tafrabooks

شارك على مواقع التواصل

وليام شكسبير
(يدخل ردريجو وياجو)
ردريجو : كفى. كفى. لا تخاطبني عنه بعد الآن. أنا آسف جدًا لأنك تنسّمتَ١ خبر هذه المسألة يا ياجو. وأنت أنت الذي بددت ما شئته من مالي وصرّفت يديك في نقودي كأنها من حرِّ مالك.
ياجو : العجب أنك لا تريد أن تصغي إلى كلامي ولعمري لو أنني فكرت مرة في خديعتك لكان لك أن تمقتني كل المقت.
ردريجو : قلت لي إنك حانق على هذا الرجل.
ياجو : إذا لم يكن ذلك حقًا فلا كانت لي كرامة عندك. ثلاثة من كبراء المدينة سعوا وتوسلوا إليه ليجعلني ملازمًا له. وبحق الرجولة إنني لأعرف قيمة نفسي وأعرف أنني كفء لتلك المنزلة. أما هو فإنه لم يصغ إلا إلى مشورة كبريائه وإيعاز ما سبق على وهمه فتخلص من إجابة سؤلي بعبارات منفوخة مشحونة بالألفاظ الحربية ختمها بقوله للموصين بي: «لقد اخترت ملازمي.» ومن هو ذلك الضابط؟ الله الله … هو حسّاب ماهر … يدعى ميشيل كاسيو … رجل فيورنتي. فتى ذهبت بلبه النساء الحسان ولم يُسَيّرْ قط كتيبة في معترك ولا يعرف من تدبير واقعة أكثر مما تعرف الفتاة العانس اللهم إلا من جهة العلم النظري المستظهر من الكتب وهو علم يحسنه القساوسة كإحسانه إياه فجملة معرفته العسكرية ثرثرة محض بلا عمل. ذلك يا سيدي هو الذي وقع عليه اختيار القائد بصرف النظر عما أبليته أنا من البلاء الحسن في رودس وفي قبرس وفي أمصار أخرى مسيحية ووثنية. يسومني٢ قبيح الصبر على هذا التأخير ويُقدِّم عليّ من

فوق رأسي ذلك المدوّن الرقّام الكاتب الصيرفي يتخذه ملازمًا له وأنا — حمدًا لله وسرورًا بهذا اللقب — أبقى حامل علم لسيادته المربية.
ردريجو : تالله لو كنت مكانك لأصبحت جلاده.
ياجو : داء لا دواء وهو من آفات الخدمة. الرقي يُنال بالوصاة والصداقة لا بالسبق الزمني الذي كان ينبغي بمقتضاه أن يجعل كل ثان خلفًا للأول. بعد هذا يا سيدي أعمل رأيك فيما إذا كان يسعني أن أحب ذلك المربي.
ردريجو : لو نالني منه ما نالك لما تبعته.
ياجو : حلمًا يا سيدي وهدوء بال. إنما أتبعه لأنتقم منه. لا نستطيع جميعنا أن نكون سادة ولا طاقة لجميع السادة أن يجدوا خدمًا أمناء. إنك لتلفي٣ بين أولئك الخدم غير واحد من البُلْه الخانعين ذوي الركب اللينة يعجبهم رقهم الثقيل فيفنون أعمارهم على شاكلة الحمير التي تُرهق بالأحمال حتى إذا بلغوا من السن عتِيًا طُردوا بضرب السياط طرد المجرمين. غير أنه يوجد أيضًا بين الخدم أناس غير أولئك يظهرون بكل مظاهر الطاعة ويستعيرون كل أشكال الرعاية لكنهم يصونون ضمائرهم لخدمة أنفسهم، ومع ما يبدونه من الامتثال لولاتهم يوجهون مساعيهم لقضاء مآربهم حتى إذا وشَّوا ملابسهم بالذهب حبسوا تكرماتهم على ما اكتسبوه من رفعة القدر. أمثال هؤلاء لهم بعض النفوس وأجهر أنني واحد منهم. بل أزيدك يا سيدي تصريحًا عن حقيقة لا تقل عن حقيقة كونك ردريجو وهي أنني لو كنت المغربي ما أردت أن أكون ياجو فإذا اتبعته فإنما إياي


أتبع ويشهد الله أنني لا أوقره. ولا أطيعه. غير أنني أداجيه بالتوقير والطاعة توسلًا بهما إلى أغراضي، هذه خطتي وهي الكتمان فإذا جاء زمان باح فيه ظاهري للرجل ببعض ما في باطني لم ألبث أن أضع قلبي على ردن قميصي٤ لتنقره الحدآت٥ الخواطف. أنا غير ما يرى مني.
ردريجو : إنني لأستعظم على ذلك الأسود الوبري ما يقع إليه من السعد الذي لا يدانيه سعد فيما لو حصل على تلك الغانية أو حظي بقربها.
ياجو : ناد أبوها. أيقظه من نومه. ناوئ ذلك المغربي. دس السم في هناءته. اجهر باسمه في الأسواق. استشط على الفتاة بذبابه ومهما تكن سعادته هي السعادة بحقيقتها فأدركه بالوخز والمضايقة حتى يمتقع في عينيه لونها الزاهي ولو قليلًا.
ردريجو : هذا بيت أبيها. سأناديه صادعًا.
ياجو : افعل واجعل نداءك رهيبًا مستطيلًا مع حزن كما يكون في ظلام الليل وأمن الراقدين صوتُ الذي يستكشف النار في مدينة كثيرة الأهلين.
ردريجو : يا هو. يا من هنا. برابنسيو. سنيور برابنسيو.
ياجو : استيقظ. يا هو. برابنسيو. اللصوص اللصوص. ارقب بيتك. بنتك. أكياسك. اللصوص اللصوص.
برابنسيو : ما الموجب لمناداتي بهذا الصخب المرعب؟ ما الخبر؟
ردريجو : هل كل أهل بيتك في البيت يا سيدي؟
ياجو : هل أبوابك مقفلة بإحكام؟


برابنسيو : لم هذا السؤال؟
ياجو : السؤال يا سيدي لأنك سرقت. سرق منك شرفك. إلبس رداءك. إن قلبك قد كُسِر وإن شطرَة روحك قد فُقدتْ. أنا أكلمك وفي هذه الساعة بل في هذه الدقيقة فحلٌ عجوز أسود يغشى نعجتك البيضاء. انهض انهض. أيقظْ على قرع الجرس أهل المدينة النائمين وإلا استولدك الشيطان حفيدًا. انهض انهض. إني حذّرتك.
برابنسيو : ما هذا الهذيان؟ أمجانين أنتم؟
ردريجو : يا سيدي الجليل أتعرف صوتي؟
برابنسيو : لا. من أنت؟
ردريجو : أنا ردريجو …
برابنسيو : لا أهلًا ولا مرحبًا. لقد طالما حذرتك من ارتياد أبوابي وأبلغتك بصراحة أن ابنتي ليست لك، والآن بعد أن ملأت جوفك وأفرغت فيه ما لا يسع من الكؤوس حتى أصابك المس جئت بهذه الفكرة السيئة توقظني من نومي مرتعدًا.
ردريجو : مولاي. مولاي. مولاي.
برابنسيو : لكن ثقْ أن في خُلقي وفي مجدي ما يمكّنني منك فتندم.
ردريجو : تلطّفْ يا سيدي الرحيم.


برابنسيو : ما تلك السرقة التي تذكرها لي؟ نحن في البندقية ومنزلي ليس بعض الأهراء في الخلاء.
ردريجو : يا عظيم الوقار برابنسيو، لقد جئتك بقلب صافٍ، وضمير لا كَيدَ فيه.
ياجو : أنت سيدي من الذين لا يخدمون الله لو نهاهم الشيطان عن خدمته. ألأننا جئنا نسدي إليك معروفًا وأنك ظننتنا أهلَ بغي تَدَع ابنتك يغشاها جواد من البربر؟ لتلدن لك حفداء يصهلون في وجهك وليكونن لك أبنا عم من الخيل وأقرباء من المهارى.
برابنسيو : أنت من أيها الدَّعِيُّ٦ الضًّحكة؟
ياجو : أنا يا سيدي رجل جاء ليقول لك إن ابنتك والمغربي الآن متكونان في شكل حيوان ذي ظهرين.
برابنسيو : أنت سافل.
ياجو : وأنت. عضو في مجلس الأعيان.
برابنسيو : سيكون لك معي شأن. عرفتك يا ردريجو.
ردريجو : الشأن الذي تريده يا سيدي. لكن أبتهل إليك أن تنبئني: أبمشيئتك وبمقتضى حكمتك كما يكاد يثبت ذلك. خرجت كريمتك الجميلة في هذا الهزيع الآخر من الليل إذ الناس نيام وإذ لا يزيد حارسها ولا ينقص عن أحد الفقراء الذين يخدمون الجمهور من ملاحة الزوارق لتستسلم بين ذراعي مربي كثيف؟ فإن كان ذلك بعلم منك وسماح فقد أسأنا إليك وجرؤْنا عليك وإلا فكأنني بك تهيننا ولا ذنب لنا. ولا تظن أنني تناسيت

مقتضيات الكرامة إلى حد أن أستنزلك من مقامك العالي لمثل هذه الممازحة بل أعيد عليك أن ابنتك — إذا كنت لم تأذنها — قد ارتكبت خطأ جسيمًا بمنحها يدها وجمالها وعقلها وثروتها لأجنبي شريد بدوي موطنه هذا البلد وله من كل أفق سواه موطن. بادر لتتبين الهدى. فإذا كانت ابنتك في غرفتها أو في البيت فادفعني إلى عدل القضاء ليعاقبني على خِدعتي إياك كما فعلت.
برابنسيو : اقدحوا الأزندة. يا رجالي. هاتوا لي مشعلًا. استيقظوا يا أتباعي. استيقظوا كلكم. هذا الحادث لا يختلف كثيرًا عما رأيته في حلمي. يا لخوفي مما سألاقيه. أنيروا يا رجالي أنيروا.
(ينصرف عن النافذة)
ياجو : أستودعك الله، لأنه ليس من العقل ولا من المصلحة أن أبقى فأتخذ شاهدًا على المغربي الذي بيده منصبي، خصوصًا مع علمي أن الحكومة مهما يسؤها منه هذا الخطأ فلا تستغني بلا خطر على البلاد عن خدمة هذا الرجل ولهذا عقدت له لواء الحرب الناشبة الآن في قبرس ولو بحَثتْ عن غيره ما وجدتْ لها خيرًا منه، فضرورات معيشتي قاضية عليّ مع كرهي إياه أكثر من كرهي لعذاب السعير أن أظهر له الولاء. على أنها علائم لا شيء فيها غير الظاهر. فإذا أردت أن تجد الرجل فوجّه إلى المعقِل الذي فيه الضباط من استيقظ من القوم للبحث عنها وسأكون هناك بجانبه. إلى الملتقى.


(يدخل برابنسيو وخدم معهم مشاعل)
برابنسيو : صدقتني النبأ وإن الخطْب لجلل فلم يبق لي إلا تجرع الصاب٧ بعد الهوان في القليل الباقي من أيامي. قل لي يا ردريجو أين رأيتها؟ ويلها من فتاة شقية! أمع المغربي؟ من يجرؤ بعد هذا أن يكون والدًا؟ كيف علمت أنها هي؟ واحرَّ قلباه! خدعتني من وراء التصور. ماذا قالت لك هاتوا مشاعل أُخر. أيقظوا كل أقاربي. هل تزوجا؟ أتظن أنهما تزوجا؟
ردريجو : ذلك ما أظنه.
برابنسيو : يا للعجب! كيف خرجت؟ يا لخيانة الدم! أيها الآباء لا تأمنوا بعد الآن نفوس بناتكم على ما يبدين من الطهارة. ألا توجد ضروب من السحر تُغَشُّ بها الشبيبة وتُستدرج العفة؟ ألم تقرأ شيئًا في هذا المعنى يا ردريجو؟
ردريجو : بلى يا سيدي!
برابنسيو : أيقظوا أخي. لماذا لم أرض بك قرينًا لها. اذهبوا بعضكم من جهة وبعضكم من جهة أخرى، أتعرف أين نستطيع أن نظفر بهما؟
ردريجو : أظن أنني أكشفهما إذا صحبتني ومعك حرس أمنا.
برابنسيو : أرشدني أرشدك الله. سأدعو الناس من كل منزل وأمري مطاع عند الأكثرين. تقلدوا أسلحتكم. أيقظوا بعض الشباط المنوط بهم السهر. هلم يا ردريجو وسأعرف لك هذه المنّة.

0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.