عندما تخطَّى السياج وصَل إلى بركة البط، أو على الأقل ما كانت بِركةَ البط أثناء
النهار، ولكنها في الليل كانت وعاءًضخمًا منضوء القمر الفضيتصطخب بغناء الضفادع،
وكان ضوء القمر يتلوَّى ويتجمَّع في زخارف عجيبة. وانطلق الشاب الصغير نازلًا إلى ماء
البركة يخوضفيه بين نباتات الأسيلة السوداء الرفيعة، حتى وصل الماء إلى ركبتيه ثم إلى
خصره ثم إلى كتفيه، وراح يضرب الماء بقوة بكلتا يديه صانعًا مويجات سوداء ومُتلألئة،
مويجات مُتمايلة ومرتجفة تتخللها النجوم المجدولة بالانعكاسات المتشابكة للأشجار التي
تحتضن البركة على الضفة. خاضفي الماء حتى بدأ في السباحة فاجتاز البركة وخرج منها إلى
الضفة الأخرى، وبدا له أنه لا يجر وراءه الطحالب وإنما كُتلًا طويلة متقاطرة وملتصقة من
الفضة الحقيقية. وها هو يقوم من خلال عشب الصفصاف المُتشابِك والمُتكسروالحشائش
أنا سعيد » : غير المقطوعة على الضفة الأبعد. وصل إلى الطريق السريع مُبتهجًا ولاهثًا قائلًا
«. إلى أقصىالحدود لأني كان لديَّ ملابس ترقى إلى هذه المناسبة
سار الطريق السريع مستقيمًا كسهم يطير، مباشرةً نحو الحفرة ذات اللون الأزرق
الداكن من السماء أسفل القمر، طريق أبيض ومُضِيء بين العنادل المغرِّدة، وسار هو في
الطريق تارةً يجري ويَقفز وتارةً يمشي ويمرح مرتديًا الملابس التي حاكتها له والدته
بيدَيها المُحِبَّتين اللتين لا تكلان. كان الطريق مغمورًا بالتراب ولكن ذلك كان بالنسبة له
مجرَّد بياض ناعم. وبينما هو يمضي جاءت فراشة ضخمة قاتمة ترفرف حول جسمه
المبتل والمتلألئ والمتعجل. في البداية لم يُلقِ بالًا للفراشة، ثم لوَّح لها بيديه ورقص معها
أيتها الفراشة الرقيقة! أيتها الفراشة العزيزة! والليلة » : بينما تدور حول رأسه. وهتفقائلًا
الرائعة، ليلة العالم الرائعة! هل تعتقدين أن ثيابي جميلة أيتها الفراشة العزيزة؟ هل هي
«؟ في جمال جناحَيك وجمال كل هذا الرداء الفضيللسماء والأرض
ظلَّت الفراشة تقترب وتقترب في دورانها حتى لامست أجنحتها المخملية شفتيه في
النهاية …
وفي اليوم التالي عثروا عليه ميتًا، وقد دُقَّ عنقه، في قلب الحفرة الصخرية وثيابه الجميلة
ملطخة قليلًا بالدم ومُتَّسخة ومبقعة بطحالب البركة. ولكن وجهه كان وجهًا يُعبِّر عن
سعادة مطلقة، حتى إذا رأيتَه أدركتَ أنه مات سعيدًا لا يعرف أبدًا أن هذه الفضة الرائعة
المتدفِّقة التي كانت في البركة ما هي إلَّا طحالب