أكوان للنشر والترجمة والتوزيع

Share to Social Media

الفصل الأول
*****
استعدت الطائرة القادمة من ألمانيا للهبوط في مطار القاهرة الدولي.
وعلى متنها جلس زياد وشقيقته وهو مستغرق في العديد من الأفكار والذكريات الأليمة.
كانت أشباح الماضي تتراقص أمام عينيه، مسترجعًا ذكرى والده الذي راح ضحية مؤامرة شريرة دبرها له شخص كان يعده من أقرب الأصدقاء إليه ويضع فيه ثقته كاملة.
لكن الصديق المزعوم خان تلك الثقة وقام بتدبير مؤامرة دنيئة ليستولي على ثروة أبيه. ولم يكتف بذلك، بل تسبب في إدخاله السجن ليتوفى فيه بعدها بعامين فقط.
إنه لن ينسى أبدًا تلك النظرة التي رآها في عين أبيه قبل موته بأيام قليلة، كانت نظرة معبرة عن كل معاني الظلم والمرارة التي تعرض لها.
كان صغيرًا في السن وقتها، وقد توفيت والدته قبل أن يتعرض والده لتلك المأساة بثلاثة أعوام.
ووجد نفسه ومعه شقيقته بمفردهما في مواجهة الحياة وهما لا يتجاوزان الرابعة عشرة من عمرهما دون أن يدري أحدهما أي مصير ينتظرهما وما الذي يخبئه لهما القدر.
أجل، لن ينسى تلك النظرة المريرة في عيون الأب قبل وفاته.
كان سعد شبانة رجل أعمال كبيرًا، له مكانته الاجتماعية التي جعلته يفخر بأبوته له، وكان أيضًا أبًا عطوفًا وفر له ولشقيقته حياة رغدة مليئة بكل أسباب الأمان والرفاهية، فلم يبخل عليهما يومًا بشىء خاصة بعد وفاة والدتهما ومحاولاته تعويضهما عن فقدهما لأمهما.
لكن مع الأسف لم يقدر لهما أن ينعما بتلك الحياة الرغدة طويلًا، ففي خلال أيام معدودة تبدلت حياتهما تمامًا، وانتهت كل مظاهر الترف التي كانا يعرفانها بعدما حدث لأبيهما ودخوله السجن، وبعد استحواذ فهمي الإسناوي على أمواله وثروته بحيله الشيطانية مستغلًا في ذلك الثقة المفرطة التي منحها له الأب.
ولولا أن أحد الأقارب تولى مسئوليتهما بعد دخوله السجن لوجدا نفسيهما مشردين دون مأوى وهما مازالا في تلك السن الصغيرة.
وحينما اصطحبهما الشخص الذي تولى كفالتهما ورعايتهما معه إلى ألمانيا بعد سفره إلى هناك لتبدل حالهما تمامًا.
لكن زياد لم ينسَ مطلقًا تلك الفترة المظلمة في حياتهما وما تعرض له أبوه من غدر وظلم أصابه في ماله وشرفه وحريته حتى مات محسورًا بعد خيانة صديقه له.
فقد بقى كل ذلك محفورًا في عقله وقلبه ووجدانه كل تلك السنين التي انقضت، ولم تفارقه أحداثها وكأنها كابوس لم يستيقظ منه بعد.
وبقيت صورة الانتقام تتراقص أمام عينيه ولا تفارقه أبدًا.
وها هو قد عاد إلى مصر ومعه شقيقته بعد أربعة عشر عامًا وفي ذهنه وتفكيره شيء واحد، وهو الانتقام من الشخص الذي عرضهما لتلك المأساة واستعادة حقه وحق أخته في الثروة التي استولى عليها، عاد من أجل شخص واحد لم يبارح ذاكرته وهو فهمي الإسناوي.
لقد أصبح الرجل الآن واحدًا من كبار رجال الأعمال، وتضاعفت ثروته وتضحمت بفضل الأموال التي استولى عليها من أبيه، قبل أن يتسبب في إدخاله السجن.
وقد حرص على قطع كل صلة له بالماضي، وبتلك المرحلة من حياته قبل أن يعرفه الآخرون في صورته الحالية، كأحد رجال المجتمع والمشهور بكونه رجل البر والإحسان.
لقد ظن أنه نسي كل شىء عن سعد شبانة وأبنائه واستطاع أن يمحو من ذاكرته تلك المأساة التي تسبب بها، والتي أصابتهم بعد موته داخل أسوار زنزانته.
كان الرجل شغوفًا بتنمية ثروته ومضاعفتها بشتى الوسائل، فقد كان نهمه للمال بغير حدود.
لكنه كان على قدر من الذكاء والفطنة بحيث يتم ذلك بصورة تبدو قانونية، ودون ارتكاب أية أخطاء يمكن أن تسىء لسمعته وتؤدي لفتح ملفات الماضي بعد كل ما وصل إليه من مكانة اجتماعية.
لذا أفزعه أن يجد يومًا صورة قديمة لصديقه القديم سعد فوق مكتبه وفي ظهرها تلك العبارة الموجزة (لقد آن أوان الحساب).
قطب جبينه وتقلصت ملامحه وهو يحدق في الصورة ويقرأ تلك الكلمات، وزاغت نظراته للحظات قبل أن يضغط على الزر أمامه ليستدعي سكرتيرته.
وما إن رآها أمامه حتى صاح فيها قائلًا بانفعال:
- من الذي دخل لحجرتي في غيابي؟
ارتبكت الفتاة وقد أخافها مظهره، قائلة بتلعثم:
- أؤكد لك يا سيدي أن أحدًا لم يدخل إلى المكتب أثناء غيابك.
قال لها مزمجرًا:
- أنتِ كاذبة.
قالت له وقد ازداد ارتباكها:
- أقسم إن أحدًا لم يدخل هنا منذ مغادرتك للمكتب هذا الصباح.
لوح بالصورة بين أصابعه قائلًا:
- إذن من الذي وضع هذه الصورة فوق مكتبي؟ تطلعت إلى الصورة باستغراب وهي تقول:
- لا أدري.
- لا تدرين أم أنك شريكة في هذا؟
- ماذا تعني يا سيدي؟
هبَّ واقفًا ليقترب منها وعيناه تقدحان شررًا وهو ينظر إليها قائلًا:
- لو علمت أن هناك شخصًا ما قد غافلك ودخل إلى حجرتي دون علمك فسوف يكون هذا نهاية عملك معي، أما لو تبين أنك شريكة في هذا الأمر فسوف أنسفك نسفًا.
قالت له مرتعدة:
- أنا لا أعرف شيئًا عن هذه الصورة، ولم يدخل أحد إلى مكتبك منذ مغادرتك له عدا .....
- عدا من؟ تكلمي.
- عم إبراهيم الساعي الذي يقوم بتنظيف المكتب.
فكر قليلًا وقد انتقل بارتيابه إلى الرجل العجوز الذي يعمل لديه من سنين طويلة، قبل أن يهتف بها قائلًا:
- استدعِه لي على الفور، هيا تحركي.
ولم يدر بعقله وهو في هذه الحالة من الانفعال أن يلقي نظرة من نافذة حجرته الزجاجية ليرى عامل النظافة المختص بتنظيف الواجهة الزجاجية للشركة وهو يتولى تنظيف زجاج حجرته بواسطة مصعد متحرك صغير كما جرت العادة.
إذ لو ألقى نظرة مدققة لوجد هذا العامل يتطلع بنظراته إلى أعلى قبل أن يهبط بمصعده وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة غامضة.
فقد كان هو نفسه زياد ابن صديقه القديم سعد، والذي وضع بنفسه صورة أبيه فوق مكتبه.
وعندما عاد فهمي إلى منزله كانت هناك مفاجأة أخرى في انتظاره؛ إذ رأى في صندوق البريد الخاص به ظرفًا مغلقًا.
وما إن صعد إلى شقته ليفض هذا الظرف حتى وجد صورة ثانية لسعد شبانة، مكتوبًا على ظهرها (آن الأوان لتدفع ثمن ما جنته يداك).
انتفض فهمي وهو يطالع تلك الكلمات ملقيًا بالصورة على الأرض، وبدا كما لو أن ثعبانًا لدغه في جسده لدغة مميتة، بينما أصبح وجهه ممتقعًا وقد تقاطرت حبات العرق فوق جبينه.
وما لبث أن أخرج منديلًا ليجفف به عرقه وهو يجيل النظر في أرجاء المكان كما لو أن هناك من يتربص به ويستعد لمهاجمته والانقضاض عليه للفتك به.
وتهالك فوق الأريكة التي تتوسط الردهة متناولا الهاتف ليتصل بأحد الأشخاص قائلًا:
- أين أنت يا مجدي؟
- في النادي يا فهمي بك.
قال له محتدًّا:
- ماذا تفعل في النادي؟ أنا أدفع لك أجرك لتبقى بجواري وتتولى حمايتي وليس للذهاب للنادي.
قال الرجل مرتبكًا:
- لكنك منحتني إجازة لمدة يومين طالبًا مني أن أسري عن نفسي و ....
قاطعه بعصبية قائلا:
- لقد انتهت الإجازة وعليك أن تأتي إليّ فورًا ومعك ثلاثة أشخاص يجيدون القيام بنفس العمل الذي تقوم به، هؤلاء الأشخاص سيكونون تحت رئاستك وستكونون جميعًا مسئولين عن حمايتي.
قال الرجل مستغربًا:
-فهمي بك هل يوجد خطر يهددك؟
-عندما تأتي سأخبرك بالأمر.
وأغلق الهاتف ليغادر مقعده وهو يذرع المكان جيئة وذهابًا وقد تملكه الخوف والحيرة، متسائلًا عن معنى تلك الصور والكلمات المكتوبة على ظهرها.
من الذي يرسلها؟
وما الذي يهدف إليه من وراء ذلك؟
وما الذي بعث الماضي من مرقده بعد أن ظن أنه قد وأده تمامًا ومحاه؟
مرت الساعات بطيئة وقاسية عليه، قبل أن يحضر حارسه الخاص ومعه ثلاثة أشخاص مفتولي العضلات وتبدو عليهم ملامح القوة والخشونة ليسأله قائلا:
- ما الذي حدث يا فهمي بك؟ ولماذا تبدو منزعجًا هكذا؟
تطلع فهمي إلى الرجال الثلاثة قائلًا:
- هل تثق بهم؟
- كل الثقة، وهم بارعون في عملهم.
-هناك شخص يتعقبني ويبعث لي برسائل تهديدية.
- هل تعرفه؟
- كلا، لكنه نجح في التسلل إلى مكتبي في الشركة وإلى منزلي أيضا تاركًا تلك الرسائل وراءه.
- ألديك أية معلومات عنه؟
- قلت لك لا أعرف عنه شيئًا، وإن كنت أظن أنه يمت بصلة ما لصديق قديم كنت أعرفه من خمسة عشر عامًا، أريد تشديد الحراسة حولي للحيلولة بين هذا الشخص الغامض وبين الاقتراب مني، أو أي مكان أتواجد فيه، حتى لو أدى الأمر لقتله.
- كن مطمئنًا لذلك.
- وإذا تمكنتم من معرفته وإحضاره لي فسوف تنالون مكافأة كبيرة، بالإضافة لرواتبكم.
*****


الفصل الثاني
*****
بعد ثلاثة أيام قام فهمي الإسناوي بافتتاح أحد مشروعاته التجارية، وبصحبته المحافظ وبعض المسئولين في الدولة، بالإضافة لمجموعة من الإعلاميين وجمع غفير من الناس، حيث قدم المقص إلى المحافظ ليقوم بقص شريط الافتتاح وهو محاط كعادته بالرجال المكلفين بحراسته.
وقد بدا مبتهجًا في هذه الليلة، خاصة وأن المبيعات المبدئية كانت تبشر بأرباح طائلة للفرع الجديد.
ووقف يعرض على المحافظ وبقية المسئولين مجموعة من المنتجات المعروضة، وقد أحاطت به الكاميرات وعدسات المصورين.
وبينما هو كذلك علا رنين هاتفه المحمول فاستأذن من مرافقيه للرد على الهاتف طالبًا من نائبه أن يحل محله مؤقتًا.
وانتحى جانبًا ليرد على الهاتف ليفاجأ بصوت ساخر يحدثه قائلًا:
- مبروك افتتاح الفرع الجديد يا فهمي بك.
- من المتحدث؟
- شخص بينه وبينك حساب قديم لم يتم تصفيته بعد.
احتقن وجهه وهو يقول:
- من أنت؟
- لا يهم أن تعرفني الآن، فسوف نتعارف فيما بعد حينما يأتي أوان الحساب.

تذكر فهمي تلك العبارة التي قرأها على ظهر الصور التي تلقاها؛ فاستشاط غضبًا، قائلًا بانفعال:
- اسمعنى جيدًا أيًّا من كنت، يجب أن تعرف أنك لو حاولت التدخل في شئوني أو ملاحقتي بألعابك السخيفه تلك فسوف ....
قاطعه محدثه قائلًا بسخرية:
-فسوف ماذا؟ هل ستبلغ عني الشرطة؟ أم ستسلط عليّ أفراد حراستك ليقتلوني؟
لن تجسر على إبلاغ الشرطة بالطبع؛ لأنك تعرف جيدًا أن ذلك قد يفتح ملفات قديمة أنت في غنى عن فتحها، وأنا أعرف أنك حريص على أن تبقى مغلقة خاصة بعد كل ما وصلت إليه من مكانة بفضل ثروة صديقك القديم سعد وخيانتك له، أما رجالك فثق أنهم لن يستطيعوا حمايتك مني؛ لأنني أستطيع أن أصل إليك وقتما أريد وحيثما كنت.
والدليل على ذلك ستجده في جيب سترتك الأيسر.
وأغلق الهاتف تاركًا الرجل في حالة من الاضطراب والتوتر، وقد اقترب منه المحافظ وهو ينظر إليه في تساؤل بعد ما لاحظه عليه من اضطراب قائلًا:
-هل هناك شىء يا فهمي بك؟
تنبه قائلًا:
- هه.. لا أبدًا يا سيادة المحافظ.. آسف إذا كنت قد انشغلت عنك قليلا.. دعنا نستكمل جولتنا.
وبينما كان يسير بصحبة المحافظ يستعرضان منتجات المتجر امتدت يده إلى جيبه بحركة تلقائية وقد تذكر ما قاله له محدثه؛ ليخرج صورة جديدة لصديقه القديم وقد كتب على ظهرها (أظنك عرفت الآن أنني أستطيع الوصول إليك وقتما أشاء رغم حراسك الأشداء).
أخذ يحدق فيما يقرأه مذهولًا وقد توقف عن مواصلة السير ووجهه ممتقع.
وقد لاحظ أحد الذين يتولون حراسته الحالة التي يبدو عليها فاقترب منه قائلًا:
- هل هناك شىء؟
قال له وهو يحاول إخفاء توتره:
- ما الذي تفعله أنت ورفاقك؟
نظر إليه الرجل بحيرة وهو لا يدري ما الذي يقصده وبما يجيبه.
بينما عاد فهمي ليصيح في وجهه قائلًا:
- لِما لا ترد عليّ؟
- فهمي بك، نحن نتولى حراستك.
أمسك فهمي بالصورة ملوحًا بها في وجهه وهو يقول بحدة:
- إذا كان هذا هو عملكم فكيف وصلت صورة كهذه إلى جيبي دون أن ينتبه أحدكم إلى ذلك؟

هذا ليس له سوى معنى واحد وهو أنكم لا تجيدون القيام بعملكم، وأنكم لستم سوى مجموعة من الهواة.
حاول الرجل أن يتكلم:
- أؤكد لك يا فهمي بك أننا ....
لكنه قاطعه بحدة قائلًا:
- لا تقل شيئًا... سجل هذا الرقم الموجود على شاشة هاتفي وابحث لي عن مصدره.
أمسك الرجل بقلم ليقيد الرقم في مفكرته، بينما غمغم فهمي وهو مقطب الجبين قائلًا:
- ولو أني واثق أن صاحب هذا الرقم ليس غبيًّا ليتصل بي من هاتفه الخاص.
ولم يكن بعيدًا عن الحقيقة فيما قاله، فقد ألقى زياد بالهاتف المستعمل في إحدى الحدائق قبل أن يلتفت لشقيقته التي كانت جالسة في السيارة بجواره وهو يبتسم قائلًا:
- أعتقد أنه اطلع على الصورة وما كتب عليها.
ابتسمت شقيقته إيمان بدورها قائلة:
- كنت أتمنى لو رأيت وجهه الآن وهو يرى الصورة.
قال زياد بنبرة هادئة:
- لقد تلاعبنا بأعصابه بما يكفي.. أظنه قد آن الأوان لنقوم بالعمل الجاد.
*****


الفصل الثالث
*****
غادر سهيل العابد رجل الأعمال الخليجي فراشه متثاقلًا إثر سماعه لصوت طرقات على باب حجرته في الفندق الذي ينزل فيه.
وما إن فتح الباب حتى رأى أحد العاملين بالفندق وهو يدفع أمامه بعربة صغيرة ذات عجلات إلى الداخل وعليها أنواع مختلفة من الأطعمة والشاي قائلًا:
- لقد أحضرت لك الإفطار يا سيدي.
نظر إليه باستغراب وهو يقول:
-ألم تبكروا بإحضاره؟
أحنى العامل رأسه باحترام قائلًا:
- الساعة الآن التاسعة والنصف تمامًا كما حددت موعد إحضار الإفطار.
نظر الرجل إلى ساعته قائلًا:
- بل هي التاسعة فقط.
اعتذر عامل الفندق وهو ينظر إلى ساعته بدوره قائلًا:
- أسف، يبدو أن هناك تقديمًا في ساعتي، سأعيد الطعام وأحضر لك بدلا منه بعد نصف الساعة.
- لا داعي لذلك، دع العربة وتفضل أنت.
أحنى العامل رأسه قائلًا:
- كما تشاء ياسيدي، وأكرر اعتذاري مرة أخرى.
وأغلق الباب خلفه وهو يبتسم وقد تخلص زياد من ثياب الفندق.
بينما أقبل الرجل على طعام الإفطار بنهم مفرغًا كوب العصير في جوفه دفعة واحدة، قبل أن يستعد لتناول الشاي.
ثم نهض ليبدل ثيابه استعدادًا لمقابلة فهمي الإسناوي، لكنه أحس فجأة بتثاقل في رأسه، وقبل أن ينتهي من ارتداء ثيابه كان قد هوى على الأرض غائبًا عن الوعي.
وبعد عدة دقائق من غيابه عن الوعي فتح باب الحجرة مرة ثانية ليدلف زياد إلى الداخل بحذر، حيث ألقى نظرة سريعة على الرجل قبل أن ينقله إلى فراشه ويدثره بالأغطية.
وقد ألقى نظرة على ساعته وهو يغمغم قائلًا:
- حسنًا، أمامك خمس ساعات كاملة على الأقل قبل أن تستعيد وعيك، وبعدها ستحتاج لساعة أخرى قبل أن تتمكن من الوقوف على قدميك.
أعتقد أنه وقت كافٍ للقيام بالعمل المطلوب.
وأخذ يفتش في أوراق الرجل آخذًا منها المستندات الخاصة بإحدى الصفقات التجارية التي كان ينوي مشاركة فهمي الإسناوي فيها.
ثم أسرع بمغادرة الغرفة بعد أن ألقى نظرة خارجية فاحصة ليتأكد أن أحدًا لم يره.
ولم ينس وضع لافتة صغيرة على الباب مكتوب عليها (ممنوع الإزعاج).
وما لبث أن غادر الفندق ليستقل سيارته وهو يرنو إلى شقيقته التي وقفت على مقربة من السيارة غامزًا لها بإحدى عينيه قبل أن يبتعد بالسيارة.
وبعد قليل حضر فهمي إلى الفندق ليتوجه إلى الكافتيريا محاولا الاتصال بسهيل دون أن يتلقى ردًّا.
وما كاد أن يستقر في مقعده حتى رأى إيمان وهي تقترب منه مبتسمة ومتهادية في خطواتها لتقول:
- حضرتك فهمي بك؟
- أجل.
- أنا سكرتيرة الشيخ سهيل العابد، لقد تعرض الشيخ سهيل لإصابة في قدمه هذا الصباح حالت دون مجيئه إليك، وقد حاول الاتصال بك، لكنه لم يتمكن من ذلك؛ لذا كلفني باصطحابك إليه.
- هنا في الفندق؟
- كلا، في فيلته الجديدة، إذا لم يكن لديك مانع.
نهض قائلًا:
-لا مانع على الإطلاق.
- إذن تفضل معي.
وبينما كان جالسًا بجوارها في السيارة في طريقه إلى الفيلا التي استأجرها زياد بدا الأخير راضيًا عن تنكره في شخصية الشيخ سهيل وهو واقف أمام المرآة بعد انتهائه من استعمال أدوات التنكر ليبدو قريب الشبه بالرجل.
وكان يعرف أن فهمي لم يلتق بالرجل من قبل؛ لذا لن تكون هناك صعوبة كبيرة في إقناعه بأنه الشخص الذي أتى للاتفاق معه.
غادر فهمي السيارة برفقة الفتاة طالبًا من حراسه الذين أتوا في سيارة خلفه الانتظار في مدخل الفيلا.
وقد وقف زياد يراقبهم من خلف إحدى النوافذ في الطابق العلوي، بينما دعت إيمان الرجل للجلوس في القاعة السفلية قائلة:
- دقائق قليلة وسيأتي الشيخ سهيل لمقابلتك.
وتوجهت الفتاة إلى رجال الحراسة ومعها صينية عليها بعض العلب الكرتونية التي تحوي ثلاث شطائر وعلب العصائر قائلة:
- الاجتماع بين الشيخ سهيل وفهمي بك قد يطول قليلا، وهذه تحية بسيطة من الشيخ.
تناول كل منهم إحدى علب الطعام وعلبة العصير شاكرين، مقبلين عليها بنهم شديد.
ولم تمر سوى ثلاث دقائق حتى تهاوى الرجال الأربعة غائبين عن الوعي.
وسرعان ما هبط زياد من السلم الخلفي إلى الحديقة بهمة ونشاط لينقل الرجال الأربعة إلى صندوق خلفي مغلق لسيارة نصف نقل محكمًا غلقه عليهم.
وقام بفتح باب جانبي مجاور لبوابة الفيلا، وقد جلس خلفه أحد الأشخاص يدخن سيجارة، وقد مدد ساقيه فوق منضدة خشبية صغيرة.
وما إن رأه حتى هب واقفًا وهو يطفىء سيجارته حيث ابتدره زياد قائلًا:
- اتبعني.
سار الرجل خلفه مهرولًا وقد أشار زياد إلى السيارة قائلا:
- ها هي السيارة، عليك أن تقودها إلى الصحراء كما اتفقنا، وحينما تصل إلى المكان الذي حددته لك تتركها هناك بعد أن تأخذ مفاتيحها وتفرغ إطاراتها من الهواء، وهناك ستجد سيارة أخرى تقودها وتعود إلى هنا لتحصل على أتعابك.
- ولكن أي نوع من البضائع سأحملها إلى ذلك المكان المقفر؟
قال زياد محذرًا:
- لقد اتفقنا، لا أسئلة ولا أي محاولة من جانبك للاطلاع على البضاعة ومعرفتها.
وتأكد أنك إذا فعلت فسأعرف، ووقتها لن تحصل على أجرك مطلقًا، أعتقد أنك تفهم ذلك.
هزّ الرجل كتفيه قائلا:
- على أية حال لا شأن لي بما داخلها طالما لا تحتوي على مواد ممنوعة أو أي شىء من هذا القبيل.
- اطمئن لا يوجد بها شيء من ذلك.
راقبه زياد وهو يبتعد بالسيارة قبل أن يستدير عائدًا إلى الداخل.

وكان فهمي قد بدأ يشعر بالقلق لتأخر حضوره فسأل إيمان وهي تقدم له القهوة التي طلبها:
- هل سيتأخر الشيخ سهيل أكثر من ذلك؟
وقبل أن تجيبه سمع صوتًا يتحدث إليه بلهجة خليجية قائلا:
- معذرة يا أخي إذا كنت قد اضطررت لجعلك تنتظر كل هذا الوقت.
واقترب منه وهو يتكيء على عكاز خشبي، فنهض لمصافحته وتحيته قائلا:
- أهلا شيخ سهيل، يؤسفني ما علمته عن إصابتك أتمنى لك شفاءً عاجلًا.
قال زياد وهو يترك شقيقته تساعده على الجلوس:
- شكرًا لك أخي.. تفضل.. تفضل بالجلوس.
والتفت إلى شقيقته التي كانت مستمرة في أداء دورها كسكرتيرة قائلا:
- أرجو أن تكوني قد قمتِ بواجب الضيافة كما يجب مع ضيفنا العزيز.
ابتسمت قائلة:
-كما أمرت تمامًا يا سيدي.
قال فهمي متظاهرًا بالحرج:
-أعرف أنه ليس من اللائق أن أثقل عليك بأمور تتعلق بالعمل وأنت متعب هكذا، لكنك تعرف أن هناك أعمالًا يصعب تأجيلها؛ لأن التأجيل يكلفنا الكثير وتحتاج إلى السرعة لإنجازها.
- بالطبع، لقد اطلعت على بنود العقد وأنا موافق عليه بشكل مبدئي.
ابتهج فهمي قائلا:
- إذن هل يمكننا التوقيع على العقد الآن؟
تظاهر زياد بالتفكير قليلا قبل أن يقول:
- لا مانع.
لم يصدق فهمي نفسه حينما رأى تلك الاستجابة السريعة من جانب الرجل الذي اشتهر بصعوبة التعامل معه.
فأسرع بإخراج أوراق العقد من حقيبته ليقدمها له قائلا:
- وها هي الأوراق جاهزة، تفضل بالتوقيع، وإن شاء الله يكون هذا العقد فاتحة خير بيننا.
تناول زياد أوراق العقد وهو يقول:
- إن شاء الله.
وما لبث أن التفت إلى شقيقته قائلا:
- أين القلم ونظارتي؟
- سأحضرهما فورًا.
وانصرفت الفتاة، في حين التفت إلى فهمي مردفًا:
- معذره فقد ضعف بصري ولا يمكنني القراءة بوضوح دون النظارة، كان المفروض أن يكون المحامي موجودًا اليوم للمشاركة في التوقيع والاطلاع على بنود العقد، لكن يبدو أن هناك أمرًا ما منعه من الحضور، وأراك مستعجلًا على إبرام الاتفاق.
تحدث زياد بعد تناول رشفة من فنجان القهوة الموضوع أمامه قائلا:
- سيد فهمي، أنت ترى أنني تساهلت معك بشأن سرعة إتمام هذا العقد، وتعرف أيضا أنني سأساهم بمبلغ كبير في ذلك المشروع الذي ننوي تنفيذه، وهذا يحتاج لبعض الضمانات الإضافية لحفظ حقوقي المالية.
- بالطبع وأنا مستعد لإضافة البنود التي تراها لضمان حقوقك.
- وأنا أفضل الحصول على تلك الضمانات والبنود الإضافية في عقد تكميلي يكون بمثابة ملحق للعقد الأصلي.
صمت فهمي برهة وقد بدا مترددًا بعض الشىء، في حين أخرج زياد نسخة من العقد ليقدمها له قائلا:
- ها هي نسخة من العقد التكميلي، يمكنك الاطلاع عليها وقراءتها.
تناول فهمي نسخة العقد ليقرأها في حين أراد زياد إغراءه مستطردًا:
- المبلغ المطلوب جاهز على الصرف في البنك ويمكنك الحصول على الشيك الآن لو أردت.
أما إذا كنت تفضل التأجيل لحين الرجوع إلى محاميك فلا مانع، لكن سيتعين عليك الانتظار شهرًا آخر لحين عودتي مرة أخرى إلى مصر.
فأنا مضطر للسفر غدًا صباحًا مما يعني تأجيل التوقيع على العقود حاليًا.
وما إن سمع فهمي بذلك حتى قال متلهفًا:
- لا داعي لذلك، فلننه الأمر الآن ونوقع على العقدين.
وتناول القلم من الفتاة ليوقع على النسخة التي قدمها له زياد مردفًا:
- وها هو توقيعي.
ابتسم زياد وهو يتناول نسخة العقد قائلا:
- على بركة الله.
وتلفت حوله قائلا:
- لماذا لم تحضر لي الفتاة نظارتي حتى الآن.
وما لبث أن نهض متكئًا على عكازه مستطردًا:
- آه، لقد نسيت أن أخبرها بالمكان الذي تركتها فيه سأذهب لإحضارها بنفسي، وسأحضر لك معي الشيك أيضا.
وغادر المكان وفي يده النسخة الموقعة.
بينما جلس فهمي في انتظاره وهو يشعر بالظفر للسرعة التي وقع بها هذا الاتفاق، متوقعًا أن يدر عليه مبالغ طائلة مستقبلا.
لكن انتظاره طال ليتجاوز ثلث الساعة وقد أخذ يتطلع لساعته من آن لآخر مترقبًا حضور شريكه دون جدوى؛ مما دفعه لمغادرة المكان متقدمًا إلى الخارج وهو ينادي عليه بصوت خافت دون رد.
وما لبث أن علا صوته مناديًا وقد أخذ يتلفت حوله مردفًا:
-أين ذهب الرجل وسكرتيرته؟ ولما لا يرد عليّ أحد؟
ولمح بابًا جانبيًّا فتحه ليجد أمامه ممرًا طويلًا وفي نهايته باب آخر مغلق، فسار إليه ليقف أمامه مترددًا وهو يقول لنفسه:
- ربما كانت هذه هي حجرة النوم.
وطرق الباب عدة طرقات دون رد، فلم يجد بدًّا من فتحه ليدلف الى الداخل.
لكن ما إن تقدم عدة خطوات داخل الحجرة حتى جحظت عيناه وتجمدت أطرافه من شدة ما أصابه من هلع.
إذ رأى نفسه أمام جثة ملقاة على الأرض لفتاة منكفأة على وجهها وسط بقعة كبيرة من الدماء
وقد برز مقبض سكين غاص نصله في ظهرها.
ولم يكن هناك شك أن الفتاة قد قتلت لتوها بطعنة سكين نافذة.
وعندما استجمع قواه قليلا وأراد أن يتبين ما رأته عيناه جثا بجوار الجثة محاولا تبين شخصية صاحبتها كانت المفاجأة الثانية، أن الجثة كانت لسكرتيرة الشيخ سهيل.
انتفض واقفًا وهو يرتجف من وقع المفاجأة.
وقبل أن يتمالك نفسه تلقى ضربة قوية على رأسه من الخلف سقط على إثرها بجوار جثة الفتاة فاقدا الوعي.
وعندما استرد وعيه وجد نفسه ممدًا على نفس الأريكة التي كان يجلس عليها وهو يوقع على العقد ويده مضمومة إلى صدره.
أراد أن يفرد ذراعيه، لكنه بوغت بنفسه وقد احتضن صورة أخرى من تلك الصور التي اعتاد تلقيها في الآونة الأخيرة.
ارتعب وهو يعتدل جالسًا ملقيًا بالصورة بعيدًا، كما لوكان قد احتضن عقربًا.
وما لبث أن التقطها مرة أخرى بعد تردد قصير ملقيًا نظرة على ما كتب خلفها.
كانت العبارة المكتوبة هذه المرة (ألم أقل لك إننا سنلتقي لتصفية حسابنا القديم)
وفجأة سمع صوتًا يأتي من ورائه مرددًا (لقد آن أوان الحساب).
وسرعان ما أخذ الصوت يتردد في أرجاء المكان من خلال ميكروفون صغير تم إخفاؤه بعناية في أحد جدران المكان.
كذلك كانت هناك كاميرا دقيقة الحجم تختفي بين مصابيح النجفة المعلقة في السقف لتنقل كل خلجة من خلجاته إلى شاشة تليفزيونية بالطابق العلوي.
هتف فهمي مضطربًا:
- من، من المتحدث؟
قال زياد بلهجة آمرة:
- اجلس مكانك ولا تبارحه.
لم يطعه، بل اندفع نحو الباب محاولًا فتحه؛ ليفاجأ به مغلقًا من الخارج.
فتحول إلى النافذه لفتحها، لكنه تبين وجود قضبان معدنية عليها خلف الشيش مباشرة؛ مما أصابه بهستيريا جعلته يتعلق بالجدران وهو يصرخ مناديًا على الرجال المكلفين بحراسته محاولًا الاستنجاد بهم، لكنه لم يتلق أي رد على استغاثته.
ومالبث أن سمع صوت زياد يأتيه مجددًا وهو يقول:
- لا داعي لإجهاد أحبالك الصوتية؛ فلن تجد من يجيبك؛ ذلك أن رجالك الأشداء بعيدون تمامًا عن هنا ولابد أنهم يواجهون الآن مشاكل كبيرة في العودة إلى هنا.
أخرج فهمي مسدسه دون أن يدري إلى من يصوبه لكنه أحس بحاجته لأي شىء يدافع به عن نفسه في مواجهة هذا الخطر المجهول، لكن صوت زياد عاد ليتردد في المكان قائلا:
- وهذا أيضا لن يفيدك بشىء؛ فخزانته فارغة من الطلقات.
ضغط الرجل على زناد مسدسه بعصبية ليتبين له صدق ما قاله زياد؛ فتهالك فوق أحد المقاعد قائلا بصوت واهن:
- من أنت؟ وماذا تريد مني؟
- أنا زياد سعد، ابن المرحوم سعد شبانة. هل تذكره؟ إنه صديقك القديم، أو الذي كان يظنك صديقًا له وموضع ثقته، لكنك غدرت به وتسببت في دخوله السجن ظلمًا بشهادتك الزائفة ضده وتدبيرك الشرير للاستيلاء على ماله وثروته قبل أن تقضي عليه حزنًا وحسرة.
امتقع وجهه وهو يتصبب عرقًا قائلًا:
-هذا غير صحيح، أنا ...
قال زياد وهو يقاطعه بحدة:
- أنت أحقر إنسان عرفته في حياتي، فقد خنت صديقك الذي منحك منصبًا مرموقًا في شركته ولم يبخل عليك بشىء، وسرقته وتسببت في تشرد أسرته وأبنائه.
قال فهمي وقد خارت قواه:
- إذن فأنت ابن سعد شبانة.
- وأنا أيضا الشيخ سهيل الذي قابلته منذ قليل.
غمغم فهمي قائلًا:
- بعد كل تلك السنين؟
- لقد انتظرت كل تلك السنين من أجل هذه اللحظة.
- وما الذي تريده مني الآن؟
- استعادة المال الذي سرقته من أبي، مضافًا إليه فوائد أربعة عشر عامًا.
-هذا المال الذي تتحدث عنه أصبح من حقي، وذلك مثبت بشكل قانوني.
- أي شكل قانوني هذا الذي تتحدث عنه؟ هل تقصد المال الذي اختلسته من خزنة الشركة قبل دخوله السجن؟ أم ذلك الذي أقنعته أن يتركه لديك أمانة، ثم أنكرت وجوده فيما بعد؟ وقبل أن تشهد ضده زورًا وتتسبب في إثبات تهمة زائفة عليه.
أنا لست مثل والدي ولن يمكنك خداعي كما فعلت معه، الملايين التي استوليت عليها بالحيلة والخيانة هم الذين جعلوك ما أصبحت عليه الآن فهمي الإسناوي، رجل الأعمال المعروف صاحب المشروعات التجارية التي يتحدث عنها الجميع.
- اسمع، سأعطيك ربع مليون جنيه لتبدأ بها حياتك.
ضحك زياد قائلًا:
- ربع مليون جنيه؟! اسمعني أنت، إذا أردت تسوية نهائية فإنني سأرضى بعشرين مليون جنيه، وسيكون هذا كرمًا بالغًا مني.
هتف بانزعاج قائلًا:
- عشرون مليونًا، لابد أنك قد جننت.
- إنه جزء من المال الذي سرقته مضافًا إليه الفوائد.
- وماذا لو رفضت؟
- سأجعلك تخسر كل شيء؛ المال، والسمعة وحياتك أيضا.
- وكيف ستفعل ذلك؟
- ستكون مسئولًا عن ارتكاب جريمة قتل.
- لكني لم أقتل أحدًا.
- وماذا عن الفتاة المقتولة في حجرة النوم؟
- أنا لم أقتلها.
- هل يمكنك إثبات ذلك؟
- بالطبع.
- كيف؟ هذه الفيلا مستأجرة باسمك والفتاة مقتولة بطعنة نافذة في حجرة نومك، وبصماتك في كل مكان هنا بما في ذلك مقبض السكين، لابد أنك أنت الذي قتلتها.
أجل؛ فأنا مستعد لفعل كل ما تتخيله وما لايمكنك تخيله لاسترداد مالي ومال أبي.
- لكني لم ألمس السكين الذي طعنت به الفتاة.
قال زياد متهكمًا:
- أتراهنني على ذلك؟ لقد كنت غائبًا عن الوعي منذ قليل فلم تكن هناك صعوبة في وضع مقبض السكين بين أصابعك وأنت في هذه الحالة لترك بصماتك عليه.
قال وهو يحاول أن يبدو متماسكًا:
- لن تخيفنى بلعبتك الحقيرة هذه.
- لو كنت مكانك لتعين عليّ أن أخاف؛ فهذه الجريمة ستقضي عليك قضاءً مبرمًا.
واستدرك قائلًا:
- آه لقد نسيت أن أذكر لك شيئًا آخر، هناك اعتراف موثق منك بارتكابك للجريمة.
- اعتراف! أي اعتراف؟ إننى لم أوقع على أية اعترافات.
- كيف؟ هل نسيت الورقة التي وقعت عليها عندما تقابلنا وأنا متنكر في شخصية الشيخ سهيل؟
- لقد وقعت على ملحق لعقد خاص بمشروع تجاري، واطلعت على بنود العقد وقرأته قراءة دقيقة.
ضحك زياد قائلا:
-هذا حقيقي، لكن ما لا تعرفه هو أن هذا العقد لم يعد له أي وجود الآن، فقد كُتب بمادة كيمائية خاصة تمحى من تلقاء نفسها بعد ساعتين فقط من كتابتها وبعدها تصبح ورقة بيضاء تمامًا عدا توقيعك بالطبع والذي وقعته بقلمك، وبالتالي يمكنني كتابة ما أشاء على نفس الورقة فيما بعد، مذيله بتوقيعك.
جحظت عيناه وهو يصيح قائلا:
- هذا غير صحيح، لابد أنك تحاول خداعي بتلك الأكاذيب.
قال زياد بهدوء:
- إذا لم تصدقني افتح حقيبتك وانظر بداخلها لتجد نسخة من اعترافك الذي وقعته.
نظر فهمي إلى الورقة الموجودة في حقيبته بذهول وقد تبين له أن كل ما قاله زياد صحيح، وأن الورقة الموجودة في حقيبته تتضمن اعترافًا صريحًا منه بالقتل.
أخذ يردد قائلا:
- مستحيل.. مستحيل.
وما لبث أن سمع صوت زياد يعود ليقول:
- سأمنحك ثلاث ساعات لتغادر الفيلا وتعود ومعك المبلغ الذي طلبته، وإلا سأبلغ الشرطة بارتكابك للجريمة وأضع تحت تصرفهم النسخة الأصلية من اعترافك، وستكون هناك عدة نسخ أخرى سترسل إلى مقر عملك والصحف اليومية والمجلات لتكون فضيحتك مدوية.
قا ل فهمي مستسلمًا:
- لكني لن أستطيع جمع كل هذا المبلغ الكبير في تلك الفترة القصيرة.
- هذه مشكلتك وعليك أن تحلها.
- وما الذي سأحصل عليه في المقابل؟
- أولًا، ستختفي الجثة ولن يعثر لها أحد على أثر.
ثانيا، لن يجد أحد أي أثر لبصماتك في المكان.
ثالثا، ستحصل على النسخة الأصلية للاعتراف ومعها بقية النسخ الأخرى.
أحضر المبلغ الذي طلبته منك وبعدها لن تكون لك أي علاقة بكل ما حدث.. كل ما أريده هو استعادة ما هو حق لي.
فكر فهمي قليلا قبل أن يقول:
- حسنًا، أنا موافق، لكن لي شرط واحد وهو أن ننتهي من هذا الأمر فيما بيننا، أي وجهًا لوجه.
- عندما تأتي بالنقود سننهي كل شىء وجهًا لوجه كما تريد.
- إذن هل يمكنني مغادرة المكان الآن؟
- يمكنك، لكني أحذرك مرة أخرى، أية محاولة للهرب أو التلاعب ستخسرك كل شىء.
اقترب فهمي من الباب ليفتحه، لكن قبل أن يضع يده على مقبضه سمع صوت زياد يأتيه مجددًا وهو يقول:
- آه نسيت أن أخبرك.. القهوة التي شربتها كانت مسممة.
هتف فهمي قائلًا:
- ماذا تقول؟
قال زياد متعمدًا التلاعب بأعصابه:
- كان لابد أن أرتب لكل شىء حتى لا تحاول الهرب، إنه سم بطىء المفعول تظهر آثاره بعد أربع ساعات من الآن، ولا أظن أن أحدًا في مصر كلها يعرف ترياقًا مضادًا له سواي؛ فأنا الوحيد الذي لديه هذا الترياق.
لقد دفعت فيه مبلغًا كبيرًا حتى يبيعه لي كيميائي ألماني متخصص في هذا النوع من السموم.
أظن أنه قد أصبح لديك الآن الحافز للإسراع بالعوده قبل أن يأتي السم مفعوله، وكلما بكرت بالعودة ومعك المال أسرعت بإنقاذ حياتك.
هتف قائلًا:
- يا لك من وغد حقير.
ضحك زياد قائلا:
- لا تكلمني عن الحقارة فأنت أستاذ في هذا المجال.


الفصل الرابع
*****
انطلق فهمي بسيارته مسارعًا الريح في طريقه إلى البنك وهو في حالة يرثى لها، لكن هذا لم يمنعه من أن يعض على شفتيه قائلا لنفسه:
- تظن أنك صعب المراس، وأنك دبرت للأمر ببراعة، ستعرف من منا الذي سيضحك أيها الوغد في النهاية، سأجعلك تدفع ثمنًا غاليًا لكل ما فعلته.
وتناول هاتفه ليتحدث قائلًا:
- فوزي.. أنا فهمي الإسناوي، أعرف أنني قطعت صلتي بكم منذ فترة طويلة، لكني سأعوضكم عن ذلك، أنا بحاجة إليكم الآن وسأدفع لك كل ما تطلبه فقط اجمع أفراد عصابتك والحق بي في المكان الذي سأحدده لكم، وعندما نلتقي سأخبرك عما هو مطلوب.
وما لبث أن انتابته رعشة بسيطة في أطرافه وبدأ يشعر باهتزاز الرؤية أمامه، وتملكه شعور بالاضطراب والقلق؛ فهذا يعني أن ما قاله ذلك الشاب قد يكون صحيحًا، وأن مفعول السم قد بدأ يسري في جسده بالفعل.
حاول السيطرة على مخاوفه وهو يفكر فيما يتعين عليه أن يفعله لإنقاذ حياته.
هل يذهب إلى طبيب لفحصه؟ لكنه أكد له أنه لا يوجد علاج لذلك السم إلا بواسطة ذلك الترياق الذي بحوزته.
ثم إن الوقت ضيق بالنسبة له للذهاب إلى أي مكان آخر، فكلما انقضى الوقت كان في ذلك تهديدًا لحياته.
فلا مناص إذن من مجاراته في لعبته حتى النهاية وذلك حتى الحصول على الترياق والورقة التي تحمل اعترافه المزيف، وبعدها ينفذ خطته ويترك أمره لهؤلاء الرجال المحترفين ليقضوا عليه ويريحوه منه الى الأبد.
وما لبث أن أنهى مهمته في البنك وعاد إلى الفيلا ومعه حقيبتان مكتظتان بالنقود.
وفي إثره كانت هناك سيارة أخرى تضم أفراد العصابة التي عادت لتعمل لحسابه.
*****
كانت البوابة الأمامية للفيلا مفتوحة على مصراعيها فتقدم بسيارته إلى الداخل، بينما توقفت السيارة التي تضم أفراد العصابة خارجها، وقد غادروها مسرعين لينتشروا في المنطقة المحيطة بالفيلا في انتظار الإشارة المتفق عليها.
أما فهمي فقد غادر السيارة وفي يديه حقيبتا النقود، وقبل أن يضع أصبعه على جرس الباب الخارجي وجده يفتح أمامه تلقائيا فتوقف مترددًا للحظات قبل أن يدلف إلى الداخل في طريقه إلى قاعة الاستقبال.

وما إن وضع الحقيبتين على الأرض حتى سمع نفس الصوت الذي حدثه من قبل يأتيه قائلا:
-هل أحضرت النقود كاملة؟
أجابه فهمي قائلًا:
- أجل.
عاد الصمت ليغلف المكان، في حين لمح فهمي صورة كبيرة لسعد شبانة معلقة على الجدار لم يكن قد رآها من قبل.
فوقف ليتأملها لبرهة قبل أن يُفتح باب جانبي ليدلف منه زياد قائلا:
- كنت أعرف أنك ستعود ثانية.
التفت إليه فهمي وهو يتفرس في وجهه قائلا:
- إذن فأنت زياد؟
قال زياد مبتسمًا:
- بوجهه الحقيقي كما أردت أن تراني.
- لقد تغيرت كثيرًا عن الصبي الذي رأيته آخر مرة.
- وأنت أيضا صرت تختلف كثيرًا عن الصورة التي عرفتك بها من قبل، حينما كنت أناديك عمي.
- وأين شقيقتك الصغيرة؟
- هي أيضا لم تعد صغيرة ولا شأن لك بها.
وأشار إلى الحقيبتين مردفًا:
- ضعهما على المنضدة.
- أين الترياق الذي وعدتني به أولًا؟
قال زياد بلهجة آمرة:
- ضع الحقيبتين على المنضدة وافتحهما.
أطاعه مظهرًا بداخلهما عددًا كبيرًا من رزم الأوراق المالية.
ألقى زياد نظرة سريعة عليها، قبل أن يطلب منه إغلاق الحقيبتين ليخرج من جيبه زجاجة صغيرة ألقى بها إليه وهو يقول:
- ها هو الترياق.
تلقف الزجاجة بين يديه في لهفة ليفرغ ما بها في جوفه سريعًا.
ثم التفت إلى زياد ليسأله قائلا:
- هل أنت واثق أن المادة الموجودة في الزجاجة ستوقف مفعول السم؟
- اطمئن، أنت الآن في أمان.
- وماذا فعلت بشأن الجثة؟
- لم يعد لها أثر.
- والورقة التي وعدت أن تعيدها لي؟
وضع زياد يده في جيبه ليخرج منه مسدسًا صوبه إليه قائلًا:
- ارفع يديك عاليًا.
نظر إليه بانزعاج قائلا:
- ما هذا؟
قال له بنبرة صارمة:
- نفذ ما قلته لك وإلا أطلقت عليك الرصاص.
أطاعه قائلا:
- لكن هذا يخالف ما اتفقنا عليه.
تقدم زياد نحوه ليفتشه دون أن يعبأ بما قاله، حيث أخرج مسدسًا أخفاه في جيب سترته ليدسه في جيبه وهو يقول:
- لو أردت أن أقتلك لفعلت، حتى لو كنت مدججًا بالسلاح.
قال فهمي منفعلا:
- إذا كنت تظن أن هذا المسدس يمكن أن يخيفني فأنت واهم، هناك مجموعة من الأشخاص حرفتهم القتل يحيطون بهذه الفيلا حاليا، وإذا انطلقت رصاصة واحدة هنا أو تأخرت في مغادرة هذا المكان خمس دقائق أخرى فلن يترددوا في اقتحام المنزل والفتك بك على الفور.
ظلت الابتسامة الساخرة مرتسمة على وجه زياد وهو ينظر إليه قائلا:
- أخفض يديك.
وأشار إلى الباب الخارجي مردفًا:
- انظر إلى الباب ستجد ثلاث قنابل ذات نوعية خاصة يمكنها أن تفجر كمية هائلة من الدخان الخانق والمسيل للدموع.
وتقدم بالقرب من الباب ليدير مفتاحًا صغيرًا بجواره متصلًا بسلك كهربائى يتصل بدوره بفتيل القنابل الدخانية مستطردًا:
- عندما أدير هذا الزر هكذا تصبح القنابل جاهزة للتفجير بمجرد فتح الباب أو محاولة تحطيمه، وهناك قنابل مماثلة فوق نوافذ الفيلا جاهزة للعمل الآن.
وهكذا كما ترى ياعزيزي لقد أعددت للأمر عدته وأية محاولة لاقتحام الفيلا ستؤدي لإحاطة المنطقة كلها بسحابة دخانية وضباب كثيف يعجز معه أصدقائك عن رؤية أي شىء ويجعلهم يذرفون الدمع غزيرًا.
قال فهمي وقد أسقط في يده:
- إذن فلا تنوي أن تسلمني تلك الورقة التي وقعتها؟
- من قال هذا؟ لقد وعدتك، وأنا أفي بوعودي دائما.
وألقى إليه بالورقة قائلا:
-ها هي الورقة التي تتضمن اعترافك.
حدق فهمي في الورقة ليتأكد أنها التي تحمل توقيعه وهو يهم بوضعها في جيبه، لكنه سرعان ما حدق فيها ثانية وهو يقول بدهشة:
- ما هذا؟ إن الكلمات المكتوبة فيها تمحى وتختفي تدريجيا!
ابتسم زياد وهو يجذب الورقة من يده قائلا:
- هذا صحيح؛ لأنها كتبت بنفس الحبر السري الذي كتب به العقد المزيف والذي يتلاشى تدريجيا بعد تعرضه للضوء.
قال فهمي وهو يشعر ببعض الإعياء:
- إنني لا أفهم معنى هذا.
قال زياد وهو يدور حوله بعد أن وضع الورقة في جيبه:
- معناه أنني قد أحتاج إلى هذه الورقة التى مازالت تحمل توقيعك لتسجيل اعتراف آخر عليها، وأعدك أن الكلمات التي ستكتب فيها لن تمحى هذه المرة.
تهالك الرجل فوق الأريكة القريبة منه وهو يشعر باضطراب شديد في أمعائه قائلا:
- لقد خدعتني.
- لقد وفيت بوعدي وأعطيتك الورقة التي وعدت أن أعطيها لك، لكني لم أعدك أنني لن أستردها.
قال الرجل وهو يضغط بأصابعه على رأسه:
- إننى أشعر بدوار شديد واضطراب في معدتي، ما نوع هذا السائل الذي جعلتني أتناوله؟
قال زياد وهو مستمر في الدوران حوله:
- إنه منوم قوي وشديد المفعول، بعد برهة قصيرة ستستغرق في نوم عميق لمدة أربع ساعات على الأقل.
قال له وهو يترنح:
- لقد جعلتني أظنه ترياق للسم الذي أعطيته لي.
ابتسم زياد قائلا بسخرية:
- الحقيقة أنت لم تتناول أي نوع من السموم، كل ما قدم إليك في فنجان القهوة الذي تناولته هي مادة كيمائية تؤدي لبعض الاضطربات المعوية والتغيرات الفسيولجية المؤقتة التي تظهر بعد فترة من الوقت، وهناك شيء آخر يجب أن تعرفه قبل أن تستغرق في النوم، خاصة أن هذا قد يكون هو لقاءنا الأخير...
الفتاة التي قدمت لك القهوة هي شقيقتي إيمان، وهي لم تقتل كما ظننت، بل كانت تؤدي الدور الذي حددته لها في هذه المسرحية، والتى سميتها أوان الحساب، والتي جعلناك تشارك فيها دون أن تدري.
كان بإمكان الرجل أن ينهار وتجحظ عيناه وهو يستمع لذلك، لولا أن المنوم الذي تناوله كان قد أحدث أثره وجعله يتهاوى فوق الأريكة التي يجلس إليها مستغرقًا في نوم عميق.
بينما تناول زياد الحقيبتين المكدستين بالنقود وهو ينظر إليه مبتسمًا ليقول:
- أحلام سعيدة يا فهمي بك، فالأيام القادمة ستحمل لك العديد من الكوابيس.
وغادر الفيلا مختفيًا وراء مجموعة من الأشجار الكثيفة المجاورة لبوابتها.
بينما بدأ الرجال الموجودون بالخارج يشعرون بالقلق بسبب التأخر في إصدار الإشارة المتفق عليها؛ مما يعني حسب اتفاقهم مع فهمي التصرف من تلقاء أنفسهم واقتحام الفيلا دون الانتظار للإشارة.
وسرعان ما اندفعوا إلى الداخل شاهرين أسلحتهم، حيث لم يجدوا صعوبة في معالجة الباب الخارجي.
لكن ما إن دفعوا الباب وتقدموا إلى الداخل حتى كانت المفاجأة في انتظارهم بعد أن تفجرت القنابل الدخانية ليتسرب الغاز من كل اتجاه محيطًا بهم ومنتشرًا في المكان بأسره.
بينما كان زياد قد أعد للأمر عدته ووضع القناع الواقي على وجهه ليقيه تأثير الغاز وانعدام الرؤية من حوله.
أخذ أفراد العصابة يسعلون بشدة متخليين عن أسلحتهم وقد وضعوا أيديهم على حناجرهم التي بدت كما لو صب فيها كمية كبيرة من الشطة الحارة، في حين كانت أعينهم تفيض بالعبرات الغزيرة.
وفي تلك اللحظة كان زياد قد تمكن من مواصلة طريقه خارج الفيلا دون أن يلحظه أحد.
وعلى مسافة غير بعيدة عن المكان كانت شقيقته جالسة داخل سيارة في انتظاره ليركب بجوارها منطلقًا بها بعيدًا.
وما إن نزع القناع الواقي عن وجهه حتى التفتت إليه شقيقته لتسأله قائلة:
- هل تم كل شىء على ما يرام؟
ابتسم قائلا:
- وكما خططنا له بالظبط.
وربت بيديه على الحقيبتين قائلا:
- لقد استعدنا حقنا كاملا، أما فهمي فهو يغط الآن في نوم عميق ولا يدري شيئًا عما يدور حوله.
وسرعان ما لمحا سيارات الشرطة وهي تأتي في الاتجاه المضاد، وصفاراتها تدوي في المكان.
وقد أشارت إيمان إليهم وهي تبتسم بدورها قائلة:
- وكما ترى فقد استجاب رجال الشرطة لاتصالي بهم وها هم في طريقهم إلى الفيلا.
أخرج زياد الورقة التى تحمل توقيع فهمي قائلا بدوره:
- وها هي الورقة المذيلة بتوقيع الرجل جاهزة
لتسجيل اعترافه بسرقته لوالدنا وشهادته الزائفة والتي تسببت في دخوله السجن زورًا.
سنصور منها عدة نسخ ونرسلها للشرطة وبعض دور الصحف ومقر الشركة التي أدارها.
تنهدت إيمان قائلة بارتياح:
- الآن يمكن لأبي أن يستريح في قبره.
- هل أحضرتِ معك تذاكر السفر والجوازات؟
- أجل.
- حسنًا، أمامنا حوالي ساعتين على إقلاع الطائرة التي ستعود بنا إلى ألمانيا، أظن أنها فترة كافية لتصوير الاعتراف والمستندات التي حصلنا عليها وإرسال النسخ المطلوبة إلى الجهات التي حددناها.
قالت له بأسف:
- كنت أفضل أن نبقى في مصر بدلا من الذهاب إلى ألمانيا.
ربت على ظهرها قائلا:
- ستكون إقامتنا في ألمانيا مؤقتة، ربما سنة واحدة نعود بعدها إلى وطننا مجددًا، لكن عودتنا وقتها ستكون مختلفة ونهائية.
*****

0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.