ShrElRawayat

شارك على مواقع التواصل

"مبارك يا جيمس لقد كانت جراحة مميزة، أنا أغار منك يبدو أنك ستصير جراح مخ وأعصاب ناجحًا جدًا"
ابتسم جيمس لزميلته ليديا وقال وهو يتنهد براحة :
"أنا أحتاج للراحة الآن، قولي للبروفسور أنني سأغادر "
قالت له وهي تركض خلفه لمجاراته في السير :
"طبيعي أن تشعر بالإرهاق بعد جراحة دامت لست ساعات متواصلة، لكن ألن تتحدث لأبي بنفسك !! لابد أنه سيكون فخورًا بك بعد قيامك بهذه الجراحة المعقدة لأول مرة "
قال دون أن يلتفت لها :
"فيما بعد يا ليديا، سأحتفل معكم فيما بعد "
توقفت عن اللحاق به وقالت بصوت عالٍ مليء بالحماس له :
"بالتأكيد علينا الاحتفال، سأنتظر اتصالك "
وبعد دقائق صار جيمس بداخل سيارته وتنهد براحة، كم كان قلقًا وهو يدخل لغرفة العمليات؛ فهو لازال طبيبًا حديث العهد، ولا ينكر جهود البروفسور جورج ماكلين والد ليديا فهو أباه الروحي وقد كان صديقًا لوالده إدوارد الذي لم يتعرف عليه سوي بالصور فقط، فهو قد توفي عند مولده هو ووالدته، وجده وجدته هما من قاما بتربيته.
تنفس بخشونة عند تذكره لجده ذلك الرجل القاسي الصارم، فلا يمكنه تذكر رؤيته لابتسامته له يومًا، فهو دومًا عابس ولم يحدث أن شجعه أبدًا؛ لذا هو قرر أن يكون ناجحًا كي يحظي بانتباهه ويثبت له أنه سيسير علي خطي والده، بينما جدته بعد جفائها معه حتى وصل للعاشرة تقريبًا بدأت تعمل جاهدة الآن كي تعوضه حنان الأم الذي يفتقد له.
أوقف سيارته وهبط منها وتنهد بقوة قبل أن يدخل من باب المنزل الضخم الذي ضم طفولته وشبابه، وشعر برغبة بأن يخبر جده أنه قد قام لأول مرة بجراحة خطيرة قد يعجز عن فعلها العديد من الأطباء، عليه أن يجبره ولو قسرًا علي الاعتراف بكونه يستحق لقب العائلة العريق بدلًا من معاملته كشخص غريب.

نادي للخادم وقال له باهتمام :
"هل جدي بالمنزل يا جيبسون؟"
فقال له الخادم باحترام :
"نعم يا سيدي، إنه بغرفة المعيشة هو والسيدة براوين "
حسنًا هذا جيد ليتفاخر إذن أمام كلاهما بكونه طبيب بارع وجراح يحتذي به كوالده، ألم يقل له جده دومًا أنه ليس هناك شخص جيد كولده إدوارد، وأنه لن يكون ندًا له يومًا، حسنًا اليوم هو سار علي خطي والده المتوفى بشكل جيد.
اقترب من الغرفة وهو يتحلي بالثقة عندما سمع صوت جدته وهي تهاجم جده قائلة بانفعال كبير:
"كيف تجرؤ علي قول هذا ؟ كم أنت قاسٍ، لقد ظننت أنك بدأت تتغير وتعترف بحفيدك لكن أن تقول أنك تكرهه هذا كثير جدًا "
تسمرت قدم جيمس خارج الغرفة بذهول.. جده يكرهه حقًا !!.
فسمع جده يقول بغضب ردًا عليها :
"نعم أكرهه، بكل مرة أنظر لوجهه أتذكر ما حدث لأبني بسببه وسبب والدته الحقيرة، لماذا يجب أن أتحمل أن أربي بمنزلي حفيدًا ملعونًا كهذا ؟"
شهقت جدته بقوة وقالت له بقسوة مماثلة لقسوته :
"ألا تظن أن جيمس ليس هو السبب بما حدث ؟ لقد تركتك تشكك بنسبه بالرغم مما قاله جورج ورغم إثبات التحاليل بأنه ابن إدوارد، لكني لم أستطع أن أقسو عليه طويلًا فعلي الرغم من أنه لم يرث ملامح ولدي لكنه نسخة مصغرة منه في كلامه وتصرفاته، فلم أستطع أن أكرهه وصار بالنسبة لي حياة ولدي الضائعة، لكن أنت.. كيف حتى الآن تعامله بقسوة وجفاء رغم جهوده المضنية ليحظي باهتمامك به !! "
لم يستطع جيمس أن يستمع أكثر، لقد شعر في هذه اللحظة أن كل العالم الذي عاشه ويعرفه يتمزق لأشلاء صغيرة وتلك الأشلاء تتناثر كقطع بالية تسقط تحت قدميه كالرماد المحترق، فدفع باب الغرفة بقوة ودخل عليهما قائلًا لجده بقهر شديد:
"الآن وأخيرًا بدأت أفهم سبب تصرفك تجاهي بالرغم من كوني حفيدك الوحيد "
نظرت جدته له بذهول وقالت بصدمة :
"جيمس يا إلهي، ما الذي سمعته ؟"
بينما أدار جده وجهه بعيدًا ولم ينطق بكلمة، فنظر جيمس لجدته بحزن شديد قائلًا لها :
"الآن يمكنني أن أفسر أن ما تقولونه يعني بأنني لم أكن يومًا شخص طبيعي توفي والداه بشكل عارض بحادث، لذا عليكما إخباري الآن كل شيء، من حقي أن أعرف لماذا يكرهني جدي؟ ولماذا يلعن والدتي؟"
أمسكت جدته بذراعه قائلة له برفق :
"كلا يا جيمس، هو لا يكرهك، هو فقط لا يستطيع نسيان ما حدث لإدوارد "
صاح بها بغضب شديد :
"وما الذي حدث لأبي؟ وأمي هل لازالت علي قيد الحياة وأخفيتم أمرها عني؟"
تحدث جده أخيرًا قائلًا بصوت هادر :
"لقد كانت هي من قتلته تلك العاهرة "
اتسعت عيني جيمس بذهول، مستحيل أن يكون ما يسمعه حقيقي، فليشرح أحدهم الحقيقة كاملة قبل أن ينتهي أمره ويفقد عقله كليًا، فقال بوهن وانكسار:
"أمي قتلت أبي !! جدي هل تعي ما تقول ؟"
وهنا سمع انهيار جدته وهي تقول بألم شديد :
"كفي بالله عليك، توقف لا تقل شيئًا "
فصاح جيمس بجده قائلًا بانهيار أشد :
"بل تكلم أريد أن أعرف الآن "
وجد جدته تقف حائلًا بينهما وهي ممسكة بقلبها بقوة قائلة بألم شديد :
"توقفا لن أتحمل سماع ما حدث مجددًا ..هذا حراااام"
ثم صاحت متأوهة وهي تضغط علي قلبها أكثر بألم ثم سقطت أمام أعينهم مغشيًا عليها ...

****
"لقد حصلت علي شهادتي وأعدك أن أكون أفضل إعلامية قد عرفها التاريخ يومًا، لكن عليك أن تدفع أيها الرجل العجوز كثيرًا لهذه الابنة الرائعة "
قالت لوسي مالفوي هذا لوالدها كال الراقد علي فراش فخم داخل مشفي استثماري ضخم بمزاح، فهي ابنته الوحيدة ومدللته الصغيرة وهو لا يوجد شيء في الوجود لا يمكنه تحقيقه لها، فقط علي الأميرة أن تأمر وهو عليه التنفيذ، فضحك قائلًا لها :
"بالتأكيد يا لوسي، فقط قولي ما الذي تريدينه كهدية وأنا رهن إشارتك "
ابتسمت له قائلة :
"هناك مشروع قررت أن أبدأ به، وأنت يا مولاي ستكون الممول لهذا المشروع "
قال لها بمشاكسة :
"إذن دعيني أطلع أولًا علي دراسة الجدوى وبعدها أقرر إن كان مشروعك يستحق الاستثمار به أم لا "
نظرت له في غيظ قائلة :
"هل تمزح !!..لا تنتظر دراسة جدوى ولا حتى مكاسب؛ فمشروعي سيحتاج لوقت طويل حتى يأتي بأرباحه "
ضحك قائلًا لها :
"يبدو أنني سوف أفلس قريبًا بسببك يا لوسي "
بادلته الضحك قائلة :
"من هذا الذي سيفلس؟! فمالك يا أبي لن ينضب أبدًا وبإمكانك شراء دولة كاملة بسكانها بهذا المال وأيضًا لن ينضب "
شهق كال قائلًا لها بغيظ :
"انظروا لهذه الفتاة التي تحسد أموال والدها بطريقة حاقدة !! كل ما أريده أيتها الحمقاء هو أن أحمل أحفاد لي قبل أن أموت؛ لذا عليك أن تسارعي بالزواج كي تحققي هذه الأمنية "
نظرت له بغضب قائلة :
"زواج !! هل تمزح؟ هذا بعيد جدًا عن مخططاتي لذا لا تفكر به أبدًا، فمن هذا الذي يستحق لقب زوجي؟ بالتأكيد ليس شخصًا من هذا العالم، سوف أذهب الآن وأنت كُف عن الدلال واخرج سريعًا فلست معتادة علي رؤيتك بفراش المرض "
وقبّلته علي جبينه وخرجت من الغرفة، فوالدها سيبقي بالمشفي لمدة ثلاث أيام ليقوم بالفحص الدوري ليطمئن علي صحته، وهي تكره أن تكون بالمشفي فوالدتها رحمها الله كانت دومًا مريضة في أيامها الأخيرة؛ لذا والدها قد صمم لها غرفة كبيرة بالمنزل بأجهزتها الطبية وكان هناك ممرضات وأطباء يتابعون حالتها؛ فكانت لوسي تشعر بأنها بمشفي بسبب تلك الرائحة التي تتميز بها المستشفيات والتي عبقت تلك الغرفة، لذا هي لا تريد أن يحدث لوالدها شيء أبدًا، فهو كل حياتها ولن تتحمل عيش تلك اللحظات مجددًا؛ ألا وهي لحظات الوداع.
دمعت عيناها وهي تتذكر حنان والدتها وحبها الشديد لها رغم انشغالها بتلك الواجهة الاجتماعية السخيفة التي كانت شيئًا ضروريًا بعالم والدها المخملي، حفلات وواجهات اجتماعية فارغة وتلك المقالات السخيفة التي تتناثر عنهم هنا وهناك في الجرائد والمجلات، لحسن الحظ أنها تهرب دومًا من هذه الشكليات ولا أحد يعرف وجهها كابنة لوالدها الملياردير الكبير كال مالفوي، تبًا لقد تدمر مزاجها وعليها الاحتفال مع زملائها الليلة.
****
سار جيمس بخطي متثاقلة خارج جدران المشفي التي يعمل بها وهو يترنح من الصدمة؛ فما عرفة اليوم لا يستطيع بشر تحمله.. كيف سيعيش الآن؟ فكر بهذا وهو يقاوم بشدة دموع القهر التي تطرق أبواب جفونه بقسوة، وتذكر عندما انهارت جدته واستدعي هو وجده سيارة إسعاف بسرعة وقادوها لهذه المشفي التي يعمل بها، وعندما استقرت حالتها نظر هو لجده وقال له بقسوة لا تختلف عن قسوته :
"إذن، هل ستقول لي الآن ما حدث بالتفصيل ؟"
فنظر له جده ولأول مرة يبدو لجيمس أن السنون قد رسمت خطوطها الهرمة بوجهه، فبدا له مجرد عجوز بائس، وسمعه يخطف الكلمات من فمه بصعوبة قائلًا بحزن:
"اسأل جورج وهو سيخبرك بالتفاصيل "
فقال جيمس له بدهشة :
"البروفسور جورج ماكلين !! لكن ما علاقته بهذا الأمر ؟"
قال جده وكان يبدو عليه أنه لم يعد لديه طاقة للكلام :
"هو من يعرف الحقيقة كاملة، فقط اسأله وستعرف"
فاتجه جيمس كالمجنون مقتحمًا مكتب البروفسور بعنف شديد وهو يدعو الله أن يكون لازال بمكتبه ولم يغادر، وقد وجده ونظر له جورج بوجه عابس قائلًا له :
"إذن قد ظهرت أيها الأحمق، كيف تذهب دون أن ..."
فقاطعة جيمس قائلًا بعنف :
"ما هي حقيقة ما حدث لأبي يا بروفسور ماكلين ؟"
بلع جيمس ريقه وهو يتذكر الذهول علي وجه البروفسور والألم وهو يخفض بصره أرضًا ويقول بصوت بدا له مخنوقًا : "من الذي أخبرك ؟"
صاح به جيمس قائلًا بقسوة :
"لقد تكفل جدي بإظهار كرهه لي ولما فعلته والدتي، وأنك من تعرف الحقيقة كاملة لذا تحدث الآن "
فبلع جورج ريقه بضياع وعصبية شديدة وهو يخبره بأهوال لا يستطيع استيعابها أو تصديقها.. يا إلهي الرحيم اجعله يتوقف؛ فهذا كابوس مرعب لا يمكن أن يحدث سوي بأفلام الرعب والخيال العلمي وهو ليس بأيهما، أراد صفع رأسه بالحائط الذي أمامه وهو يفكر بالبروفسور الذي ظل ينادي باسمه عندما خرج من مكتبه كشخص مختلف كليًا عمن دخل، شخص لم يعد لديه سبب ليحيا ولن يستطيع أبدًا أن ينسي أو أن يخرج من هذه الصدمة، كم يود لو لم يولد ولم يري هذه الحياة أبدًا، فعذابه في هذه اللحظة أقوي من ألف عذاب يمكن أن يتصوره أي شخص حتى هو.
****

وفي مكان قريب منه كانت لوسي بسيارتها تشعر بالحنق؛ فما أن خرجت من المشفي حتى اكتشفت أن بطارية السيارة قد نامت وهي سيارتها الحبيبة التي تفضلها كثيرًا عن أسطول السيارات الموجود في كراج منزلها، فهي لا تحب أن يعاملها الآخرون كوريثة للعرش عندما يرون السيارات الفاخرة التي يحرص والدها دومًا علي اقتنائها، لذلك هي تفضل هذه السيارة الصغيرة التي تخفي معالم ثرائها لتجعلها تبدو كشخص عادي لذا هي الآن غاضبة بشدة.
عليها أن تجد شخصًا ما ليعيد شحن سيارتها بواسطة سيارته، ولحسن الحظ معها الكابلات اللازمة لتوصيل بطارية سيارتها ببطارية أي سيارة أخري، فنظرت حولها وهي تتنفس بغضب ورأت ذلك الشاب الذي فتح باب سيارته بالقرب من سيارتها، فنزلت بسرعة واتجهت له تدق علي زجاج سيارته، للوهلة الأولي لم يرفع رأسه مما أغاظها فلا تظن أنه لم يرها، فدقت بشكل أقوي ووجدته يرفع رأسه ببطء شديد وهو بالكاد يري أمامه، فهو الآن يري صورًا بمخيلته تكاد تقضي عليه حيًا ولا يعرف ما الذي تريده هذه، فأنزل زجاج السيارة ونظر لها قائلًا بخشونة ليخفي تهدج صوته : "ماذا تريدين ؟"
ابتسمت لوسي له وقالت له بأدب :
"هل يمكنك مساعدتي ؟"
مساعدة !! هو من يحتاج لمساعدة، ولو كانت تحمل مسدسًا سيكون أفضل لتصوبه إلي لرأسه وتطلق رصاصة الرحمة، فقال لها بخشونة أكبر : "كلا، لا أريد "
نظرت له لوسي بدهشة فما هذا الرجل الفظ؟! فقالت بإلحاح :
"ألن تسألني أولًا ما هي نوع المساعدة التي أطلبها منك ؟"
هز رأسه وقال لها وهو يدير سيارته ليبتعد : "لا أهتم "
شعرت لوسي بغضب شديد فهو ليس فظ فقط بل لا يتحلي بأي أدب أيضًا، فقالت له بغضب:
"ربما لا تهتم لكن ما أطلبه لن يؤخرك سوي خمس دقائق؛ فبطارية سيارتي قد توقفت وأريد منك فقط أن تساعدني في شحنها من بطارية سيارتك "
لماذا لا تختفي تلك المرأة اللحوحة من أمامه؟ فهو لا يريد الكلام ولا الجدال، يريد أن يهرب من هنا فقط لمكان ما وحيدًا كي يرثي حاله، فقال لها بغضب :
"ليس معي شاحن كي أوصل به البطارية لذا ابحثي عن شخص أخر "
قالت له لوسي بعناد شديد تشتهر به : "معي الشاحن "
تنفس جيمس بعصبية ثم قال لها بعنف :
"لماذا فقط لا تتخلصي من هذه السيارة البالية وتتركيني وشأني؟"
ضمت يديها حول صدرها قائلة له باستفزاز :
"بعضهم لا يمتلك المال مثل أمثالك "
يا ليت كانت مشكلته في المال، فكر بهذا بيأس شديد فوجدها أحضرت كابلات الشاحن وفتحت باب سيارته قائلة له بحسم :
"هيا افتح غطاء السيارة كي أتمكن من وضع الشاحن "
نزل من السيارة علي مضض وهو يعرف أن الطريقة الوحيدة للتخلص من هذه المزعجة هو بمساعدتها لتختفي مع الريح، فأوصل الكابلات ببطء وكلمات البروفسور ترن بأذنيه بقسوة شديدة ولم يعد يري سوي وجه والده بخياله والألم يحفر أقسي معانيه بوجه، بينما لوسي عادت لسيارتها تتابع عملية الشحن وهي تشعر بحنق شديد من هذا الرجل، كم هو فظ ووغد.. كيف يرفض شاب مثله مساعدة حسناء مثلها؟!
فهي بعينيها الزرقاء وشعرها الغجري الأحمر وبشرتها البيضاء الناعمة كأفروديت الجمال بنفسها، وهو ليس بهذه الوسامة.. نظرت لملامحه الرجولية القاسية وعيناه التي لا يمكنها تحديد لونهما كونه لم ينظر نظرة مباشرة لعينيها وشعره القصير الشديد السواد وبشرته الخمرية الغير اعتيادية، وفكرت بسخرية أنه بالتأكيد شخص غريب.
وما أن تم شحن البطارية وعملت أخيرًا شعرت بالرضا وهبطت من السيارة وقالت له :
"يكفي هذا وشكرًا رغم أنك لا تستحقها "
وجدته لا يزال يقبض علي كابل الشاحن بقوة ولا يفصله عن سيارته، فقالت له مجددًا :
"لقد قلت لك تم الأمر "
فنظر لها وبدا لها لوهلة أنه لا يراها، ثم وجدته يقوم بفصل الشاحن علي مضض ويمد يده لها به قائلًا لها بخشونة: "هل ارتحتِ؟"
ابتسمت لوسي وقالت له :"بالتأكيد ارتحت "
فقال لها بخشونة أكبر :"اغربي عن وجهي إذن "
شهقت لوسي من وقاحته واقتربت منه قائلة له بتهديد :
"أنت وقح للغاية أيها الشاب ولو لم أكن فتاة مؤدبة لكان ردي عليك قاسيًا بشدة، والآن سأذهب "
فاتجهت لسيارتها بحنق ووجدت أنه حتى لم يرد عليها وظل واقفًا بجوار سيارته لا يتحرك مما أدهشها كثيرًا، فما باله هذا الرجل ؟ فأدارت محرك السيارة لتبتعد عنه لكنها لاحظت أمرًا غريبًا؛ فهناك سيارة شحن كبيرة كانت تقترب بسرعة شديدة وتطلق بوقها المزعج كي يبتعد هذا الشاب عن طريقها لكن هذا الشاب كان ينظر بلا مبالاة ولم يتحرك، فشهقت لوسي وفي اللحظة التالية وجدت نفسها دون تفكير تقفز من سيارتها وتشد هذا الشاب تجاهها قبل أن تصدمه السيارة بفرق ثانية واحدة، وسمعت سباب سائق الشاحنة البذيء لهذا الشاب وهو يصيح به:
"إن أردت الموت أيها الأحمق فلتمت بعيدًا عن طريقي "
ولم تنتبه أنها صارت بين ذراعي الشاب بسبب شدها له بهذه الطريقة، فتوترت من هذا الوضع الحميم لشخص لا تعرفه، لكنها وجدته يبعدها ببطء دون أن يهتم لشكرها كونها أنقذت حياته للتو، فصاحت به بغضب :
"لقد كدت تموت، هل أنت مدرك لذلك؟"
وجدته ينظر لها ولاحظت كآبة غريبة تسكن عيناه التي وجدتها بلون فضي مميز، وقال لها بيأس شديد :"ومن يهتم "
ثم دخل سيارته وابتعد تاركًا إياها خلفه تنظر بأثره بدهشة شديدة .

****
بعد ثلاث سنوات:
"إذن هل أفهم أنكِ آخذتينا قسرًا دون تخطيط مسبق لأنك تودين الاستكشاف للحلقات القادمة "
قال باولو مارتين هذه الكلمات للوسي مالفوي بضيق شديد وهم علي متن إحدي الطائرات الضخمة التي تعبر بهم المحيط ، فقالت لوسي بابتسامة :
"ما الأمر يا باولو ألا تحب المغامرة !!..لقد كان جنوني هو ما جعلك تحب العمل معي "
فلوسي الآن لديها برنامج وثائقي ناجح جدًا، وبفضل والدها العزيز يتم عرضه في إحدي القنوات الكبرى حيث تعد حلقة واحدة كل شهر، وهذا البرنامج يدعي "قصص ومغامرات حول العالم" حيث تهتم بعرض حلقات مميزة ومختلفة، مرة عن العادات والتقاليد الغريبة لبعض البلاد، ومرة عن الحيوانات المعرضة للانقراض، ومرة عن الأثار الفرعونية في الشرق الأوسط، والنباتات النادرة في بعض الغابات والمحميات الزراعية ..إلي أخره، وباولو هو المعد والمذيع معها في البرنامج الذي تقدمه، فقالت لها ريتا وهي المساعدة الخاصة لها :
"لكن لماذا لم نأخذ المصور وباقي فريق العمل؟"
ابتسمت لوسي وقالت لها بحماس :-
"عندما نعد للحلقة ونختار ما يناسبها سوف نستدعي باقي الفريق "
فقال باولو لها باهتمام :
"إذن أيتها الحاذقة ما الذي يدور في بالك حاليًا ؟"
نظرت لوسي لكلاهما وقالت بحماس شديد :
"أولًا سوف نحط في سيدني ومن هناك سوف نستأجر مروحية للانتقالات، وبرحلة لن تستغرق سوي عشرون دقيقة فقط سنتجول حول الغابات والمناطق الصخرية شديدة الانحدار، وهناك المناطق التي تتمتع بجاذبية خاصة لهواة التصوير اسمها "باك بيلمو وولز" وكما عرفت لا يأتي الكثير من الناس إلى هناك؛ فهي جزء من منطقة "بلو ماونتياينز" المدرجة على قائمة التراث العالمي، وأيضًا لأنها خارج النطاق المسموح للعامة بالزيارات، وذلك نظرًا لكونها تقع في بقعة ذات طابع بري وتضاريس دائمة التبدل والتحوير، وفي الماضي كادت أن تبتلع أكثر من زائر شجاع لها، فلا يوجد مشروعات لشق الطرق هناك أو حتى طرق ممهدة للمشاة، و هذه المنطقة محمية بكرًا للأعمال الفنية التي أبدعها السكان الأصليون الذين عاشوا هناك في غابر الأزمان، كما أنها تشهد تنوعًا كبيرًا في الحياة البرية الموجودة فيها، وأيضًا تحتوي على العديد من الأنواع النباتية المهددة بالانقراض، وفي واقع الأمر ما من سبيل لدخول هذه المنطقة سوى من خلال استئجار مروحية "
ابتسم باولو وقال لها بحماس :
"يبدو أنك تعدين لهذا الأمر منذ فترة أيتها الشقية "
ابتسمت لوسي وقالت بغرور :-
"لقد قمت ببعض البحث وما وجدته لم يرو عطشي للمعرفة، لذا قررت أن نزور المنطقة ونري إن كان الأمر يستحق أن نقوم بحلقة وافية ومغذية للعقول النهمة "
قال باولو لها مبتسمًا : "فلنفعل يا لوسي "
فنظرت له لوسي وابتسمت فباولو كان داعمًا أساسيًا لها عند قيامها بذلك البرنامج، والمفيد أنه لا يعرف أنها ابنة كال مالفوي الثري المعروف.
هو شاب وسيم جدًا ذو شعر أشقر باهت وعينان زرقاوين فائقتي الذكاء، لا تعرف شيئًا عن خلفية عائلته لكنها تعرف بشكل ما أنه ثري فكل ما حوله يؤكد هذا، وأيضًا تعرف أنه معجب بها لكنها لم تشجعه أبدًا ولن تفعل، فمنذ سنة كاملة وهي قررت أن تتوقف عن المواعدة بل وتكرهها أيضًا؛ فهي عاشت لمدة سنة ونصف في وهم الحب مع شخص ظنت أنه لا مثيل له بين الرجال، واعتقدت أنه لا يعرف حقيقة ما يملكه والدها من مال، وعند تقدمه للزواج بها بشكل ساحر وقبولها بسعادة اكتشفت قبل موعد زفافها به بأسبوع فقط عن كونه ندل ومخادع وأنها لم تكن بالنسبة له سوي رصيد بنكي بينما هناك أخرى بالظل يبثها مشاعره وأشواقه، فظلت لوقت طويل جدًا مكتئبة وتنعي حظها، حتى عندما سمعت بأنه قُتل بعدها بشهرين لم تسمح لنفسها بالحزن عليه وقررت طي صفحته نهائيًا، وهي لن تقع بهذا الفخ أو وهم الحب مجددًا أبدًا .
***
في اليوم التالي:
"كالعادة تحصلين علي أفضل الأشياء يا لوسي، يجب أن أعرف يومًا من هو المنتج العظيم الذي يخاطر بدفع كل هذه المبالغ الهائلة من أجلك "
قال باولو هذا للوسي باهتمام، فعندما وصلوا بالأمس وجد أنها اهتمت وحجزت في أفخم فنادق المدينة، والآن تلك الهليكوبتر الضخمة القادرة علي عبور المحيطات بسائق تحت تصرفهم، هذا غريب ويود لو يعرف طبيعة هذا المنتج، لابد أن لوسي محظوظة جدًا لحصولها عليه، ولديه فضول حقيقي حول حياتها الشخصية وعائلتها لكنها لا تتطرق لهذه الأمور أبدًا وكأنها سر حربي، فضحكت لوسي وقالت له باستهتار :
"فقط شخص يؤمن بقدراتي كإعلامية عظيمة "
ضحك باولو عندما وصلت ريتا وهي تحمل الحقائب الخاصة بالرحلة، وعندما استمعت لكلامهم ابتسمت لنفسها بهدوء فهي تعرف من هي لوسي؛ فلقد كانت زميلتها بالجامعة لكنهما لم يكونا أصدقاء أبدًا، فلوسي كالشعلة تجذب من حولها بنشاطها الدائم بينما هي من النوع الهادئ الممل كما قال لها ذلك الوغد شارلي رفيق طفولتها، فهما كبرا سويًا بنفس المنطقة وعندما توفي والداها قامت عائلته بالاعتناء بها وأرادت تزويجها إياه، وهو لم يعلق يومًا علي هذا الأمر لدرجة أنها ظنت أنه حقًا يحبها ويريد الزواج بها.
تذكرت محاولتها الدائمة للتغطية عليه حتى لا يعاقبه والده، والدروس التي كانت تحضرها له رغم أنه كان دائم التغيب من الصفوف ولا يحضر أغلب الوقت، والنقود التي دومًا يأخذها منها عندما كانت تعمل بدوام جزئي وهي كانت لا تمانع فهي بغباء ظنته زوجها المستقبلي.

وفي إحدي المرات كانت برحلة بأحد المخيمات وذهبت عائلته برحلة عائلية ورفض شارلي اصطحابهم، فقررت هي بتهور قطع رحلتها لتحظي بمزيد من الوقت معه، فتحركت بحرص لتدخل من باب المنزل وتفاجئه، لكن كانت المفاجأة من نصيبها هي؛ فلقد وجدته بغرفة نومه ومعه شقراء فاتنة يمارسان الحب بطريقة مثيرة للاشمئزاز، فتوقفت بجنون غير واعية لما تراه وقالت له بانهيار :
"شارلي.. كيف بإمكانك فعل هذا بى؟"
توقعت أن يتوسل أو أن يقول إنها غلطة وتلك المرأة من أغوته، لكنه نظر لها ببرود وقال لها ببساطة :
"وما الذي أفعله بكِ ؟ هل ظننت فعلًا أنني قد أتزوجك يا ريتا؟ يا إلهي! ألا تنظرين لوجهك بالمرآة يا فتاة ؟ انظري جيدًا فهذا نوع الفتيات الذي أفضله "
وأشار لتلك الفتاة التي لفت نفسها بالملاءة وجلست جانبًا تدخن سيجار غير عابئة بما يحدث حولها، فقالت له ريتا بألم :
"لكنك قلت أننا سنتزوج، لقد وعدتني وأنا كنت أضحي بكل شيء أملكه من أجلك "
وهنا صاح بها قائلًا :
"ولماذا أتزوج بفتاة فقيرة وكئيبة ومملة مثلك ؟ إن تزوجت يا عزيزتي سأتزوج بامرأة ثرية وليس بامرأة قد تتسول لتعطيني المال "
كان كلامه كرشق الرصاص مؤلم وقاسٍ جدًا، فخرجت من المنزل تلك الليلة بثقة محطمة وإحساس بالنقص لا يزال يصاحبها حتى بعد أن تخرجت من الجامعة، ونقلت مكان سكنها لمكان آخر ربما لا يكون فاخرًا لكنه مناسب لها، وللحظات كثيرة كانت تتوقف بجوار مرآتها تنظر لوجهها فقط وتشعر بالنقص، حاولت مرارًا بث الثقة لحالها فهي ليست قبيحة؛ فهي ذات بشرة فائقة البياض وعينان خضراوان غير مميزين تخفيهما نظارة طبية وشعر بني مجعد يصل لكتفيها، وبالرغم من سماعها لبعض زملائها يحسدونها علي شعرها المجعد الغير أملس كشعر أغلبهم، لكنها كانت تشعر بالسخرية ربما فقط كونه مختلف هو ما يلفت نظرهم لذا هي تعقصه جيدًا بشريط أنيق.

وعلي الصعيد الأخر لوسي ظلت دومًا بالنسبة لها مثالًا للنجاح والجمال وشعور بالغيرة يتملكها حيالها، وعندما بدأت لوسي بتكوين فريقها الخاص للقيام بذلك البرنامج ورأت هي ذلك الإعلان بصفحات التواصل الاجتماعي تقدمت للعمل ولم تكن تعرف أن لوسي هي المعدة له، والغريب أن لوسي بالرغم من أنها لم تكن صديقتها يومًا تعرفت عليها وقبلتها بالعمل رغم أن مؤهلاتها لم تكن تستحق، وهي تقدر فعلتها كثيرًا ولم يحدث يومًا أن أفشت ريتا لها أو لسواها أنها تعرف من هو والدها.
تنهدت ونظرت حولها مبتسمة لتتحلي بالطاقة الإيجابية، فمن كان ليتخيل أنها قد تجوب العالم وتقطن بفنادق لم تحلم بها يومًا، ثم وجدت أن سائق الطائرة قد وصل وحياهم قائلًا :
"اسمي كورن رايس وسأكون مرافقكم في هذه الرحلة "
كان شابًا في عقده الثالث وسيم وطويل القامة، فقال له باولو : "نحن جاهزون "
"فلنقلع إذن "
قالها وصعد للطائرة وهم يتبعونه، وأقلعت الطائرة وبدأ الطيار يصف لهم كل ما يمرون به قائلًا :
"لقد عشت في استراليا على مدى ثلاثين عامًا، لكني لم يسبق لي قط التأثر بشيء مثل مرأى هذه المناظر الطبيعية؛ فالجبال التي تبدو كالقطيفة تلتف وتنساب كنظم القصيد، أما القمم والوديان فتومض مزدانة بالغابات التي تظهر كما لو كانت مرصعة بالجواهر، وإلى جانب هذا وذاك الإيقاع الذي ينساب به ذاك النهر ذو المياه سوداء اللون بطيئة الحركة والذي يجري بين هذه الجبال وتتدفق مياهه بين ضفتيه ذهابًا وإيابًا على نحو هادئ ودقيق كالبندول"
فقالت لوسي بانبهار للجميع وهي تمسك بالكاميرا الخاصة بها وتقوم بتصوير كل ما يمرون به : "أليس هذا رائعًا؟! "
فقال باولو باهتمام : "بل مذهلًا لأقصي حد "
بينما تأملت ريتا ما حولها من جمال دون أن تعبر عما يجول بأفكارها بكلمات، ووجدت الطيار يميل بالمروحية ليلوح لهم مشهد ضخم لما بدا وأنه بحر دوّار من الغابات يظهر لأعينهم من خلال زجاج النافذة.
وخلال الرحلة أشار كورن الطيار إلى أحد الصخور المدببة التي تنتهي على نحو حاد بجرف شديد الانحدار قائلًا :
"إن هذه المنطقة التي تتمتع بجاذبية خاصة لهواة التصوير تحمل اسم "باك بيملو وولز و.."
قاطعته لوسي قائلة لهم بحماس : "لقد أخبرتكم عن هذا صحيح "
صمت كورن وتركهم يستمتعون بالمناظر الطبيعية الخلابة، ثم بعدها أخذهم إلى بعض أكثر البقاع النائية ذات الطابع البري والتي لا تزال بكرًا في استراليا، وقال لهم :
" بالرغم من أن مساحة قارة استراليا تقارب المساحة التي تشغلها الولايات المتحدة فإن استراليا تعد ثالث أقل دولة اكتظاظًا بالسكان على وجه الأرض، ويقطن غالبية سكانها البالغ عددهم 22 مليون نسمة في المناطق الساحلية من أراضيها، كما أن المناطق الداخلية في استراليا ليست برية فحسب وإنما تكاد تخلو تمامًا من أي ملمح من ملامح الحياة الإنسانية الحديثة "
فقالت له لوسي بسخرية :-
"بالتأكيد نعرف هذه المعلومة، لذا دعك من سرد معلومات مملة، وفقط ألا يمكنك أن تأخذنا لأماكن أكثر إثارة "
ابتسم الطيار ونظر لها نظرة خاصة قائلًا لها:
"بالتأكيد، أنا رهن إشارتك "
****

"أنت حقًا مجنونة يا لوسي "
قال باولو للوسي بعد خمس ساعات من التحليق دون توقف، فلقد حلقوا فوق شمال نيوزلندا وأستراليا، والآن هم يحلقون فوق جبل ويلهلم الذي يبلغ طوله (4509م) أعلى قمة في الدولة وهي جبال شديدة الانحدار وغاباتها كثيفة. والجبال تتجه من الشرق إلى الغرب وتواصل امتدادها إلى الغرب من الجزيرة ضمن الجزء التابع لاندونيسيا، وتمتد الجبال الشمالية بين (1000م-1200م).
نظرت له لوسي وقالت وهي لازالت تقوم بالتصوير :
"كن متفائلًا يا باولو، ما الضير لو قمنا بتوسيع دائرة اكتشافنا "
فقال باولو بقلق : "لقد ابتعدنا كثيرًا "
ثم قال للطيار باهتمام : "هل سيكون معك وقود كافيًا لعودتنا ؟"
ابتسم كورن وقال له بحماس :
"لا تقلق ثم نحن لم نبتعد لهذه الدرجة فالمسافة من سيدني إلي اندونيسيا فقط5,342 كم، وأنا سأقوم بإعادتكم للفندق بأمان عندما تكتفوا "
ثم نظر للوسي التي لم تكن مهتمة سوي لمنظر الجبال حولها والغابات الكثيفة، فقال لها كورن ليزيد حماسها :
"هل تتخيلون أن هناك بعض القبائل في غابات غنيا الجديدة لا تزال تعيش في العصر الحجري بتقاليدها العجيبة والمخيفة، وبينما يظن الكثيرون أن آكلي لحوم البشر أسطورة في أفلام الرعب إلا أنها حقيقة موجودة فعليًا في بعض القبائل التي تعيش فعلًا بغينيا الجديدة حتى الآن، وهي مثيرة للرعب والاشمئزاز، وأيضًا قريبة جدًا من هذه الغابات التي ترونها أمامكم "
قالت ريتا بقلق :
"حقًا، هل فعلًا هناك قبائل لازالت تقوم بأكل لحوم البشر بتلك الغابات الكثيفة ؟!"
ابتسم كورن لشد انتباههم أكثر وقال :
"إن آكلي لحوم البشر وجثث الموتى مازالوا موجودين حتى الآن بغينيا الجديدة ويدعون قبيلة بابوا، والتي تتمسك بأسوأ طقوس حيث يقوم أقارب المتوفى بالاجتماع حول الجسد ويأكلون جثته، أما قبيلة «الأنديز» فهي تأكل لحم المتوفى من قبل الأقارب والأصدقاء تكريمًا له وللاستفادة من حكمته في الحياة التي ستُنقل لهم من خلال الجسد.
ووفق الاعتقاد السائد فإن طقوس أكل لحوم البشر تعبر عن الطاعة حيث تقوم النساء والأطفال بأكل لحم رجال القبيلة، وهو ما يعد بروتوكولًا صارمًا مفروضًا عليهم"
قالت لوسي بضيق :
"هذا مقرف جدًا ويدعو للاشمئزاز"
فقال باولو هو الأخر : "بالتأكيد مقرف "
فقال كورن وبدا أنه مستمتع بترويعهم :
" أتعرفون أنهم يعيشون فوق المرتفعات الشاهقة لمقاطعة البابوا ذات التضاريس القاسية، حيث يستخدمون أقنعة طينية مرعبة الشكل؛ وذلك لترويع أعدائهم وحتى ترضى عنهم الآلهة وفق اعتقادهم. ويعتبر المخ هو الجزء الشهي في جسم الإنسان، حيث تقوم القبيلة بالتهامه حارًا طازجًا "
قال له باولو بعنف :"يكفي هذا، فلنشرع بالعودة "
فابتسمت لوسي وقالت باستسلام : "وليكن يا باولو لنعود ويكفي هذا "
فقال كورن بهدوء : "أوامرك سيدتي "
واستدار بالطائرة كي يعودون، لكن لم تمر نصف ساعة وانقلبت السماء رأسًا علي عقب وصارت الأمطار غزيرة، وبدأوا يدخلون من مطب هوائي لأخر بعنف بطريقة مزعجة، فقال باولو لكورن بغضب :
"ألم تطلع علي الأحوال الجوية قبل أن تحلق بنا هنا ؟"
فقال كورن وقد بدا عليه أنه يصارع الرياح بقوة ليحافظ علي توازن الطائرة :
"المناطق الجبلية والغابات من الصعب التنبؤ بانقلاب الطقس بها "
فقالت ريتا بخوف :"هذا غير مريح أبدًا "
بينما قالت لوسي وكانت أكثر تماسكًا رغم القلق الذي تشعر به من الأصوات المزعجة للرعد والضوء المخيف للبرق :
"اهدؤا يا رفاق سوف نعود بأمان فمعنا طيار محترف، أليس كذلك يا كورن؟"
نظر لها كورن مبتسمًا وغمز لها قائلًا : "بالتأكيد سيدتي "
وما أن قال هذا حتى اهتزت الطائرة بقوة مع ضوء البرق القوي، فصرخ الجميع وبدا علي كورن أنه يحاول أن يسيطر علي الوضع، عندما قال له باولو بقلق :
"ما الأمر يا كورن؟ هل تأذت الطائرة ؟"
فقال كورن بتوتر شديد : "لقد ضربنا البرق"
فشهقت لوسي قائلة بسرعة : "وهل تأذت الطائرة ؟"
رد كورن بتوتر :
"للأسف لقد تضرر الرادار ولم يعد يعمل ودائرة البث في اللاسلكي قد تضررت أيضًا"
فقالت ريتا بسرعة : "ماذا يعني هذا ؟"
تنفس باولو بخشونة وقال لها :
"يعني أننا لن نعرف وجهتنا وسنسير بلا هدي كالشخص الأعمى"
يبدو أن القدر تدخل وجعل الأمور أكثر سوءًا، فشهقت ريتا وتوترت لوسي كثيرًا وقالت بقلق :
"وما الذي ستفعله يا كورن، أجب بسرعة "
فقال كورن لهم وهو يتنهد :
"الليل قد أسدل ستاره لذا الحل الوحيد هو أن نبحث عن مكان ملائم للهبوط، وبالصباح يمكنني إصلاح الأضرار ومعاودة طريقنا "
فقالت ريتا له بسرعة :
"أتقصد أنه لا مجال لنا لطلب النجدة ؟"
قال كورن بإحباط :
"للأسف لن يمكننا طلب النجدة، وطبعًا يمكنكم فهم أن الهاتف الخلوي لن يعمل هنا أيضًا"
قالت لوسي وقد بدأ الرعب ينساب إليها :
"يا إلهي.. هل تقصد أننا من الممكن أن نموت هكذا ببساطة دون أثر ؟"
فقال كورن لها ليهدئها :
"لن يموت أحد يا سيدتي، وغدًا صباحًا ستنسون كل ما حدث من مصاعب عند عودتنا بأمان"
فقال له باولو بعصبية :
"وهل سنكون بأمان لو قضينا الليلة بهذه الغابات، ماذا إن كان هناك حيوانات مفترسة أو ظهرت لنا إحدي تلك القبائل الآكلة للحوم البشر "
قال له كورن ليهدئه :
"لو أشعلنا نارًا لن يقترب منا أي حيوانات، وتلك القبائل لا تؤذي من لا يؤذيها فلا تقلق "
ووجدوه يشير لمنطقة قليلة الأشجار قائلًا: "سوف أهبط هناك "
فقالت لوسي بقلق وهي لا تتحمل فكرة أن تنام بغابات مخيفة لا تعرف ما يمكن أن يحدث لها فيها :
"ألا يمكننا فقط الاستمرار في التحليق وربما نصل بأمان "
فقال لها كورن وهو يعد نفسه للهبوط بالفعل :
"لا يمكننا ذلك؛ فسننهي الوقود بلا فائدة "
فصمت الجميع وهو يقود بحذر ليهبط بالطائرة والقلق يعصف بقلوبهم .

****

"المناظر هنا خلابة لا يمكنني الإنكار "
قالت لوسي هذا لكورن وهي تتأمل شروق الشمس بالطائرة في اليوم التالي وذكريات ما حدث بالأمس تجول داخل أفكارها، فلقد شعر الجميع بالفزع بسبب ما سمعوه من كورن عن تلك القبائل الموجودة بتلك الغابات وعن كونهم آكلون للحوم البشر، فحط كورن في مكان واسع وقال لهم بحسم :
"دعونا نبحث عن مكان ملائم كي ننام به فلا يمكننا النوم في العراء "
فقال له باولو بقلق :
"وهل ستترك الطائرة دون حراسة ؟"
فنظر له كورن وقال له بسخرية :
"لا تقلق، لن يخطفها أحد "
فنظر له بغيظ شديد فهو لم يحبه منذ أول وهلة رآه، فهو يبدو من النوع الذي يحب التفاخر بمعلوماته وترهيب الأشخاص، وبالرغم أنه يثق أن معلوماته صحيحة لكنه متأكد أنه قصد ترويعهم فقط لا غير، وبالتأكيد هو يعرف باحتمالية انقلاب الظروف الجوية وبالرغم من هذا توغل بهم بمناطق غير آمنة بتهور لا مبرر له، لذا هو سيتأكد أن يجعله يُعاقب من شركة الطيران التي رشحته ليكون معهم بهذه الرحلة، لذا فليصبر حتى الصباح هذا إن مرت الليلة بأمان.
وبعد بعض المسير قال كورن وهو يشير لشجرة كبيرة وارفة الأوراق لدرجة أن الأمطار لا تأخذ طريقها بين أوراقها:
"هنا سيكون مكان جيد للنوم "
فقالت ريتا وهي تنظر حولها بعدم راحة :
"كيف سننام علي هذه الأرض الرطبة ؟"
فقال كورن وهو يحل حقيبته من كتفيه ويفتحها قائلًا:
"لا تقلقي يا سيدتي فمعي غطاء محمول يمكنك النوم بداخله بأمان، ولحسن الحظ معي أربعة أغطية تكفينا نحن الأربعة "
فقالت له لوسي بإعجاب :
"يبدو أنك يا كورن دومًا تأخذ احتياطاتك لمثل هذه الظروف الطارئة "
ابتسم كورن بتواضع بينما رمقه باولو بغيظ أكثر، فقالت لوسي وهي تتخذ موضعها تحت الشجر :
"دعونا نأكل قبل أي شيء فالجميع جائع ولدينا هنا مرطبات وعصائر وطعام كافٍ"
فقال باولو بهدوء:-
" سوف أشعل نارًا أولًا كي نشعر بالدفء"
وتحرك مبتعدًا عنهم ليجمع الحطب الجاف ويقوم بوضعه بشكل متناسق، ثم أخذ إحدي زجاجات الكحول الموجودة معهم ورش بعض منها وأستخدم قداحته في إشعال النيران ثم جلس بينهم، وأكل الجميع بتوتر وهم ينظرون حولهم بلا توقف بقلق هادر، وبعد الطعام قال لهم كورن بابتسامة :
"سوف أنام أولًا، لا تسهروا كثيرًا لأننا سنغادر مبكرًا "
ودخل بغطائه ببساطة، فقالت ريتا بقلق :
"كيف يمكنه النوم هكذا ؟ أنا خائفة كثيرًا ولم أستطع أن أكل فما بالك لو نمت "
فقالت لها لوسي وهي تربت علي كتفيها :
"إن كان هو نام ببساطة هكذا، هذا يعني أن المكان آمن لذا سأنام أيضًا "
وانسحبت مندسة بغطائها تاركة إياهم مستيقظين، فقال باولو وهو لا يعجبه الأمر :
"هذا الشخص كورن أنا لم أحبه أبدًا"
فنظرت له ريتا قائلة له بتوتر وهي لازالت تنظر حولها بخوف :
"هل تعتقد أنه من الممكن أن تهاجمنا إحدى هذه القبائل ؟"
فتنفس بحنق منها وقال لها بغضب :
"لا أظن يا ريتا، كفي عن كونك بهذا الجبن، فأنا أحدثك عن كورن "
نظرت له ريتا بحنق لماذا يصيح بها ؟ وقالت له بحنق :
"وما باله كورن !! هو شخص جيد ولم يحدث أن ضايقنا أو فعل شيئًا مشينًا، وهو أتبع أوامر آنسة لوسي بحذافيرها "
تبًا تلك الحمقاء لم تكن منتبهة لتلك النظرات الغريبة التي كان ينظرها ذلك الرجل للوسي طيلة الرحلة، فقال لها بغضب أكبر :
"إنه شخص غير مُريح علي الإطلاق، ونظراته للوسي لم أحبها أبدًا"
نظرت له ريتا وفهمت سبب كرهه لكورن، فقالت له بسخرية :
"آنسة لوسي جميلة جدًا؛ لذا شيء طبيعي أن ينظر لها بهذا الشكل "
تنفس باولو بعصبية وقال لها :-
"أنا أعرف أن لوسي جميلة وملفته للنظر، لكن لا زال هذا الرجل لا يعجبني "
فقالت له ريتا بتساؤل :
"هل أنت معجب بآنسة لوسي يا سيد مارتين ؟"
هذه أول مرة تتحدث لباولو بجراءة بهذا الشكل لكن هذا هو التفسير الوحيد بتصرفه هكذا مع كورن، فنظر لها باولو بغيظ وقال لها بغضب :
"وما شأنك أنت ؟ من سمح لك بالتدخل بحياتي الشخصية ؟"
شعرت ريتا بالحنق ولم تستطع قول شيء، ثم قالت له بعصبية :
"لم أقصد التدخل بحياتك يا سيد مارتين لكن أنت تبالغ كثيرًا بالنسبة لذلك الطيار الذي لم يبدر منه أي سوء "
عرف باولو أن الكلام مع تلك البلهاء لن يفيد، فقال لها بعصبية :
"اذهبي للنوم أنتِ أيضًا ولا تسمعيني صوتك "

نظرت له لا تفهم لماذا يحدثها بهذه الطريقة !! فهو دومًا تعامل معها بمهنية كونها مساعدة لوسي ولم يسبق له أن تصرف معها بشكل قاسٍ أو وقح لذا كلامه معها هكذا يضايقها . بدأت صور لشارلي تطارد مخيلتها فأغمضت عينيها بقوة لا تريد أن تعاود التفكير به أو الحسرة علي ماضيها، فهي اعتادت أن يتعامل الجميع معها باحترام الآن بعد أن عملت مع لوسي وصار لديها راتب محترم وسيارة أنيقة، لذا عليها نسيان تلك الأيام التي عملت فيها بوظائف صغيرة لجلب المال والتي كان يتم التعامل معها فيها ليس أكثر من خادمة، لقد قررت أن لا تسمح لرجل بمعاملتها بلا مبالاة أو بطريقة غير محترمة فهي في النهاية تعرف أنها لن تثير رغبة أي رجل كامرأة، لذا فلتتعامل معهم بمهنية ولا تسمح لهم بالتمادي، وهذا ما شعرت به مع طريقة باولو في التحدث معها الآن، لكنها ستتجاهل هذا كونها تعرف أنه يغار علي لوسي من كورن، فتدثرت بالغطاء وحاولت النوم بينما باولو ظل مؤرقًا لوقت طويل .

استيقظت لوسي قبل شروق الشمس وقد نامت بشكل متقطع، طبعًا لم تعرف بما جري بعد نومها لكنها ابتعدت بحذر وهي تنظر حولها للأشجار الوارفة حولهم، فوجدت فجأة من يقول لها: "لقد استيقظت مبكراً "
فنظرت بفزع لكورن وقالت له :
"لقد أفزعتني، لماذا لم تمهد لحضورك أولًا ؟"
فضحك كورن وقال لها ببساطة :
"هل ظننت أنني أحد هؤلاء المتوحشين آكلي لحوم البشر؟"
هزت رأسها بنفي قائلة :
"لست جبانة لهذه الدرجة لكني أستطلع المكان، فالسماء تبدو رائعة وأنا انتظر الشروق، فأنا أعشق مراقبة السماء وقت الشروق "
فقال لها بهدوء :
"إن أردت رؤية شروق مذهل للشمس يمكنني التحليق بكِ حول المنطقة "
فقالت له بفضول :
"لكن أليس من الخطر أن نحلق والرادار لا يعمل ؟"
هز رأسه بالنفي وقال لها :
"التحليق بالنهار مختلف لأنك يمكنك رؤية ما حولك جيدًا ولن تحتاجي للرادار "
ابتسمت وقالت له وهي تبتسم :-
"إذن فلنحلق، سوف أوقظ باولو و ريتا ؟"
قال لها وهي تبتعد :
"لقد سهروا كثيرًا بالأمس، دعينا نأخذ جولة سريعة قبل أن يستيقظوا حتى أبادر بإصلاح التلف بالطائرة عند العودة "
حسناً إنه محق فعليه إصلاح العطب بالطائرة حتى يعودون بسلام وهي متشوقة لرؤية الشروق من أعلي ، فهو حرك غريزتها البدائية تجاه أمر تحبه منذ الصغر، فقالت له بحسم :
"حسناً فلنفعل "
وبعد لحظات صاروا بالطائرة وقت ظهور قرص الشمس المضيء بشكل يخطف الأنفاس، فقالت له بانبهار وهو يأخذ جولة بها حول المكان :
"المناظر هنا خلابة لا يمكنني الإنكار "
كم يشعرها هذا القرص الذهبي المضيء بالدفء وهو ينشر أشعته حول العالم مما يجعل قلبها يختلج لرؤيته، ولا تنكر أن رؤيته من الطائرة يجعله مختلف ورائع، فتنفست بطريقة حالمة وقالت لكورن :
"دعنا لا نبتعد حتى لا يقلق باولو وريتا "
قال لها كورن بحماس :
"حسنًا، دعيني أريكِ مكان أخير "
وجدته يتوغل أكثر بداخل الغابات وهو يقول بحماس ليثير انتباهها :
" هل تعرفين أنه ينتشر في غينيا مئات القبائل البدائية التي مازالت تعيش في أدغال وأحراش غاباتها المطرية الكثيفة بمعزل عن العالم لآلاف السنين"
قالت لوسي باهتمام :
"لا يمكنني تخيل أن يعيش أحد بعيدًا عن التكنولوجيا "
ابتسم كورن وقال لها :
"بلي القبائل هنا يفعلون ذلك فعليًا، وتتميز كل قبيلة بعاداتها وتقاليدها ولغتها أيضًا حيث كانت هناك أكثر من ٨٥٠ لغة مختلفة في هذه الرقعة الصغيرة"
قالت له لوسي بدهشة :
"850 لغة مختلفة، هذا مثير حقًا "
"هذا ما ساعد هذه القبائل على الاحتفاظ بنمط حياتها البدائي القائم على جمع الثمار وصيد الحيوانات وأكل لحوم البشر، وأيضًا يعترفون بلغتين إضافيتين كلغات رسمية وهما "توك بيسين" و"هيري موتو"، وهما لغتي كريول تطورت من نوعي رطانة استخدمهما المحليون في علاقاتهم مع التجار الأوروبيين والسلطات الاستعمارية بعد اكتشاف الجزيرة"
قالت لوسي بسخرية :
"أنا مندهشة لوجود علاقات تجارية من الأساس، فلابد أن الكثير من الناس ستخاف من التعامل مع هذه القبائل "
أومأ كورن برأسه قائلًا :
"وهذا سبب في عزلة أبناء تلك القبائل حتى الآن نظرًا لخوف الناس من التوغل في مناطق الغابات خوفًا من القبائل المتوحشة القاطنة في الغابات، حيث يتناقل الناس الكثير من القصص حول ولع السكان بأكل لحوم البشر وتعليق الرؤوس البشرية كزينة على البيوت"
هزت رأسها باستنكار قائلة :
"لا يمكنني تخيل هذا "
لكنه أكمل وكأنها لم تقول شيئًا :
"وحين يموت أحد أفراد القبيلة ويلفظ أنفاسه الأخيرة، تتجمع النساء من أقاربه حوله ويفصلن اليدين والرجلين والرأس عن الجسد ويقمن بشواء اللحم والتهامه، وكذلك القلب والكبد والأحشاء، ويكسرن الجمجمة لإخراج المخ اللذيذ، ويجب أن تكون الجثة خالية من الأمراض إذ لا يأكلون لحم المريض خوفًا من العدوى"
فقالت لوسي بضيق شديد :
"كيف يفعلون ذلك ببساطة، ألا يصيبهم الاشمئزاز لذلك "
وجدته يهز رأسه قائلًا :
"حسب ما سمعت عن قبيلة البابوا إنها تعشق لحم البشر مثل البطاطا الحلوة أو لحم الخنزير، حيث إنه سهل الهضم و خفيف على المعدة، على عكس لحم الحيوان الذي يعتبر ثقيلًا على المعدة"
"مقرف "
"لكن أدت هذه العادات إلى تفشى الأمراض وموت عدد كبير من القبيلة مما أدى إلى محاولة ترك هذه العادات من أكل لحوم البشر واختفائها تدريجيًا، لكن لا يزال هناك بعض البشر يمارسون هذه العادة سرًا"
قالت له لوسي باشمئزاز :
"كفي الآن يا كورن لا أريد معرفة المزيد عن هذه القبائل، فلدي رغبة فعلية في القيء بمجرد سماع هذا "
قال لها بهدوء : "حسنًا "
ووجدته يتخذ وضعية الهبوط فقالت له :
"هل وصلنا للمكان الذي تركنا به ريتا وباولو ؟"
فقال بهدوء : "أجل"
ثم هبط أرضًا ونزلت معه من الطائرة قائلة له :
"لقد كانت جولة جيدة "
وسارت خلفه بتلك الغابات التي بدت مختلفة كليًا بالنهار فظلت تنظر حولها باستحسان؛ فالغابة المخيفة ليلًا تكون مكان رائع ومثير للمشاعر بالنهار عندما يكسو ضوء الشمس أغصان الشجر خاصة بعد أن انمحي من المكان أثار الأمطار الغزيرة التي أغرقتهم بالأمس، وبعد أن سارا لبعض الوقت نظرت حولها بعدم راحة فالمكان يبدو مختلف، هي متأكدة مستحيل أن يكون نفس المكان، فقالت له بقلق :
"لقد سرنا كثيرًا والمكان يبدو لي مختلفًا، هل أنت متأكد أننا لم نضيع طريقنا ؟"
وجدت كورن يتوقف ويقول لها بابتسامة غريبة ليست بمكانها :
"أنا لم أضيع طريقي، لكن أنتِ بلي"

0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.