ShrElRawayat

شارك على مواقع التواصل

"نِفَرت أيتها المشاكسة ألم أخبركِ ألا تعبثي بأوراقي مرة أخرى؟"
قال الجد بجدية مصطنعة فقلبه ضعيف فيما يتعلّق بطفلته الصغيرة التي ملكت قلبه واستولت على البقية الباقية من عقله لتنظر له ببراءة وهي تخبره:"أعتذر جدّي ولكني أحب أن أرى الصور والخطوط التي تسجّل بها عملك.. إنها جميلة وتجذبني إليها دون أي إرادة مني"
تأمّلها للحظات بحب قبل أن يضمّها له بقوة وهو يقول:
"هل تعجبكِ أوراقي؟"
أومأت برأسها بحماس وهي تقول:"أجل كثيرا جدّي"
ابتسم الجد وهو يمسك بيدها ويقودها نحو الأوراق التي عمل عليها الفترة السابقة وجلس وأجلسها بجواره وهو يشير إلى بعض الأوراق قائلا:"هذه أبحاث أبي عمل عليها طوال حياته وقد عملت معه على بعض منها"
"هل كان جدّي عالما؟"
تساءلت الطفلة الذكيّة التي تبلغ من العمر أحد عشر عاما ليبتسم وهو يقول:"بل كان باحثا بالتاريخ.. كان يعشق التاريخ وكل ما يتعلّق به خاصة التاريخ الفرعوني"
"امم لذلك أسماكَ مينا مثل الملك مينا موحّد القطرين؟"
قالت نِفَرت بذكاء ليبتسم جدها وهو يومئ:"أجل"
"ولكن لماذا لم تطلق على أبي اسما فرعونيا مثلي؟"
سألت نِفَرت ببراءة ليبتسم بحزن وهو يقول:"لأن جدتك لم توافق بل كادت تتركني بسبب شغفي بالتاريخ مثل أبي وظلّت تطالبني دوما أن أجد عملا بعيدا عن التاريخ الذي لا تجد له فائدة كما كانت تقول وهي من أطلقت اسم منير على والدكِ بل وأبعدته تماما عني منذ الصغر عندما رفضت التوقّف عن أبحاثي كما وعدت أبي قبل وفاته"
زمّت شفتيها بعدم رضا قبل أن تقول:"ولكن هذا ظلم.. أولا لولا التاريخ لما كنا نحن هنا, المرء بلا تاريخ أي بلا جذور.. ثم لماذا لا يحق لك أن تفعل ما تريده وتحبه طالما أنك لا تضر أحدا؟!"
لم يجبها ولكنها عرفت إجابة هذا السؤال بعدها عندما كان أهل البلدة يطلقون عليها حفيدة المجنون! فقد اعتبروا جدها مجنونا فقط لأنه كان مختلفا عنهم..
ولكنها لم تبالِ بما يقولوه بل تحدّتهم جميعا أن سارت على خطى جدها بعشق التاريخ عامة والفرعوني خاصة بل وساعدته ببعض أبحاثه أيضا.
***
بعد سنوات في المدرسة الثانوية بالبلدة واقفة بالمدرسة تنتظر باقي الفتيات حتى تلعب معهن كما أمرتهن الأستاذة ليكوّننّ فريقين ضد بعضهما ولكنها وجدت الجميع لا يريد أن يكون معها بالفريق بل كل منهن تريد الفريق المنافس لها وكعادتها لم تهتم فإن كان الأمر يعود لها لكانت ظلّت وحيدة وابتعدت عنهن فلا تحب الاختلاط مع باقي الفتيات وتراهنّ تافهات باهتماماتهنّ التافهة كما تراها.
"أنتِ يا حفيدة المجنون؟ هل تصدقّين أنكِ ستتفوقين علينا؟
ما أنتِ إلا مجنونة مثل عائلتكِ ولن تهزمينا أبدا.. بالأساس لن تجدي أحدا يختار أن يكون بفريقكِ أيتها الفاشلة"
نادتها إحداهن والتي لم تكن المرة الأولى التي تتعرّض لها ولكنها تجاهلتها كعادتها وابتعدت عنها دون رد ولكن الفتاة الأخرى لم تكتفِ بالحديث بل اقتربت منها ووقفت أمامها مانعة إياها أن تبتعد وهي تقول:"ماذا؟ هل أنتِ صمّاء وبكماء أيضا بالإضافة لجنونكِ؟"
زفرت بخفوت قبل أن تلتفت لها ببطء وهي ترفع حاجبها لأعلى قائلة بهدوء:"لم أسمع سوى أزيز ذبابة تهذي لذا لم أجد ما أنصت له أو أرد عليه"
انطلقت الشهقات من الفتيات المحيطة بهما أما الفتاة المعنيّة بالأمر اتّسعت عيناها بقوة وهي ترمقها بذهول فهذه المرة الأولى التي يتجرّأ عليها أحد فما بالها بحفيدة المجنون كما يطلقون عليها وعلى عائلتها!
اقتربت منها مهدّدة لتقف بينهما فتاة أخرى عائلتها تعتبر من أثرياء البلدة والكل يتعامل معها باحترام من أجل عائلتها..
"ماذا تريدين رينا؟ ابتعدي عن الفتاة ولا تفتعلي المشاكل وإلا.."
هتفت تينا الفتاة من العائلة الثرية وتركت نهاية الجملة مفتوحة لتعطي التأثير المطلوب لتتقهقر المدعوة رينا للخلف وتنظر ل نِفَرت نظرة متوعّدة قبل أن تغادر دون كلمة واحدة وينفض الجمع من حولهن.
"لم يكن من داعٍ لتدخّلكِ هي لم تكن لتفعل شيئا فقط تتظاهر
بالقوة من أجل الحمقاوات اللاتي يتبعنها"
قالت نِفَرت لتلتفت لها تينا مبتسمة وهي تجيبها بمرح:
"أعلم.. ولكني أحببت استغلال اسم عائلتي ومركزها ولو لمرة واحدة"
ابتسمت نِفَرت بهدوء لترمقها تينا بتساؤل:
"هل أنتِ هادئة هكذا دوما؟"
أومأت قبل أن تقول بمرح:"فقط عندما يستفزّني أحدهم ولم يصل أحدهم للحد الذي يجعلني أخرج عن هدوئي حتى الآن"
"أمي تخبرني دوما أن المرأة الهادئة تخفي اشتعالها خلف ستارة من البرود وفقط حبيبها هو من يستطيع اكتشاف جنونها"
قالت تينا بوقار مصطنع قبل أن تضحكا معا بقوة ليقاطعهما صوت مشاكس: "اووه نِفَرت.. لقد تعرّفتِ على الفتاة الثرية ونسيتِ صديقتكِ البائسة"
قهقهت نِفَرت على شقاوة ماري صديقتها وهي تقدّمها لتينا:
"هذه ماري جارتي وصديقتي منذ سنوات.."
ثم التفتت لماري وقدّمت تينا لها بمرح:"وهذه تينا, صديقتي منذ لحظات"
"ومن لا يعرف تينا؟ يكفي اسم عائلتها لينافقها الجميع ويتقرّبون منها"
هتفت ماري بشقاوة فضحكت تينا بمرح وهي تقول:
"أجل أنا فتاة معقّدة تهرب من اسم عائلتها الكبير وجمال والدتها الفرنسية"
"وأنا ماري أبحث عن حب حياتي ولكنه غبي لم يأتِ بعد"
"وأنا نِفَرت عاشقة التاريخ التي تحلم بالبطل التاريخي الذي سيخطفها على حصان أسود ويبتعد بها عن العالم بأجمعه"
"أسود!"
هتفت بها ماري وتينا بحنق لتقهقه نِفَرت وهي تقول بغرور مصطنع:"أجل أنا أختلف عن الآخرين"
***
بعد عدة سنوات بالجامعة
"نِفَرت, أنتِ يا فتاة انتظريني.. هل هاتين قدمين أم عجلتين؟"
هتفت ماري بتذمّر ضاحك لتقف نِفَرت تنتظرها وهي تضحك عليها قائلة بشغب:"أنتِ القصيرة ماري لذا خطواتكِ قصيرة مثلكِ"
زمّت ماري شفتيها بحنق وهي تقول:"حتى أنتِ نِفَرت.. ألا يكفيني نبيل وسخريته مني؟"
"لابد أن يسخر منكِ فمعرفته كانت بسبب قِصَر قامتكِ.. هل تذكرين؟"
قهقهت ماري وهي تقول:"وهل يتركني أنسى؟ كل فترة لابد أن يذكّرني باللقاء الأول عندما أنقذني من السقوط من سلّم المكتبة وأنا أحضر الكتب للبحث آنذاك"
"قصيرة أو طويلة سيجدوا شيئا ما دوما حتى يسخروا منكِ فلا تبالي بأحد"
قالت نِفَرت بعقلانية تشوبها بعض المرارة فنظرت لها ماري بتعاطف فهي الشاهدة على المضايقات التي تتعرّض لها منذ المدرسة وحتى دخولهما الجامعة بسبب أجدادها خاصة أنها سارت على نهجهم وشاهدة أيضا على قوتها بمواجهتهم جميعا.
"هيّا حتى لا نتأخر فالمحاضرة على وشك البدء وهذه المرة المحاضر شاب ووسيم جدا كما سمعت.. هيّا حتى نجلس في المقاعد الأولى لنشاهده جيدا.. آآآ أقصد لنسمعه جيدا"
هتفت ماري بمرح لتبتسم نِفَرت قبل أن تقول:"يا إلهي.. أين أنت يا نبيل لترى خطيبتك وهي تتغزّل برجل غيرك"
"أنا لا أتغزل ولكن الله جميل يحب الجمال"
قالت ماري بجدية مصطنعة لتقهقه نِفَرت وهي تسير معها لمكان المحاضرة.
***
"جدي.. جدي.. يا موحّد القطرين أين أنت؟"
دلفت نِفَرت إلى المنزل وهي تنادي جدها الذي خرج مقهقها وهو يقول: "ماذا هناك يا شقيّة؟ لماذا تملأين الدنيا صراخا؟"
أمسكت نِفَرت بذراعه ثم قادته للأريكة وجلست بجواره وهي تقول وعيناها تلمعان بشغف واضح للأعمى:
"هل تعرف الغرفة الأثرية التي تم اكتشافها مؤخرا؟؟"
أومأ جدها بفضول وهو يقول:"أجل لقد سمعت عن الأمر ما بها؟"
"لقد تم اختياري ضمن مجموعة مميزة لتصنيف وتجهيز ما وجدوه بها ومن المفترض أن أسافر قريبا لمدة لا يعلمها إلا الله"
قالت نِفَرت بحماس كبير قبل أن يخفت صوتها بنهاية الحديث عندما تذكّرت أن هذا معناه أن تبتعد عن جدها لمدة لا تعلم إن طالت أم قصرت.. ولاحظ جدها ما اعتراها فقال يخفف عنها وقد تملّك منه الحماس:"إن هذا خبر رائع حبيبتي, لقد كنت على يقين أنكِ ستكوني ذات شأن كبير وأنه على يديكِ سيتم اكتشاف الكثير وستكوني دوما فخر عائلتنا"
ابتسمت له بحب قبل أن تقول بقلق:"ولكن جدّي.. كيف سأتركك كل هذه الفترة؟ سأعتذر عن المشاركة و.."
قاطعها ناهرا إياها بقوة:"هل جننتِ نِفَرت؟ هل تتخلّين عن فرصة عظيمة كهذه الفرصة من أجل تفاهات مثل تلك؟ لا حبيبتي ستذهبين وتشاركين بكل شيء وتجعليني أكثر فخرا بكِ وترفعين اسم عائلتنا عاليا"
زمّت شفتيها للحظات قبل أن تومئ بصمت وداخلها خفتت فرحتها بالفرصة الذهبية لطالبة بالكاد تخرّجت من الجامعة فقط لأنها ستترك جدها بمفرده وانطلقت وحوش القلق تنهش قلبها.
***
بعد عدة أيام
كانت بغرفتها ترتّب بعض الأشياء الخاصة بالمهمة الملقاة على عاتقها من قِبَل الجامعة ومشاعرها تتأرجح بين السعادة والحزن..
السعادة لأنها بدأت تضع قدمها على الطريق الصحيح والحزن لأنها ستضطر لترك جدها بمفرده وستكون قلقة عليه كثيرا.
"تعالي نِفَرت.. هناك شيء أريدكِ أن تريه"
صاح الجد ينادي حفيدته فاقتربت منه متسائلة ونبرة جدها غريبة عليها لأول مرة تسمعه يتحدّث بهذه النبرة الجدّية القلِقة..
"ماذا هناك جدي؟ هل حدث شيء؟"
سألته بقلق ليمسك بيدها ويقودها لغرفته السرية التي لا يعلم بها سواهما وهو يقول:"هناك شيء أريدكِ أن تريه حبيبتي"
رمقته بفضول وهي تشعر أنه يخص أبحاث جدها الأكبر ليصدق حدسها وهي تراه يخرج بردية تبدو حقيقية جدا يمدّها لها وهو يقول:"اقرأي"
أمسكت البردية بفضول وبقرارة نفسها تعلم أنها حقيقية فلا يمكن أن تكون مقلّدة وجدها يخفيها بهذه السرية والمراعاة ولكن.. ماذا كُتِبَ بها؟!
هذا ما ستكتشفه في التو!
(قصر ملعون بألف لعنة من يدخله يضيع بين غياهبه وهناك
سيقع بين أنياب الوحش! إنه أمير الظلام الذي لا فِكاك من لعنته..
غضبه يهدد العالم بأكلمه فلو رأيته يوما انحني له فورا فلا فِكاك من بين مخالبه سوى بالخضوع له حتى تمر العاصفة..
واحذر يوما أن تقترب من قصره فلو خاطرت بالدخول إليه فاعلم أنكَ لن تخرج منه ولو خرجت لن تكون أنتَ..)
ارتعدت فرائصها وهي تقرأ ما كُتِبَ باللغة المصرية القديمة والتي تتقنها عن ظهر قلب ضمن لغات قديمة أخرى بما أنها نشأت بين يديّ باحث مهووس بالتاريخ..
ابتلعت ريقها ببطء والخوف يتملّك من قلبها.. لتنظر لجدها تسأله بخفوت:"هل ما كُتِبَ هنا حقيقي جدي؟ هل هناك حقا قصر ملعون وبه ذاك ال.."
صمتت غير قادرة على تخيّل وجود هذا الوحش وهل هو حقيقي حقا أم أنه محض أسطورة؟!
"موجود صغيرتي.. القصر وأميره مازالا موجودين بعالمنا ولكن أين هما؟! لا أحد يعلم.. هذا ما أضاع أبي عمره في البحث عنه واتّهمه الناس بالجنون وقالوا إنها فقط أسطورة وما حدث قديم ولكنّي أثق بكلام أبي فقد كانت هناك برديات أخرى تتحدث أكثر عن القصر ومالكه وسبب اللعنة ولكنها اختفت ولم يصل أحدنا لها أبدا لذا ظللت محتفظا بهذه البردية بهذه السرية مثلما رأيتِ حتى أصل لشيء جديد"
شردت للحظات ثم التفتت له تسأله:"لماذا تُريني هذه البردية الآن جدي؟ هل لهذا علاقة بعملي الجديد بالغرفة المكتشفة حديثا وما وُجِدَ بها من آثار؟"
ابتسم بحب وهو يقول:"لم تخيّبِ أملي يوما صغيرتي.. دوما تفهمين ما أريده دون النطق به"
صمت للحظات قبل أن يتابع:"أجل أشعر أننا اقتربنا من حل اللغز والوصول لهذا القصر الذي أضعنا عمرنا بسببه"
عقدت حاجبيها بعدم فهم وهي تقول:"ولكن جدي ما فهمته أن كل ما وُجِدَ هو تماثيل لأسرة جديدة من الأسر الفرعونية لم يكن أحد يعلم عنها شيئا ولا أظن أن هناك أي برديات تم إيجادها.."
ابتسم الجد ابتسامة العارف بالأمر قبل أن يقول:
"ابنتي الحبيبة كل أسرة لها تاريخ خاص بها ودام تم اكتشاف تماثيل وما شابه إذا ستوجد برديات أيضا"
صمت قليلا قبل أن يضيف:"وربما كُتِبَ على الجدران.. أو داخل التوابيت, ابحثي عن هذا القصر ابنتي.. ستكوني بين مجموعة من أفضل الباحثين, النخبة فقط هم من سيعملوا على هذه الغرفة التي تُعَد أعظم اكتشاف بالقرن الحادي والعشرين.. ابذلي قصارى جهدك في الوصول لهذه البرديات والمعلومات التي تفيدنا عن هذا القصر ومالكه"
ابتلعت ريقها ببطء وهي تعض شفتيها بتوتر من ثقة جدّها أن قصر كهذا بالوحش القاطن داخله موجودان حقا حتى هذه اللحظة وداخلها تدعو أن يكون الأمر محض أسطورة فقط.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.