما يحلم ، وقد داهمه كابوس ، وإذا بزوجته تدخل عليه هامسة باسمة :
ـ صباح الخير ياسعد .
دون أن يلتفت إليها سوى بطرفة عين قال :
ـ أهلا ياوداد .. ماهذا الذى أراه ؟!
يشير إليها حيث يرى الكائنات ، وهو يحملق فى طابور طويل من الآلات ، والمعدات الضخمة المحمولة على عربات أكثر ضخامة .
تطلعت مثله ، وقالت باسمة بلامبالاة :
ـ يقولون إن الحكومة قررت إنشاء مشروع كبير فى الصحراء على أطراف العزبة .
باستغراب ،وهو شاخص مكانه يتأمل :
ـ مشروع .. أى مشروع ياوداد ؟!
ـ سألت جاب الله حارس القصر ـ منذ قليل ـ فأخبرنى أنهم قرروا بناء مستعمرة فى الصحراء عند حافة الجبل ،ولذلك جاءوا بتلك المعدات والعمال للحفر والبناء .
ـ ولماذا اختاروا عزبتنا المنسية دائما ؟! ومامعنى مستعمرة أصلا ؟! وما الهدف من هذا المشروع فى عزبة خارج نطاق العمران ، وليس لها على خارطة البلاد عنوان ؟!
ـ بصراحة سألته نفس الأسئلة ، لكنه لايعرف التفاصيل ،لكن كبيرهم نزل عند العمدة فى داره، ويبدو أن العمدة خليفة الشوادفى لديه الخبر اليقين .
ـ ولماذا بينهم جنود وعساكر ؟!
ـ لأن الهيئة التى ستنفذ المشروع هى هيئة هندسية عسكرية ، وهؤلاء هم جنودها .
تبسم سعد عبدالراضى متعجبا ، وهمس حائرا :
ـ مستعمرة .. مشروع هنا فى زمام عزبة المصراوية ، حكمتك يارب .. هذا عجب العجاب ، ولماذا فكرت الحكومة فى هذه البقعة البائسة من بر مصر المحروسة ؟!
ـ ياسلام عليك ياسعد .. ياخبر بفلوس غدا يكون مجانا ، لعل هذا المشروع يحمل الخير للعزبة، وأهلها الطيبين .. دعك من هذا الأمر ياحبيبى ، وهيا بنا نتناول الإفطار سويا .
تنهد وقال :
ـ لله الأمر من قبل ومن بعد .