Nns_53

Share to Social Media

" في صباح الأوّل من أيلول، عام 2020… بدأت أولى خطواتي نحو عالم لم أكن أعرف أنه سيغيّرني إلى الأبد.



صحّت نافي ذلك الصبح وهي تحس بنبض قلبها يدق بسرعة غريبة، مزيج من الحماس والخوف، لأن اليوم الأول في المرحلة الإعدادية كان بالنسبة إلها بوابة لعالم جديد كله احتمالات مجهولة.
صوت أبوها وهو بيحكي لها على الطريق، ونصائحه الهادية، كان له تأثير غريب على روحها؛ كانت تبص عليه من المراية الداخلية والسيارة تمشي، والابتسامة خفيفة ترسم على شفايفها وهي تلوّح له وداعاً.
كانت لحظة وداع مفعمة بالحنان، رغم بساطتها، كأنها تقول لنفسها: “أنا راح أكون منيحة.”

وصلت المدرسة، فتحت الباب بثقة رغم كل الأسئلة اللي تدور في رأسها، عرفت طريق الصف بسرعة لأنها كانت زارت المدرسة في لقاء تعارف صغير قبل يوم، بس اليوم كان مختلف، فيه شعور أثقل في الجو.
دخلت الصف، وما كان فيه غيرها و كمان فتى ما تعرفه . حسّت بنقرة غريبة جواها، مزيج من الاستغراب والفضول، مش معتادة تكون لوحدها في غرفة صف كبيرة بهالهدوء.

جلست على مقعدها، وسط الفصل ، حطت حقيبتها على الأرض، وتنفست بعمق. كانت تحب تكون طبيعية، تضحك وتكون واثقة، وهالشي كان واضح عليها رغم التوتر الخفيف اللي حاولت تخفيه.
جلس هذا الفتى هادي جنبها، كان شكله خجول شوي، بس كانت تلمح طيبة في عيونه، شيء بسيط لكنه عميق، كان فيه براءة وكأن طفولته ما زالت تحتفظ به بين يديه. كان مستريح بنفس الوقت، ما في توتر مبالغ فيه، بس واضح أنه مش متعود على هاللحظة.

دخلت المعلمة ميرا، وكانت ضحكتها دافئة كأنها شمس بتطلع في صباح بارد. نظرت إليهم بابتسامة وصوت هادي مليان حنان:
“مرحبا يا شباب، انتو الموجودين اليوم؟ أول يوم، ووجودكم هون هو المهم، حتى لو في غياب مش طبيعي اليوم، مش مشكلة.”
كانت كلماتها بسيطة لكنها مهدت الجو، خلتهم يحسوا بأمان وسط هذا الغموض.
“أنا ميرا، مربية صفكم الجديدة. رح ابلش اعرف عن حالي أنا بحب اللون البنفسجي والأبيض، اكلتي المفضله المعكرونه وبحب أشارك معكم مواهبي وأتعرف على مواهبكم كمان.”

التفتت ناحية نافي، عيونها كلها اهتمام ودفء، وقالت:
“خلينا نتعرف على بعض أكتر. نافي، أنت أصغر وحدة بعيلتك، صح؟ شاركينا، شو بتحبي؟ شو ألوانك المفضلة؟ أكلك المفضل؟”

نظرت نافي بعينيها الصغيرتين بصدق وبصوت يختلط فيه الحماس بالخجل:
“بحب الأزرق والأبيض… بحس فيهم راحة، كأنهم حضن بيت أمان.
أكلي المفضل الملوخية والششبرك…

بعدها، استدارت ميرا باتجاه الفتى ، وصوتها مليان فضول:
“وأنت يا مارل؟”

أذن اسمه مارل

رد مارل بهدوء وببساطة، كأن كلماته كانت مأخوذة من مكان بعيد بداخله:
“بحب اللون الأزرق كمان…
وأكلي المفضل الملوخية والششبرك.”
سكت قليلاً،

بقيت نافي واقفة على حافة صمتها، عيونها تلاحق كل كلمة، حسّت بغرابة كبيرة داخلياً.
ليش هو يجاوب زيها بالضبط؟ هل هو فعلاً فارغ من الأحاسيس؟ ولا بيحاول يختبئ خلف تقليدها؟
كانت تشعر بأنه ما عنده شيء يميزه، وكان هذا يزعجها أكثر من أي شيء.

ابتسمت ميرا برقة، كأنها تقرأ ما وراء الكلمات، وقالت:
“حبيت التشابه بينكم. أحياناً، تجد نفسك في الآخر حتى دون أن تدرك ذلك.”

لكن نافي، رغم كل هذا، ما اهتمت كثير، وأعادت تركيزها على يومها اللي بدأ ينكشف أمامها.
كانت تحس بأن هذا اليوم بسيط، لكنه كان بداية لقصة أكبر، قصة ما كانت تعرف أنها ستغيرها إلى الأبد.

كانت نظراتها تتلاقى أحياناً مع مارل، لكنها كانت تبعد نفسها، غير مهتمة، متحفظة، متوترة بخوف خفي..

ومع بداية الدروس، كملت نافي يومها واهتمت بما حولها بثقة، بينما مارل بقي غامضًا في عينيها، لا تعرف ما يخفيه ولا ما ينتظرها القدر معه.

حينما عاد والدها ليأخذها، سألها عن المدرسة، فأخبرته بابتسامة:
“المعلمة ميرا لطيفة جدًا، حبيتها كثير، أكيد رح تكون معلمة مختلفة. اليوم كان هادئ، ما كان في أحد تقريبًا، بس كان يوم جميل.”

ابتسم والدها وقال:
“كل بداية صعبة شوي، بس مع الوقت بتتعودي.”

نظرت نافي إلى الأفق، ولم تكن تعلم أن هذا اليوم كان بداية قصة ستغير كل شيء في حياتها.




لم تكن تعلم أن القدر كان يخبئ لهما أكثر مما يتوقعان، وأن مارل لم يكن مجرد زميل عادي، بل ظلٌ غامض سيلازم خطواتها، ويفتح أبواب أسرارها.

وهكذا، كان هذا اللقاء هو البذرة التي زرعت بداية قصة نافي… قصة لن تنتهي بسهولة


“كل لقاء بسيط قد يكون توقيع القدر، خطّه الله في القلب قبل أن ندركه، ليزرع بداخله بذرة تغير مجرى الحياة.”
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.