أكوان للنشر والترجمة والتوزيع

شارك على مواقع التواصل

سأنتقم منكم ..!
سأنتقم منكم يا معشر الرجال ..!
سأنتقم من كل من يسوقه القدر في طريقي , ولن أبالي بحجم ما سيعانيه جراء انتقامي منه , وسأغالي في تعذيب مشاعره مرات ومرات , وأنا أتشوق لهذا من الآن , رغم أني لم أبلغ بعد الخامسة عشر ربيعا !
سأدني الواحد منكم كثيرا من نفسي حتى يظن أنني دنت له وأصبحت ملك يمينه ثم ألفظه بعيدا عني كالكرة , سأراوغه مرات ومرات إلي أن يقع في حبائلي وأصبح أنا كل شيئ في حياته ثم أفارقه وأتركه يتعذب بفراقي أياما وأيام .. ولن يعنيني هذا من قريب أو بعيد , فقد أغلقت مفاتيح قلبي بريتاج محكم الغلق !
كم مشاعر الكراهية ضدكم فاقت كل حد يا معشر الرجال ..!
لم يكن الغرض من زواج أبي من أمي سوى أمر واحد هو حاجته لإنجاب ولد من صلبه , لذا ظل ينتظر وصوله أعواما وأعوام بلهفة مشوبة بالفرحة الطاغية يوم أن نما لعلمه أن أمي أنجبت له الولد بعد أن أنجبت له أربع بنات تفصل بين كل واحدة والتي تليها ثلاث سنوات , ولا أحد يعرف لماذا تحولت الموازين فجأءة إلي الدرجة التي أشعرتني أنني لم آت إلي هذه الدنيا إلا لأرعاه وأوفي طلباته مذ أن كان رضيعا إلي أن شب عن الطوق , فأنا أكبرالأبناء وأتحمل الجزء الأكبر في رعايتهم ..
كان من الممكن ألا يتضخم احساس الغيرة في نفسي , ولكنه تضخم في غفلة مني حتى اضحي كرة من اللهب , ربما لأنني شهدت بعيني رأسي أنه رغم فشل شقيقي في دراسته إلا أنه حظي بالتكريم من أمي وأبي والأدهي من هذا أنهما كانا يسوقان له الحجج الواهية والغير منطقية لتبرير فشله أو علي الأقل يرددان ما يمليه عليهما , ورغم أنني علي النقيض منه فأنا رغم المسئوليات التي ألقيت علي أكتافي في رعايتهم جميعا لم أعثر في دراستي , ولكن لم أنل الاهتمام الذي ناله هو حتي بعد أن أوشكت علي انهاء التعليم الجامعي .
لم أدرك حقيقة ما يعتلج في نفسي إلا الآن ..!
اصبحنا جميعا في خدمته وهو ما أدي إلي خلق أنسان كسول , ركين , هش , يتمتع بأنانية لا شفاء منها , يلجأ إلي طرق ملتوية ليحصل علي ما يريد , هو يعلم جيدا نقطة ضعفهم ويعرف مصدر قوته ولذا فأنت تجدنا جميعا في خدمته وإن حدث تقصير ما في اجابة طلبه تجاوز في رد فعله , والغريب أنه بعد كل ذلك يجد من يدافع عن وجهة نظره , وأقل ما يقال في هذه اللحظة أنه الرجل بعد أبي في هذا البيت !
وأول شيء حصل عليه ربما بعد ولادته بيوم واحد هو أنه جردني من وجودي المعنوى , فبعد أن كان أصدقاء أبي ينادونه بأبو "مروة" أصبحوا ينادونه بأبو" سمير" ! رغم أنه أصغر الأبناء , أدركت حينها أن هناك جديدا في الأمر وأن عليَّ أن أتكيف مع الوضع الجديد , ولكن بعد كرور الأيام بدأ أخي الرضيع يحصل علي حقوق ومزايا معنوية مختلفة , تمثل ذلك في التنبيه علينا بإلتزام الصمت حتى تغشي البيت سحابة الهدوء لأنه في سبات , تمثل كذلك في سؤال أبي عنه فور أوبته من عمله وقبل أن يفعل أي شيء , أما المزايا العينية فقد تعددت ومنها نيله مصروف يعادل ضعف مصروف أخته التي تكبره بثلاثة أعوام إلي آخره .
أعتقد أن أخواتي لم يعنيهن كثيرا هذا الأمر لأنهن كن يجأرن بالشكوى وبالتالي كن يفرغن طاقتهن في الشكوى والغريب أنهن كن يجدن أن المزايا التي يتمتع بها ـ في رأى أنا ـ دون وجه حق , ما هي إلا حق أصيل له تأثرا بما كان يصدر عن أمي وأبي ..
الوحيدة التي كانت ترى أن الميزات التي يحصل عليها تباعا ليست من أصيل حقوقه هي أنا ومع ذلك لم تنبس شفتاي بكلمة وربما كان هذا هو السبب في أن مشاعر الغيرة كانت تتأجج في وحشية بداخل نفسي دون أن تجد لها متنفسا طبيعيا , وهو ما ضاعف من حجم الضغوط التي تعرضت لها إلي أن تبين أبي حقيقة ما وصل إليه الأمر ولكن حدث هذا متأخرا جدا بعد أن تشكلت العجينة اللينة ووضعت في شكلها النهائى وأصبحت صلبة لا أمل في إعادة تشكيلها مرة أخرى للأفضل , لقد أثمرتدليل الجميع له عن خلق أنسان متواكل وفاشل .
وأنا لا أعفي نفسي من مسئولية الاشتراك في عملية إفساد أخي الأصغر بسبب سلبيتي الامتناهية , فأنا لم أعترض منذ البداية , كان اعتراضي يتبلور في صمت ولا يتعدي ذلك بأي حال .
لذلك زادت نقمتي علي أبي وأمي وأخي الأصغر لأنهم قاموا بإنضاج وجبة دسمة من الغيرة علي نار هادئة , وحينما نضجت لم يكن هناك مفر من أن تعرب عن نفسها بذلك البخار الذي يتسرب من غطاء نفسي في صورة تأنيب لهم جميعا أو عتاب يقال بين حين وآخر , ولكن حتى هذا لم يحدث , لذا ظل قدر الغيرة يغلي بداخلي , ليست الغيرة فقط في الحقيقة بل دونية الجنس من جانب آخر !
فأنتم يا معشر الرجال تتحدثون دائما عن أننا خُلقنا لمتعتكم , لتسليتكم , للترفيه عنكم , لخدمتكم , لإنجاب أولادكم .. وعاء فقط .. مجرد وعاء !
من هنا تحولت مشاعر الغيرة بداخلي إلي مشاعر نقمة علي جنسكم جميعا يا معشر الرجال , لأنكم بارعين في ظلم "حواء" هذا الكائن الجميل الحنون الرقيق .
أنا أدافع عن جنسي ولن يكون هذا الدفاع في صورة انتقام سريع من واحد فقط ساقه القدر ليكون وجبتي الدسمة , بل سأسعي أنا أيضا لأوقع في حبائلي الكثير منكم , سأخطط بالليل لأنال منكم بالنهار , وسأضع الخطط المحكمة بالنهار لأعذبكم بالليل ..
انتهيت من المرحلة الثانوية بمجموع أهلني للإلتحاق بإحدي الكليات النظرية التي لا تحتاج إلي بذل مجهود ذهني قوى , فاعتبرتها فرصة ذهبية لأنال منكم واحدا تلو الآخر ولن أتروي في ذلك بل سأستغل كل مواهبي في تحقيق هدفي من ادعاء الرقة إلي النظرات المسترقة بعيون ناعسة , إلي أبراز جمال الوجه إلي إدعاء الخجل .
فعلت كل هذا وأكثر في حدود المتاح دون تدني أخلاق أو انحطاط , فقد كنت أسير طبقا لخطط موضوعة سلفا , ولكن لأن المعروض ـ من الغادات والفاتنات ـ عن حق كان وفيرا في الجامعة فلم تفلح خططي في تحقيق ما أصبو إليه في أيقاع أول ضحية منكم في حبائلي .
انتهيت من دراستي الجامعية واستطاع أبي أن يلحقني عن طريق أحد معارفه في أحدي المؤسسات , فوجدتها فرصة لا ينبغي أن تذهب أدراج الرياح فالمعروض هنا من ـ الجميلات ـ ليس بالوفرة التي كانت موجودة خلال دراستي في الجامعة !
حددت هدفي في عجلة من أمرى ليس أمامي متسع من الوقت , أين هي الفريسة التي سأنقض عليها , سأداعبها أولا كما تداعب الهرة فأرا صغيرا اصطادته , هي لا تقتله في التو وتلتهمه في عجالة وكذا سأفعل أنا !
تمسك الهرة الفأر الصغير بمخالبها أولا وتضعه بين يديها وهي مسترخية علي بطنها وكلما أرخت قبضتها يحاول هو الفكاك فتقبض عليه بمخالبها وتعيده إلي النقطة التي حاول الهروب منها ـ بين يديها ـ ثم تقترب بشواربها من رأسه وتنظر إليه بعيونها الملونتين , ويتبادلان النظرات هي في تحد كبير وهو في ذعر وهلع , وترخي له القبضة ثانية فيتبادر إلي ذهنه أنه ناج فيحاول الركض مجددا وتحدوه الآمال في النجاة , ولكنها تمد يدها ثانية وقبل أن يبتعد عنها , تضع كفها عليه دون أن تمسه بسوء ثم تجذبه نحوها في رقة مغلفة بالقسوة , فمخالبها تكاد تخترق جلده وتعيده ثانية إلي نفس النقطة , ثم تردد النظر هنا وهناك كأنها تراقب المكان لتتأكد أنه لا يوجد ما يعكر صفو لذتها وهي تأكله علي مهل وتتلذذ بلحمه الشهي ثم تركز نظراتها إلي رأسه الصغير وتقترب بشواربها من رأسه فيزداد رعبا , حتى أكاد أرى هذا الرعب في عينيه الحائرتين , يبدو لي أنها غير جائعة أو غير مستعدة لإلتهامه الآن , لا .. بل هي تلهو به قبل أن تلتهمه علي مهل .
أما أنا فأتضور جوعا , مشاعر الغيرة المتأججة في نفسي نحوكم تكاد تلتهمني أنا لذا سأتبع علي عجل تفاصيل خطتي ولكن في البداية عليَّ أن أحدد الهدف الذي سأنطلق نحوه..
بينما أنا أردد عيناي في المكان في أول يوم عمل وقعت عيناي علي فتي أسمر ووسيم يجلس علي يسار مكتب المدير بأدب جم وتعلوا ثغره ابتسامة كلما تلاقت أعيننا !
استرقت النظر إلي ظاهر يديه فلم أجد فيه ما يدل علي أنه قيد ارتباط ما فرددت في نفسي :
لقد سقط سريعا في الشرك دونما حتى أن أبذل مجهودا يُذكر في إيقاعه , وهذا أكد لي أن الصياد منكم يا معشر الرجال لا يصطاد فريسته منا إلا إذا كانت هي علي استعداد للوقوع في قبضته .
مرت أيام وأيام وفريستي السمراء تنضج علي مهل تزداد تعلقا بي وأنا أرخي الحبل قليلا ببعض المساحيق التي تجمل الوجه ثم أشد الحبل عن آخره بإدعاء الرقة , لم تتحمل الفريسة هذه المراوغة كثيرا , تقدم إليَّ متوددا وهو مبتسم الثغر وقدم عرضه , لقد استسلم بلا قيد أو شرط وأفلحت خطة الهرة والفأر .
وقف أمام مكتبي صامتا ونظر إليَّ بعينيه المكحولتان وقال :
ـ أأنت مرتبطة ؟
ـ ماذا تعني ؟
أحني جزعه قليلا وقال بصوت رهيف وهويسترق النظر يمينا وشمالا :
ـ السؤال واضح , هل لك ارتباط ما بأي شخص ؟
في هذه اللحظة تنامت إلي عقلي صورة الهرة وهي تتشمم رأس الفأر الصغير استعدادا لإلتهامه علي مهل , وبسرعة بدأت الجزء الثاني من خطتي في الإنتقام منكم معشر الرجال وجدتني أرد بلا وأنا أرفع كتفيَّ قليلا وابتسامة رقيقة لا تغادر ثغري
ـ هل لي أن أتقدم إليك ؟
ـ أتعني أنك تريد أن تتقدم طالبا الإرتباط بي ؟
ـ نعم .. حددي لي موعدا مع أبيك , أيناسبكم يوم الخميس القادم ؟
وجدت فرصة الزواج منه ذهبية للإنتقام منكم يا معشر الرجال !
لم أضع أمامه العراقيل , بل بالعكس كنت أساعده في تذليلها من السبيل فلم أثقل عليه في طلباتنا وكذلك أبي أبدي مرونة كبيرة في التعامل معه بإيعاز وإلحاح مني ..
خطتي في الانتقام منكم يا معشر الرجال تسير في دربها ..
تزوجته .. ولا أري سببا لتعجبكم هذا !
تزوجته .. لألتهمه .. كما إلتهمت الهرة الفأر علي مهل بعد أن أعيته الحيل في الفرار من مخالبها ..
تزوجته لأنل منكم جميعا معشر الرجال !
تزوجته حتي لا أدع هرة أخرى تتزوجه وتلتهمه بدلا مني !

*****
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.