شعر رامي بالارتياح عندما انتهى اجتماع العمل بينه و بين مدير العلاقات العامة في الفندق إلى ما يرغبه تماماً ؛ استطاع أن يعقد صفقة جيدة و يحصل على شروط مناسبة جداً ستسمح له بأن يستمتع جميع عملاء شركة السياحة خاصته بالإقامة في الفندق الفخم و بتكلفة أكثر من مرضية ..
هذه أول مرة يتعامل فيها مع فندق بهذه الفخامة و هذا سيسمح له بإعداد رحلات سياحية عالية التكلفة لا النوعية الاقتصادية التي كان يعتمد عليها منذ بدأ نشاط شركته منذ ثلاث سنواتٍ مضت .
كان رامي في الثالثة و الثلاثين من عمره ؛ و على الرغم من أنه مصري الجنسية إلا أنه لم يكن يقيم في القاهرة بل كانت إقامته الدائمة في أثينا و هي المدينة التي تنحدر منها أمه و التي عاش طوال حياته بها ..
منذ أنهى دراسته و عمل في شركة سياحية كبيرة حتى أصبحت زيارته للمدن المصرية رحلة مهمة تتكرر عدة مرات في كل عام و منذ أسس شركته الخاصة في أثينا و هو يفكر في أنه سيوجه معظم نشاطها إلى مصر و ربما ينشئ فرعاً لها هناك .
حياته في أثينا كانت مستقرة حتى بعد أن ماتت أمه و لم يعد له أسرة هناك ؛ أمه نفسها كانت مولودة في الاسكندرية بعد أن استوطنها أهلها قبل عدة أجيال و كانت تحمل الجنسية المصرية و تتحدث العربية بطلاقة كأي بنت من بنات بحري حتى أنها كانت تمزح أحياناً و هي تدعي أنها تجيد الردح باللهجة السكندرية أكثر مما تجيده باللهجة اليونانية و كان رامي قد تعلم منها اللهجتين لذا لم يكن أحدٌ مما يتعامل معهم في القاهرة يلاحظ أنه أجنبي .
نظر رامي إلى ساعة يده التي تشير إلى الثالثة عصراً و فكر في أنه قد تأخر كثيراً على تناول غداءه كما كان يشعر بجوعٍ شديد و هو يقف في مدخل الفندق و هو يفكر هل عليه أن يدخل إلى المطعم هنا أم عليه أن يبحث عن مكانٍ آخر .. يريد إجراء جولات موسعة ليتعرف على كل المطاعم و الأماكن الجميلة التي يمكن أن تكون جزءاً من البرامج السياحية التي يقدمها لعملاءه لذا قرر مغادرة الفندق .
شعر بالاستغراب عندما أسرعت إليه فتاة كانت تهتف في لهفة :
- أخيراً وجدتك .. ظننت أنك لن تأتِ و ستخذلني .. هيا بسرعة .. ماذا تنتظر ؟
تأمل رامي الفتاة التي كانت جذابة جداً و مليئة بالتناقضات .. لهجتها العامية لم تكن تتفق مع الساري الهندي الذي ينسدل على قوامها الرائع ؛ و بشرتها شديدة البياض و شعرها الذي تناثر على ظهرها كشلال من الذهب كانا ينطقان بأنها من المستحيل أن تكون هندية كما توحي ثيابها ..
فكر رامي في أن هذه الشقراء التي تبدو و كأنها لا تزال في الخامسة و العشرين من عمرها أجمل من أية فتاة رآها في حياته كما أنها كانت تفيض بالحيوية و هي تهتف في مرح :
- تخيلت أنك ستكون نذلاً كعادتك و تتركني وحدي .. و أنا لست مستعدة لمحاضرة طويلة من أمي .. هيا يا سامي .. تأخرنا على الحفل .
أمسكت الفتاة بذراعه و هي تجذبه نحو حديقة الفندق و هي تهتف في ضيق :
- ثيابك ليست مناسبة لحفل زفاف .. ليتني اخترت لك ما تلبسه قبل أن أغادر المنزل .
ابتسم رامي و لم يقل شيئاً .. بدت الفتاة لطيفة جداً و هي تثرثر بكلام كثير لم يستطع رامي أن يستوعب منه سوى أنها تتعامل معه باعتباره شخص آخر .. شخص تعرفه جيداً و قريب منها لحدٍ كبير فقد دخلت إلى حفل الزفاف النهاري المقام في حديقة الفندق و هي متعلقة بذراعه في شيء من التملك جعله يشعر بالحيرة ..
لا يدري كيف يمكن أن تخلط بينه و بين شخص شديد القرابة منها و هل يمكن أن يشبهه ذلك الشخص لكل هذا الحد ؟ .
نظر رامي حوله باستغراب .. كانت العروس ترتدي سارياً أحمر اللون بينما الكثير من الفتيات يلبسن الساري باللون الوردي تماماً مثل الفتاة التي تركت رامي و أسرعت نحو العروس لتبارك لها ..
وقف رامي يشرب بعض العصير و عيونه تتابع الفتاة التي كانت تتحرك في المكان بحيوية و هي تتكلم مع الضيوف و ترتفع ضحكتها المرحة ما بين لحظة و أخرى قبل أن تقترب منه و تهمس في حيرة :
- ما بك ؟ .. لماذا تقف بعيداً و تتحاشى الضيوف كما لو كنت كلباً أجرب ؟ .. تصرف على حريتك يا سامي و لا تجعلني أشعر بالذنب لأنني جلبتك إلى حفل لا تعرف أصحابه .. أصحابي أصحابك و يمكنني أن أعرفك عليهم حتى يمكنك أن تندمج و تتعايش مع جو الحفل .
ابتسم رامي و هتف :
- سيكون عليّ أولاً أن أتعرف عليكِ يا آنستي .. ما اسمك ؟
قطبت الفتاة جبينها و هتفت في ضيق :
- آنسة ؟! .. كان هذا منذ عهدٍ بعيد جداً أم أنك نسيت أنك قد حضرت بنفسك عقدي زواجي و طلاقي يا أستاذ سامي .. ما بك اليوم ؟ .. دمك ثقيل و مزاحك سمج .. لكان من الأفضل لو أنك لم تأتِ ما دام حضور الحفل لا يروق لك .
كان من الواضح أنها مستاءة فقد ابتعدت عنه و وقفت مع بعض الفتيات اللاتي صحبنها إلى حلبة الرقص .. قرر رامي فجأة أن الرقص مع تلك الفتاة سيكون أكثر متعة من الاستجابة لنداء معدته التي تتلوى من الجوع لذا أسرع نحوها .. سمع إحدى الفتيات و هي تناديها جوجو لذا اقترب منها و همس في أذنها :
- لم أكن أمزح يا جوجو لكنني لن أشرح لكِ الآن ما المشكلة بالضبط .. دعينا نرقص أولاً فالموسيقى الهندية تعجبني .
تغيرت الموسيقى فجأة فأخذها رامي بين ذراعيه و هو يهتف :
- هكذا أفضل فأنا أعشق التانجو .
كان رامي راقصاً بارعاً حتى أن جوجو قد هتفت في دهشة :
- من أين لك هذه البراعة يا أخي العزيز ؟ .. طالما كنت تخجل من أن ترقص معي في الحفلات .. أنت غريب كثيراً اليوم يا سامي و كأنك رجلٌ آخر غير الذي أعرفه .
مال رامي نحوها و همس :
- هذا لأنني بالفعل رجلٌ آخر غير أخيكِ العزيز يا جوجو .. في سامي حرفٌ واحد عليكِ استبداله حتى يمكنك مناداتي بالاسم السليم .. أنا رامي .. رامي النقاش .. و يمكنك مناداتي روميو إذا أحببتِ فهذا هو الاسم الذي اعتادت أن تناديني به صديقاتي المقربات و لديّ حدس قوي بأنكِ ستصبحين المقربة لي أكثر من الجميع .
توقفت جوجو عن الرقص و وضعت كفها على جبينه و هي تهتف في قلق :
- ما بك يا سامي ؟ .. لماذا تهذي ؟ .. هل أنت محموم ؟
سحبت يدها و قطبت جبينها و هي تردف :
- لا تقل أنك تمزح .. لأن هذا أسخف مزاح على الإطلاق .
التقط رامي كفها بسرعة و لثمها برقة قبل أن يهتف :
- لا مزاح .. من الواضح أنكِ تخلطين بيني و بين شخصٍ آخر و لحسن حظي أنه قد تخلف عن الحضور حتى يمكنني الاستمتاع بوجودي معكِ .
لوت جوجو شفتيها و هتفت :
- جيد .. من الواضح أن لي أسخف أخ في الوجود و الأسوأ هو أنك قد أصبحت مخبولاً و هذا يزيد الوضع سوءاً بالتأكيد .
ابتسم رامي فقد بدا من الواضح أن الفتاة ليست مستعدة لتصديقه على الإطلاق ثم أخرج جواز سفره من جيب سترته و هو يهتف :
- من الغريب أن يشبهني أخاكِ لهذا الحد لكن لا مانع لديّ من إطلاعك على جواز سفري حتى تتأكدي من أنني برئ تماماً من السفه أو السخف يا عزيزتي جوجو .. و أتمنى لو واتتني الفرصة لمقابلة أخيكِ هذا فأنا أرغب في معرفة الشاب الذي يشبهني لهذا الحد .
التقطت جوجو جواز السفر من يده و قرأت البيانات في ذهول قبل أن تعيده إليه و هي تزفر في حرارة .