الليل صامتًا فوق قصر مدمر المجرات، لكن داخل قاعة العرش الكبرى، كان الضوء ينبض ببطء بلون رمادي باهت.
اقترب يَمين من العرش، همس قرب أذن بنيان بصوت لا يكسر هيبة المكان.
"سيدي... هناك مجرة تستعد لغزو مجرة أخرى.
إحداهما قوية، و الأخرى أضعف، لكن التوتر على أشدّه."
لم يتحرك بنيان، بل جلس مسترخياً، ورفع زوايا شفتيه مبتسماً. عينيه، ذات النظرة الثاقبة، يراقب بها، المعركة عن بُعد، كأنه يشاهد عرضًا مسرحيًا مملًا، مع شعور ثقيل بالملل يعتصره. كان يرى الصراعات تمضي بلا شغف، وكأنما كل تصرفات الجنود لم تكن سوى خطوات راقصة في لعبة لا تعنيه سوى قليلاً.، لكن ابتسامة مائلة ارتسمت على شفتيه. اخفت وراءها شعورًا مختلطًا من الثقة والحنق، ارعبت يمين كما لو كان يستمتع بلعبة مصير الآخرين.
"أخبرهم أني سأشترك..."
ثم صمت فجأة، ورفع إصبعه.
"لا، لا. توقّف."
التفت إليه يمن بدهشة.
"سيدي؟"
قال بنيان ببطء، كأنه يراقب نجمًا يحترق:
"سأدخل... لكن ليس الآن.
سأنتظر حتى يقتل أحدهم الآخر.
الفائز... سيكون هو ندّي الحقيقي."
ثم وقف أمام جماهيره في الساحة الحمراء الواسعة.
خطب فيهم، وصوته يهدر بين الأبراج المعدنية:
"شهر واحد.
ثم نبدأ القتال.
أما اليوم... فلتراقبوا، كيف تنهار مجرّتان قبل أن أمدّ يدي!"
وفي كوكب "جاسا"، أحد كواكب جم الرئيسية، وصلت أخبار بنيان بسرعة.
تحوّلت الأجواء في لحظات - وجوه متوترة، اجتماعات عسكرية، إنذارات.
استيقظت لوانا فزعة من ذلك الحلم الغريب - المنزل الخشبي، العيون المحدّقة، الصمت الذي يخنق.
شعرت أن شيئًا رهيبًا يقترب، ليس من السماء، بل من الداخل.
اندفعت في الممرات، تسأل الحراس أن تقابل جم.
لكن الرد كان قاطعًا:
"ليس الآن."
عادت إلى غرفتها دون نوم، تنتظر طلوع أول ضوء.
وفي الصباح، جاءها أمر غير متوقع:
"دعوة خاصة من جم لتناول الإفطار."
دخلت قاعة الطعام، فخمة كما عهدتها، لكنها بدت باردة هذه المرة.
جلس جم أمامها بصمت، ينظر إلى كوبه.
لوناه حركت أصابعها في قلق.
ثم قالت:
"كيف أم..."
رفع عينيه إليها، نظرة جامدة.
"كيف ماذا؟ أكملي."
قالت ببراءة غاضبة، بنبرة مخنوقة بالشك:
"تتخاطرون... تتحدثون من عقولكم، ولا أحد يخبرنا بما تفكرونه.
أنتم تعرفون كل شيء... ونحن لا نعرف شيئًا."
توقّف للحظة، ثم...
ضحك.
ضحك بصوت صافٍ مفاجئ، حتى دمعت عيناه.
"شكرًا، لقد أضحكتِني يا فتاة الأرض."
تنحنح، ومسح دمعة صغيرة من طرف عينه، ثم قال:
"الأمر بسيط جدًا...
ضعي شريحة صغيرة خلف رأسك، وستسمعين كل شيء.
ليس عبر أذنيك... بل مباشرة في عقلك."
لوانا نظرت إليه بجدية، ثم قالت قبل أن تنهض:
"قبل أن أذهب...
يجب أن تخبرني بما يحدث في الخارج.
كما ترى... هذا كوكبي. وأنا... أهتم."
رمقها جم بنظرة طويلة، ثم قال:
"أتهتمين بكوكبك... أم بالبشر؟"
لم تجد ما ترد به.
هو، من جانبه، ابتسم ابتسامة هادئة... ثم غادر القاعة،
تون
كوكب الارض
- انشقاق الضوء
المكان: مشفى "أوراسيا العصبي"، جناح إعادة التأهيل النفسي - الساعة 03:40 فجرًا
كان السكون يلفُّ الجناح كما اعتادت "تون" أن تحبه. آخر مريض دخل في غيبته الطبية، وأجهزة المراقبة تنبض بهدوء مثل أنفاس طفل نائم.
جلست خلف مكتبها الزجاجي، أغلقت ملف الحالة رقم 2079، وتنهدت.
(من تفكيرها الداخلي)
"أكثر ما يخيفني في هذا العمل... ليس الجنون، بل الصمت الذي يسبق نهوضه."
فجأة...
شقّ الضوء السماء.
رفعت "تون" رأسها. كانت نوافذ الطابق العلوي شفافة بما يكفي لترى ما لا يُفترض أن يُرى في هذا الوقت.
ضوء شمس أبيض، عنيف، انبثق في سماء الليل.
كأن هناك من ثقب نسيج العالم.
قامت من مكانها، اقتربت ببطء من الزجاج، وبحدسٍ لا تخطئه سنواتها كطبيبة نفسية... شعرت أن شيئًا ليس طبيعيًا.
ثم جاء الصوت.
انفجار!
الزجاج تفتت من بعيد، ووميض ليزر مرّ أمام المشفى.
صفارات الإنذار لم تنطلق. لكن الجنود ظهروا من كل زاوية. جنود غير معروفين، يتحركون بسرعة غير بشرية، يطلقون أشعة غريبة، ويأسرون كل من يصادفونه.
صرخ أحد الممرضين: "إنهم هنا! لا أحد يتحرك!"
لم تكن "تون" ممن يصرخون.
بل فعلت ما لم يتوقعه أحد.
ركضت نحو الباب الخلفي للطوارئ، نزلت السلالم المعدنية، وحين وصلت إلى الأرض الخلفية، رأت المرضى يُسحبون واحدًا تلو الآخر من الغرف.
اختبأت.
ركضت بين الحطام، حتى وصلت إلى مبنى مهجور كان يستخدم سابقًا كمخزن أدوية. نصف سقفه منهار، والبوابة مخلعة.
دخلت.
ظلام.
ركعت خلف رف قديم محطم، وضعت يدها على فمها لتمنع أنفاسها من الخروج بصوت.
كل شيء داخلها... الطبيب، الإنسان، المحلّل... صمت.
(تفكير داخلي أخير قبل قطع المشهد)
"نحن من نفهم الجنون...
لكن من سيفهم هذا؟
هذا ليس اضطرابًا.
هذه... نهاية."
كان الفجر يزحف ببطء فوق قصر جم، حيث كانت الأجواء هادئة كعادة
صوت الإنذار دوّى فجأة، ليكسر سكون الصباح، وصدح صوت القائد عبر مكبر الصوت: "حان وقت
قافزت لوانا بسرعة، لا تفهم السبب أو التوقيت. ارتدت زيها الحربي الرمادي، المزود بحماية إضافية، ورابطات معدنية تتلألأ تحت الضوء الخافت. كان حزامها مليئًا بالأدوات: شريحة اتصالات، وأسلحة خفيفة، وذخائر، كل ما تحتاجه لتكون جاهزة.
ركضت في الممرات التي أصبحت أكثر برودة، حيث تحول الهدوء السابق إلى هرج ومرج. سمعت همسات الجنود وهم يتبادلون التعليمات بسرعة، أصواتهم مختلطة بالتوتر.
انسها لي لحضات دفاء الاصوت تسالها وخوفه من القادم.
عندما وصلت إلى منصة الإقلاع، رأت قائدها، وهو يوجههم بحماس: "تأكدوا من تجهيز المركبات! لا مجال للخطأ!"
سأل أحد الجنود بقلق: "ماذا عن لوانا؟ هل هي جاهزة؟"
"لقد أخبرناها بالفعل. لا وقت للانتظار!" أجاب القائد، عينيه تتألقان بشغف.
ثم التفت القائد إلى لوانا، وقال بصوت هادئ لكنه حازم: "تذكري، لوانا، نحن نثق بك. يجب أن تكوني مستعدة لكل شيء.
بعد ان خرجت الى باوبه الخارجه قبض عليها صمت مره اخرى
صوت القائد بدأ يتردد في عقلها، وكأن الكلمات تَخترق حاجز الصمت.
شعرت لوانا بشيء غريب؛ وكان الاصوت التي لطامله اعتبرتها قمت الازعاج اصبح فاجئه مصدر امان
صعدت لوانا إلى المركبة، قلبها ينبض بشدة. الأضواء داخلها كانت خافتة، وصوت الأجهزة يبدو هادئًا، لكن الهرج في الخارج كان يتصاعد. جلست في المقعد الأمامي، التحقت بالشريحة وبدأت تتلقى التعليمات.
تحرّكت لوانا بسرعة، لكن ثمة ارتباك بسيط أخّر خطواتها.
""خارج حدود مجرة جم.
رأت الفضاء أمامها فارغًا -
جميع المركبات قد انطلقت.
سرعة الصوت مزّقت الفجوة الزمنية أمامهم، وهم الآن في طريقهم، يسبقون الضوء.
لوانا لم يكن أمامها خيار.
دخلت مركبتها، وجلست في المقعد الأمامي، أصابعها ترتجف.
بدأت تضغط الأزرار بسرعة، محاولة أن تلحقهم بأي طريقة.
زر واحد... ثم آخر... ثم ثالث...
وفجأة، ومضة حادة!
كان صوت الانفجار صامتًا، لكنه مزلزل.
ضوء أبيض اجتاح عينَيها.