ShrElRawayat

شارك على مواقع التواصل

"أنا لم أضيع طريقي، لكن أنتِ بلي"
نظرت لوسي لكورن بدهشة وخفق قلبها بترقب، فما الذي يعنيه بكلامه الغريب !!فقالت له ببطء وهي لا يعجبها نظرته ولا سخريته :
"ماذا تقصد؟!"
وجدته يعقد ذراعيه حول صدره وهو يقول لها ببساطة :
"هذا يعني أنكِ لن تخرجين من هذا المكان أبدًا"
اتسعت عيناها بذهول فما الذي يقوله، أهو يقوم بخطفها ‍!! هل عرف من هو والدها لذا سيقوم بطلب فدية أم ما شابه ذلك ؟ فقالت له بغضب شديد :
"من أنت بالضبط ؟ وما الذي تخطط له ؟"
فقال كورن ببطء وكان يبدو مستمتعًا بنظرات الهلع علي وجهها :
"كان لدي خطط كثيرة في الواقع، لكن أعتقد فكرة تركك بمكان كهذا كفيل بجعلي أشعر بالرضا التام "
فقالت لوسي ببطء وهي تنظر له محاولة تمالك جأشها حتى لا تبدو ضعيفة أمامه:
"إن كنت تريد المال فلقد لفت انتباهي ويمكنني إعطائك الكثير من المال، لذا كن عاقلًا ولا تضيع مستقبلك، فأنا لست شخص تتركه هكذا بإهمال بمكان كهذا وبالتأكيد تعرف ذلك؛ لأن في اللحظة التي سأخرج بها من هنا ستتمني الموت "
ابتسم أكثر وقال لها بسخرية :
"وهل تعتقدين أنه يمكنك الخروج من مكان كهذا ؟ انظري حولك جيدًا، أنت في غابات شرسة، إن لم تقتلك الحيوانات بالغابة ستتكفل القبائل المتوحشة بذلك وبالتأكيد سيعجبهم هذا اللحم الأبيض الذي لا يعتادون عليه "
صاحت به بغضب قائلة :
"لماذا تفعل هذا ؟ إن كنت خاطف من الطبيعي أن تطلب فدية، لكن ما تفعله الآن مثير للريبة وكأنك تنتقم مني لسبب لا أفهمه "
ظهرت الشراسة علي وجهه وهو يقول لها بغضب :
"نعم أنتقم منك، منذ زمن وأنا أريد أن أفعل حتى شاءت الظروف أن تلقي بكِ في طريقي، عندما تعاقدت مع شركة الطيران التي أعمل بها ومن وقتها وأنا أفكر وأدبر في طريقة تجعلني أنفرد بكِ كي أنتقم منكِ بطريقتي الخاصة دون إثارة شكوك حولي "
اتسعت عيني لوسي وهالها الكره والحقد الذي ارتسم بوجه، و نظرت حولها علها تجد من ينقذها من ذلك المجنون، ثم قالت له وهي تتراجع عندما وجدته يهم بالاقتراب منها :
"أي انتقام !! لابد أن الأمور قد اختلطت عليك، فهذه أول مرة أراك أو اسمع بها اسمك "
فقال لها والشراسة لا زالت ترتسم بقوة علي محياه :
"بل سمعتِ عني جيدًا، لكن أنتِ من الغرور بحيث لم تهتمي حتى بالتركيز باسمي أو ملامحي "
اسمه وملامحه !!..حدقت به جيدًا ربما رأته حقًا بمكان ما، ولا تنكر أن كلامه جعلها تشعر أنها رأت هذا الوجه من قبل لكن أين!! فكررت اسمه برأسها لعله يذكرها بشيء، لكن ما هو لقبه ؟ لقد نست، فقال هو وكأنه يقرأ أفكارها :
"كورن رايس ...لا تقولي أن لقب عائلتي لم يعد يعني لك شيئًا "
فشهقت لوسي، مستحيل أن يكون ما تفكر به حقيقي، رايس.. أليس هذا لقب عائلة ستيفان؛ الشخص الذي كادت تتزوج به وخدعها!! ..هي تذكر أنه أراها صورة لشقيقة قبلًا لكنها لا تذكر ما كان اسمه أو حتى ملامحه، فهل هو هذا الشخص حقًا !!..لكن لو كان حقًا كما تفكر لماذا سيفكر بالانتقام منها !!.. فهي لم تؤذ ستيفان بل هو من أذاها وجرحها، فقالت له ببطء محدقة بوجهه بوجل :
"أنت شقيق ستيفان ؟! "
فضحك كورن بطريقة مخيفة وقال لها :
"يسعدني أنكِ لازلت تذكرين اسمه، لقد توقعت أنكِ أزلتيه من رأسك الجميل بما أنك ألقيت به من حياتك بطريقة مهينة "
ما إن قال هذا حتى كانت قد طفح الكيل بها، فقالت له بغضب :
"ولنفترض أنك شقيقه، ما الحق الذي تملكه كي تنتقم مني؟ فهو من خدعني وهو السبب الرئيسي لجعلي أكره الارتباط بأي شخص خوفًا من أن يكون حثالة مثله "
وهنا تحول كورن لشخص عنيف عندما امتدت يده وصفعها بقوة علي وجهها قائلًا بعنف شديد :
"أنتً هي الحثالة أيتها الحقيرة فلقد قُتل بسببك "
نظرت له بذهول ممسكة بوجهها بغضب شديد، فهذه أول مرة يمد شخصًا ما يده ويصفعها، فقالت له بغضب شديد :
"كيف تجرؤ أيها الوغد ؟ ثم من الذي قُتل بسببي ؟ لقد قرأت الحادثة جيدًا وعرفت أنه كان يتعامل مع رجال العصابات لذا قتلوه "
هز رأسه بقوة وقال لها :
"أنت السبب في تعامله معهم واقتراض مبالغة بفائدة مضاعفة منهم، لذا عندما تركتيه بعد أن دفع هذه الأموال كي يتزوجك، قتلوه انتقامًا لأنه هرب لعدم قدرته علي السداد "
ضحكت لوسي بسخرية وهي تندم أنها قد عرفته يومًا وقالت:
"بل أقترض ليتظاهر أمامي أنه شخص ثري وليثبت لي أنه لا ينظر لمالي، لكنه كان وغد مخادع وكانت هناك أخرى بحياته، وعندما واجهته بالصور التي صورها له ذلك التحري الذي أرسله أبي بأثره لأنه كان يشك بنواياه بالزواج بى، وبأنه يعرف أنني بهذا الثراء منذ البداية وهذا مسعاه ليتزوجني، وقتها ستيفان لم يستطع الإنكار وكأي خائن توسل لي أنه سيقطع علاقته بها وأنه لا يريد سواي، لكني كنت قد كشفته ولم يعد هناك مجال للمغفرة، لذا هو يستحق ما حدث له كليًا "
وجدت عينا كورن تشتعل كبركان ثائر وهو يقول لها بغضب :
"كاذبة حقيرة، ثم ما هي المشكلة إن كان ينتظر منكِ مساعدته !!..فالآن هو شخص ميت بسبب أنانيتك، وأنت ستدفعين الثمن وتستحقي هذا العقاب الذي أنزلته بكِ "
هذا الشخص مجنون، هذا ما تأكدت منه، هو يريد فقط تجريمها بسبب ما حدث لشقيقه ستيفان، فقالت له محاولة أن تتحدث برفق :
"كورن استمع للحقائق بعقل متفتح ولا تكن غبي، شقيقك هو من أخطأ بحقي وأنا لم أفعل له شيئًا، لذا كيف تعاقبني !! فكر بعقلانية قبل أن تدمر مستقبلك "
وجدت ابتسامة شيطانية تظهر علي محياه وهو يقول لها :
"لقد أقسمت لشقيقي في اليوم الذي ودعته به وغطيته بالتراب أنني سأنتقم له، واليوم فقط حققت انتقامي؛ فلقد ساعدني الحظ عند تقلب الجو الذي عرفت عنه مباشرة قبل الإقلاع، وكنت قررت التظاهر بوجود عطب ما بالطائرة كي أجد طريقة للتخلص منكِ بهدوء دون أن يلاحظ زميلاك حتى أجد شخصاً يشهد لصالحي وقت اللزوم، وكنت سأماطل كي نبقي بالبرية لأطول وقت ممكن لكن ماذا أفعل! غباءك في الثقة بى والتحليق معي بهذا الشكل وحدك قد خدمني بالوصول لهذه الفكرة؛ بأن أجعلك تموتين هلعاً قبل أن تموتي حقًا، والآن وداعاً.. ودعي نقود والدك تساعدك بهذه المحنة "
فقالت بذعر وهي تراه يبتعد وتحاول اللحاق به :
"لا تكن متهورًا، باولو وريتا لابد أنهما استيقظا الآن وسيعرفان أننا معاً وسيشكان بك "
لكنه لم يرد عليها وركض سريعًا وابتعد، فأخذت تصرخ به بغضب وهي تركض خلفه لتلحق به لكنه كان سريع جدًا ويعرف طريقه جيدًا، وبلحظة واحدة وجدته يختفي بين الأشجار دون أن تتمكن من رؤيته، فظلت تركض دون هدي غير مصدقة ما يحدث معها حتى سمعت أخيرًا بخيبة قاتلة صوت الطائرة من مكان قريب وهي تُحلق بعيدًا .
****
"ألم تجديهما ؟"
قال باولو هذا لريتا بقلق؛ فهم استيقظوا منذ بعض الوقت لكنهم وجدوا كورن ولوسي غير موجودين، فقال باولو بقلق وقتها :
"أين ذهب كلاهما ؟ هيا انهضي لنبحث عنهما"
فقالت ريتا له بهدوء :
"لابد أنهما يتنزهان بالجوار، فلوسي دومًا تستيقظ مبكرة "
فقال لها باولو بغضب :
"قلت لك أنا لا أثق في ذلك الشخص المدعو كورن لذا علينا البحث عنهما "
فقالت ريتا بتوتر :
"اهدأ يا سيد مارتين، فلو تحركنا من هنا من الممكن أن نتوه "
فقال لها بعصبية :
"كلا اذهبي بذلك الاتجاه بخط مستقيم وأنا سأفعل بالمثل بالاتجاه الأخر وسنلتقي هنا بعد ربع ساعة "
وافقته ريتا وهي خائفة للغاية من أن تتحرك وحدها بمثل هذا المكان، ونظرت له بحنق مستمعة لكلامه وهي تود أن تقتله، فلو كانت لوسي وحدها كان أصابها القلق لكن هي مع طيار محترف لذا ما الضير ؟ فسارت تنظر حولها وهي ترتعش بشدة وعندما لم يثمر بحثها عن شيء عادت وهي قلقة، ووجدت باولو يعود هو الأخر قائلًا لها :
"ألم تجديهم ؟"
فقالت له وهي تهز رأسها بقوة :
"كلا، لم أعثر عليهما "
فتنفس باولو بخشونة ثم قال لها بحسم :
"اسمعي لقد أتينا من هذا الطريق بالأمس ولابد أن الطائرة بهذا الاتجاه لذا لنسير ربما يكونا هناك "
أومأت برأسها موافقة فإن كانت ستسير معه وليس وحدها فلا بأس بذلك، فسار كلاهما بين الأشجار لفترة طويلة، فقالت له ريتا :
"هل أنت متأكد أننا نسير في الاتجاه الصحيح ؟"
أومأ برأسه قائلًا لها :
"نعم متأكد، فلقد سرنا لمسافة طويلة أقرب لساعة كاملة بالأمس ولا أعرف لما لم نبق بمكان قريب بجوار الطائرة فقط !!"
فقالت ريتا ببساطة :
"هذا لأن الطيار كان يبحث لنا عن مكان آمن للنوم، ولقد كان محقًا فلقد نمنا جيدًا دون مشاكل باستثناء البعوض طبعًا "
لم يرد باولو لأن الكلام لم يعجبه فهو قلق علي لوسي ولا يعرف لما، وفجأة قالت له ريتا :
"ها هي الطائرة "
فاقتربا منها بسرعة ووجدا كورن ينحني بداخلها ووجهه يمتلئ بالشحم ويمسك ببعض الأسلاك يصلها بعضها ببعض بتركيز، فنظر باولو حوله ولم يجد لوسي، فقال لهما كورن عندما رآهما: :-
"صباح الخير هل استيقظتم !!..جيد أنكم عرفتم طريقكم إلي هنا ..لكن أين آنسة مالفوي ؟"
فبادره باولو قائلًا له بعصبية :
"أهي ليست معك ؟"
فنظر له كورن وهو يضحك بسخرية بداخله ويشعر بالرضا كونه اختار هذا المكان بشكل مناسب بحيث لم يسمعوا الطائرة وهو يقلع أو وهو يعود، وقال بشكل تمثيلي وهو يتظاهر بالقلق :
"كلا ليست معي لقد استيقظت مبكرًا كي أصلح عطل الطائرة ولقد انتهيت للتو، وكنت علي وشك أن أستدعيكم كي نعود لسيدني "
فقال باولو بغضب :
"لوسي تلك الحمقاء فضولها سيودى بها لكارثة، لابد أنها سارت بعيدًا لاستكشاف المكان "
فقال كورن بجدية :
"تبًا لقد حذرتكم قبلًا بأن هذه الأماكن خطرة، هيا دعونا نذهب للبحث عنها حتى نذهب بطريقنا "
كان كلام كورن يبدو جاد جدًا بشكل صدقوه كليًا، فقال له باولو وهو يراه يقود عملية البحث:
"حسنًا لنفعل، دعونا نتفرق كي نجدها أسرع "
فقال كورن له :
- "كلا؛ قلت لك أن هذه الأماكن خطرة، فلنبق سويًا سيكون أفضل فلا نريد أن يتوه شخص أخر "
هز باولو رأسه متبعًا كورن بعملية البحث عن لوسي وقد صدق تماماً هو وريتا أن كورن شخص برئ .

****
"يا إلهي لا أستطيع أن أصدق، هل سينتهي بى الحال بمكان كهذا ؟"
قالت لوسي هذا لنفسها بتوتر شديد، فالمكان الذي بدا لها خلاباً منذ بضعة ساعات مضت يبدو الآن مخيفاً للغاية، تقلصت معدتها من الجوع والعطش فالشمس الآن وقت العصر تكون حارقة للغاية ، فنظرت لساعتها الضوئية بألم فهي تسير منذ ساعات بلا هدي علها تعثر علي من يساعدها، وفكرة آكلو لحوم البشر تجعلها ترتعب للغاية، لكن بالتفكير بنية كورن هو قصد ترويعها منذ البداية وربما ما قاله عن آكلو لحوم البشر لم يكن صحيحاً كليًا، يا إلهي كم هي وحيدة الآن تأمل فقط أن يكشف باولو وريتا ما فعله كورن ويأتيان لمساعدتها سريعًا قبل أن يحدث لها شيئًا، فكرت بوالدها بألم ألن تراه مجددًا !! تذكرت حوارها معه قبل أن تبدأ هذه الرحلة عندما قال لها بغضب :
"لن تفعلي هذا مجددًا يا لوسي، فأنت ما إن تخرجي بإحدي رحلاتك هذه لا تتصلي بى أبدًا كي أطمئن عليك وتظلين بالأسابيع غائبة دون اتصال واحد، ألا تعرفين بأنني أقلق عليكِ بشدة ؟"
ضحكت قائلة له :
"لا، هي أخبار جيدة أيها الرجل العجوز، ثم أنا أغلب الوقت أكون بأماكن لا يتوفر بها شبكات اتصال جيدة، وأيضًا دومًا أكون مع فريق من الخبراء، لذا لو حدث لي شيء سيصلك الخبر، ورحلتي هذه المرة لا يمكنني تحديد وقت محدد لها؛ لأنني سوف أذهب لاكتشاف موضوع جديد لحلقات برنامجي، لذا لا تكن لحوحًا وتصرف كرجل أعمال "
عادت لواقعها المر وهي تفكر أنه بالتأكيد لن ينتظر منها اتصال لوقت طويل للغاية، لكن باولو وريتا لو لم يجداها سيبلغان السلطات وسيتم إرسال طائرة استكشافية للبحث عنها، ووالدها سيقوم بالبحث في الجحيم نفسه ليجدها، لكن السؤال الذي تقلق منه هو.. هل سيجدها سالمة أم سيكون قد حدث لها شيئًا !! تنفست بعصبية والرعب يتسلل لأعماقها بشكل أقوي .

****
"يجب أن نبلغ السلطات عن فقدانها، فاختفائها بهذا الشكل حتى الآن مخيف وربما يكون قد حدث لها شيئًا "
قال باولو هذا بفزع حقيقي، فهم بحثوا كثيرًا في كل الجهات المجاورة والآن الشمس بدأت رحلة المغيب وهي لم تظهر بعد، فقال له كورن بقلق زائف :
"يبدو أن زميلتكم متهورة للغاية فكيف تبتعد بهذا الشكل بمكان كهذا، لو لم تكن الشمس قد بدأت تختفي لقلت لكم أن نبحث عنها جوًا "
فقال باولو بقلق شديد :
"أنا لن أتوقف عن البحث، ماذا إن كانت تأذت أو أُصيبت وتختبئ خوفًا في مكان ما "
فقال له كورن :
"التهور لن يفيد في مثل هذه الحالات يا سيد مارتين، ونحن يجب أن نرتاح ونعاود البحث جوًا في الصباح "
فقالت ريتا موافقة علي كلام كورن :
"كورن محق لقد سرنا طويلاً وقد أُنهكنا، ورغم قلقي الشديد علي آنسة لوسي لكن أعتقد لن نفيدها ونحن نسير بلا هدي هكذا "
تجاهل باولو كلام ريتا وقال لكورن :
"إذن لنتصل باللاسلكي ونجعل السلطات ترسل فريقًا للبحث عنها الآن "
فقال كورن له وهو يهز رأسه بأسف :
"أنا أصلحت الرادار لكن اللاسلكي لازال مُعطل، وحتى لو كان سليمًا لن يتحرك أحد ليلًا؛ فعمليات البحث تتم بالنهار، ونحن بعيدون بشكل كبير جدًا عن الطائرة وقد يأخذ الأمر الليل بطوله فقط لنعود لمكانها، لذا دعنا نجد مكانًا مناسبًا للتخييم وغدًا صباحًا سأمشط المنطقة كلها جوًا "
فقال باولو بألم وتوتر :
"كيف يمكنني الراحة وأنا لا أعرف أين هي الآن ؟"
فقالت ريتا ودموعها بدأت تنزل قلقًا علي لوسي :
"يا إلهي.. تري أين هي الآن ؟ وهل هي بخير ؟"
أنهي كورن الحوار قائلًا :
"نتمنى أن تكون كذلك "
****
شعرت لوسي بشيء يلمسها، فبدأت تتأوه بلا وعي وهي تظن أن كل ما حدث لها لم يكن سوي كابوس مُزعج، ففتحت عينيها وهي تشعر بألم بظهرها وضعف بجسدها، لكن ما إن نظرت أمامها حتى كادت أن تطلق صرخة مدوية؛ فأمامها حيوان بدا لها لأول وهلة كالدب يقف يتحسسها وينظر لها بفضول، فكتمت أنفاسها حتى لا يؤذيها وهي تشعر بأن كل المعلومات التي تعرفها عن الحيوانات البرية تختفي من رأسها كليًا، لكنها وجدته يبتعد ثم يتسلق الشجرة ببساطة كالقرود، فأخذت أنفاسها وهي تكاد تشعر بالموت ناظرة له بذهول، فكيف يكون دب ويتسلق شجرة بحجمه هذا !!..وعندما راقبته بعد أن ابتعد عرفت ماهية هذا الحيوان فورًا؛ فهو الكنغر الشجري أحد أنواع الكنغر القليلة التي تعيش بغابات غينيا، فيديه وجسده مهيئين لتسلق الشجر، فبدأت تندب حظها بقسوة؛ فها هو أحد الحيوانات المهددة بالانقراض أمامها وهي لا تهتم حتى بتصويره.
تنفست بتوتر وهي تشعر بالارتجاف، فهي لم تتخيل أن تقضي الليلة وحيدة في الغابة، لعنت كورن وفكرت إن كان قد خدع باولو وريتا أو أنهما كشفا حقيقته ويبحثان عنها الآن؟ لماذا فقط لا يظهران سريعًا، فلقد عاندها القدر بالليل لتقضي أسوء ليلة ممكنة بحياتها؛ حيث تساقطت الأمطار بغزارة وبللتها للعظم، وعندما لجأت لتلك الشجرة لتجلس تحتها ظلت مؤرقة طيلة الليل لم تنم وحولها أصوات مخيفة تصدر من كل مكان مما جعلها تشعر باليأس وبأنها ستنتهي حقًا هذه المرة وكله بسبب ستيفان مجددًا لا سامحه الله هو وشقيقه، تتمني أن يكون يحترق بالجحيم.
وظلت تنظر حولها تترقب وفي النهاية لم تعرف كيف وقعت بالنوم، لكن جسدها كان يابسًا كالخشب والألم يحوط جسدها من كل مكان، ولحسن الحظ كانت الشمس قويه لعلها تدفئها قليلًا فهي منهكة قلبًا وقالبًا، فنظرت للشمس التي تبث شعاعها بين الغصون بعين مرهقة وصداع يكاد يفتك برأسها، وشعرت برغبة في البكاء لكنها لن تبكي فهي أقوي من ذلك، وسوف تنجو وتنتقم من ذلك الوغد كورن.
نظرت لأثار المطر التي لم يعد لها أثر بين الأشجار، وسارت ببطء محاولة الخروج من منطقة العشب الكثيفة ونظراتها تحوم حولها خوفًا من أي شيء سواء كان حيوانًا أو إنسان، ثم أمسكت معدتها بألم؛ فهي جائعة وعطشة للغاية، والأعشاب المدببة بدأت تجرح ذراعيها وتخترق قميصها القصير الأكمام، فنظرت لنفسها بغضب فهي صارت قذرة بين ليلة وضحاها...

فجأة سمعت حفيف حولها فخفق قلبها بذعر وهي ترتجف.. فما يكون هذا ؟ ودون مزيد من التفكير بماهية ذلك ركضت برعب وهي تنظر حولها بفزع، و اكتملت الصورة عندما عُلقت ساقها بأحد الفخاخ المصنوعة خصيصاً للحيوانات، فصرخت بقوة وهي تُسحب عاليًا من قدمها إلي أحد الأشجار بحبل طويل وصارت مُعلقة كالذبيحة رأساً علي عقب، فأخذت تصرخ بقوة وهي تصيح :
- "النجدة ...النجدددة"
وفجأة وكأن الأرض انشقت علي مصراعيها، وجدت عديد من الرجال من ذوي الملابس الغريبة ويرتدون أقنعة طينية مرعبة علي الوجوه يظهرون أمام ناظريها، أوه يا إلهي.. هل هؤلاء هم آكلي لحوم البشر ؟ فكرت بفزع !! تبًا لك يا كورن، فلقد نجح في زرع مخاوف كبيرة بداخلها وإلا لكانت الآن سعيدة لرؤية بعض البشر الذين أتوا لنجدتها، فشعرت بالرعب الشديد وظلت تنظر لهم وهم يشيرون لها ويتحدثون بلغة غريبة، فبدأ الرعب يندب أكثر في أوصالها، ووجدت أحدهم يرفع حربة ضخمة في يده ناحيتها فصرخت أكثر.. يا إلهي إنهم حقًا سيقتلونها ويأكلون لحمها بوحشية، لكنها وجدت الرجل يضرب الحبل التي هي مُعلقة به بالجزء المدبب بحربته، ووجدت نفسها تقع أرضًا بعنف وبلا رحمة، فرفعت رأسها تنظر إليهم بغضب وخوف شديد فوجدتهم يصيحون بها لتنهض، فارتجفت أوصالها وقالت لهم متظاهرة بالتماسك لكن لم يخرج صوتها من حلقها سوي مهزوز وضعيف :
"ماذا تريدون ؟ دعوني وشأني "

****
"تبًا اللعنة، لقد انتهي أمري "
قال كورن هذا بغضب وعصبية شديدة وهو ينظر للطائرة الرابضة أرضًا بحسرة شديدة، فهم ما إن استيقظوا من النوم قرروا العودة للطائرة للقيام بعملية بحث جوي، وكان باولو متعجلًا للمغادرة، فقال له كورن ليهدئه :
"أهدأ يا سيد مارتين سوف نجدها سالمة لا تقلق "
فتنفس باولو بعصبية قائلًا له :
"لقد كان خطأ أن نترك المكان الذي خيمنا به أول ليلة، ماذا إن كانت عادت إلي هناك ولم تجدنا"
فقالت له ريتا :
"آنسة لوسي ليست غبية، فلابد أنها حددت طريقها قبل الابتعاد ولابد أنها أيضًا كانت ستتمكن من الوصول لمكان الطائرة، لذا عدم عثورنا عليها يجعل الأمر مخيفًا حقًا، ماذا إن كانت قد أمسكت بها إحدي القبائل الآكلة للحوم البشر ؟"
قال كورن ردًا علي كلامها وهو يتمني أن يكون قد حدث ذلك لها فعلًا :
"لو حدث شيء كهذا حقًا ستكون كارثة حقيقية، ولابد أن الآنسة لوسي صارت هباءً منثورًا "
شعر باولو بالغضب من كلامهم وصاح بهم :
"لا تقولوا ذلك، لوسي بأمان فهي لن يحدث لها شيئًا، هيا لنذهب "
وتحرك قبلهم فتبعوه وبدئوا المسير خلفه دون أن يتفوه أجدهم بكلمة، لكن عندما وصلوا لمكان الطائرة شهق كورن بقوة فهناك حول الطائرة كان ينتشر عديد من الرجال بأسلحة بشكل مُريب، فقال كورن بغضب شديد :
"تبًا ما هذا ؟..اللعنة لقد انتهي أمري "
فنظر باولو بقلق شديد وقال لكورن :
"هل هؤلاء إحدي هذه القبائل الآكلة للحوم البشر ؟"
قال كورن بتوتر وهو يحاول الاختباء حتى لا يرونه :
"لا أعرف لكن لا أظن فأغلب القبائل التي تعيش في بابوا قبائل بدائية للغاية ولا أعتقد أنهم يستخدمون أسلحة كتلك، ربما كانوا بعض الثوار أو عصابة ما لها وكر بالجبال "
فقالت ريتا بفزع :
"لكن كيف سنخرج من هنا وهم يحرسون الطائرة ويضعون يدهم عليها؟!"
قال كورن بتوتر وهو يحاول عصر ذاكرته ليتذكر أي شيء عن أشخاص كهؤلاء وقال بتوتر :
"لا أعتقد أن الطائرة تثير اهتمامهم ، أظن أنهم قلقين أكثر حول وجودها بالمنطقة "
فقال له باولو بحسم :
"ربما يتركونا نذهب في حالنا إن عرفوا أننا لا نبغي سوءً ا"
تنفس كورن بتوتر وقال :
"لا أعرف إن كانوا يتحدثون الإنجليزية وسيتفهمون موقفنا "
قال له باولو بشجاعة :
"إذن لنذهب لهم ونحاول التفاهم بهدوء"
نظر له كورن وقال له بعصبية :
"ماذا إن قتلونا؟ دعنا نختبئ وعندما ينامون أو ربما يرحلون نأخذ الطائرة ونهرب من هنا "
فقالت لهم ريتا وهي تشعر بالذعر :
"يا إلهي! أنا خائفة ولدي شعور سيء بخصوص هذا الأمر "
لم يهتم كلاهما بما قالته لكنهم فجأة سمعوا صياح من خلفهم بلغة غريبة، فشهقوا بعنف وهم يلتفتون ووجدوا أحد هذه الرجال يقف خلفهم ويصوب سلاحه إليهم وهو يصيح بهم بقوة ..

****
"ماذا تريدون مني ؟ دعوني وشأني "
قالت لوسي لهم هذا بصوت ضعيف يكاد يكون مبحوحًا من الرعب وهي ترمقهم بنظراتها وجسدها يرتجف، فوجدت أحدهم يشدها من ذراعها بقسوة قائلًا شيئًا ما بلغته لكنها لم تفهمه وظلت تنظر له بفزع، ووجدت نظراته تدل علي عدم الصبر، فقط دفعها بغلظة لتسير أمامهم فقاومته بعنف وهي تزيح يدها بعيدًا عنه، لكنه أمسك بها بقسوة أكبر وهو يجرها ورائه بخشونة، فأغمضت عينيها بقوة، لا يمكنها التصديق، عليها أن تهرب لكن !! إلي أين؟

يبدو أن ذلك الوغد كان محق وهي لن تعود لموطنها أبدًا، فدمعت عيناها غير مصدقة ما آل إليه أمرها وهي تُسحب كالذبيحة إلي المقصلة، وبلحظة تهور وتَمسك بحبل للنجاة دفعت الرجل الأقرب إليها بعيدًا بقوة وركضت بجنون بعيدًا عنهم، فإن كانوا ينتظرون أن تكون الليلة موجودة علي مائدة عشاءهم فعليهم أن يفكروا مرتين، سمعت صياحهم الغاضب خلفها لكنها لن تلتفت، فقط لتركض حتى تبعد بعيدًا أبعد ما يكون عن هنا .
وفجأة شعرت بشيء يلتف حول ساقيها ووجدت نفسها تنقلب رأسًا علي عقب أرضًا ويتم جرها أرضًا كالذبيحة، فحاولت بقوة واهية التخلص من الحبل الذي التف حول ساقيها لكن دون فائدة، ووجدت نفسها أمامهم مجددًا وهم يصيحون بها بغضب وشراسة، فشعرت برغبة في البكاء بعد أن فقدت البقية الباقية من قوتها، وعندما دفعوها للمسير معهم هذه المرة فقط سارت كما أمروها غير قادرة علي المقاومة كالشاة التي سيتم ذبحها لتكون أُضحية، واكتنف الدوار والوهن رأسها بسبب بقائها ليلة أمس كاملة دون طعام أو شراب .
مر وقت طويل علي سيرهم داخل الغابات ثم بدئوا يتسلقون فوق المرتفعات ذات التضاريس القاسية، بينما قد بدأت تشعر بتصلب ساقيها من كثرة المسير، وكانوا يدفعونها كي تتحفز للمسير رغمّا عنها بتلك الحربة ليحثوها علي عدم الاعتراض، وتجدهم كل لحظة يتحدثون بلغتهم الغريبة وهم يرمقونها بعينيهم بتحفز شديد، وهي لم تفهم ما الذي قد يريدونه منها ؟ فهي لازالت لا تستطيع التصديق إنهم قد يأكلونها فعلًا، فظلت تحاول بث بعض الأمل بداخلها رغم انعدامه كليًا.
وبعد وقت طويل للغاية وجدتهم يصلون بها لمكان غريب حوله أشجار وارفة، وهناك مباني مبنية من الخوص والطوب الني من طابق واحد تبدو أشبه بالخيام، ووجدت المكان يمتلئ بأشخاص آخرون لكن دون وجود تلك الرسوم الغريبة بوجوههم، وما إن انتبه الجميع لوجودها حتى وجدت الكل يتجمع ويتحدثون للأشخاص الذين أتت معهم بصوت عالٍ، وعرفت من تعبير وجوههم أن وجودها غير مرغوب به وهذا جعلها تطمأن قليلاً؛ لأنه يعني أنهم لن يحاولون أكلها كما كانت تظن، ثم وجدت شخصًا يخترق صفوف الجميع ويتحدث لأحدهم بصوت يملئه الاندهاش وهو يرمقها بنظراته، فشعرت لوسي بآخر ذرات شجاعتها الواهنة تتبخر وهي تصيح بهم بتوتر :
"ما الذي ستفعلونه بى ؟ ليجيبني أحدكم قبل أن أموت "
فوجدت ذلك الرجل الذي اخترق الصفوف قبل قليل ينظر لها ويقول بصوت واضح بإنجليزية سليمة لا تشوبها شائبة :
"اصمتي الآن فلن يؤذيكِ أي أحد"
شهقت لوسي غير مصدقة و تنهدت بارتياح وهي تلتقط أنفاسها التي كتمتها طويلًا، وكادت تطلق صيحة سعادة؛ فهناك من يتحدث الإنجليزية هنا ويقول لها أنهم لن يؤذوها، فقالت له تقاطع كلامه مع أحدهم بلهفة :
"إذن دعوني أذهب، يا إلهي.. كم كنت خائفة! "
لم ينظر لها الرجل مجددًا، ووجدته يحدث الرجال بتلك اللغة بطريقة عنيفة بعض الشيء وكان من الواضح أن الرجال لم يعجبهم كلامه، ووجدت كثير منهم يبتعدون بينما ذلك الرجل يتنفس بعصبية ناظرًا لها، فحدقت به بملامحه القوية وشعره الأسود الطويل الذي يصل لكتفيه، فتساءلت لماذا يبدو مختلفًا عن الآخرين هنا !!..لون بشرته، وعدم خشونة ملامحه، ولهجته السليمة بلغتها، فوجدته يصيح بها قائلًا بعنف لا تفهمه :
"ما الذي كنتِ تفعلينه بمكان خطر كهذا ؟"
نظرت لطريقته في الكلام معها وانزعجت فهو كالذي يحاسبها علي ما يحدث لها الآن، فقالت له بعصبية :
"ألا يُخبرك مظهري المذري أنني لست هنا برغبتي الخاصة "
وجدته يبعد شعره للوراء وكأنه يهدأ من نفسه وقال لها :
"وكيف وصلت إلي هنا ؟"
نظرت له لا يعجبها أن يستجوبها بهذه القسوة، فهي من تريد أن تعرف ما الذي يريدونه منها وإن كانوا سيساعدونها في الخروج من هنا أم لا ؟ وفكرت لوهلة ما الذي من الممكن أن تقوله له !! أن أحد الأوغاد تركها قسرًا هنا للانتقام ؟ وهل شخص مثله سيهتم ؟فقالت له بعصبية :
"لقد سقطت من إحدى الطائرات "
وجدته ينظر لها بغضب قائلًا :
"سقطت ؟ هل هناك كلمة أبله مكتوبة علي جبيني !! ماذا تعني بأنكِ سقطتِ ؟"
تنفست بحنق قائلة له :
"كان هناك من يضايقني فقفزت من الطائرة بالمظلة، هل ارتحت ؟"
وجدته ينظر لها لا يعجبه إجابتها، وليكن هي لن تشرح له شيئًا علي أيه حال، وجدته يعاود تلك الحركة بإعادة خصلات شعره للوراء بشكل زاد من عصبيتها وكادت تصيح به "إن كان يضايقك فقصه فحسب، فلقد وترتني أكثر مما أنا متوترة بالفعل "
وجدته يبتعد، فقالت له بسرعة :
"انتظر ..ألن تخبرني ما الذي سيفعلونه بى ؟"
نظر لها وهو يتنفس بضيق لا تفهمه ثم قال بعصبية:
"بالتأكيد سيخرجونك من هنا وبأقصى سرعة فهم هنا لا يحبون الزوار ويفضلون العزلة "
تنهدت مجددًا براحة وتذكرت كورن ولعنته للمرة المليون لإدخاله أمور غريبة برأسها، لكن نظرت للرجل وفكرت بدهشة فلقد قال هم ولم يقل نحن.. أهذا يعني أنه ليس منهم !!.
وجدت رجلان يقفان خلفها ممسكان بتلك الحربة بطريقة مخيفة وكأنها متهمة، وعادت تنظر للرجل الذي كان يحدثها توًا ثم ابتعد دون اهتمام، واندهشت لوجود تجمع للرجال بالقبيلة حيث اتجه أغلبهم لذلك المبني هناك وهم يتحدثون بصياح وكأن هناك اختلاف بوجهه النظر. وبعد لحظة وجدت أحدهم يأتي من هناك قائلًا شيئًا للرجُلين الواقفين متأهبان خلفها، ووجدتهم بعدها يأخذونها لخيمة رثة ويلقون بها بالداخل ويغلقون الباب الخشبي عليها كالسجينة، فقالت لهم بعنف :
"لماذا تقومون بحبسي؟ فلقد قال لي ذلك الرجل أنكم ستتركونني أرحل "
لكن لا أحد أجابها وتركوها مهملة بهذه الخيمة، فجلست أرضًا وهي تمسك معدتها وتتحسس جسدها المنهك الذي تم جره بلا شفقة من أولئك الحيوانات البدائيون .
****
ما إن سمع باولو وريتا وكورن صوت الرجل المخيف وهو يصيح بهم بهذه اللغة الغريبة حتى انتصب ثلاثتهم بفزع وكورن يقول للرجل بتوتر :
"اهدأ يا رجل، نحن لا نريد أن نؤذي أحدًا "
لكن الرجل صاح بهم مجددًا بهذه اللغة بعنف أكثر، فقال باولو لكورن :
"تبًا إنه لا يفهمنا "
ثم نظر للرجل وقال له ليهدئه :
"ترفق بنا أيها الرجل نحن لا نفهمك"
وبكت ريتا بخوف وهي ترمق ذلك الرجل المخيف بنظراتها المذعورة خاصة عندما صاح بصوت عالٍ والتفت له رفاقه وتجمع بعضهم حولهم وتكفل أحدهم بدفعهم بمدفعه الآلي بغلظة وجعلوهم يسيروا حتى وصلوا أمام الطائرة، وقال لهم شخص أخر بدا كقائدهم شيئًا لم يفهموه، فقال له كورن وصوته يرتجف :
"نحن لا نتحدث لغتكم "
بينما صاح بهم باولو :
"هل يتحدث أحدكم الإنجليزية هنا ؟"
فاقترب أحد الرجال وقال لهم بخشونة :
"من أنتم.. وماذا تفعلون هنا ؟"
تنفس كورن براحة وقال له بسرعة :
"هذه الطائرة خاصة بى، ونحن كنا فقط نتجول في الغابات ولا نقصد أذية، فقط دعونا نرحل"
نظر له الرجل بخشونة وقال شيئًا ما لرجاله، فقال باولو له بشجاعة :
"ما الذي يقلقك بشأننا ؟ لقد تعطلت الطائرة وهذا سبب هبوطنا هنا وإن تركتنا سنرحل دون مشاكل "
قال الرجل معيدًا كلمته بشراسة : "مشاكل ؟"
تبًا هل هذا ما فهمه من كلمته ؟ فوجد الرجل ينظر له بطريقة مخيفة قائلًا :
"لا أحد يدخل منطقتنا ويفتعل المشاكل، وأنت لن تذهب لأي مكان سوي معنا "
وأشار للرجال الذين تجمعوا حولهم قائلًا لهم شيئًا ما، فقال كورن لباولو بغضب :
"تبًا لك لقد أغضبته.. لماذا تدخلت ؟ كان يمكنني حل الأمر "
فقال له باولو بعصبية :
"اصمت هم لم يكن بنيتهم تركنا من الأساس، لقد قرأت هذا بعينيه "
بينما قالت ريتا وهي تحاول الاختباء خلف باولو من نظراتهم الغريبة لها :
"ماذا سيفعلون بنا ؟"
تنفس باولو بخشونة وقال بمزاح ليس بموضعه : "سيأكلوننا طبعًا "
فشهقت ريتا بعنف وأمسكت بذراعه ودموعها تنزل بغزارة قائلة :
"كلا.. أنا لا أريد أن يأكلني أحد "
نظر لهم باولو وهم يتحدثون لقائدهم وكأنهم يقررون بالفعل ما سيفعلونه بهم، ثم قال لريتا :
"لا تخافي لن يلمسك أيهم، أعدك بذلك "
رغم فزعها الشديد كلمة باولو أثرت بها فهي لم تجد أبدًا بعد وفاة والديها من يقول لها كلمة مماثلة، فوثقت به رغم معرفتها أنهم لو قرروا أذيتها لن يمكنه فعل شيئًا، فوجدت ذلك الرجل يقول لهم :
"سيروا أمامنا الآن "
ووجدت بعضهم يرافقوهم لمكان ما بعيد عن الطائرة، فقال كورن بتوتر :
"يا إلهي.. ما الذي ينوون فعله؟ لو حدث شيء للطائرة سيضيع مستقبلي وشركة الطيران ستقاضيني "
فصاح به باولو بغضب :-
"فكر بأرواحنا التي لا ندري ما سيحدث لها أولًا، فالآن نحن يتم اختطافنا "
ونظروا أمامهم فوجدوا سيارة قديمة للدفع الرباعي مفتوحة من الخلف كسيارات النقل، ووجدوا الرجال يحشرون أنفسهم بها ويدفعوهم للركوب معهم، فقال باولو بأسف :
"تبًا.. لو فكرنا الآن في المقاومة سيقتلوننا دون أن يرف لهم جفن ورغمًا عنا يجب أن نستسلم، ولوسي وحيدة الآن بمكان ما.. وحيدة وخائفة "
نظرت له ريتا وقالت له بذعر :
"أتمني أن تكون آمنة الآن وتأتي لنجدتنا "
سمع كورن كلامهم والحقد يملئه فها هو يقع بنفس المطب الذي أعده لتلك اللعينة لوسي، فانحشر باولو وكورن بين الرجال، وجد باولو احد الرجال يدفع ريتا وهو يلمسها بطريقة لم تعجبه، فقام بشدها نحوه وهو يرمق الرجل بغلظة مما جعل الرجل يضربه بكعب مدفعه في رأسه، فشهقت ريتا فزعًا وقالت لباولو بقلق:-
"يا إلهي.. سيد مارتين هل أنت بخير ؟"
فنظر باولو للرجل بغضب ومد قبضته ليضربه بغضب شديد، لكن كورن أمسك بيده بسرعة قائلًا له برجاء :
"أرجوك لا تعطيهم سببًا لقتلنا "
فضم باولو قبضتيه بغضب شديد وهو يتحسس رأسه التي نزفت .

****
تأوهت لوسي بألم وجسدها يؤلمها بشدة وهي تشعر بهبوط شديد في دورتها الدموية، فتحت عينيها غير مصدقة أنها قد غفت في مثل هذه الظروف ولا تعرف حتى لكم من الوقت قد غفت، فنظرت لتلك الخيمة وذلك الفراش البدائي المصنوع من الخشب، ورأت الشمس بازغة يتسلل ضوئها بين طيات الخيمة، فها قد مر يوم أخر لها دون طعام.. كم تشعر بالموت، ثم بدأت تفكر هل سيتركونها تذهب حقًا ؟ وفجأة سمعت باب الخيمة يتم فتحة ففزعت وجلست منكمشة وهي تنتظر الأسوأ، فوجدت من يدخل عليها امرأة سمراء بدينة لديها شعر مجعد كثيف تعقصه بإهمال، وجدتها تحمل بيدها طبق كبير به قطعة كبيرة من اللحم المشوي وقدح فخاري به بعض الماء، فتسللت رائحة الطعام لمعدتها مما جعلها تود لو تختطف ذلك الطبق منها، فابتسمت لها المرأة ووضعت الطبق أمامها، فنظرت لها لوسي قائلة لها بتوتر :
"أنتم لا تطعموني كي تأكلونني صحيح ؟"
فوجدت المرأة لازالت تبتسم ببلاهة ثم خرجت من الخيمة تاركة الباب غير موصد، فاندهشت لوسي وأمسكت بالطبق تري أن تأكل بشدة فكم هي جائعة، لكن وهي تأخذ أول قضمة نظرت للحم لوهلة وفكرت بخوف "هل هذا لحم بشري ؟"
مجرد التفكير جعلها تدفع بالطبق بعيدًا عنها بقرف واكتفت بشرب الماء فقط، ودت لو تبكي فهي جائعة حقًا، فنهضت وخرجت من الخيمة والغريب أنها لم تجد أحداً يحرسها.. تري ما السبب !! فلقد كانوا يتصرفون سابقاً وكأنها مجرمة خطيرة، فوجدت هناك ناراً مشتعلة يتجمع حولها بعض الرجال يقومون بشواء حيوان ما موضوع فوق النيران، وفي الجهة الأخرى رأت البعض يقومون بمهارات حرفية من الخوص والقش، ففكرت براحة أن اللحم الذي أرسلوه لها هو بالتأكيد ليس بشريًا، فتنهدت وعادت للخيمة وقررت أن تأكل كي تستجمع شجاعتها، وبالفعل أمسكت بذلك الطبق وأكلت كل ما يوجد بداخله، وبعد خمس دقائق فقط تنفست براحة وهي تشعر بالشبع، الآن عليها البحث عن ذلك الرجل الفظ الذي يتحدث بلغتها ومعرفة كل شيء عن هذا المكان والنقاش معه حول كيفية مساعدتها للخروج لمكان آمن والعودة لموطنها، لذا خرجت من الخيمة بثقة أكبر رغم رغبتها الشديدة في الاغتسال، فهي أصبحت رثة وقذرة وشعرها الأملس صار مجعد بسبب عدم تمشيطه بعد أن أبتل بالأمطار ليلة أمس، فوجدت رجلًا يقف في طريقها ما إن خرجت، كان قصير وأسود اللون بشعر مجعد طويل وملامح خشنة كأغلب الرجال الذين رأتهم هنا، فنظرت له تريد أن تفهم ما يريد قوله، فوجدته يقول بلغتها بلكنة ثقيلة : "مرحباً "
إذن هناك آخرون بهذا المكان يتحدثون بلغتها !! فقالت له بعصبية :
"مرحبًا، كنت أريد أن أعرف أن .."
قال لها الرجل مقاطعًا إياها وهو يبتسم ببلاهة :
"أتريدين الاغتسال ؟"
كان ينطق الكلام بصعوب، فعرفت أنه لن يفيدها كثيرًا لكنها قالت رغمّا عن هذا :
"إن كان هذا ممكن "
فوجدته يصيح منادياً لأحدهم وكانت امرأة بلا ملامح تقريبًا من شدة لون بشرتها القاتمة و يقول لها شيئًا ثم يبتعد، لتجد المرأة تسحب يدها معها وتأخذها لمكان قريب وجدت به بحيرة رائعة منعزلة وأعطتها ملابس تشبه ما يرتدون من تلك الملابس البالية، فتنهدت بعصبية وفكرت أنه لن يضرها أن ترتدي هذا حتى تغسل ملابسها، علي الأقل هذه الملابس نظيفة.
فقالت لوسي لها بامتنان :-
"شكراً لك، لكن هل يمكنك إعطائي بعض الخصوصية كي أغتسل ؟"
نظرت لها المرأة وهي تبتسم دون قول شيئًا، فأشارت لها لوسي لتفهم دون فائدة، فتنفست لوسي بحنق فيبدو أن تلك المرأة لن تتحرك من هنا، فاغتسلت لوسي وهي تشعر بالنظافة مرة أخري فالمياه كانت دافئة وممتعة، لكن نظرات تلك المرأة لم تعجبها؛ ربما لونها الأبيض هو ما يلفت النظر إليها فقط، وانتهت سريعًا وسارت خلف المرأة صاغرة دون التفوه بكلمة لن تفهمها تلك المرأة، ولاحظت في مكان جانبي ذلك الرجل الذي يتحدث بلغتها، فقد كان يجلس بجانب امرأة عجوز ويتحدث معها والغضب يبدو علي ملامحه، فتنفست بضيق متسائلة لماذا كل الرجال هنا غاضبون سواء معها أو مع بعضهم؟!
فوجدت تلك المرأة تنظر لها وتبتسم وهي تومئ برأسها، ففعلت بالمثل وهي تفكر لماذا يبتسم البعض بوجهها بينما هي مجرد سجينة هنا ؟هل تغيرت معاملتهم أم هي مخطئة !! وهنا نظر لها ذلك الرجل لكن ما تلك النظرة !!..هل هي غضب.. أم احتقار ..أم كره.. أم هي واهمة ؟ما باله هذا الرجل !! وجدته يترك المرأة العجوز ويبتعد، فحاولت أن تتبعه عندما لفت نظرها بعض النساء اللاتي يقمن بأعمال حرفية جميلة جدًا، فاقتربت لتنظر لما يفعلن عندما وجدت أحدهن تشد يدها لتجلس بينهن، فابتسمت لوسي لها وهي تشرح لها بالإشارة ما تفعلن وتدس بعض الخوص بيدها لتقلدهن، ورغمًا عنها ضحكت لوسي لأنهن يشاركونها بمهارتهن، هذا حقًا مثير ..لماذا لا تبدو القبيلة مخيفة لها الآن ؟ هم فقط بشر عاديون يعيشون حياتهم ببعض القوانين التي قد تبدو غريبة للبعض لكنهم يشعرون بالاكتفاء بها وسعداء، لماذا ذلك الحيوان كورن جعل منهم أكلوا لحوم بشر ؟ ولوهلة جال بخاطرها إن القيام بحلقة تليفزيونية هنا في القبيلة والتحدث عنهم وعن حياتهم الغريبة قد تبدو فكرة ممتازة، ووجدت نفسها تندمج مع النساء رغم عدم فهمها لهن وهي تصنع معهن هذه الأشياء التي فشلت فشلًا ذريعًا بتقليدها.

****
"إلي متي سيتركوننا هكذا ؟"
قالت ريتا هذا بغضب شديد في اليوم التالي مساء، فهؤلاء الرجال ساقوهم بالأمس كالحيوانات عبر الغابة وفي منطقة منحدرة للغاية قرب الجبال، ثم توقفوا وساروا بهم لمسافة طويلة حتى وصلوا لمكان غريب تنتشر فيه مباني من طابق واحد وطابقين، وهناك رجال مسلحون بكل مكان ونساء أقرب للرجال في الشكل بملامحهم الخشنة وملابسهم الرثة، ومروا بينهم كأسرى الحرب بينما ينظر لهم الجميع بفضول ثم قاموا بوضعهم بغرفة واسعة مهملة ليس بها سوي بضعة مقاعد رثة وقش يملئ الأرضية القاسية ثم تركوهم حتى الآن بلا اهتمام، ولم يهتموا حتى بإرسال طعام لهم مما اضطرهم عندما كاد العطش أن يقتلهم أن يشربوا من تلك القارورة الكبيرة الممتلئة بالمياه بذلك الحمام القذر المرافق للغرفة وهم حتى لا يعرفون إن كانت مياه نظيفة أم لا، فقال كورن ممسكًا معدته بجوع شديد :
"يبدو أنهم ينوون تركنا هكذا حتى نموت جوعًا، وأنا لا يمكنني أن أبقي هنا فحسب دون فعل شيئًا، يجب أن أتواصل مع شركة الطيران لأخبرهم أننا مخطوفون وأن الطائرة بحوزة أولئك الأوغاد "
فرد عليه باولو بغضب وضعف شديد بينما الدماء قد جفت بموضعها في رأسه :
"يجب أن نتحدث إليهم، بماذا سيستفيدون بتركنا مهملين هكذا هنا ؟"
فقال كورن له بعصبية :
"نعم أنت محق "
ثم اتجه للنافذة العالية بالغرفة وصاح من خلالها قائلًا :
"أنتم أيها الأوغاد عليكم القدوم الآن والتحدث معنا، كيف تتركوننا هكذا !!أطعمونا علي الأقل إن لم يكن بنيتكم قتلنا "
وظل يصيح بكلمات أخري دون معني، فتنفس باولو بعصبية، وجلست ريتا وهي تندب حظها فهي ظنت أن الدنيا بدأت تتفتح لها وتريها جانبها المُشرق، لماذا إذن يتحول هذا الإشراق لكابوس مزعج ؟ وفجأة سمعت صوت الباب القديم الصدئ وهو ينفتح بعنف ويدخل رجلان مخيفان، وقال احدهما باللغة الإنجليزية :
"لماذا تثيرون الضوضاء أيها الحمقى ؟"
فقال له باولو بغضب :
"ماذا تريدون منا ؟ وإلي متي ستتركوننا هكذا ؟"
بينما قال كورن للرجل :
"أرجوك دعني أتحدث لكبيركم، أريد أن أقول له شيئًا هامًا "
فنظر له الرجل وقال له بخشونة :
"أنت تريد أن تتجرأ وتتحدث للزعيم "
فقال له كورن برجاء :
"فقط قل له أن يستمع لي ولن تندم "
فنظر له الرجل ضاحكًا بغلظة وسحب كورن بقسوة قائلًا له :
"هل تعتقد أن من يتحدث للزعيم يعود حيًا ؟..لنري ذلك "
وسحب كورن معه للخارج، فتبعهم باولو قائلًا لهم بعصبية :
"سوف أذهب معكم "
فقال الرجل له بغضب :
"ابقِ مكانك "
ونظر لريتا المنكمشة جانبًا نظرة لم تعجبها ثم خرج صافقًا الباب خلفه عليهما، فتنفس باولو بغضب وهو يفكر عما عسي أن تؤل له هذه المقابلة، وهل ستضمر لهم الخير!! أم سيكون الأمر بمثابة مصيبة.

****
تنفست لوسي بتوتر وهي تنظر لساعتها الضوئية، فلقد حل المساء ولم يحاول أي شخص أن يتحدث معها كي تفهم ما الذي سيفعلونه معها، فلقد تركوها طيلة النهار تتجول في المكان ولا تنكر أنها قضت وقتًا طويلًا مع أولئك النسوة يصنعن تلك الأشياء واستمتعت بهذا، لكن لا يزال وجودها هنا مُهملة دون أن يتحدث إليها أي شخص أمر غريب ومُريب، تعترف أنها حاولت البحث عن ذلك الرجل لكن دون فائدة، فلقد اختفي عن نظرها وهي حتى لا تعرف اسمه كي تسأل أحدهم عنه، وفجأة وكأنه قد خرج للتو من أفكارها فقد وجدته يجلس وحيدًا تحت أحد الأشجار بعيدًا عن الخيام، ولوهلة بدا لها ضائعًا بأفكاره، فتنفست براحة وقررت قطع خلوته، فاقتربت منه بهدوء ثم جلست بجواره قائلة له :
"أخيرًاوجدتك، أين اختفيت طيلة النهار ؟"
وجدته ينظر لها بعينيه الذين بدوا لها يقدحان شررًا أم تتوهم أيضًا !!فقال لها بغضب :
"ماذا تريدين ؟"
ماذا تريد ؟! بالتأكيد يعرف ما تريده، فقالت له بعصبية :
"أنتم تركتموني هنا مهملة وأنا لا أعرف ما هذا !! أفهم الآن أنكم لن تؤذوني فلقد صار الجميع يعاملني بشكل حسن، لكن أنا أريد أن تساعدوني في الرحيل من هنا ولا يوجد أمامي من أتحدث إليه سواك "
وجدته يبتسم بمرارة وهو يقول لها :
"ترحلين ؟ وكأن الأمر صار بهذه البساطة "
ما هذا الكلام الغريب ؟ فقالت له بدهشة : "ماذا تقصد ؟"
نظر لها ونهض قائلًا بغضب :
"أنا لا أقصد شيئًا، وإن كان الأمر بيدي أريدك أن تختفين من أمامي وبشدة، ولا يعجبني وجودك هنا أكثر مما تتخيلي، لكن فقط دعيني وشأني "
نهضت خلفه تشعر بغضب شديد من حديثه الذي لا تفهم منه شيئًا وصاحت به :
"وهل تراني ألتصق بك ؟ فقط أنا أريدك أن تجعلني ألتقي برئيس القبيلة وأنا سأطلب منه بنفسي أن يساعدني في الذهاب من هنا "
نظر لها وقال لها بعصبية :
"أنا لن أكون وسيط لك، عليك التصرف وحدك، وابتعدي عن طريقي إن كنتِ تريدين ألا تموتي بيدي هاتين "
شهقت لوسي وهو يبتعد، لماذا يتصرف معها وكأنها عدوة له، أنها لا تعرفه ولم تلتقِ به يومًا لذا لما هذا التصرف الخشن من قبله ؟ والآن ماذا عليها أن تفعل ؟ من ستتحدث معه ويفهمها؟ تذكرت ذلك الرجل الذي يتحدث بلكنة ثقيلة، اللعنة يبدو أنه سيكون أفضل لها من ذلك الوغد.
لاحظت نظرات أغلب الرجال لها ونظراتهم النهمة لجسدها ولجمالها وقالت لنفسها بدهشة :
"تصرفاتهم طبيعية مع امرأة جميلة تختلف عنهم في كل شيء لكن ذلك الرجل ؟ أليس من المفترض أن يلفت جمالي نظره ويعاملني باهتمام، ما باله يعاملني وكأني حشرة بغيضة هذا غريب حقًا! "
تنفست بضيق وشرعت برحلة جديدة للبحث عن ذلك الرجل الآخر .

****
"أقول لك يا سيدي ما الذي ستكسبه من حبسنا هكذا ؟"
قال كورن هذا للزعيم وكان كهلًا أسود الوجه غليظ الهيئة، ولم يكن يفقه الإنجليزية فكان أحد رجاله يقوم بالترجمة له، فوجد كورن أحد الرجال يضربه علي رأسه لتحدثه هكذا مع الزعيم الذي قال شيئًا وترجمه الرجل له قائلًا :
"الزعيم يقول لك أن وجودكم في تلك المنطقة التابعة له كفيل بجعله يقتلكم بلا رحمة "
فقال كورن له بسرعة :
"ولماذا تقتلنا دون فائدة تعود عليك يا سيدي ؟ فدولتنا يمكنها دفع الكثير لك مقابل استعادتنا"
فضحك الرجل عندما تم ترجمة هذا له وقال له بسخرية :
"وما الذي يمكن لحكومتك دفعه دون التدخل في أرضنا بقواتها بطريقة عنيفة؟"
فقال له كورن فجأة :
"إذن دعك من الحكومة يا سيدي، فتلك المرأة التي معنا والدها أثري أثرياء أمريكا ويمكنه توفير أي شيء يمكنك تخيله مقابل إنقاذ ابنته دون تدخل الحكومة "
فقال له الرجل بفضول عبر المترجم :
"ومن هو هذا الرجل ؟"
فقال كورن بحماس :
"يُدعي كال مالفوي و يمكنك إرسال أحد رجالك والتأكد بنفسك، اتركني أذهب وحدي إليه ودع المرأة والرجل اللذان معي ضمانًا لعودتي بالمال اللازم لتحريرهما، وصدقني سيكون الأمر بسيط ومهما كانت طموحاتك وأحلامك بإمكان هذا الرجل تحقيقها لينقذ ابنته التي معكم "

فكر كورن بأنه عليه إنقاذ نفسه علي الأقل وتبًا لذلك الأحمق باولو والمرأة التي معه، فهو ليس أبلهًا ليبلغ كال مالفوي بالحاصل ليأتي ويجد أن التي هنا ليست ابنته، وربما يجد لوسي ويعرف فعلته وينتهي أمره لذا عليه خداعهم للنهاية، وهؤلاء الأشخاص تفكيرهم محدود والطمع يملئ كيانهم لذا يعتقد أنهم ربما يصدقونه ويتركونه ليذهب.
وجد الزعيم يتحدث مع رجاله لبعض الوقت ثم يشير لأحدهم قائلًا له شيئًا ما، ثم وجد هذا الشخص يسحبه ويخرج به من المكان، فقال بفزع :
"ماذا ستفعلون بى ؟"
لكن لم يجيبه أحد وخرجوا به من المكان.

****
"اسمي هو سبارس وأنتِ ؟"
قال ذلك الرجل الذي يتحدث لغتها بصعوبة، فهي ظلت تبحث عنه لفترة طويلة قبل أن تجده قريباً من الخيمة التي تركوها لتنام بها، فاقتربت منه قائلة له :
"مرحبًا، هل يمكنني التحدث معك قليلًا "
فوجدته يومئ برأسه مبتسمًا وقال لها ما قاله قبل قليل، فقالت له :
"اسمي هو لوسي، لكن أريد أن أعرف يا سبارس هل ستساعدونني في الرحيل من هنا ؟"
ابتسم سبارس وقال لها مبتسمًا : "بالتأكيد "
تبًا لذلك الرجل الأخر فلقد زرع الشكوك برأسها، فقالت لسبارس براحة :
"حسنًا، ومتى يمكنكم فعل هذا ؟"
وجدته ينظر لها ويبتسم ولم يرد، هل لم يفهمها ؟ فقالت له مجددًا:
"أريد أن أرحل، هل تفهمني ؟"
فوجدت ابتسامته تتسع وهو يقول لها :
"في الصباح عليك الذهاب للنوم "
فنظرت له بدهشة، هل يقصد حقًا أنهم بالصباح سيساعدونها في المغادرة ؟
حسناً عليها الانتظار للصباح فالكلام مع هذا الرجل مُرهق حقًا، لذا اتجهت للخيمة وجلست علي ذلك الفراش الخشن وهي تفكر بباولو وريتا وتدعو بداخلها أن يكونوا قد كشفا كورن وهناك حملة للبحث عنها الآن، لكن هل يبحثون في المكان الصحيح ؟ مؤكد كورن أخذها لمكان لن يتوقعوا وجودها به، فذلك اللعين أراد الانتقام منها جيدًا لذا لن يأخذها لمكان يسهل العثور عليها به .
****
"هل تعتقد أنهم سيستمعون له ويتركوننا ؟"
نظر باولو لريتا وقال لها بقلق :
- "لا أعرف فهذه أول مرة أتعامل مع أشخاص بدائيون ومتوحشون كهؤلاء "
فبكت ريتا قائلة بخوف شديد :
"لا تعجبني الطريقة التي ينظرون بها لي، أنا خائفة كثيرًا "
نظر لها باولو وقال بعصبية :
"ربما فقط لون بشرتك المختلف عنهم هو ما يجعلهم ينظرون لكِ هكذا "
فقالت بفزع :
"يا إلهي.. ماذا إن فكروا باغتصابي بسبب هذا ؟"
وجلست منكمشة علي ذاتها تعانق جسدها وكأن أحدهم سيقوم بانتهاكه، فنظر لها باولو بإشفاق فهو قلق من حدوث أمر مماثل فعلاً؛ فنظراتهم لريتا عنيفة ونهمة ، حتى ذلك الرجل عندما دفعها لركوب تلك السيارة كان يتحسس جسدها بشكل حيواني مثير للقلق.
اكملت ريتا بألم :
"لقد كانوا يتحسسون جسدي بالسيارة بشكل مخيف حتى أنقذتني أنت"
وبدأت ترتجف بقوة شديدة فهي لن تفقد عذريتها علي أيدي هؤلاء الوحوش و تفضل الموت إن حدث ذلك، فاقترب باولو منها وربت علي كتفها بحنان وهو يقول لها بإشفاق :
"سيكون عليهم العبور فوق جثتي قبل أن يحدث لك شيء مماثل "
رفعت نظرها له تريد القول له بحرقة أنه بمجرد أن حماها من تلامسهم لها تلقي ضربة عنيفة بوجهه.. ماذا سيحدث إذن إن حاول إنقاذها من محاولة اعتداء؟ بالتأكيد سيقتلونه وهي لن تستطيع أن تعيش إن حدث له هذا ، لكن ما إن رأت نظرته الدافئة حتى اختلج قلبها للحظات فها هو باولو الذي ظنت أنه متعجرف ولا يهتم بشخص مثلها مستعد ليفقد حياته لأجلها، فبلعت ريقها بتوتر وأغمضت عينيها بقوة تدعو ربها لتنجو هي وهو ولوسي من هذا المصير البشع.
وفجأة سمعا الباب يتم فتحه فنهض كلاهما ينظران تجاه الباب بترقب، فوجدا بعض الرجال يدفعون كورن بغلظة للداخل ثم يغلقون الباب خلفهم، فقال له باولو بلهفة :
"ماذا حدث ؟"
فنظر له كورن وقال بعصبية :
"لم يستمعوا لي ولا أعرف ما الذي ينون فعله بنا ؟"
تنفس باولو بخيبة بينما جلست ريتا أرضًا تبكي من جديد لسماعها ذلك من كورن وعرفت أن أمرهما قد انتهي .

0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.