tafrabooks

Share to Social Media

يحكي التاريخ أنه من بعد الطوفان ولما غيض الماء تفرق الناس فى أنحاء الأرض، وسكن قوم من بنى حام بن نوح النبى عليه السلام بالأرض الواطئة وسكن بجوارهم أقوام أخر فعَمُرت وكثر فيها الخير فتكاثر بها الخلق، فكان أول من ملكهم بيسر بن حام بن نوح عليه السلام ليأتي من بعده ولده الملك عظيم الشأن والمقام مصريم الذى تزوج من ابنة الحكيم إخميم وقد عهد الحكيم إلى الملك بالكثير من العلوم والحكمة التي ضاع أغلبها بسبب الطوفان لكن ما احتفظ به الحكيم كان كافيا ليساعد الملك في النهوض سريعا ببلاده، ومع الوقت نسب اسم البلاد إليه لشدة انبهار الغرباء بما فيها من بناء وعمران والعدل الذي ساد فيها فأحبه شعبه وخلدوا اسمه ولم يعد شائعا اسم الأرض الواطئة إلا كنوع من الحقد أو التحقير، لأن كل ما حولها كانت جبالا وهضابا عدا هي سهل طيب مُنبسط.
كان الملك مصريم لا يعدٌله في قوته سوى ملك آخر جبار عنيد استطاع بقوة عزمه أن يسخر الجن لخدمته، تربطه قرابة بعيدة بمصريم فهما يعدا ابنا عمومة وقومه لا يقلون عن أهل الأرض الواطئة قوة وعزما لكنهم سكنوا نحو الجنوب من مملكة مصريم واختلفوا عن بقية أهل مصر بالبشرة شديدة السٌمرة وحبهم لسكنى التلال والجبال، فأسسوا بلادهم فوق أرض عالية تحوطها الجبال فسميت بلادهم مملكة الجبال لكن العٌديم ملكها أصابته الغيرة الشديدة لأنه رغم ما قام به من عمران لم ينسب اسم بلاده له مثل مصريم!
عاش مصريم سعيدا لا يُنٌغص عليه في حياته أمرا سوى أن مليكته وحبيبته تأخرت في الإنجاب حتى أبيها الحكيم احتار فى هذه المسألة لكن ليس الكل يملك الالهام فإذا بالملكة ترى مناما طيبا تعلم بأنها سوف تلد خمسا من الذكور فلما قصت على زوجها ما رأت، علمّ مصريم الأريب حفيد النبي الكريم أن عليه أن يٌقدم قربانا طيبا فتنبت أرضه ويحسن نباته فنذر أنه إن رُزق بالبنين لينذرنهم جميعهم لنشر الإيمان والتوحيد في أنحاء الأرض.


ظهر صدق نيته ورُزق وزوجته بالبنين كما تمنى، خمسة ذكور أصحاء ملأوا الأرض الواطئة صخبا وصياحا، لكن الملكة لم تعش طويلا لترى جنى ثمارها بعدما اتخذ كلُ منهم طريقه في الحياة فقد أحب قبطيم الأرض وأهلها من هم من نسل نوح أو غيرهم ممن أتوا للاستقرار بأرضهم، تمتع قبطيم بموهبة لم يسبقه بها أحد فهو الذي استطاع أن يحتضن آشعة الشمس والتحاف السماء وإنطاق الأرض اليباب فَسدّ رمق الناس وأٌكمل عمله أخوه، قفطاريم يصنعا سويا السدود لحجز ماء المطر ويحفرا الترع والقنوات وينشئا الصوامع لحفظ الحبوب لكن قفطاريم اختلف عن أخيه في حبه للمعمار ومقدرته على إنطاق الحجر فصنع به ما لم يصنعه من قبله بشر لذا لم يهتم لأمر العامة أو ينشغل بشئونهم وكان همه فقط مساعدة أخيه.
عاشت الناس فى سعة ورخاء يعمهم ويعم على من حولهم من البلاد بفضل عدل مصريم وجهد أبنائه الذين كان لكل منهم طبائعه؛ فقد انقبض قفطاريم عن الناس وتبعه أخوته، وكان لا يهوى الاختلاط بالناس سريع الغضب، عيونه مٌعلقة بالسماء يتبع أفلاكها يتمنى أن يلمسها يوما ما ويستكشف أخبارها، أما أشمون منذ صغره وهو يتمتع بالتهور ودأبه القنص والصيد، تستهويه قصص الشجعان فلما شب عن الطوق حمل السلاح وطوى الدروب بحثا عمن يصارعه أو ينافسه وكان أتريب القوي بين أخوته يقدر على حمل ما يستصعب على الآخرين فتمايز بينهم مما أهلّه أن يكون عونا لأشمون مثلما كان قفطاريم عونا لقبطيم، وخاضا سويا الكثير من المغامرات. وخُلدت مآثرهم فى الحروب على الأسوار، فقد كانت الناس قديما قبل الطوفان تحيا بلا قيد أو سور حتى كان الزمان الذي يسبق الطوفان بقليل، كثر عدد الناس وتباينوا فصار لكل منهم مصالحه وملأ الطمع والجشع القلوب فآثرت كل بلد أن تحمي نفسها ومصالحها فتحصنت خلف بالأسوار، ومن بعد الطوفان ورث الناس ما دأبوه عن آبائهم، فأشرف على بناء الحصون والأسوار قفطاريم لتحمي البلاد من كل خطر داهم وأقام عليها الأجراس لتحذير الناس، ثم كان آخر الأخوة صا الشغوف بالاستكشاف والذي وجد أن كلا من أخوته استأثر بأمر فآثر أن يستغل حبه للأسفار والاستكشاف فصار سفيرا عن بلاده يتنقل بين البلاد، في حلٍ وترحال لا ينقطع أو ينتهي، يطوف بالدنيا مسافرا يقطع الفيافي والدروب، يجوب البلدان وليصل لأبعد مكان ويرجع مُحملا بالنوادر والأخبار عن قصص الأمم والأقوام وغرائب كل مكان زاره وهو الذي أوحى إلى قفطاريم فكرة تخليد مآثر المحاربين على أسوار بلادهم وكم من مرة أنقذ بلاده من شر مجاعة أو خطر داهم بفضل سعة معارفه وأسفاره فكان أهل مصر يلتفون حوله فرحين بما يحمله في جعبته من أقاصيص أو يأتي به.
سريعا شبوا عن الطوق، ليشق كلا منهم طريقه بالحياة فى السبيل التى تميل نفسه له، لكنهم كلما كبروا يوما أشعر ذلك الملك بأنه عمّر طويلا وخشى أن يقتتلوا من بعده على المٌلك ثم جاء حديث العامة فزاد من القلق الذي يعبث بنفسه منذ زمن.
كان حديث العامة يَطرُق أذني الملك جيدا ويثير فى نفسه شجن ما، يعلم أنهم يتحمسون لتولي ابنه أشمون الحكم صاحب الأمجاد العسكرية والمآثر وقد تخبو الحماسة قليلا إن ذٌكر أتريب وقوته لكنهم أبدا لم يتطرقوا لذكر قفطاريم الذي ملأ علمه الأرض حولهم وأحاطهم بأسباب الراحة التي يستعينون بها فى كافة شئونهم ويقتصر حديثهم فقط حول الأقوياء فهم بنظرهم الأجدر بالحٌكم.
خاب ظنُ الملك العظيم في شعبه، واعتبر عدم ذكرهم لقبطيم جحود لفضله وجهده الذي لولاه لما عم الرخاء، فما قيمة العلم أو الانتصارات إن لم يجد الناس ما يسُد رمقهم. فإذا بهم يردوا الجميل لصاحبه الذي أضاعته رقة نفسه وشدة تواضعه ورفضه التمايز علي أحد من شعبه فيلقبوه بأمير الفقراء ثم يسلبوه حقه فى ولاية العهد بتناسي ذكره فلم يعلق بأذهانهم سوى انتصارات أشمون، لكنه في نفس الوقت أشفق علي ابنه من مسالمته وحسن نيته الفائض.
علم الملك الأريب الذي حكم طويلا وخبر طبائع الناس، أن الطمع أحاط بقلب شعبه والطمع داء ينهش القلب والبدن فيحول بينه وبين الرضا ولن يٌفلح الطيب في حكمهم، فالعامة تٌريد القوي الباطش الذي يخشونه لأنه وحده مَنّ يٌخاطب أطماعهم.

ثم فوجئ بأنهم مثلهم لم يتطرق إلى رأسه ذكر ولده الثاني قفطاريم صاحب العلم والعلوم، فعد هذا عقوقا من قِبله لكنه كان يتعب معه بسبب قله صبره وتسرعه وانقباضه عن الناس أما صا دائم الغياب والأسفار فإن أبوه كان يراه مازال صغيرا. لكن الملك العظيم كان له رأى آخر بالمسألة وإن كان الأمر بالأساس أمنية ملأت قلبه وميل الشديد لابنه الأكبر ليكون خلفا له من بعده.. لكن يالعامة التى لم تهمس حتى باسمه!


0 Votes

Leave a Comment

Comments

Story Chapters

المقدمة الفصل الأولى:الأمنية الأثيرة الفصل الثاني:لحظة الحسم الفصل الثالث:ولي العهد الفصل الرابع:المقدور الفصل الخامس: سيف النور الفصل السادس:الأخوة الفصل السابع:النبؤة الفصل الثامن:المؤامرة الفصل التاسع: الزيارة المريبة الفصل العاشر: المأزق الفصل الحادي عشر: الحيلة الفصل الثاني عشر: الملك والطاغوت الفصل الثالث عشر:معركة بلا صليل 1 الفصل الرابع عشر: معركة بلا صليل 2 الفصل الخامس عشر: العائن الفصل السادس عشر: الَمهْر الفصل السابع عشر: الضيف الجديد الفصل الثامن عشر:عطبرة الفصل التاسع عشر: أرض السواد الفصل العشرون: مٌهادنة الفصل الحادي والعشرون: غارة الغيلان الفصل الثاني والعشرون:العطب الفصل الثالث والعشرون: الخائن الفصل الرابع والعشرون: الأشهب الفصل الخامس والعشرون: الحاسد والطامع والمنافق الفصل السادس والعشرون: جمر النار الفصل السابع والعشرون: ميمون الفصل الثامن والعشرون: الفٌراق الفصل التاسع والعشرون: الحِن والبِن الفصل الثلاثون:لتبدأ الرحلة الفصل الحادي والثلاثون: مالك الحزين الفصل الثاني والثلاثون:أرض الهلاك الفصل الثالث والثلاثون: أرض العمالقة الفصل الرابع والثلاثون:الطمع يورث الندم الفصل الخامس والثلاثون: جبل النار الفصل السادس والثلاثون: الخضر بن الفيض الفصل السابع والثلاثون: الرؤيا الطيبة الفصل الثامن والثلاثون:من النظرة الأولى الفصل التاسع والثلاثون: الباباني الفصل الأربعون: الدابة الطائرة الفصل الحادي والأربعون:زوبعة الخاطف الفصل الثاني والأربعون: قصر السحاب الفصل الثالث والأربعون:المبارزة الفصل الرابع والأربعون:الخطبة المٌنتظرة الفصل الخامس والأربعون: الشيهم الفصل السادس والأربعون: برهوت الفصل السابع والأربعون:التوبة الزائفة الفصل الثامن والأربعون:جزيرة الأطياف الفصل التاسع والأربعون:كشف اللثام الفصل الخمسون: فطنة الفصل الحادي والخمسون: عودة زوبعة الفصل الثاني والخمسون:طبول الحرب الفصل الثالث والخمسون:الحرب الأخيرة
Write and publish your own books and novels NOW, From Here.