ndaebrahimth

شارك على مواقع التواصل



بُشْرَى الْوَصْلِ وَالْوُصُولِ

وُلِدَتْ فِيْ يَوْمٍ صَادٍ، تَمْتَلِكُ مِنَ الْأَصْلِ كُلَّهِ، وَمِنَ الْخَلَاقِ نِصْفَهُ، وُلِدَتْ لِتَكُونَ صَاحِبَةَ نِصْفِ الْخَيْرِ وَالْجَمِالِ، وَالْكَمَالِ، عَاشَتْ لِتَبْحَثَ عَنْ نِصْفٍ يَجْبُرُ قَلْبَهَا، وَيُكْمِلُ خَيْرَهَا، وَيَزِيدُ مِنْ بَهَائِهَا، ضَرَبَتِ الْأَرْضَ كُلَّهَا، وَطَرَقَتِ الْأَبْوَابَ بَابًا بَابًا تَسْأَلُ عَنْ نِصْفٍ يَنْقُصُهَا، وَشَكْلٍ يُكْمِلُهَا، وَقَلْبٍ يَسْكُنُهَا، إِلَى أَنْ جَاءَ يَوْمٌ تَمَلَّكَ مِنْهَا الْيَأْسُ فِي أَنْ تَجِدَ ضَالَّتَهَا، وَجَلَسَتْ فِي الطَّرِيقِ تَبْكِي وَتَقُولُ: أَيْنَ أَنْتَ يَا حَرْفِي يَا نِصْفِي يَا قَلْبِي؟

 أَتَسْكُنُ الْأَرْضَ أَمِ السَّمَاءَ؟

  أَيْنَ أَجِدُكَ؟

  فَاقْتَرَبَ مِنْهَا حَرْفٌ يَرْتَدِي الثِّيَابَ نَفْسَهَا، وَتَظْهَرُ عَلَيْهِ عَلَامَاتُ الْوَقَارِ، وَلَكِنَّهُ يَضَعُ فَوْقَ رَأْسِهِ عِمَامَةً سَوْدَاءَ، فَرَفَعَتِ الصَّادُ رَأْسَهَا لِتَجِدَ ضَالَّتَهَا، وَصَرَخَتْ بَاكِيَةً: "أَنْتَ هُنَا يَا حَرْفِي يَا قَلْبِي، كُنْتُ تَائِهَةً دُونَكَ، أَبْحَثُ عَنْكَ وَلَا أَجِدُكَ، فَذَهَبْتُ جَنُوبًا وَشَمَالًا،  شَرْقًا وَغَرْبًا، وَلَمْ أَجِدْكَ،  وَكُنْتُ أَبِيْتُ فِي الْمُنْتَصَفِ وَلَمْ أَلْتَقِ بِكَ، فَأَيْنَ كُنْتَ؟" 

  قَاَلَ: "أَنَا هُنَا بِجِوَارِكَ، أَجْبُرُ نَقْصَكِ، وَأُكْمِلُ نِصْفَكِ، وَآَخُذُكَ مَعِي؛ لِأُكْمِلَ طَرِيْقِي.

  قَالَتْ: "طَرِيقُكَ؟"

  قَالَ: "نَعَمْ طَرِيقٌ مُسْتَقِيمٌ، وَقَلْبٌ مُسْتَنِيرٌ".

  قَالَتْ: "وَأَيْنَ هُوَ؟"

  قَالَ: "أَغْمِضِي عَيْنَيْكِ وَرَتِّلِي: اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ".

  قَالَتْ: "الصِّرَاطُ نِصْفِي".

  فَقَالَ: "وَأَنَا أُكْمِلُهُ".

  فَقَالَتْ: "أَنْتَ ضَادٌ وَلَسْتَ طَاءً".

  فَقَالَ: أَنَا هُنَا؛ لِأَكُونَ زَوْجًا لَكِ، وَأُنْجِبُ مِنْكِ طَاءً تُرْشِدُنَا فِي طَرِيقِنَا؛ فَالطَّرِيقُ طَاءٌ، وَدُونَهَا نَضِلُّ.

  فَقَالَتْ: "وَبِي تَصِلُ، وَلَكِنْ أَلَمْ تَخْشَ يَوْمًا أَنْ تُنْجِبَ ظَاءً؟"

  فَقَالَ: "هَذِهِ سُنَّةُ خَلْقِهِ، يُوْلَدُ مِنَ الضَّوْءِ ظَلَامٌ، وَمِنَ الظَّلَامِ ضَوْءٌ، فَهُوَ الَّذِي يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللِّيْلِ.

  فَقَالَتْ: "أَقْبَلُ نِصْفَكَ، وَأُجْبُرُ نَقْصَكَ، وَتَجْبُرُ نَقْصِي" .

  فَأَمْسَكَ يَدَهَا؛ لِيَسِيْرَا مَعًا أَمْيَالًا وَأَمْيَالًا، يَحْمِلُهَا وَتَحْمِلُهُ، يَجْبُرُهَا وَتَجْبُرُهُ، إِلَى أَنْ جَاءَ يَوْمٌ،

  وَقَالَتِ الصَّادُ: بِدَاخِلِي هَدَفُكَ وَرُشْدُكَ، وَوَصْلُ نُقْطَتِكَ.

  قَالَ: " بِاللهِ تَصِلِينَنِي؟"

  قَالَتْ: "وَمَنْ يَصِلُكَ غَيْرِي؟"

  فَقَالَ: أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا نِصْفَ صِرَاطِنَا، وَيُلْهِمَنَا طَرِيقَنَا.

  رَعَاهَا، وَآَوَاهَا، وَكَانَ لَهَا سَنَدًا وَعَوْنًا ، يَنْتَظِرُ بُشْرَى الْوُصُولِ، وَجَلَسَ يَتَأَمَّلُ النُّقْطَةَ فِي الْآَفَاقِ، وَيَقُولُ:" أَنْظُرُ لَكِ مُنْذُ أَنْ وُلِدْتِ، وَلَا أَعْلَمُ كَيْفَ السَّبِيْلُ إِلَيْكِ، تَطْغِينَ عَلَى قَلْبِي وَفِكْرِي، وَلَا أَصِلُ إِلَيْكِ، وَلَكِنَّهُ لِيَوْمٍ قَرِيْبٍ فِيْهِ وَصْلُكِ وَقُرْبُكِ" .

  فَصَرَخَتِ الصَّادُ: "أَغِثْنِي يَا حَرْفِي، يَا قَلْبِي، إِنَّهُ مَخَاضُ طَرِيقِنَا وَنِصْفُ صِرَاطِنَا، يُرِيدُ أَنْ يُشْرِقَ فِي حَيَاتِنَا" .

   فَرَفَعَ الضَّادُ يَدَهُ وَقَالَ: "يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ أَعِنَّا عَلَى الْوَصْلِ" .

   وَصَرَخَتِ الصَّادُ صَرْخَةَ الْخَلَاصِ، وَعَمَّ الظَّلَامُ الْآَفَاقَ، وَقَالَ الضَّادُ: "أَيْنَ النُّقْطَةُ؟

    كَانَتْ هُنَا، أَيْنَ اخْتَفَتْ؟

     يَا حَبِيْبَتِي كَانَ مِنَ الْمُفْتَرَضِ أَنْ تَصِلِينِي، وَلَا تُضِلِينَنِي" .

     فَقَاَلتْ: "هَدِّئْ مِنْ رَوْعِكَ وَاسْتَغْفِرْ رَبَّكَ، إِنَّهُ اِخْتِبَارُ رَبِّكَ، أَلَمْ تَرَ كَيْفَ مَدَّ اللهُ الظِّلَّ؟"

     فَقَالَ: "نَعَمْ إِنَّهُ الظِّلُّ، رُبَّمَا نَصِلُ" .

     فَقَالَتْ: لِنَسِرْ مَعًا، يُرْشِدُنَا الظِّلُّ، وَنَكُونَ فِي قُرْبِ الْوَصْلِ، وَلَكِنْ لَا تَبْتَأِسْ" .

     تَمَسَّكَ بِيَدِهَا، وَحَمَلَ الظَّاءَ عَلَى كَتِفِهِ يَتْبَعُ ظِلَّهُ، يَسِيرَانِ مَعًا نَحْوَ الْآَفَاقِ مُلْتَمِسِينَ مِنَ النُّقْطَةِ ظِلَّهَا، وَلَكِنْ لْمْ يْكُنْ بِحُسْبَانِهِمَا أَنَّ الظِّلَّ مُمْتَدٌ عَنِ النُّقْطَةِ بَأَمْيَالٍ، فَسَارَا وَتَجَاوَزَا نُقْطَتَهُمَا بِأَمْيَالٍ وَلَمْ يَصِلَا إِلَى شَيْءٍ، فَجَلَسَا يَتَسَاءَلَانِ: "أَنَعُودُ أَمْ نُكْمِلُ؟"

     فَقَالَتِ الصَّادُ: "أَنُكْمِلُ فِي ضَلَالِنَا هَذَا؟ أَتُرِيدُ أَنْ نَكُونَ مِنَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ؟  ثُمَّ قَالَتْ: "وَاللهِ لَيْسَ بِطَرِيقِي" .

     فَقَالَ الضَّادُ: "لِنَعُدْ أَدْرَاجَنَا وَنَقِفْ عِنْدَ نِصْفِ الصِّرَاطِ، وَتَصِلِيْنِي مِنْ جَدِيدٍ" .

     قاَلتْ: "أَفِي الْعُمْرِ بَقِيَّةٌ؟"

     قَالَ: "نَسْأَلُ اللَه أَنْ يَصِلَنِي بِكِ بِنِصْفِ صِرَاطِي قَبْلَ مَمَاتِي" .

     فَقَالَتْ: "أَنَا مَعَكَ حَتَّى بَابِ نُقْطَتِكَ" .

     وَعَادَا أَدْرَاجَهُمَا مِنْ جَدِيدٍ، وَوَصَلَها وَوَصَلَتْهُ، وَانْتَظَرَا بُشْرَى الْوَصْلِ مِنْ جَدِيدٍ، إِنَّهَا صَرَخَاتُ الْمَخَاضِ، وَلَكِنْ هَذِهِ الْمَرَّةُ الْمَخَاضُ عَسِيرٌ، وَقَلْبُهَا عَلِيلٌ يُمَزِّقُهُ الْأَلَمُ، وَصَرْخَاتٌ تَصِلُ حَتَّى النُّقْطَةِ فِي الْآَفَاقِ، وَهُوَ يُمْسِكُ بِيَدَيْهَا وَيَقُولُ: "تَحَمَّلِي يَا حَبِيَبَتِي إَنَّهُ وَصْلُنَا أَشْعُرُ بِهِ، فَتَصْرُخُ وَتَقُولُ: "ضَوْؤُكَ يُمَزِّقُنِي، وَلَا أَتَحَمَّلُ؛ فَشُعَاعُهُ نَافِذٌ، وَفِي طَرِيْقِهِ عَاِبرٌ، وَأَنَا كَبُرْتُ، وَلَا أَقْوَى عَلَى التَّحَمُّلِ" .

     فَقَالَ: "تَحَمَّلِي قَلِيْلًا، بَقِيَ الْقَلِيْلُ، ثِقِيْ بِي؛ لِنَصِلُ لِنُقْطَتِنَا مَعًا

      أَتَتْرُكِيْنَنِي بَعْدَ كُلِّ هَذَا أَذْهَبُ بِمُفْرَدِي؟!"

      قَالَتْ: إِنَّهَا سَتُنْهِي أَصْلَكَ، وَتُكْمِلُ أَنْتَ طَرِيْقَكَ، هِيَ نُقْطَتُكَ أَنْتَ وَلَيْسَتْ  نُقْطَتِي".

      فَقَالَ: "أَنَا أَنْتِ؛ لَا تَتْرُكِينِي، وَمَنْ يَجْبُرُ نَقْصِي وَقَلْبِي؟" .

      فَقَالَتْ: "أَنَا نِصْفُكَ وَقَلْبُكَ، وَالْآَنَ تَصِلُ وَلَا تَضِلُّ" .

      وَصَرَخَتْ صَرَخَاتِ الْخَلَاصِ، وَانْبَعَثَ الضَّوْءُ وَبَانَ الطَّرِيقُ، وَاكْتَمَلَ الصِّرَاطُ. 

لَمْ يَكُنْ يَدْرِي أَيَبْكِي حُزْنًا عَلَى فَقِيدَتِهِ، أَمْ فَرَحًا لِوَصْلِهِ؟

       إَنَّهَا سُنَّةُ اللهِ فِي خَلْقِهِ.

2 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.