AsmaaHassan

شارك على مواقع التواصل

قلق .. خوف أو ربما مجرد حيرة انتابت كنان متحسساً ذلك المنديل الحريري ذو اللون الأحمر الدموي سيراً على الأقدام متجها إلى منزله ، يفكر كيف جاءت إلى هنا رغم علمه بأنه لا أحد غيره هنا في الشركة و المسئولين عن أمن المبنى .

في بداية ظن قبل أن يفتح الظرف أن هناك من نساه هنا وغادر . لكن ، سرعان ما تذكر النافذة المفتوحة في غرفة مكتب أحد زملائه التي قام بغلقها على الفور ثم الخروج دون أن يتفقد مكتبه أولاً.

بعد أن دلف إلى بيته ثم الشروع في تكملة روتينه المعتاد ، بدءاً من الذهاب إلى غرفته والاستلقاء على سريره متأملاً ، ثم إدراكه بأنه لا وقت لذلك وأن عليه الذهاب فوراً للاستحمام و هندمة نفسه و بعدها الاستعداد للإتجاه إلى غرفة الذكريات خاصته ثم النوم.

- عذراً على قطع روتينك الممل و الذي يشعرني بالغثيان كلما أراك على هذا المنوال أيها الصغير .

= من أنت ؟! وكيف جئت إلى هنا ؟!

قبل أن تطرف عين كنان إذ يجد شخصاً أمامه ذو هيئة غريبة ، كمثل السحرة الجدد في الأفلام الأمريكية . رغم ذلك طلته كانت غجرية بعض الشيء ، عيون عسلية مائلة للخضرة ، بشرة سمراء قليلاً ، تحيطه هالة من الغموض تجعل من يراه يموت خوفاً قبل أن يفكر في معرفة خباياه .

- لا تخف يا صغير . لست لصاً أو قاتلاً ، أنا مجرد قارئ أفكار أو حالياً التسميات المعتادة مثل قارئ الطالع أو منجم ، دجال ربما . ما رأيك بالظل ؟!

= ماذا تريد أيها الظل ؟ وكيف اقتحمت منزلي ؟! . تمتم بنبرة غاضبة.

- لنَقُل أنني لا آتي إلا للأشخاص المميزين وأنت لديك ما يؤهلك لمجيئي . بالمناسبة هل أتتك هديتي ؟!

= هل تقصد ذاك المنديل الأحمر ؟

- فتى ذكي ، ترد على سؤالي بسؤال آخر ؛ ولأن إستنتاجك سريع هكذا ... سأتركك تتأمل هذا المنديل . لكن ، تذكر ! لا تنشغل به .. فربما يكون بداخله سر متخفِ في نعومة الحرير .

نظر كنان إلى المنديل وقبل أن يشيح بنظره عن المنديل ليكمل حديثه مع الظل ، إلا أنه لم يجد هذا الظل .

نظر إلى المنديل ثم أمسك به فوقعت منه صورة و قلادة بها نقش عليه هلال و بجانبه زهرة الياسمين .

- ما هذه القلادة ؟ ومن هؤلاء ؟!

...

في تلك الأثناء استيقظت ندى بعد نوم هادئ لم تكن تتوقع أنه سيكون هكذا ، إلا أن العمة فاطمة آتت إليها بعد دقائق .

- صباح الخير يا ندى .

= صباح النور يا عمتي ، اعذريني لقلة تحدثي معك ، لقد كنت متعبة جداً .

- لا مشكلة ، الأهم الآن هو أن والدك الآن قد ذهب مع منصور و لذلك طلب مني إخبارك .

تذمرت ندى لكنها لم تظهر ذلك أمام عمتها مردفة :

- هذه أول مرة يفعل ذلك. لقد انشغل عني مؤخراً.

= لكنه يحبك يا ابنتي ، وما يفعله ليس إلا من أجلك أنتِ فقط. لا تشغلي بالك و دعينا نستمتع بشرب الشاي في هذا الجو الرائع.

تنهدت ندى ثم اتجهت إلى الشرفة لترى ما يجري رغم اختلاف الأجواء والأماكن . ظلت مستمتعة بهذا الجو الصافي إلى أن .. رأت رجلاً مجهولاً محدقاً في وجهها.

ملابسه غريبة ، يرتدي معطفاً جلدياً أسود اللون عليه بعض الرموز التي تشبه عصابات الدراجات في أمريكا ، شاربه و لحيته متوسطة الطول بنية اللون ، ذو جسد متناسق و رياضي تدل على أنه ربما تعرض لتدريبات رياضية قاسية.

نعم ، إنه تابع للظل و ملقب ب "النسر" ، دعوني أشرح لكم

إنها عصابة و عددهم مجهول و لهم ألقاب و لا ينادون بعض بأسمائهم الحقيقية و جميعهم تحت إمرة "الظل" ، و بما أن قائدهم جاء إلى كنان ، معناه إن الدور على بيت أخت السيد فهمي.

ليس هذا مهماً بقدر نظراته المريبة و الجريئة و ثقة كبيرة جعلته يطيل التحديق بها ثم ابتسم بمكر و بعدها اختفى كأنه لم يكن.

أثار ذلك خوف ندى مما دفعها للتراجع بخطوات القلق للوراء لكن سرعان ما اصطدمت بعمتها التي تحمل صحن عليه فنجانين من الشاي فيسقط من يديها بصوت فوضوي مزعج لتنكسر معه ما تبقى من سكينة ليحل محله خوف ... ربما يكون موقفاً عادياً لكن بالنسبة لمن يعاني من فوبيا الكسر مثل ندى ، يكون الأمر معقداً. إلا إذا كان هناك شخصاً يفهم طبيعة مرضها مثل العمة فاطمة.

= اهدأي ! لا تخافي . مجرد كسر لا داعي للنظر إليه.

- ...

ذهبت ندى لغرفتها متعجبة من نظراته المليئة بالخبث، لكن زال هذا القلق بمجرد أن عادت لتحضير نفسها من أجل الذهاب مع العمة للتنزه ، ثم بادر إلى ذهنها سؤال عن سبب خروج والدها المفاجئ دون إعلامها بمكان ذهابه كعادته مما جعلها تزفر بضيق قائلة :

- ما يشغل بالك جعلك تنسى الروتين .

...

بعد ساعات من التفكير ، اضطر كنان أن يأخذ استراحة قصيرة ليستمتع ببعض من هدوء الصباح إلا أن الظل كان له رأي آخر..

كأن الظل لم ينهي حواره معه ، امتعض وجه كنان عندما رأه مقتحماً للمرة الثانية ، و نحو المطبخ لإعداد فنجانين من القهوة.

بعد الانتهاء من فقرة القهوة جلس الظل بتملق ناظرا إلى تعبير وجه كنان الممتعض ينتظر أن يغرب عنه قريباً ، لكن أكمل الظل حديثه مردفاً :

= ربما عليك التفكير ملياً عن سبب إرسال هذه الهدية إليك ، أليس هذا يوم ميلادك ؟

- ماذا ؟! بالطبع لا ، هذا ليس يوم ميلادي . كنان قاطباً حاجبيه باستغراب

= لا تظن أن ذلك التاريخ الذي وضعوه لك هو الحقيقي ، فأنت ولدت في مثل هذا اليوم .

- قل لي من أنت بالضبط ؟!

= ألم أقل لك أن تدعوني بالظل ؟ ، يا للهول ! الوقت انتهى . لكن ، لا تقلق فالحوار لم ينتهي و قبل أن أذهب سأخبرك أمراً مهماً ... هناك من سيطرق الباب الآن .

...صوت طرق بالباب فنظر كنان بإندهاش وقبل أن يتجه بنظره نحو الظل لم يجده أمامه ، فما له أن قام بالذهاب على الفور لفتح الباب. إلا أنه فوجئ بأن الطارق هو ...

- لم أتوقع مجيئك أبداً.

...

ربما لم يكن على منصور ترك خاله ، حتى لا يتعرض للتحقيق من قبل ندى . لكنه مع الأسف قد وقع في ذلك الفخ بالفعل ، وبمجرد أن قام فقط بالضغط على الجرس فتحت ندى بلهفة سرعان ما انتهى مفعوله وبدأ الأثر الجانبي بالظهور على وجهها عندما وجدته وحده.. وحده فقط.. دون والدها.

- أين أبي ؟! .. تتساءل ندى بهدوء يشوبه بعض الضجر الخفي

= لا أعلم. لقد قال لي بأنه سيذهب إلى الجامعة وسيعود وحده. ألم يخبرك ؟! أجاب منصور متعجباً.

- لا ، لم يخبرني ولم يتصل بي. .. تمتمت ندى بتذمر .

= لا تقلقي يا ندى ، والدك يعلم كل شبر في أرض لندن. أجابها منصور محاولاً طمأنتها.

عادت ندى إلى غرفتها بدون كلمة واحدة ؛ لأنها تعرف تمام المعرفة بأنهم لا علم لهم بما حصل لوالدها في الفترة الأخيرة ما قبل سفره إلى هنا ، و ربما يوماً ما... ستعرف الحقيقة !

...

يمشي فهمي يتأمل الأماكن والوجوه في الحديقة العامة كأنه لم يطأ قدمه هنا من قبل و رأى كل ذلك ، كأنه رحال يحاول اكتشاف خبايا أكثر أو ربما بالأحرى التمعن أكثر في ماضيه هنا. إذ به يتخيل شخصاً مألوفاً كان قد يعرفه من قبل واقفاً أمامه في الجهة المقابلة ناظرا له بتجهم ولا تتضح له معالم فرح أو حزن ، رضا أو امتعاض حتى . حاول أن يقترب منه وتمتم بحزن :

- سامحني ، أرجوك ! ليتني لم أجعلك معي في هذا البحث.

= ...

- أعدك بأني سأسعى للثأر من قاتلك . - تحدث فهمي بغضب.

= ...

- لمَ لا تجبني ؟!

= و ماذا عن زوجتك و إبنك ؟ ألن تثأر لهم أيضاً ؟ لقد وفيت حقك لي ولم يتبقَ سوى البحث عن قاتل زوجتك و كذلك من استغل ولدك في التجارب حتى قتلوه أيضاً.

وفجأة تبخر الشخص ليجد فهمي نفسه يتحدث مع طيف في عقله فقط ليس إلا .

" عندما نفتقد من نحب ، ويختلط الحزن بالاشتياق ، والحب بالغضب... من هنا يأتي الثأر "

...

جاء الأستاذ جمال سالم وهو مدير الشركة التي يعمل بها كنان ، وهذا لم يكن مألوفاً أبداً عليه.

بالطبع قام كنان بضيافته و بدأ الأستاذ جمال بالحديث بعد أخذ رشفة من القهوة مردفاً :

- قبل أن تسأل عن سبب مجيئي لك لأول مرة ؟ أريد أن أخبرك بأمر مهم .

= تفضل ، سيدي . أجاب كنان بإندهاش.

- لدينا مشروع جديد و أريدك فيه ، وهو مشروع تكملة بناء مشفى . ولكن هناك مشكلة ! - تمتم جمال بجدية.

= جيد ، لكن ما الأمر ؟

- لا أحد يريد أن يأتي إلى مكان المشروع. - أجابه ثم ارتشف من الفنجان ناظراً له.

= لماذا ؟ - زاد تعجب كنان.

- إن المشروع يتواجد في إحدى جزر البحر المتوسط ، يعيش فيها عدد صغير من السكان. والمشكلة في أنه تم ايقاف بناء المشروع لأن ذلك المكان به شبهة.

= شبهة من أي نوع يا ترى ؟

- يبدو أن الشبهة كانت من جهة الجزيرة حسبما علمت من بعض من سبق لهم السفر إلى هناك . كل ما أريدك منه هو أن تقوم بمعاينة الموقع قبل أن نعطي الموافقة على التعاقد مع المؤسسة التي تمول المشروع. - أجاب جمال محاولا معرفة رد فعل كنان.

= ما هي اسم المؤسسة ؟ - كنان متسائلا.

- مؤسسة أرض النور ...

...شريط من الذكريات بدأ بالإنبثاق من عقل كنان و تلخصت في جملة واحدة فقط.

= لا توافق يا سيدي.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.