ضاق خالد بما سمعه من صديقه قائلًا:
_ ما هذا الذي تقوله؟ كيف تريد أن تتنكر الآن لحبك لراندا؟
قال حسام ببرودٍ:
_ لأنني لم أعد أشعر بأي عاطفة تجاهها.
نظر إليه بامتعاضٍ قائلًا:
_ أتقول هذا بعض كل هذا الحب الذي ربط بينكما لعامٍ بأكمله؟
_ لا أظن أنه كان حبًا بالمعنى الصحيح لتلك الكلمة.
_ لكن الكل كان يعرف أنكما متحابان ومخطوبان؟ وكانوا يتساءلون عن الموعد الذي سيتم فيه زواجكما.
_ أنا وحدي الذي أستطيع الحكم على حقيقة مشاعري تجاه راندا.
_ لكنك أكدت لي أنك تحبها.
_ كنت واهمًا، وربما حاولت إقناع نفسي بذلك لكنني لم أفلح، لقد تمنيت أن يكون ما بيننا حبًا حقيقيًا لكني فشلت في ذلك.
_ إنني مندهش لما أسمعه منك الآن.
_أعرف أنَّ هذا سيدهشك، لقد سلمت لوقتٍ قريبٍ أنَّ زواجنا أمر حتمي، لكني راجعت نفسي ووجدتني غير قادرٍ على خداع قلبي والتجاوب مع ما تحمله من مشاعر تجاهي.
_ لكنها تحبك وكانت تتطلع دائمًا لأن تكون زوجتك.
_ وهذا ما يؤلمنى، لكن أجد نفسي غير قادرٍ على الارتباط بإنسانة لا أحمل لها حبًا حقيقيًا.
_ الآن فهمت سر ترددك وتأجيلك للزواج منها، وبالرغم من ذلك استمررت في إيهام تلك الإنسانة بحبك لها.
_ قلت لك إننى لم أقدر على الحكم على حقيقة مشاعري تجاهها طوال الفترة الماضية.
قال له مستاءً:
_ حجة واهية وتبرير سخيف.
_ لا تصعب الأمر عليّ يا صديقي، خاصة أننى لا أعرف كيف أواجهها بحقيقه الأمر.
أنت تعرف أنها إنسانة حساسة للغاية وهي تحبني بشدة، لذا سيكون من الصعب علي أن أشرح لها أننى لا أستطيع الارتباط بها وأنَّ علاقتنا يجب أن تنتهي عند هذا الحد.
خاصة أنها كانت تلح علي في الآونة الأخيرة بشأن موضوع الزواج وكنت أتهرب منها.
غمغم خالد قائلًا:
_ مسكينة راندا، أنا واثق أنَّ مواجهتها بما تقول سيصيبها بصدمة قوية.
غمغم حسام بدوره وهو يقول:
_ وهذا ما أخشاه.
_ ألا يمكنك أن تمنح نفسك فرصة ثانية؟
_ لا أعتقد، خاصة أنَّ قلبى أصبح معلقًا بإنسانة أخرى.
نظر إليه متسائلًا:
_ أية إنسانة.
_ سارة.
_ سارة فارس.
_ أجل.
_ أليست هي صديقة راندا التي تعرفنا إليها منذ أربعة أشهر.
قال مطرقًا:
_ أجل.
_ ولكن كيف توطدت علاقتكما على هذا النحو؟
_ لا أعرف كيف أصف أو أشرح لك ذلك، كنا نلتقي وحدث هذا التقارب بيننا ووجدت فيها الإنسانة التى اختارها قلبى.
أجل، لقد أحببتها وأحسست بشعورٍ جارفٍ تجاهها، شعور لم أحسه تجاه راندا أو أي إنسانة أخرى.
قال له مؤنبًا:
_ كنتما تتقابلان دون علم راندا.
أطرق خجلًا وهو يقول:
_ لم نستطع مقاومة عواطفنا.
قال له منفعلًا:
_ تقصد خيانتكما، كلاكما خان الإنسانة التي أحبتكما ووثقت فيكما.
قال له محتجًا:
_ قلت لك لم يكن هناك حب حقيقي بيني وبين راندا حتى تصف عاطفتي تجاه سارة بالخيانة.
_ لكنك تركت راندا تحبك وتتعلق بك ووعدتها بالزواج.
لا تحاول البحث عن مبررات لخيانتك الآن لها، فكل ما قلته عن عدم وجود مشاعر حقيقية نحوها وعدم قدرتك على التجاوب مع مشاعرها تجاهك هو مجرد تبرير لتلك الخيانة.
نظر إليه بغضبٍ قائلا:
_خالد.. كفى، أنا لا أستحق منك هذا الوصف.
_ حسام كلاكما صديقان حميمان لي أنت وراندا ولم أكن أحب أن ينتهي الأمر بكما إلى هذا الحد.
_ أعتقد أنَّ الخيانة الحقيقية هي خيانة المرء لمشاعره والارتباط بإنسانة لا أحمل لها حبًا حقيقيًا بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة.
_ ولماذا وعدتها بالزواج إذن؟
_ كان هذا استسلامًا للأمر الواقع، الأهل والأصدقاء والكل كانوا يرون أنَّ زواجنا أمر حتمي ولم يكن هناك بديل لها في حياتي.
أما وبعد أن عرفت سارة فالأمر أصبح مختلفًا، لأنَّ عاطفتي نحوها تختلف تمامًا وأنا أدرك مدى صدق عاطفتي تجاهها.
_ وإلى متى تريد إخفاء حقيقة علاقتك بتلك الفتاة؟
_ هذا ما يشغل بالي ويحيرني، أنا أعرف أنَّ هذا سيكون مؤلمًا بالنسبة لها وأنا وبالرغم من كل شيء أحمل تقديرًا كبيرًا لها ولا أريد أن أتسبب لها في ألم.
_ سيكون الألم مضاعفًا حينما تعرف أنك أحببت صديقتها المقربة.
_ ولهذا أرغب في مساعدتك.
نظر إليه باستغراب قائلًا:
_ أنا! كيف؟
_ أنا أعرف أنك صديق مخلص لي لكني أريد أن أسألك عن مدى إعزازك لراندا.
_ أنا أعتز بصداقتها كما أعتز بصداقتك.
كان يعرف أنه يكذب وأنه يحاول إخفاء حقيقة أنه يحمل لراندا ما هو أكثر من الصداقة والإعزاز، لقد أحبها لكنه عجز عن مصارحتها بهذا الحب بعد أن تبين له أنها كانت متجهة بكل مشاعرها تجاه حسام.
لقد جمعتهم سنوات الدراسة الجامعية.
ومنذ أن وقعت عيناه عليها أحسَّ بانجذابٍ شديدٍ إليها ثم ما لبث أن تحولت تلك الجاذبية إلى عاطفة متقدة، لكنه كان خجولًا وغير قادرٍ على التعبير عن عاطفته إليها بشكلٍ صريحٍ فاستتر وراء كلمة الصداقة للإبقاء على علاقته بها على أمل أن يقوى لسانه يومًا ما عن التعبير عما يجيش به قلبه.
لكن ما لبث أن خاب أمله حينما لاحظ أنَّ اهتمامها منصب على صديقه حسام وأنَّ مشاعرها تجاهه كانت متعدية للاهتمام وأنَّ علاقتهما تجاوزته إلى عاطفة متقدة جمعت بينهما فلم يجد بدًا من الانسحاب بمشاعره بعيدًا، رغم أنَّ حبه لها لم يفارق قلبه متمنيًا لها السعادة مع الشخص الذي اختارته ومبقيًا على الصداقة التي جمعت بين ثلاثتهم.
وأفاق من شروده على صوت حسام وهو يسأله قائلًا:
_ إلى أين شردت؟
قال له ساهمًا:
_ هه.. أنا لم أشرد.
_ أنا أعرف فيما كنت تفكر.
نظر إليه بانزعاجٍ قائلًا:
_ أفكر في ماذا؟
_ في السؤال الذي طرحته عليك حول مدى إعزازك لراندا.
_ وأنا أجبتك عليه.
_ لكني لا أظنك كنت صريحًا تمامًا في إجابتك.
قال وقد ازداد انزعاجًا:
_ ماذا تقصد؟
_ لنكن أكثر صراحة، أنا أعرف أنك تحب راندا وإن كنت تخفي ذلك.
نظر إليه محتجًا وهو يقول له بارتباكٍ:
_ما هذا الذي تقوله؟
_ نحن أصدقاء منذ الطفولة وكلانا يعرف الآخر جيدًا ويمكنه فهمه.
وأعرف أيضًا أنك لم تحاول التعبير أبدًا عن هذا الحب بأية وسيلة.
وأنَّ حبك لها لم يتجاوز حدود قلبك واحتفظت بعاطفتك تجاهها بداخلك احترامًا لصداقتنا خاصة أنَّ راندا لم تكن تحمل لك نفس المشاعر التي تكنها إليها.
وكما قلت لك من قبل إنها مشاعر لا يد لنا فيها، لذا فأنا لا ألومك عليها، بل أقدّر إخلاصك لصداقتنا وعدم مجاهرتك لها بحبك وقتها.
وصدقني لو كنت أعرف أيضًا أنها تحمل لك شيئًا من عاطفتك لها وقتها لتخليت عن ارتباطي بها عن طيب خاطر، لكني كنت أعرف أنها منصرفة تمامًا عن التفكير في أي مشاعر من تلك التي تحملها لها فأدركت أن التخلى عنها سيكون دون جدوى.
لكن ها أنا الذي يطالبك اليوم بإطلاق العنان للتعبير عن حقيقة مشاعرك تجاهها، خاصة بعد أن أخبرتك عن حبي لسارة.
دعها تشعر بحبك لها دون أن تخشى شيئًا فيما يتعلق بي وحتى لو وجدت منها بعض الرفض في البداية.
أريدك أن تجعلها تشعر بحبك بطريقةٍ صريحةٍ وتجعلها تزداد قربًا منك.
تطلع إليه قائلًا:
_ أنا أفهم جيدًا ما الذي تهدف إليه من وراء ذلك.
_ أريدك أن تسعد بالحب الذي طويته بداخلك طويلًا وأن تنعم به مع الإنسانة التى أحبها قلبك.
لم يعد هناك ما يدعوك للتضحية من أجلي أو من أجل أي إنسان، لقد آن الأوان لتمارس حقك في الحياة والحب.
_ بل تريد إيجاد سبب يبرر تخليك عن راندا ويجعلك تتخفف من إحساسك بالذنب نحوها هذه هي الحقيقة.
_ ربما كان ما تقوله صحيحًا لكني أحاول في الوقت نفسه أن أحقق لك أمنية أعرف أنك تمنيتها.
_ ولماذا لم تفكر فى ذلك إلا الآن؟ لم تفكر فيه إلا حينما أردت التخلص منها لتبرر علاقتك بسواها، أليس كذلك؟
قلت من البداية إنك تعرف حقيقة مشاعري تجاه راندا، تلك المشاعر التي اجتهدت لكي أجعلها مستترة، ومع ذلك لم تفكر إلا في الاحتفاظ بها لنفسك رغم أنك لم تحبها حبًا حقيقيًا.
لكن أنانيتك منعتك من مصارحتها بذلك وتركتها تتوهم محبتك لها إلى أن ظهرت إنسانة جديدة في حياتك.
واليوم حينما وجدت أنَّ مصلحتك تتعارض مع الاستمرار في ارتباطك بها تقول إنك ستتخلى عنها من أجلي، بل وتدفعني إلى مساعدتك لتحقيق ذلك.
_ لا أريدك أن تقسو علي في حكمك هكذا.
_ أنا لا أحاكمك، بل أصارحك بالحقيقة.
_ لا أريدك أن تنظر للأمر بهذه الطريقة، كلانا وجد ضالته في الشخص الذي أحبه، ومن حقنا أن نتمسك به دون أن نستمر في خداع أنفسنا بالارتباط بالشخص الخطأ.
_ إذن عليك بمصارحة راندا بالحقيقة دون اللجوء لتمثيلية تبرر بها ما تريده ودون أن تجعلنى شريكًا لك فيها.
قال له مستسلمًا:
_ حسنًا ما دمت ترى ذلك.
وفي أعماقه كان يعرف أنَّ ذلك لن يكون بالأمر السهل، وأنه سيجد صعوبة شديدة في تلك المواجهة بينهما.
لقد حاول كثيرًا أن يفهمها أنه لا يحمل لها الحب الذي تأمله لكنها لم تستطع إدراك تلك الحقيقة وجعلته يتصارع داخل نفسه ما بين المصارحة وما يمكن أن ينتج عنها من عاقبة.
*****