hindawiorg

شارك على مواقع التواصل

جلس السيناتور عن ولاية ماساتشوستس في مكتبة قصره في الشارع الشمالي في الثانية
صباحًا، وقد علت تعبيرات الدهشة والغضب ملامح وجهه الشاحبة والباردة. كان القلم
قد سقط من بين أصابعه، بعد أن خطَّ به آخر عباراتِ مخطوطةِ خطبته العظيمة؛ إذ
كان سيناتور نيوتن لا يزال ملتزمًا بالطريقة العتيقة في تسجيل الأفكار. وكانت العبارات
المكتوبة تقول:
إن منطق الأحداث يجبرنا على الإقرار بالمساواة السياسية لأولئك الغزاة الآسيويين
—أم هل أقول الفاتحين؟—في مؤسساتنا الهندوأوروبية؟ غير أن منطق الأحداث
يتعارضعادةً مع المنطق السليم، وتتنافر نتائجه مع الوطنية والحق. لقد فتح
السيف لهم الطريق إلى صناديق الاقتراع، لكنني يا سيادة الرئيس أقول عامدًا
إنه ليس بوسع أي قوة أرضية أن تفتح أمام هؤلاء الغرباء الطرق المقدسة إلى
منازلنا وقلوبنا!
وقف فرانشيسكو، الراقص المحترف، إلى جوار السيناتور، وقد علت وجهه ابتسامة
نصرخبيثة.
مع الرجل الصيني؟ الآنسة نيوتن، ابنتي؟ لا أصدق هذا، » : قال السيناتور مدهوشًا
«. إنها فرية
«. تعالَ إذًا يا سيدي إلى مبنى الكابيتول وسترى الأمر بعينيك » : قال الإيطالي
بعدها مباشرةً انفتح الباب ودخلت كلارا نيوتن إلى الغرفة، يتبعها السيد المبجل وانلي
وصديقه.
لا حاجة إلى الذهاب بنفسك يا أبي، يمكنك أن ترى الأمر بعينيك هنا » : قالت الفتاة
«! والآن. غادِرِ المنزل يا فرانشيسكو
انحنى السيناتور بأدب متكلَّف للسيد والسينجهام براون، بينما لم يصدر عنه أي
بادرة تشير إلى أنه لاحظ وجود السيد وانلي.
مزحة طيبة يا كلارا. لقد دبرتِ أنت والسيد » : حاول السيناتور نيوتن الضحك وقال
«. براون هذه الدعابة كي تسلياني في منتصف الليل، لكن وقتها غير ملائم قليلًا
ثم ذهبت إلى وانلي وأمسكت يده في يديها «. إنها ليست مزحة » : ردت الفتاة في شجاعة
أبي، هذا سيد محترم وأنت تعرف عنه بعض الأمور بالفعل. إنه مساوٍ لنا في » : وأردفت
المنزلة الاجتماعية والذكاء والمكانة الأخلاقية. وهو أهلٌ، بكل الطرق، لصداقتك واحترامك.
«؟ هلَّا استمتعتَ إلى ما يريد قوله؟ هلا فعلت يا أبي
ضحك السيناتور ضحكة قصيرة جامدة، ثم تحول إلى السيد والسينجهام براون
ليس لديَّ أي رغبة في التواصل مع عضو المجلس الأدنى، فلماذا لديه رغبة في » : وقال
«؟ التواصل معي
وضعت الآنسة نيوتن ذراعها حول الرجل الصيني الشاب ودفعته في رفق إلى الوقوف
«. لأنني … لأنني أحبه » : أمام والدها مباشرةً وقالت في صوت حازم وواضح كقرع الجرس
توهجت للحظة » : عند استعادة أحداث هذا اللقاء بعد وقت طويل، قال السيد براون
«. كالبلاتين في مدفأتك الكهربائية
قال السيد نيوتن، دون أن يغير نبرة صوته، وهو لا يزال موجهًا حديثه إلى السيد
لو كان عضو مجلسالنواب عن كاليفورنيا قد استغل مشاعر هذه الطفلة الحمقاء » : براون
فهذا من سوء حظها، وسوء حظي. لا يمكن الحول دون ذلك الآن، لكن لو كان عضو
مجلسالنواب عن كاليفورنيا يراوده أي أمل في التربح من وراء أعماله الخبيثة، أو الحصول
«. على مزيد من الفرصلاستغلالها، فإن السيد العضو يخدع نفسه
وبعد أن قال هذا استدار في كرسيه واستأنف العمل على خطبته العظيمة.
لقد أتيتُ كرجل محترم كي أطلب من السيناتور » : قال وانلي ببطء، مُتحدثًا للمرة الأولى
«. يد ابنته في زيجة موقرة. وقد حصلت على موافقتها بالفعل
ثم «. ليس لديَّ ما أضيفه » : قال السيناتور، موجهًا حديثه مجددًا إلى السيد براون
بلغني أن عضو مجلس النواب عن كاليفورنيا هو » : توقف للحظات وأردف بنبرة لاذعة
أحد دعاة ومبشري حقوق النباتات؛ فليسعَ إلى أن يتزوج نبتة صبار؛ فحريٌّ به أن يتزوج
«. مَن هي في مقامه
كان وانلي على وشك مغادرة الغرفة، وقد امتُقع وجهه من تلك الإهانة القاسية. غير
أن إشارةسريعة من الآنسة نيوتن جعلته يُحجم عن ذلك.
لكن لديَّ ما أضيفه. اسمعني يا والدي، الأمر كالتالي: إذا غادر » : صاحت في حرارة
السيد وانلي المنزل من دون الحصول على موافقتك — موافقة يستحقها منك كسيد مهذب
«! وبصفتك أبي — فسأذهب معه وأتزوجه قبلشروق الشمس
اذهبي معه إنشئتِ يا فتاة، لكن استشيري السيد والسينجهام » : رد السيناتور في برود
«. براون أولًا، وهو محامٍ وسيد مهذب، بشأن فحوى وتبعات قانون تعليق الحياة
أخذت الآنسة نيوتن تقلب نظرها بين الوجوه وهي حائرة؛ إذ لم يكن لهذه الكلمات
معنًى بالنسبة إليها. شحب وجه حبيبها فجأة وقبضعلى ظهر أحد المقاعد التماسًا للدعم.
شحبت وجنتا السيد براون بالمثل، وتقدم خطوة إلى الأمامسريعًا وهو يمد يده كما لو كان
يصد عن نفسه فاجعة مريعة.
بالتأكيد أنت لا … لكن كلا! ذلك أمر وضيع وغير إنساني » : ثم بدأ يتحدث قائلًا
بالمرة، إنه قانون مشين لم يعد له وجود، شأنه شأن الحقد المتحزب الذي تسبب في وجوده
«. من الأساس. ولربع قرن ظل هذا القانون حبيس كتب القانون دون تطبيق
«. على حد علمي فإن هذا القانون لم يُلغَ » : قال السيناتور وهو يطْبق أسنانه في قوة
سأقرأ نص القانون. سيمثل » : ثم أخرج كتاب قانون من أحد الأرفف وفتحه، وقال
ثمشرع يقرأ كما يلي: «. جزءًا ملائمًا من طقوس هذه الزيجة
المادة ٣٩١.٧ : لا يحق لذكرٍ من أصل قوقازي، يقل عمره عن ٢٥ عامًا، أن يتزوج أنثى »
من أصل منغولي، أو يَعِدها بالزواج، أو يُلزِم نفسه بالزواج منها، من دون أن يحصل على
موافقة كتابية كاملة من والده أو ولي أمره، على النحو الذي يقره القانون، ولا يحق لأنثى،
آنسةً كانت أم أرملة، يقل عمرها عن ٣٠ عامًا، لأبوين قوقازيين، أن تتزوج أي ذكر ذي
أصل منغولي، أو تَعِده بالزواج أو تُلزم نفسها بالزواج منه، من دون أن تحصل على موافقة
كتابية كاملة وموثقة من والدها ووالدتها أو وليَّيْ أمرها، على النحو الذي يقره القانون.
وأي زيجة تخالف هذا تكون هي والعدم سواءً، وسيُعَد الطرف القوقازي مذنبًا بجنحة
وخاضعًا للعقوبة التي يراها والده، أو والدها، أو ولي الأمر، على النحو الذي يقره القانون.
المادة ٣٩٢.٧ : يحق لهذا الأب أو ولي الأمر، حسبما يرى وعند طلب سلطات المحكمة
الإقليمية للولايات المتحدة الخاصة بالمنطقة التي وقعت فيها الجريمة، أن يُسلم الشخص
المذنب ذا الأصل القوقازي إلى الضباط المختصين، وأن يطلب تعليق وعيه وأنشطته
،« عملية فيركومر » الجسمانية ووظائفه الحيوية عن طريق عملية التجميد المعروفة باسم
لفترة تعادل تلك التي يجب انقضاؤها حتى يصل الشخص المذنب إلى سن الخامسة
والعشرين، لو كان ذكرًا، أو ٣٠ ، لو كانت أنثى، أو لفترة أقصرمن الوقت حسبما يرى الأب
«. أو ولي الأمر، على أن تُحدَّد هذه الفترة الأقصرمُقدمًا
هكذا قالت الآنسة نيوتن وقد أربكتها لغة القانون المسهبة، وأقلقتها «؟ ماذا يعني هذا »
أمارات الجزع المرتسمة على وجه حبيبها.
إنه يعني أن على الأبناء أن يتحملوا أشنع خطايا » : هز السيد براون رأسه في أسًىوقال
«. الآباء
«. إنه يعني يا كلارا أن علينا الافتراق » : وقال وانلي في جهد جهيد
قال السيناتور وهو يقف ويشير فيصبر نافد بيده التي تحمل القلم، وكأنها إشارة إلى
فلتفهمني يا سيد براون. أنا لا أستخدم قانون » : إنهاء الموضوع وطرد الحضور المتطفل
الحياة المعلقة كأداة تخويف جوفاء كي أمنع فتاة سخيفة من هوسها الباعث على الأسى.
«. وبكل تأكيد سأعمل على تنفيذ القانون بحذافيره
نظرت الآنسة نيوتن إلى والدها نظرة ثابتة طويلة لم يستطع وانلي ولا السيد براون
تفسيرها ثم تقدمتهم خارجة في بطء إلى الردهة. أغلقت الباب. كانت الساعة على رف
المدفأة تشير إلى الرابعة.
اعترى سلوك الفتاة تغيير كامل؛ فقد غادرتها روح التحدي، والمناشدة المنفعلة
العاطفية، والعشق الصريح. وأضحت هادئة الآن، تضارع السيناتور في بروده وتَمالُكه
«. مجمَّدة! لقد جمَّدني بالفعل بقلبه القاسي » : لذاته. وطفقت تقول هامسة
وسريعًا ما طلبت من السيد براون أن يوضح لها تبعات القانون الذي قرأ والدها
ألا يوجد أيضًا قانون يتيح التعليق » : نصه من الكتاب. وحين فعل هذا استفسرت قائلة
«؟ الطوعي للحياة
يقر التعديل السابع والعشرون للدستور بحق أي فرد لا يشعر بالرضا » : رد المحامي
عن ظروف حياته أن يعلق حياته لفترة من الوقت، طويلة أو قصيرة، حسب هواه. غير
أن من النادر، كما تعلمين، أن يطبق أحدهم هذا على نفسه، بل لم يحدث هذا فعليٍّا على
«. الإطلاق، إلا كوسيلة لإيقاع الطلاق في الزيجات التعيسة
أومأ بالإيجاب. فتحولت «؟ ومع هذا، فإن هذا الحق موجود ومُتاح » : أصرت قائلة
محبوبي، لا مفر من ذلك. يجب أن أتركك لبعض الوقت، لكن » : صوب وانلي وقالت
في غضون » : ثم ابتسمت في حزن وأردفت «. باعتباري زوجتك. سوف نرتب لعقد الزواج
ساعة من الآن، سيأتي السيد براون معنا إلى القس، وبعد ذلك سنتجه إلى الملاذ، وستقودني
أنت بنفسك إلى القُمرة التي ستُبقيني آمنة إلى أن يصير الوقت أفضل لكلٍّ منا. كلَّا، لا
تفزع يا حبيبي! لقد أخذت القرار، ولن يسعك تغييره. لن يكون الوقت طويلًا يا عزيزي.
« احتمالات الحياة » فذات مرة، وأثناء ترتيب أوراق والدي عثرت بمحضالصدفة على وثيقة
في واشنطن. إن لديه أقل من عشر « مكتب معلومات الحياة » الخاصة به، والتي أصدرها
سنوات ليعيشها. لم يخطر ببالي قط أنني سأحسب ببرودٍ احتمالات وفاة والدي، لكن يجب
أن أفعل هذا. بعد عشر سنوات يا دانيال يمكنك أن تأتي إلى الملاذ مجددًا وأن تستعيد
«. عروسك. وستجدني كما تركتني
حاول المنغولي جاهدًا، والدموع تغرق وجنتيه الشاحبتين، إثناء الفتاة القوقازية عما
تريد. وانضم السيد براون، الذي يكاد لا يقل عنه تأثُّرًا، إلى محاولات التوسل والإقناع.
هل سبق أن رأيتِ امرأة مرت بما تقترحين المرور به؟ ستذهب إلى الملاذ، » : سألها
كما ستذهبين، وهي نضِرة يانعة وجميلة، مفعمة بالحياة والطاقة. لكنها ستخرج منه
وقد شاخت قبل أوانها، وجسدها ذابل وشاحب ومترهل، وكأنها جثة حية، هيكل عظمي،
شبح لذاتها السابقة. فرغم كل ما يقولونه، من المستحيل أن يوجد تعليق مُطلَق للحياة؛
فالتعليق المُطلَق للحياة هو الموت. وحتى في حالة عملية التجميد المثالية سيظل هناك بعض
ثم سألها «. النشاط للوظائف الحيوية، وهي تقضم وتفترس وجود الشخص غير الواعي
ألا تخشين أن يؤثر فقدانك » : بنبرة قوية مُستعينًا بأقوى حجة يمكن استخدامها مع امرأة
«؟ لجمالك على حُب وانلي لك بعد عشر سنوات من الفراق
أما عن جمالي المسكين فلا أكترث البتة. » : كانت كلارا نيوتن تبتسم الآن، فردت قائلة
«. لكن حتى هذا الجمال يمكن أن يظل محفوظًا
ثم أخرجت الصندوق الذهبي الصغير الذي أعطاها إياه وانلي في غرفة العشاء بمبنى
الكابيتول، ثم ابتلعت بسرعة محتوياته كلها.
بما أنكِ عقدتِ العزم على التضحية بعشر سنوات » : تحدث وانلي بنبرة تصميم قائلًا
«. من عمرك، فواجبي أن أفعل المثل، وسأشاركك التضحية وكذلك فرحة الاستفاقة
ليسفي الأمر تضحية من جانبي. لكن عليك أن تظل » : هزَّت رأسها نفيًا في رزانة وقالت
حيٍّا. إن أمامك عملًا نبيلًا وعظيمًا يجب القيام به. وإلى أن تتحرر الطبقات الدُّنيا المُضطهَدة
«. من جور الإنسان وقسوته، لن يسعك التخلي عن قضيتهم. أعتقد أن واجبك واضح
«. أنتِ محقة » : قال وهو مطرقٌ رأسه
وفي الضوء الشاحب لفجر اليوم الجديد دُهِشَمسئولو ملاذ التجميد في كامبريدجبورت
لوصول مجموعة العُرس. كانت ملامح العريس المُنهكة تتناقضعلى نحو غريب مع زينته
المسائية الكاملة، وبدت الشرائط القرمزية الساطعة وكأنها استهزاء بحزنه. أما العروس،
التي كانت ترتدي الساتان الأبيض، فظهرت على وجهها الجميل ابتسامة هادئة. بينما كان
صديق العروسين مغمومًا وصامتًا.
ومن دون تأخير مُلئَت أوراق الدخول الرسمية ووُقِّعَت، وجرى توثيق الأمر رسميٍّا
في سجلات المُنشأة. لوهلة عابرة استكان الزوجان كلٌّ بين ذراعي الآخر، وبعد ذلك سارت
الزوجة، وهي لا تزال محتفظة ببهجتها، خلف موظفي المُنشأة نحو الباب الداخلي، بينما
أشاح زوجها بوجهه منتحبًا، وهو يضغط بكلتا يديه على عينيه اللتين جف منهما الدمع.
بعدها بلحظة غمرت البرودة الشديدة في قمرة التجميد العروس ودثَّرتها في حضنها
الجليدي.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.