الماضى سجنك الأبدى!

الماضي هو سجنك الحقيقي!

الماضي كلمة مرعبة تحمل في طياتها ألاف المعانى ، قد يكون ماضينا عائقاً قويا ، أو قد يكون سبباً لليأس والحزن ،قد يكون سجننا الحقيقي، الذي يمنعنا من الشعور بالسعادة ، يمنعنا من الحياة، رغم أن الماضي مليء بالخبرة والمعرفة التي قد تكون أحياناً قادرة على تحويل عالمنا كله إلى النقيض ، ولكننا لا نستطيع فهمه ، كلما اقتربنا منه نشعر بالتهديد والخوف!

أحياناً يكون ماضينا هو زنزانتنا الجميلة التي رتبناها بطريقتنا واعتدنا العيش بداخلها، وأصبح فيها الألم جزءاً عادياً من الحياة ،لا نعلم ماذا يحدث خارجها ، ولا نحاول المجازفة لكى نعرف ، لأننا لا نريد تجربة آلام أخرى غير التي اعتدنا عليها.

ليس حلاً أن نهرب من الماضى ،لأنه كلما هربنا منه يطاردنا بشدة وبضراوة حتى نستسلم له، ونظل عالقين في براثنه ، ثم نجد أنفسنا أصبحنا مجرد ظلال بلا شكل واضح ، ضحية لماضٍ مؤلم وحاضراً تعيساً ومستقبلاً مُؤرقاً غير واضح المعالم!

ولكن محاولة النظر أبعد من الحدود الخيالية _التي رسمناها لأنفسنا، وصدقناها _ قد يفتح لنا آفاقا جديدة ويجعلنا ندرك معانى أخرى غير التي فهمناها ، فنتحرر من هذا السجن الذي أحيانا يكون اختياريا، ونصدق انه لدينا فرصة!

قد يصبح ماضينا هو الفرصة ، فرصة للتعلم ، للتغيير ، فرصة لاكتشاف السعادة

المؤجلة!

لكن لن يصبح فرصة للتعلم إلا إذا أطلقنا لعقلنا العنان في البحث والتفسير لكل موقف من المواقف التي حدثت في الماضي، وأغلق عليها عقلنا كما هي ، ولم نجد الفرصة وقتها لكى نفهمها جيداً ، أصدرنا حكماً ببساطة على الموقف وأحياناً على أنفسنا ، وأصبح هذا الحكم محركاً لكل قراراتنا فيما بعد ، والقرارات التي اتخذناها في كل المواقف الحياتية هي ما شكّلت الخبرة ،والخبرة هي ما صنعت ما نحن عليه الآن!

وإذا كنت راضين عن حاضرنا ، ونشعر بالسواء النفسي ، هذا يعني أننا تعاملنا بذكاء مع ماضينا ، أنهينا النزاع بيننا وبينه ، جلسنا معه جلسة صفاء ، وجمعنا النقاط المفقودة، وحاولنا أن نفهم !

أما إذا لم نكن راضين عن حاضرنا ، يعني هذا إننا لم نتعمق بعد ،لم نتطرق إلى النقاط الأكثر ظُلمة ،  وكلما تعمقنا أكثر ، سنصل إليها، ونتواصل معها ، قد نقابل إساءات لا تُنسى ، قد نقابل صدمات أثرت بنا، وقلبت عالمنا رأساً على عقب!

ولكن الفهم هنا لا يعتمد على التسامح أو النسيان بل إنهما عمليتان منفصلتان ، قد لا ننسى أبداً، ولكننا نسامح من أجلنا نحن ، لأننا بدون التسامح عالقون فى مسرح مشاعرنا ونمثل أدوارا متقنة ، وننحني لجمهور خيالي ولا يصفق أحد و لا يوجد من يريد الحضور لمشاهدة العرض الحزين ( صراعك المؤلم مع ماضيك )!

لن تجد الشخص الذي يتلذذ بسماع مأساتك ، فهي تخصك وحدك، وتجرحك أنت بشدة وتمنعك من التقدم . في نهاية اليوم ، يرجع( من حكيت له عن معاناتك) الى منزله وينشغل بمشكلاته هو  - وهذا بالتأكيد منطقيا ً-  وإذا كان شخصا خلوقا قد يتذكرك في دعاؤه  . لكن معظمنا يعيش تفاصيل معاناته الخاصة وصور أفكاره التي تطارده كل يوم ،  لا تترك له أي مساحة فارغة لتحمّل أي مشكلات أخرى .

في النهاية من تحكى له، ليس مكانك، ولا مر بما مررت به أنت، ولن يحمل معك عبئك ، عبئك تحمله وحدك، ويكسر ظهرك وحدك أيضا، وأنت فقط من تستطيع تخفيف حمل الماضي عن كاهلك حتى تستطيع التقدم، ومن يساعدك ويدعمك بحق هو الله، هذا إن اخترت أن تلجئ له !

أولى خطواتك للمستقبل تبدأ في الماضي ، عليك أن تعيد تصور الأزمات التي مرت بك ، ومازالت تؤثر بك بشدة ، وحاول البحث عن لطف الله فيها ،لابدَّ أن ينزل الابتلاء من الله ومعه لطفه ورحمته ،حتى نستطيع تحمّله ، تذكر أن في باطن الابتلاء قمة الرحمة!!

ضع سيناريو أسوأ لما حدث لك بالفعل  ، حاول إدخال أفكار جديدة إلى رأسك ، وحاول أن تكتب سيناريو حياة أخرى أسوأ بكثير من التي عشتها في ماضيك ، وكانت سبباً في ألمك ، ابحث مثلا عن هذه النماذج على الإنترنت ، حاول أن تقرأ عنها في الكتب ، وستجدها في الحياة الحقيقية ، ستجد من تعرض لكل السيناريوهات السيئة في رأسك ولكنه استطاع أن ينفذ منها إلى بقعة الضوء التي نراها كلنا ، ولكن نخشى محاولة الوصول إليها ، نخشى أن نحترق ، أونخشى أن يكشف لنا الضوء ما نخبيه من هشاشة نفسية!

محاولة فك طلاسم ماضيك والبحث عن البداية من هناك ، لا يعني أنك ستنسى ، ولكن تعاملك مع الماضي ومواجهته وعدم الهرب منه ، ستجعل معاناتك تتقلص في الحجم، وتضعف شوكتها ، فلا تكون المتحكم الأول بك وبقراراتك بل تتحكم أنت بها، وتضعها في حجمها الفعلى، وتنظر إليها على أنها نصيبك من الإختبار الدنيوي الذي لابدَّ على كل بني البشر إجتيازه ، كلما كنت محايدا في نظرتك ، كلما خففت العبء عن نفسك !

لم يخلقك الله لتعيش في الماضي، ولا لتنشغل بالغيب ، لأننا لا نستطيع أن نتحمل هذا العناء العظيم ، لو أن الله عز وجل ترك لنا الإختيار في كل شيء في حياتنا لهلكنا !

 هل نستطيع اختيار من يموت أولاً ؟ الأب او الأم او الأخ؟  أو متى نمرض ؟ أو بماذا نُضَحَّى؟  او اختيار موعد حادث مروري ؟  ماذا عن الأمور المحببة ؟ هل نستطيع ان نتحمل عواقب اختياراتنا القدرية إذا كنّا نملك ذلك ؟  كأن نختار متى ننجح ؟ ومتى نفشل ؟ومتى نحب؟ ومتى ننجب؟ بالطبع لن نستطيع !

 إنها دوائر صغيرة من القرارات التي قد تكون في ظاهرها تافهه، ولكن في باطنها مرتبطة بدوائر أكبر وتتشابك مع أقدار إناس آخرين ومن بيده بداية الخيوط وأخرها هو الله – جل شأنه - .

من حكمته - جل شأنه -  انه رفع من علينا عبئ الإختيار ، لأننا لا نعلم الغيب وبالتالي لا نعلم ما المناسب لنا وما هي الخطة المثالية لتحقيق السعادة !

لكن ما نعلمه بحق ، هو أننا يجب أن نسعى دائما للأفضل، ونحاول التغيير لتحقيق السلام النفسي ، ومحاولة البحث عن العلة في عدم الوصول إليه ، ثم محاولة الوصول لأفضل نسخة من أنفسنا !

ترك لنا الله الأسهل ، ولكننا نصعّبه على أنفسنا بالقلق وتضخيم الألم ، و التمسك بألام قديمة، ولا نتركها ترحل، ولا حتى تخف، لأنها صنعت ما نحن عليه ، والسماح برحيلها يعني تغيير هويتنا ،تغيير من نحن !

تمسكك بماضيك المؤلم لن يجعلك بطلا ، عليك أن تقيم حجم مشكلتك الحقيقية ، أبعادها وجذورها ، إذا أحسست بعجزك الحقيقي عن التقدم وحيدا إذن أنت تحتاج دعما نفسيا من متخصص ، وإذا كنت فقط لا تعرف ، إذن أنت بحاجة للبحث والمعرفة ، المعرفة عن ماهية مشاعرك وكيف تفسرها وتنصت لها  ، ومصدر الألم وماهي الخطوات الصغيرة لعلاجه؟ وليس تجاهله ولا كبته.

في النهاية ، ستعلم إنك على الطريق الصحيح إذا إستطعت أن ترسم شكلاً محدداً لذاتك ، شكلا بخطوط وأبعاد حقيقية، وليس مجرد ظلاً ، ولا انعكاساً ، شكلًا يجعلك راضياً ، وليس شكلاً فرضه عليك ماضيك ، أو فرضته أنت على نفسك !

 



مشاركة:
فيسبوك تويتر بنترست واتساب لينكدان

0 تعليقات

اكتب تعليق

مقالات متعلقة

أحدث المقالات

ماذا حدث مع الأسرى الإسرائيليين
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.