MariamAlqzafa

شارك على مواقع التواصل

*****
الإهداء

إلى نفسي الحبيبة…
أشكركِ على مواصلة الصبر وتحمل المعاناة، وعلى قدرتكِ على مواجهة هذه الحياة القاسية بكل ما فيها.

*****

"كلماتي ورق... وحروفك سكنت قلبي قبل الأوراق"

الفصل الاول
عروس بلا فارس

"فاضل 3 ساعات... وهبقى عروسة جمال. نفسي أقول للناس كلها إني بحبه من وأنا بنت عندها 13 سنة! كنت أضحك لما كانوا يقولولي: الحب ده وهم... بس أنا كنت مصدّقة، ولسه مصدّقة. والنهارده هو أول يوم في حكايتنا..."

وضعت القلم على طرف المكتب وتنهدت بضيقٍ لم تفهم سببه. كان قلبها مضطربًا على غير عادته، كأن شيئًا خفيًا يهمس لها بأن هذه الليلة ليست كما تمنّت. أغلقت الدفتر الصغير ثم دفعته إلى داخل الدرج، كأنها تخبئ سرًا لا تريد لأحد أن يراه.

نهضت من على المكتب وخرجت من الغرفة بهدوء.

****

توقفت لحظة تتأمل المكان؛ آلاء كانت واقفة على الكرسي الخشبي تُعلّق البالونات على الحائط، وورد تقف بجوارها، تمسك بلفة اللاصق وتناولها إياها كلما احتاجت.
سيلين كانت منشغلة بتنظيم ديكور ركن عقد القران.

تقدّمت فيروز نحوهن وهمست وهي تبتسم:
_«صباح الخير يا بنات.»_

استدارت آلاء على صوتها بسرعة، قفزت من فوق الكرسي بخفة، وهرتفت بنبرة مرحة:
_«صباح الخير إيه! دي الساعة خمسة ونص يا عروسة!»_

اقتربت سيلين من فيروز وضربتها ضربة خفيفة على كتفها، وهي تبتسم بمزاح:
_«عروسة بقى يا آلاء، وكتب كتابها النهارده، وبكرة الفرح! سيبيها بقى تعيش الجو.»_

🎶

وضعت ورد لفة اللاصق على الكرسي بعد أن أعطت آلاء آخر قطعة منه، ثم التفتت بحماس نحو الزاوية، حيث كانت الطبلة الصغيرة موضوعة، أمسكت بها وبدأت تطبل بخفة.

تغني بصوتٍ عفوي وهي تبتسم:
_«رشوا الشارع ميّة.. عروسة الغالي جايّة،
رشوا الشارع كاكولا.. عروسة الغالي منقولة،
يلا يا حارة ضلمة..ده إحنا اللي نورنا.»_

انطلقت الفتيات يدُرن حول فيروز، يصفقن ويغنين بحماس صادق، والضحكات تتعالى في المكان. في وسط هذا المشهد الصاخب، خرجت ناهد من المطبخ، تحمل نظرة حزينة رغم ابتسامتها الخافتة. تلالأت عيناها بدموع مختلطة بين الفرح والحنين.

توقف الغناء فجأة حين لاحظن وجودها.

رفعت فيروز حاجبها، تنظر إلى والدتها في صمت، تسألها بعينيها: «لماذا تبكين؟»

اقتربت ناهد واحتضنتها بحنان، ربّتت على كتفها وهمست:
_«خلاص، هتسيبينا يعني؟»_

ضحكت فيروز برقة، وهمست:
_«ماما، أنا ساكنة قدامك، في الشقة اللي قدامكم، البلكونة قدام البلكونة... يعني مش بعيد. وبعدين، هو أنا هبعد؟ ما أنا كل يوم هبقى عندك أتعلم أطبخ!»_

تعالت الضحكات مرة أخرى، بين البنات في الصالون، وبين الأم وابنتها، وكأن هذه اللحظة الصغيرة اختزلت كل مشاعر الحب، والفقد، والفرح... معًا.
*****
في الطابق الثالث، كانت الأجواء أكثر هدوءًا. جلس ماهر في الشرفة قبالة عمران، زوج والدته، يتنافسان على رقعة الشطرنج وسط أجواء مرحة تعبق بالود.

نظر إليه ماهر بمكر وذكاء، حرّك إحدى القطع بثقة، ثم قال وهو يبتسم:
_«كش ملك... كده أنا كسبتك»_

ابتسم عمران بهدوء، ورفع كوب الشاي إلى شفتيه، ارتشف رشفة صغيرة بتمهل، ثم قال وهو يغمز لماهر:
_«علياء الوحيدة اللي تقدر تكسبني... بس واضح إنك داخل التاريخ من أوسع أبوابه. تستاهل كوباية الشاي بالنعناع فعلًا!»_

مدّ الكوب باتجاهه في حركة مرحة، فتناوله ماهر وهو يضحك، رفعه إلى شفتيه وأخذ رشفة طويلة، ثم وضعه على الطاولة وقال بنبرة مرحة:
_«ما أنا واخد ذكاء أمي... يبقى لازم أكسب!»_

خرجت علياء إلى الشرفة حاملة صينية الغداء لهما، اقتربت ووضعتها فوق الطاولة بعد أن أغلق عمران علبة الشطرنج وأزاحها برفق:
_«أهي شوفتي ليكم كده بالدنيا كلها، ربنا يخليكم ليّا»_

تراجع ماهر بكرسيه قليلًا إلى الخلف، ونهض واقفًا وهو يبتسم، ثم مدّ يده ليضعها على كتف والدته قائلًا:
_«ويخليكي لينا يا أمي»_

ابتسم ماهر لعِمْران بمكر، وهو لا يزال واقفًا إلى جوار والدته، ويده على كتفها. ثم مال برأسه بخفة ليقبّلها، قبلة هادئة على جبينها، كأنها تحية امتنان لا تكفيها الكلمات.

اتكأ عمران إلى الخلف، هازًّا رأسه بتصنُّع الضيق:
_«طب ابعد شوية عنها كده، علشان بغير عليها»_

ضحك ماهر وهو يسحب نفسًا طويلًا، تنهد بعدها كأن شيئًا ثقيلًا انزاح من صدره. ثم شدّ ذراعيه حول والدته فجأة، واحتضنها بقوة، كأنه يخبئ فيها وجعه، كأنه يحاول أن يختزن دفئها داخله.

همس بنبرة خافتة، مغمورة بحزن دفين:
_«ما هي معاك بقالها سنين... و أنا اللي اتحرمت منها»_

ضمّ ماهر والدته بقوة، يحتضنها وكأنه يحاول أن يرمم في قلبه سنوات لم تُعش.

لم تتحرك علياء في البداية... فقط أغمضت عينيها، ودمعة ثقيلة انحدرت على وجنتها، بصمتٍ لم يشهده قلبها منذ زمن.

مدّت ذراعيها ببطء، وضمّته إليها، ويدها تربّت على ظهره في صمتٍ حنون، يشبه الأمومة التي لا تطلب تفسيرًا.

أما عمران، فكان ينظر إليهما بزفرة متألمة... فحتى الضحك، مهما صدق، لا يمحو أثر الغياب.
*****
_«منزل كامل الألفي»_

داخل غرفة نور الابنة الوحيدة لكامل الالفي، كانت الجدران مغمورة بدرجات الأزرق، وكأنها تحاول إخفاء الحزن خلف لونٍ هادئ.

كانت نور مستلقية على الفراش، والهاتف ملتصق بأذنها، وعيناها معلّقتان بسقف الغرفة، كأنها تبحث هناك عن إجابةٍ لا تجدها.

اتصلت مرة، ثم ثانية، لكن الاتصال قُطع دون رد. الهاتف لا يزال مغلقًا، كما كان منذ الصباح.

تنهدت بضيق، وأغمضت عينيها للحظة.

أرجعت خصلات شعرها إلى الخلف بعصبية وهمست:
_«يا ترى روحت فين يا جمال... يا رب ترجع»_

نهضت من على الفراش ببطء، ونظرت إلى الفستان الزيتوني الملقى على الكرسي، وابتسمت بسخرية. تذكّرت من كان يحب هذا اللون.

اقتربت منه، مررت يدها فوقه بلطف، وهمست لنفسها:
_«يا رب يعدي اليوم من غير فضايح»_

سحبت يدها من فوق الفستان، ثم خرجت من الغرفة إلى الصالة، حيث كان نوال وكامل يجلسان في صمت، والتوتر يخيّم على المكان.

كان كامل يضع رأسه بين كفّيه، بينما نوال تستند بظهرها إلى الأريكة، وذراعاها متقاطعتان أمام صدرها، تنظر إلى الفراغ بعينين شاردتين.

تقدّمت نور بخطى بطيئة، وجلست على الأريكة المقابلة، ثم قالت بصوتٍ متردد:
_«تليفونه لسه مقفول يا بابا»_

صمتت لحظة، ثم رفعت حاجبها باستغراب وأضافت:
_«ده كان امبارح هيموت من الفرحة وهو بيحضّر البدلة... مش عارفة إيه اللي حصل، ولا راح فين من الصبح»_

تنهد كامل بضيق، أغلق عينيه وهو يهزّ رأسه بتوتر:

_«المشكلة... أنا هقول إيه للحج عاصم؟ دي هتبقى فضيحة للبنت. يا رب، يا رب يا جمال تظهر»_

نظرت نوال إليه بحدة، وقالت بنبرة غاضبة:

_«أحسن! علشان أنا من الأول مكنتش موافقة على الجوازة دي... المهم دلوقتي ابني يرجعلي، ونبقى نشوف هتكون فضيحة ولا لأ»_

نهض كامل من مكانه، وخرج من المنزل دون أن يرد، غير قادر على الاستمرار في أي جدال معها.
*****
_«الساعة السابعة مساءً»_

في منزل عاصم المرشدي

كان الصالون يزدان بالورود البيضاء، والكراسي مصطفّة في نظامٍ دقيق يوحي بأن الليلة لا تحتمل الخطأ. جلس الضيوف يتبادلون النظرات والهمسات، والمأذون يرمق ساعته كل دقيقة، وقد بدأ الضيق يرتسم على ملامحه. الساعة تجاوزت السابعة والنصف... والعريس لم يأتِ بعد.

الجميع يهمس، يطرح الأسئلة، لكن لا أحد يملك إجابة.

كانت فيروز تجلس إلى جوار والدها في الصالون، تحاول أن تحافظ على ملامح ثابتة أمام الحضور، بينما عيناها المبللتان تكادان تفضحانها. كانت تحدّق في الفراغ، لا ترى شيئًا مما حولها، وكأنها انسحبت داخليًا إلى نقطة بعيدة لا يصلها أحد.

الشعور بالخزي، بالغصّة، بالخذلان، كان ينهشها بصمتٍ قاتل. لا تدري ما الذي يمكن فعله الآن... أمام والدها، أمام الجيران، أمام نفسها.

هي التي اختارته بقلبها، دافعت عنه، وقاومت لأجله، لم يُجبرها أحد.

لكن ها هي الآن تُترك وحدها... لتدفع الثمن.

لم تستطع فيروز الصمود أكثر أمام نظرات الجميع، فهبت واقفة من جوار والدها، وركضت سريعًا إلى غرفتها.

نظر الشيخ عبدالعزيز، المأذون، إلى عاصم بضيق وقال:
_«أنا اتأخرت يا حج عاصم، ولازم أمشي... شكل العريس مش ناوي ييجي»_

التفت زكريا إلى والده، وربت على كتفه، ثم قال بصوت مكبوت لكنه مشتعل:
_«مش ناوي ييجي إزاي بس يا شيخ عبدالعزيز؟! قول كلام غير كده...و ليه مش هييجي أصلاً؟!»_
*****
وفي غرفة فيروز، ما إن دلفت إليها حتى أمسكت بهاتفها بسرعة، وضغطت على الرقم بتوتر.

أجابت نور على الفور،فاندفعت فيروز تصرخ بحدة:
_«هو فين جمال يا نور؟! كل ده تأخير؟!»_

جاء رد نور متوترًا، تتلعثم كلماتها من شدة القلق:
_«معرفش يا فيروز... جمال مش موجود من الصبح، ومحدش عارف هو فين»_

ارتجفت يدا فيروز وتحركتا بعصبية وهي تتجول في الغرفة كمن فقد السيطرة.

ثم علت نبرتها بانفعال:
_«يعني إيه يا نور؟! يعني إيه؟! هو ده وقت هزار؟!أنا هقول إيه للناس؟ هقول إيه لبابا؟! أطلع أقولهم إن العريس محدش عارف هو فين؟ في انهي داهية اختفى؟!»

عضّت نور شفتيها بعنف، عاجزة عن الرد. كيف تواسي صديقة عمرها، بينما شقيقها هو من هدم كل شيء؟

همست بصوتٍ متحشرجٍ مفعمٍ بالأسى:
_«أنا... آسفة يا فيروز... آسفة والله، ماعرفش هو راح فين، ولا عمل كده ليه»_

وانفجرت فيروز في بكاءٍ مرير... لم يكن بكاؤها على جمال، بل على كرامتها التي داسها بقدميه ورحل، على اسمها الذي تُرك يتلطخ بصمتٍ أمام كل الأعين.

وعلى الطرف الآخر من الخط، بقيت نور صامتة، مكبّلة الحيلة، لا تدري كيف تنقذ صديقتها من هذا الألم القاسي.
*****
كانت الدقائق تمرّ كأنها حملٌ ثقيل على قلب فيروز، وعلى قلب عائلة المرشدي بأكملها.

وفي تلك اللحظة، خرج زكريا من مدخل عمارتهما، وتوجه مباشرة نحو العمارة المقابلة، وعلى جانبيه أبناء عمه: ياسين وعامر.

دلفوا إلى المبنى تتبعهم نظرات الجيران، ما بين الفضول والاستغراب، وبعضها لا يخلو من شماتة صامتة.
العيون كانت تحاكمهم بصمتٍ بارد، وكأنها تنتظر سقوطًا يشبع رغبة خفية.

صعدوا إلى الشقة في الطابق الثالث،
وقف زكريا أمام الباب، وبدأ يدقّه بقوة،الغضب يتصاعد في نبرته:

_«افتح يا جمال!»_

لكن قبل أن يُكمل طرقه، انفتح الجزء الأيمن من الباب، وظهرت نور، ترتدي عباءة سوداء وحجابًا أسود، وجهها شاحب، وصوتها بالكاد يُسمع:
_«جمال مش موجود... بابا بيدوَّر عليه»_

كان زكريا على وشك أن يلكم الجزء الثاني من الباب من شدّة غضبه، لكن عامر أمسك بذراعه بسرعة، محاولًا تهدئته.

خفض زكريا رأسه، لكنه لم يُخفِ مرارة صوته وهو يتمتم بانفعال مكتوم:
_«يعني إيه راجل يختفي في يوم زي ده؟! هي أختي كانت لعبة بالنسباله؟!»_

فجأة، خرجت نوال من الداخل، وزاحت نور بكتفها قليلًا وهي تتقدم للأمام، ثم نطقت بسخرية باردة تحمل كل معاني الجرح:
_«الله أعلم ابنِي ساب أختك ليه... يمكن شاف منها حاجة ما عجبتهوش»_

صرخ ياسين، والغضب يفجّر صوته كالرعد:
_«بنتنا ما فيهاش حاجة تعيبها!ابنك هو اللي غلط، ولو كان راجل بحق، ما كانش هيسيب بنت الناس في موقف زي ده!»_

رمقتهم نوال بنظرة متعالية، ثم دفعت الباب بحدة وأغلقته في وجوههم دون أن تنطق بكلمة، كأنها تضع حدًّا للحديث، أو كأنها لا ترى فيهم أهلًا للرد.

تطاير الشرر من عيني زكريا، ولم يكن يمنعه من الانفجار إلا كون من أمامه امرأة، وإلا لكان للموقف حسابٌ آخر لا يعرف الرحمة.

هبط زكريا السلم بلا كلمة، لكن بداخله اشتعلت حرب... نار لا تهدأ، ومرارة لا تُغتفر.

أما ياسين وعامر، فتبادلا نظرات العجز والخذلان، كأنهما يبحثان في عيون بعضهما عن إجابةٍ واحدة:
_هنعمل إيه دلوقتي؟!.
*****
_«العريس هرب! العريس هرب!»_

كان الطفل "زين" يركض على درج العمارة، وجهه مشوش، يصفق بكفيه على خديه الصغيرين، وكلماته ترتد في أذن كل من سمعها كصفعة لا تُنسى.

توقف الجميع عن الكلام، حتى الهواء صار ثقيلًا، كأن الصدمة خنقته، حين اندفع زين راكضًا نحو أمه، وهو لا يزال يردد عبارته ببراءة لا يدرك معها حجم الكارثة التي أشعل فتيلها.

حدّقت أم زين في ابنها بذهول، وقبل أن يتم عبارته، وضعت يدها بسرعة على فمه، ثم التفتت إلى ناهد معتذرة بصوتٍ خفيض:
_«والنبي يا أختي متزعليش... ده عيل، مش فاهم»_

ثم عادت ببصرها إلى زين، مشيرة بإصبعها ومحذرة إياه بنبرة مشدودة:
_«ده أنا هوريك النهارده... امشي قدامي»_

دفعته بخفة بعدما أزاحت يدها عن فمه، لكنه كان قد فجّر القنبلة، وخلّف وراءه ذهولًا لا يُحتوى.

كان عاصم يجلس بجوار المأذون، وعيناه معلقتان بالأرض، لكن نيران الغضب كانت تتأجج في صدره، ووجهه يزداد احمرارًا كأن الدم يغلي تحت جلده.

وفجأة، انتفض بعنف، دافعًا الكرسي للخلف بصوتٍ أربك الحضور، ثم اندفع بخطى متسارعة نحو غرفة فيروز، وفتح الباب دون استئذان.

وجدها جالسة على الفراش، تبكي بعينين متورمتين من كثرة الدموع. اقترب منها وجلس إلى جوارها، ثم ضمّها إليه بحنانٍ أبويٍ دافئ، فتشبثت به كالغريق.

همست بصوت متقطع يكاد يختنق بين أنفاسها:
_«أنا... آسفة يا بابا»_

ربت عاصم على ظهرها بلطف، وهمس بصوت متهدج:
_«أنا اللي آسف يا بنتي... سامحيني»_
*****
كان ماهر يصعد درجات السلم بكسل، يقلب في هاتفه بلا اهتمام، ، حين شقّ صراخ طفلٍ حادّ أذنه:
_«العريس هرب! العريس هرب!»_

توقف في منتصف الدرج، رفع رأسه ببطء، وكأن أذنه خانته السمع.

شدّ قبضته على الهاتف، وتمتم ساخرًا:

_«شكل المكان هنا هيكون مسلي فعلًا... بركات دعواتك عليا يا أبوي»_

واصل الصعود حتى بلغ الطابق الثاني، ليفاجأ بالناس يخرجون من الشقة كأنهم شهدوا زلزالًا.

دلف إلى شقته بخطوات حذرة، عيناه تتجولان في المكان كأنهما تبحثان عن تفسيرٍ لما يحدث. لمح علياء واقفة في منتصف الصالون، ملامحها شاحبة، والقلق واضح في عينيها.

اقترب منها باستغراب، وهتف بصوتٍ منخفض:
_«هو في إيه؟»_

تنهدت علياء، وانكسرت نظرتها إلى الأرض، قبل أن تقول بصوت مبحوح يغلب عليه الحزن:
_«خطيب فيروز... اختفى. بيقولوا هرب.
والبت جوه منهارة من العياط»_

وفي تلك اللحظة، دلف زكريا وعامر وياسين إلى المنزل، ووجوههم متجهمة، تسبقهم غمامة صمت ثقيل.

توجه زكريا مباشرة إلى حيث يجلس الشيخ عبدالعزيز، وجلس إلى جواره، ثم قال بنبرة باردة خالية من الانفعال:
_«متشكرين يا شيخنا... تقدر تمشي»_

اقترب ماهر منهما وجلس إلى جوار المأذون، ثم قال بثقة:
_«الشيخ عبدالعزيز، مش كده؟»_

ابتسم الشيخ بخفوت، وظهر في عينيه شيء من الاستغراب:
_«أيوه يا بني....»_

التفت ماهر إلى زكريا، وابتسم ابتسامة عريضة:
_«عايزك في كلمتين... إنت والحج عاصم»_

ثم نظر مجددًا إلى المأذون، بنبرة هادئة:
_«خليك هنا يا شيخنا، هنرجعلك تاني»_

ثم التفت نحو والدته، وقال:
_«ماما، لو سمحتي اعملي للشيخ شاي وقهوة كده لحد ما نرجع»_
*****
دلف الأربعة إلى غرفة المعيشة، وجلس الجميع في أماكنهم في صمت مشحون بالتوتر.

كان ماهر هو أول من كسر هذا الصمت، يجلس بثبات أمامهم وابتسامة هادئة ترتسم على وجهه، ثم نظر إليهم قائلاً دون تردد:

_«من غير لف ودوران... أنا عايز أتجوز فيروز»_

صمتت ناهد للحظة، وعاصم رفع حاجبه بدهشة، أما زكريا فبدت ملامحه وكأن الزمن توقف عندها، لم يصدق ما سمعه.
كانت تلك الكلمات مثل صاعقة فجرت الصمت، وجعلت الهواء في الغرفة يثقل بالدهشة والصدمة.
*****
الي اللقاء في فصل جديد.
1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

فصول العمل

عروس بلا فارس
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.