أعاد رامي جواز السفر إلى جيب سترته و تأمل الفتاة التي كانت تحدق به في ذهول و كأنها لا تصدق ما تراه عيناها قبل أن يهتف :
- هل صدقتيني الآن ؟
تنهدت جوجو في حرارة قبل أن تأخذه بعيداً عن الحفل .. ذهبت معه إلى قاعة الاستقبال بالفندق و جلست هناك و هي تهتف :
- لكنني لا أفهم .. يبدو الأمر غريباً جداً .
جلس رامي بدوره و هو يهتف :
- و لما ؟ .. تقولون في مصر يخلق من الشبه أربعين ؛ أليس كذلك ؟ .. رغم أنه من الصعب أن يمتلك الشخص أربعين نسخة من نفس الأخ .
هتفت جوجو في توتر :
- لكن الشبه بينكما ليس في الملامح و الصوت فحسب .. أنت صورة طبق الأصل من سامي حتى أن لكما نفس الاسم الرباعي و تاريخ الميلاد .
قطب رامي جبينه قبل أن يهتف :
- ماذا ؟! .. تمزحين طبعاً ؛ أليس كذلك ؟
هزت جوجو رأسها نفياً ببطء ثم هتفت :
- في الواقع لا .. لا أمزح على الإطلاق .. الشيء الوحيد الذي يبدو منطقياً الآن هو أنك توأم سامي و لا أدري كيف يكون له توأماً و نحن نجهل هذا حتى الآن .
استرخى رامي في مقعده و وضع ساقاً فوق أخرى و هو يهتف مبتسماً :
- أتعنين أن أخاكِ توأمي ؟ .. هذا غريب جداً .. إذاً .. حذري يا عزيزتي .. ما هو اسم أمي ؟
هتفت جوجو بسرعة و بدون تفكير و كأنها كانت تنتظر هذا السؤال بالذات :
- روز بابادوبلوس .
ظهرت نظرة دهشة حقيقية في عيون رامي فتنهدت جوجو و أردفت :
- أعرف أن والدة سامي قد انفصلت عن أبيه و سافرت إلى أثينا بعد ولادته بشهرين تقريباً لكنني لم أعرف قط أن له توأماً .. سامي نفسه لا يعلم بهذا مثلك تماماً و أظن أن أمك قد سافرت بك و تركت توأمك مع والدك و لا أدري لما تصرفا بكل هذا السوء .. كان من الممكن أن تعيش عمرك بأكمله و أنت لا تعرف أن لك أخاً لولا الصدفة الغريبة التي جمعت بيننا اليوم .
ظل رامي يحدق في وجهها في ذهول و كأنه لا يصدق ما تقوله قبل أن تعبث جوجو بهاتفها بحثاً عن الصور التي تحتفظ بها قبل أن تمنحه الهاتف و هي تهتف :
- أعرف أنه من الصعب أن تصدق ما أقول فأنا أقوله و أنا لا أدري كيف يمكنني تصديقه .. لكن انظر بنفسك .. كل هذه الصور و الفيديوهات تجمعني مع سامي .. يمكنك أن ترَ بنفسك كم أنتما متشابهان .. عفواً .. أقصد متطابقان فهذا هو التعبير الأدق فأنتما توأم متماثل على الأرجح .
ظل رامي يتصفح الهاتف و هو يحدق في الصور و الفيديوهات لبعض الوقت و هو يشعر بغرابة ما تراه عيناه ؛ بدا الأمر و كأنه يشاهد حياة كاملة جمعت بينه و بين تلك الفتاة لكنه لا يعلم شيئاً عنها على الإطلاق .. و الغريب أنه في الوقت الذي كان من الطبيعي أن يحاول به استيعاب صدمة المفاجأة الغريبة التي فجرتها جوجو في وجهه ؛ كان كل ما يفكر فيه هو جوجو نفسها .. الفتاة المثيرة للحيرة و التي اقتحمت عالمه فجأة و بدون استئذان و لم يكن واثقاً لما شعر منذ أول وهلة بأنه منجذبٌ نحوها على نحوٍ لم يعهده في نفسه قط .
ظلت جوجو تتأمل رامي الذي كان يتصفح هاتفها و هو مستغرق في تفكيرٍ عميق و كأن عقله قد تغيب فجأة في عالمٍ آخر و هي تفكر في أنه يشبه سامي بالفعل في الملامح و الصوت لكن كل شيءٍ فيه مع عدا هذا كان يختلف عنه تماماً و لم تكن تدري كيف لم تلاحظ هذا الاختلاف من قبل .. سامي الذي تعرفه شابٌ خجول و متردد و هو ليس بالشخص الذي يمكن أن يذهب إلى حفل زفاف مع فتاة يراها لأول مرة و هو حتى لا يعرف ما اسمها .. رامي جرئ و منفتح في علاقاته و يحب المغامرة و هذا بالضبط هو النوع الذي تكرهه تماماً من بين كل رجال الدنيا لكن أكثر شيء كان يحيرها بالفعل هو أن الكره هو آخر شيء من الممكن أن تصف به شعورها نحو رامي فهي حتى لم تكن تشعر بمجرد النفور منه بل على العكس بدا لها جذاباً بشدة و كأنه كتاب مغامرة جديد عن بلاد بعيدة و ساحرة لم تطئها قدمها من قبل و ترغب في الذهاب إليها بشدة حتى أنها تتوق إلى فض الغلاف و قراءة سطور الكتاب بسرعة و بمنتهى اللهفة .
التفت رامي نحوها فجأة فأجفلت .. شعرت بالتوتر لأنه رأى كم كانت تحدق به و ربما أدرك كم هي منجذبة نحوه لكن الحقيقة هي أنه لم يشعر بتوترها فقد كان هو نفسه يشعر بالتوتر و هو يهتف :
- تقولين أن سامي هذا توأمي .. أقصد .. إذا كان أخوكِ توأمي فهذا يعني أنكِ أنتِ أيضاً أختي ؛ أليس كذلك ؟ .. لا أستبعد أن يكون أبي قد تزوج بعد انفصاله عن أمي ما دام حياً و لم يتوفى كما أوهمتني أمي .. ربما لي الآن دزينة من الأخوة و قد تكوني .. أختي .
هزت جوجو رأسها نفياً ببطء و هي تتساءل في أعماقها عن الشعور الغريب الذي انتابها عندما فكرت في رامي كأخ .. رامي ليس أخاها و لا يمكن أن يكون .. هتفت :
- أبوك تزوج بالفعل لكنه لم ينجب .. في الحقيقة يؤسفني أن أبلغك بأنه ميت بالفعل .. لكنه مات منذ عشر سنوات تقريباً و سامي هو أخوك الوحيد .
تألقت ابتسامة مشرقة على وجه رامي و هو يهتف في إرتياح :
- إذا لم يكن لكما نفس الأب و بالتأكيد روز ليست أمك فكيف يكون سامي أخاكِ يا جوجو ؟ .. هل لديكم في القاهرة إصدار جديد لمفهوم الأخوة لم نسمع به في أثينا بعد ؟
كان يمازحها في مرح لكنها شعرت في لكنته برائحة تهكم لم تعجبها .. شعرت بالاستياء للحظة ثم طرحت هذا الشعور خلف ظهرها و هي تفكر في أن من حقه أن يتساءل .. وضع سامي في حياتها ليس اعتيادياً و هو شيء قد لا يفهمه شخصٌ تربى في أوروبا و في حجر أمٍ مسيحية لذا انفرجت أساريرها و هي تهتف :
- دعني أشرح لك .. سامي ابن عمي .. أقصد أن كلاكما ابن عمي .. لكن أبي قد توفى قبل طلاق أمك بأسابيع قليلة و لم أكن قد ولدت بعد .. بعد ولادتي بأيام تزوج عمي و أمي .. كان عمر سامي في ذلك الوقت خمسة أشهر فحسب و كان عمري شهر و نصف .. أمي أرضعتنا معاً .. سامي أخي من الرضاعة .. أقصد .. هو في حكم أخي لكنه ليس أخي بالدم .. أقصد ..
ضحك رامي و هتف :
- أعرف ماذا تقصدين يا جوجو ؟ .. أنا أوروبي لكنني مسلم و أعرف ما هي الأخوة من الرضاعة .. بالمناسبة .. ماذا ترتدين بالضبط ؟ .. ظننت أنكِ هندية للحظة لكنني لم أرَ هندية شقراء من قبل .
هبت جوجو واقفة و هي تهتف :
- ذكرتني .. يجب أن أعود لحفل الزفاف .. أنا وصيفة العروس و لا يمكن أن أختفي من الحفل على هذا النحو .. ما رأيك ؟ .. هل تحب أن تذهب معي إلى الحفل أم نلتقي بعد انتهاءه ؟ ..
عاد رامي معها إلى الحفل و هو يهتف :
- هذه أول مرة أحضر فيها حفل زفاف في القاهرة .. و أظن أن هذا أغرب حفل زفاف من الممكن أن أحضره .
هتفت جوجو مبتسمة :
- ليس غريباً لهذا الحد .. تقاليع الحفلات أصبحت كثيرة و مبتكرة هذه الأيام و غزو المسلسلات الهندية بدأ يؤثر في ثقافة الناس هنا حتى أن العروس ستسافر بعد الحفل لقضاء شهر العسل في بومباي .. ما رأيك يا روميو ؟ .. لو كان هذا حفل زفافك أكنت ستحب الاحتفال بالطريقة المصرية أم اليونانية أو ربما بطريقة مبتكرة لا تمت بصلة للحضارة التي تنحدر منها ثقافتك ؟
جذبها رامي إلى ساحة الرقص و هو يهتف :
- لنقل أنني سأترك لـ جولييت حق الاختيار .. ماذا ستختارين أنتِ ؟
نظرت إليه جوجو في استنكار قبل أن تهتف في حدة :
- لم نلتقي قبل اليوم و لم نتعارف بما يكفي بعد فكيف عرفت بأنني جولييت ؟ .. قل الحقيقة .. هل لقاءنا اليوم صدفة كما يبدو أم أنك قد خططت له ؟