أكوان للنشر والترجمة والتوزيع

Share to Social Media

وقف الرجل الأنيق على مدخل المطعم، وهو يتجول بنظراته في المكان، قبل أن يتقدم بخطوات بطيئة نحو المائدة التي يجلس إليها ذلك الشخص الضخم الجثة، صاحب الشارب الكثيف وهو ينكب على الطعام الذي أمامه ليأكل منه بشراهة ملحوظة.
وما لبث أن وقف أمامه مبتسمًا وهو يقول:
_ كيف حالك يا عزيز؟
رفع الرجل عينيه عن الطعام ليتطلع إليه قائلاً:
_ أهلاً حمدي بك.. تفضل.
جلس الرجل بجواره، وهو يتأمل الطعام قائلاً:
_ما زلت شرهًا كما هي عادتك.
ابتسم عزيز بدوره وهو يقول:
_ أنت تعرف أن الأكل كان ولا يزال هو نقطة ضعفي التي لا يمكننى التغلب عليها.

وأشار إلى الأكل مردفًا:
_ تفضل معي.
قال زميله ببرود:
_ أنا لم أتِ لمشاركتك الطعام اليوم.. وأعرف أن الأكل ليس هو نقطة ضعفك الوحيدة. فالمال أيضًا إحدى نقاط ضعفك.
عاد الرجل ليبتسم، وهو يمسح فمه بأحد المناديل الورقية قائلاً:
_أظنه نقطة ضعف الجميع.
_هذا حقيقي.. لذا أردت أن نلتقي اليوم.
_أنا في خدمتك دائمًا يا حمدي بك.
_ أريدك أن تسرق إحدى الخزائن.
صمت الرجل لبرهة قبل أن يقول له متحرجًا:
_ لكنك تعرف أنني تبت الآن، وتوقفت عن سرقة الخزائن منذ سنوات طويلة.
رمقه حمدي بنظرة ثاقبه، وقد تبدلت لهجته لتأخذ مظهرًا خشنًا وهو يقول:
_ عزيز.. أنت تعرفنى جيدًا، وإذا ظننت أن تقاعدي عن العمل بالشرطة سيجعلني أنسى تاريخك القديم؛ فأنت واهم.
قال له مرتبكًا:
_ يا حمدي بك هذا تاريخ قديم، وقد توقفت عن السرقة بعد مغادرتي للسجن آخر مرة.. وأنا أمتهن الآن مهنة شريفة، ولا بد أنك تعرف ذلك.
قال له متهكمًا:
_ آه حارس أمن في شركة تجارية.. وهل نسيت أنني الذي توسط لك لتعمل في هذه الوظيفة، وأخفيت عن صاحبها الذي هو صديقي تاريخك الإجرامي السابق؟ ولولاي ما كنت قد تعينت في تلك الوظيفة.
_ أعرف ذلك، وهو جميل لايمكنني أن أنساه.. فأنت صاحب فضل عليَّ لا يمكن إنكاره.. ولكن...
قاطعه حمدي قائلاً:
_ ولكنني أستطيع أن أجعل صاحب الشركة يفصلك من عملك؛ لتعود الى الشارع.. بل وأستطيع أن أعيدك إلى السجن أيضًا لو أردت. فرغم تركي للعمل بالشرطة لا يزال لى أصدقاء وزملاء يمكنهم أن يعيدوك إليه لو طلبت منهم ذلك.
قال له مضطربًا:
_حمدي بك.. لو سمحت لى رجل مثلك له مكانته.. كانت له مكانته كصاحب منصب كبير في الداخلية، وهو الآن رجل أعمال، وصاحب شركة تجارية كبيرة ما الذي يدعوه للاستعانة بشخص مثلي لسرقة إحدى الخزائن؟
تراجع حمدي في مقعده، وهو ينظر إليه ببرود
قائلاً:
_ رغم أن هذا ليس من شأنك.. إلا أنني سأجيبك على سؤالك. الخزنة التي أطلب منك سرقتها بها ملف يهمني الحصول عليه. ملف ذو غلاف رمادي.. أما ماعدا ذلك من نقود.. أو مجوهرات.. أو أية أشياء أخرى فيمكنك أن تأخذها لنفسك.
_ عفوًا لكن فضولي يدعوني للتساؤل عن مدى.....
قاطعه قائلاً:
_ عن أهمية هذا الملف بالنسبة لى... ورغم أن هذا أيضًا ليس من شأنك لكني سأرضي فضولك. هذا الملف يحتوي على بعض المعلومات التي يمكن أن تتسبب في خسارة كبيرة لشركتي، لو تم الاطلاع عليها من جانب البعض.
أكمل عزيز قائلاً:
_والشخص الذي يحتفظ بذلك الملف في خزانته يحاول أن يبتزك أو يهددك بإطلاع أولئك الأشخاص على ما يحويه من أوراق لا ترغب أن يطلع أحد عليها.
_ بالظبط.. إن ما يهمني هو ذلك الملف بالتحديد.
صمت عزيز قليلاً قبل أن يقول:
_ كما قلت لك لقد اعتزلت السرقة الآن.. خاصة أن لديَّ بعض العجز في يدي بسبب الإصابة.. لكن لديَّ مَنْ يستطيع القيام بما تطلبه.
_ وهل تراه كفئًا للقيام بهذا العمل؟
_ بل هو بارع في هذا الشأن، وهو موضع ثقة.. لكن علينا تدارس الأمر أولاً.
_ سأسهل لك كل ما تحتاجه. أولاً الفيلا التي توجد بها الخزنة تقع في منطقة هادئة بالمعادي، ويمكننى أن أضمن لك عدم وجود صاحبها وقت التنفيذ.
_وكيف تضمن ذلك؟
_ لأنه سيكون برفقتي في حفل خاص بأحد الفنادق ساعة تواجدكما بمنزله وحتى الساعة الحادية عشرة؛ لذا لابد أن تتم السرقة قبل هذا التوقيت.
_ وما الذي يجعلك واثقًا أنه سيغادرالحفل في الوقت الذي حددته؟
_ لأنني أعرف أنه شخص منظم للغاية.. وأنه اعتاد ألا يكون خارج منزله بعد الساعة الحادية عشرة إلا للضرورة القصوى.
_ وماذا عن العاملين في خدمته؟
_ الرجل لديه طباخ وخادمة، وكلاهما يغادر المنزل في التاسعة مساءً.. أما حارس المنزل فأنا أضمن عدم تعرضه لكما في الوقت المحدد للسرقة.
_ ومإذا عن الزوجة؟
_ الرجل غير متزوج. كل المطلوب هو معالجة باب الفيلا، ثم فتح الخزنة وسرقة الملف الموجود بداخلها.. وبعدها تسلمه لي في المكان والزمان الذي أحدده لك.
صمت الرجل برهة قبل أن يقول:
_لا تؤاخذني يا حمدي بك.. ولكن ما الذي سيعود عليَّ وعلى زميلي من وراء هذه العملية؟
_ لا تنسَ أن الخزنة لن يكون بها هذا الملف فقط.. فالرجل ثري، ولا شك أن خزنته ستكون متخمة بالنقود.
_ وربما لا يكون بها سوى مجموعة من الملفات والأوراق فقط؛ فأغلب الأثرياء يضعون أموالهم هذه الأيام في البنوك.
_ أحضر لى الملف وسأعطيك أنت وزميلك ثلاثين ألف جنيه.
_ أجل، ولكن هذا المبلغ.....
قاطعه بصرامة قائلاً:
_ لن تحصل على جنيه واحد أزيد من هذا.. وستفعل ما طلبته منك.
هز الرجل رأسه قائلاً:
_ حسنًا.. اعتبر الملف بين يديك.
_ هذا الأمر يجب أن يبقى سرًا بيننا.. أنت الذي ستحضر لي الملف بمفردك. وأيًا كان الشخص الذي سيساعدك فلا أريد أن يعرف عني شيئًا.. كما لا أريد لأي أحد أن يعرف أن لي علاقة بتلك السرقة.
_كن واثقًا من ذلك.. أنا أعرف بالطبع أن شخصًا له أهميته ومكانته مثلك لا بد وأن يكون بعيدًا عن أي شبهات. كما أنني شديد الحرص على سرية عملائي؛ خاصة بالنسبة لشخص لي به صلة قديمة.
_ لكن ما اسم هذا الشخص الذي تريدني أن أسرقه.
_ اسمه لا يعنيك في شيء.. يكفي أن أحدد لك عنوانه لتنفذ ما طلبته منك؛ وتقبض مني المبلغ الذي اتفقنا عليه.
_ حسنًا.. والآن هل تعطيني مقدم أتعاب؟
_ عندما تحضر لي الملف ستأخذ المبلغ المتفق عليه كاملاً.
_ إنه ليس من أجلي، بل من أجل الشخص الذي سيقوم بفتح الخزنة؛ فقد اعتاد أن يأخذ دفعة تحت الحساب.
نظر إليه بغيظ قبل أن يخرج مبلغًا من المال قدمه له قائلاً:
_ خذ.. ألفي جنيه؛ سأخصمهما من إجمالي المبلغ.
وضع الرجل النقود في جيبه سريعًا وهو يقول:
_ اطمئن يا حمدي بك.. كل شيء سيتم كما تريد.
********
كان الحفل الذي ضم عددًا من أصحاب شركات المقاولات مزدحمًا.
كان الحفل مقامًا على نفقة حمدي العليمي، صاحب شركة العليمى للمقاولات؛ بمناسبة افتتاح أحد المشروعات الإنشائية الجديدة للشركة.
وقد وقف حمدي يستقبل مدعويه من أصحاب الشركات الأخرى، وهو يبدو في أفضل حالاته، والابتسامة تعلو وجهه.
وتمادى في مزاحه ودعاباته مع الجميع حتى إن أحدهم مازحه قائلاً:
_ما شاء الله يا حمدي بك.. ما كل هذه الحيوية والنشاط، من يراك يظن أنك صغرت في العمر عشر سنوات على الأقل.
ضحك حمدي قائلاً:
_ أعوذ بالله من الحاسدين.
وعلى العكس بدا رشيد توفيق عابسًا، وعزوفًا عن الاختلاط بالآخرين. حينما اقترب منه حمدي ليهمس له قائلاً:
_ لِمَ لا تبدو مبتهجًا؟ ألا يعجبك الحفل؟
قال له دون أن يخفي تجهمه:
_ لم أكن أرى أي داعٍ لهذا الحفل.
نظر إليه باستغراب قائلاً:
_ كيف تقول هذا؟ نحن مقبلون على مشروع كبير؛ سيعود علينا بأرباح طائلة. ألا يستحق هذا إقامة احتفال ندعو إليه عملاءنا وأصدقاءنا بهذه المناسبة؟
_ لم يكن هناك داعٍ لهذا البذخ، وتلك المصاريف؛ ونحن مقبلون على ميزانية كبيرة من أجل المشروع الذي نضطلع به.
قال له مداعبًا، وهو ينكزه في كتفه:
_ كفاك بخلاً وتقتيرًا يا رجل.. أتسمي ثمانين ألف جنيه مصاريف، وأنت ستكسب وحدك من وراء المشروع القادم ما يعادل ستين مليون جنيه؟
ثم إن هذا الحفل ليس من أجل التباهي والتفاخر؛ إنه مجال أوسع للمزيد من الأعمال والاتفاقات. وربما خرجنا بصفقة أو اثنتين أخريين من ورائه.. وهذا ما أخبرتك به من قبل. لا تنسَ أنك أتيت من أقاصي الصعيد مقاولاً صغيرًا، وهآنت قد صرت الآن صاحب شركة مقاولات كبيرة لها شأنها.


قال دون أن يتخلى عن تجهمه:
_ومع ذلك فأنت تعرف أنني لا أميل لهذا النوع من الحفلات، ولا أستسيغها كثيرًا؛ لذا فإنني أنوي التسلل خارجًا، وعليك أن تتعامل مع الآخرين من الحضور بطريقتك.
_ لكن هذا لا يليق؛ الحفل أقيم على شرف كلينا فلا يصح أن تغادره فجأة هكذا.
_ يا أخي قل لهم إنني شعرت بتعب مفاجىء اضطرني للمغادرة.. تصرف يا حمدي.
_ وماذا لو رغب أحدهم في الاتفاق معنا على بعض الأعمال الأخرى؟
_ يمكنك تولي الأمر بمفردك.
_ لكنك الشريك صاحب النصيب الأكبر في الشركة، ولا يمكنني أن أنوب عنك في اتفاق كهذا بمفردي.
_ اتفق مع مَنْ يرغب في التعامل معنا مبدئيًا.. ثم اعرض عليَّ الأمر فيما بعد.
_ ومع ذلك فإنني أرى أن تبقى ولو لنصف ساعة أخرى للترحيب بالضيوف؛ ثم يمكنك الاستئذان فيما بعد.
_ كلا.. أنا متعب، وأرغب في العودة إلى المنزل؛ للحصول على قسط من الراحة.
_ حسنًا كما تريد.. ولكن هل يمكنك الانتظار قليلاً حتى أجرى مكالمة هاتفية سريعة؟
_ يمكنني الانتظار ربع ساعة أخرى، لكن لا تتأخر عليَّ.

********
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.