darbovar

شارك على مواقع التواصل

أهلًا بك يا عزيزي بين سطور مذكراتي، ومرحبًا بك فى عالمي؛ ذلك العالم الذي لا يسكنه غير الأوغاد والحقراء أمثالي. أُدعى عيسى أو جيسو كما أُحب أن يدعونني، ثلاثيني العمر، طويل البنية، عريض الجسم، خمري البشرة، شعري بني مثل لون عيني. هكذا هو شكلي الذى لا يعنيني رأي الناس فيه قدر ما يعنيني خشيتهم من الجور على حقي، فهم لن يحترموك لوسامتك، ولكن سيتواضعون أمام طغيان شخصيتك.
أعمل كمسوق ونائب المدير في إحدى شركات التسويق القذرة، يمكنني أن أبيع أي شيء مهما كان، حتى لو كان الهواء، سوف أجد له مشتري. لا يعنيني نوع السلعة؛ حلال، حرام، يمين، يسار، سأُسوق لك ما تشاء، ولكن ستختلف عمولتي وتزيد كلما زادت حقارة منتجك.
أُحذرك يا صديقي، سوف تجد فى مذكراتي ما لا يسرك، ومن حقارتي ستجد كل ما يُسيئك، فأنا حقًا أحقر مما تتخيل، وغد، لا أملك مشاعر ولا أعبأ لأحد، ولكنك لن تندم على إضاعة وقتك فى سطور قصتي، سوف تفيدك حقارتي كثيرًا فى ذلك السيرك الكبير الذى نعيش فيه؛ نعم أنا أرى الدنيا سيرك ولكلٍ منا دور يؤديه؛ إما أن تكون بهلوان، تُهان فتضحك وتُضحكهم عليك، وإما أن تكون مدرب وحوش، كلما ضربت بسوطك رميت الرعب فى قلوبهم، فكلما خافوك كلما احترموك، وحُلمي أن أُصبح أعظم مدرب أسود بالسيرك.
أُحب كوني سيء وأكره الطيبة، فالطيبون يرحلون من الدنيا سريعًا وأنا أُحب الدنيا؛ فهي جنة أمثالي، لا أتسامح أبدًا مع من أهانني، ولا أعفو، فالعفو فقط من صفة الإله، وأنا شيطانٌ متمردٌ يريد أن يحكم العالم قبل أن يُحاكَم على ما فعل.
لن أنسى وجه ذلك الرجل المسن الضرير الذي قابلته بعدما انتهيت من صنع يوم أسود لذلك الأحمق الذي قام بصيانة سيارتي الفارهة ولم يحسن صيانتها، خرجت من عنده وعروق وجهي تنتفض من شدة الغضب، كنت أسير لمنزلي أسخط و في فمي أحط السُباب، و أتمنى ألا يجيد ذلك الأبله إصلاحها هذه المرة أيضًا لأجعله يترك تلك المهنة ويبحث عن أخرى.
قابلني ذلك المسن وأنا فى قمة غضبي، وعندما اقتربت منه نادى عليّ:
- لو سمحت، يا أستاذ يا أستاذ.
توقفت وأنا أسأل نفسي بصوت مرتفع :
- ماذا يريد هو الآخر؟
توجهت له، وبحدة رددت:
- نعم، خير عاوز ايه؟
قال لي:
- سلامتك يابني، كنت عاوزك بس تعديني الطريق.
وكأني وجدت من أُخرج فيه غضبي، هذا الرجل ليس ضرير، مؤكد أنه نصاب يريد مني أن أعبر به الطريق ثم سيطلب مني إحسانًا، قلت له:
- وأنت عرفت منين إني راجل مش ست؟
ببسمةٍ أجاب:
- من مشيتك عرفت إنك راجل، خطوتك على الأرض قوية، سمعتها من بعيد، إنما الست دبتها ناعمة ومشيتها بشويش، أقولك حاجة كمان، إنت من دور ابني؛ شاب يعني، هتسألني عرفت منين! هقولك أولًا من صوتك، ثانيًا بتمشى بسرعة، والعجوز اللي زي حالاتي ميعرفش يمشي زيك كدة، أنا كفيف النظر بس صاحب بصيرة بتنورلي سكتي أكتر من المبصر.
لا أعرف لماذا شعرت بالاستفزاز، أجبته بكل قسوة:
- يا عم طه حسين، راجل أعمى زيك أكرم له يقعد فى بيته بدل متيجي عربية تخبطك، وأنت مش ناقص، كفاية اللى أنت فيه، أنا إيه يخليني أعدي بيك فتيجي عربية بتجري تخبطني معاك أموت ولا أتعمي زيك، استفاد إيه أنا بقى؟
شعر الرجل بالوجع، أدمعت عيناه، ورد بصوت مكسور:
- يمكن أكون أعمى البصر، بس أنت أعمى القلب، وعمى القلوب أشد ضلمة من عمى العيون.
نزل الرجل من أعلى الرصيف وسار ليعبر الطريق مستعينًا بعصاه، كان جرح كبريائه أصعب من أن ينتظر قلبًا رحومًا يُعينه، فضَّل مواجهة الموت، ولا أن يواجه أمثالي من معدومي الإنسانية.
أدرت له ظهري وكأن شيئًا لم يكن، أكملت طريقي إلى المنزل، كلمات الضرير تتردد في أذني، شعرت أنه رغم ضعفه تغلب عليّ. وصلت إلى المنزل ولا أزال غاضبًا، ساخطًا، وجدت أمي تجلس في مكانها المفضل داخل غرفة المعيشة، جالسة تشاهد التلفاز، وفى يدها الهاتف تخاطب خالتي الثرثارة. لم ألقي حتى السلام، ألقيت مفاتيحي على المنضدة، وهممت بخلع ملابسي وأنا أتوجه إلى غرفتي، فور أن رأتني أشارت بيدها أن أتي إليها ولكني نطقت "أمي" كأنني أصم، كانت لا تزال تحدث خالتي الثرثارة، دخلت خلفي إلى غرفتي وهي تتحدث:
- ربنا يهديه النوبادي وتعجبه.
نادتني:
- عيسى يا أوبا، خالتك عاوزة تسلم عليك.
لم أُعيرها أي اهتمام، لم ألتفت حتى لها، ألقيت نفسي فوق السرير واضعًا وسادة فوق رأسي، بينما ردت أمي مُحرجةً من شقيقتها:
- معلش يا توفه، دخل الحمام هيبقى يكلمك أول ما يطلع، متحرمش منك أبدًا، مع السلامة.
أزاحت الوسادة بغضب من فوق رأسي قائلة:
- أنت انسان معدوم الإحساس، عواطف عرفت إنك مش عاوز تكلمها، أحرجتني قدام أختي.
رددت وأنا أمسك وسادتي لأضعها مجددًا فوق رأسي:
- أحسن، يا رب تحس وتبعد عني وتشيلني من دماغها خالص.
ردت أمي:
- جاتك نيلة، هو أنت مين يفكر فيك أصلًا، اعمل حسابك بعد العشا رايحين نشوف العروسة، و رحمة أبوك لو ما جيت معانا لأرميلك حاجتك على السلم و أغير كالون الباب ومشفش وشك تاني، مش كل مرة تطلعنا عيال صغيرة وناخد ميعاد من الناس ومنروحش، العروسة النوبادي أهلها ناس طيبين و ملتزمين.
رددت ببرود كعادتي:
- خلصتي! يلا بقى سيبيني أنام.
نمت واضعًا وسادتي فوق رأسي حتى لا أسمع باقي سبابها لي وهي تخرج من غرفتي.
هل تعلم يا عزيزي أني لا أحب أحدًا غير أمي؟ هي نقطة ضعفي الوحيدة، حتى أنني تمنيت يومًا أن تموت كي لا يكون في قلبي ذرة حب لأحد؛ حينها لن يجد أعدائك نقطة ضعف لك، حينها ستصبح لا تُقهر.
لم أحصل على نوم هانئ، كنت أفكر في تلك الزيجة التي تشبه حكمًا بالسجن مدى الحياة، كيف أربط نفسي بزوجة أُطعمها وأكسوها و أنفق كثيرًا من أجل مستحضرات تجميل كي تبدو مقبولة المنظر، وفي المقابل تتسبب لي إما بالضغط أو السكري! تسألني أين كنت ومع من، تطلب مني أن أتنازل عن يوم عطلتي من أجل أن أتنزه معها، إنهن مجنونات يا صديقي.
لا أتخيل امرأة توقفني لدى الباب وأنا متأخر على عملي من أجل أن تُذكرني بالقمامة، أقسم أني سأفرغ خزينة سلاحي برأسها حينها، أحمق ذلك الرجل الذي يبحث عن سُنة الحياة أو أن يُكمل دينه معهم، فهنَّ سيتسببن بانتحارك، وسيُفقدونك سبًا ولعنًا دِينُك، لكنني وافقت والدتي لأني أعلم أنه ليس هناك من ستتحملني، وسينتهي الأمر برفضي من أول لقاء.
أتى العشاء وتوجهنا إلى مصلحة السجون؛ أقصد بيت العروس.
دارت مشاحنة بيني وبين أمي من أجل أن نأتي بهدية نقدمها لهم، ولكني اشترطت لذهابي أننا لن نأتي بأي شيء معنا؛ لست ببخيل ولكني لست بأحمق، كم من أموالٍ أنفقت ثم لا تكتمل الزيجة!
وصلنا إلى بيت العروس، قابلونا للحق بحفاوة و ترحاب ، استقبلنا شاب يصغرني عمرًا، عرف نفسه على أنه أحمد شقيق العروس، أجلسنا في غرفة الضيوف واعتذر عن عدم وجود والده الذي تأخر في صلاة العشاء، ثم دخلت امرأة عرفها لنا أحمد أنها والدته و العروس، حاول فتح حوار معي حول عملي وطبيعته، كنت أُجيب على مقدار السؤال باختصار، كنت أشعر بالضجر والملل، ثم فجأة وكأن الشمس قد أشرقت في الغرفة، وكأن القمر قد نزل إلينا من السماء؛ دخلت فتاة تحمل أكواب من العصير.
يا إلهي! كانت رائعة! بشرة بيضاء كالثلج فى ليلة الميلاد، عيناها زرقاوتان كالسماء الصافية في فصل الربيع، محجبة، ترتدي ثوب طويل، لم أكن أعلم أن الملائكة قد تتجسد في هيئة بشر، قدمتها لنا والدتها:
- هدير، بنتي الوحيدة، ودلوعة العيلة.
قدَّمت بخجل لهم ما تحمل، وأتت علي ووضعته أمامي، لم تعطه لي في يدي، لا أعلم لماذا! ربما كانت خجلة، لم تكف أمي عن مغازلتها ومداعبتها بالكلام، كانت وجنتاها تحمر خجلًا كالياقوت.
الآن انكسرت كل شعاراتي، أشهد بانهزامي أمام جمالها الفاتن، يا إلهي! هل حقًا هذه هي العروس التي أرسلتنا خالتي لخطبتها؟
أعلنت الاستسلام أمام جمالها الفاتن، وأخلاقها المهذبة.
حاولت أن أُجري حديثًا معها، ولكن كانت تجاوب اجابات مختصرة، كان الخجل يحرمني من أن أنظر إلى عينيها، وهي لم تنظر فى عيني قط خجلًا. كانت أجمل دقائق في عمري؛ حتى أنني كدت أقول:
- هاتولي المأذون حالًا.
قاطع شرودي بها جرس الباب اللعين، قال شقيقها:
- ده أكيد بابا.
كنت أتشوق لأرى ذلك الرجل الذي أتت من نسله تلك الملاك، ذهبت والدتها وفتحت له الباب قائلة:
- حمد الله على السلامة يا حاج.
وفجأة، ودون أي مقدمات، تحول حلمي الجميل إلى كابوس بشع، أصبحت كالصنم؛ متحجر، مصدوم مما أمامي، لا أصدق تلك الصدفة اللعينة، والدها هو نفس العجوز الكفيف الذي كسرت قلبه صباحًا.
عندما يغدر بك القدر، سيطعنك من جنس عملك، إنها أول فتاة تروق لي في حياتي، ليس من السهل الآن قبول خسارتها بسهولة، عليَّ أن أتماسك أمام ذلك الكفيف؛ فهو مؤكد لن يعرفني فقط عليَّ الثبات.
أقبل علينا وقام بتحيتنا معتذرًا عن التأخير، قدمت نفسي ووالدتي، وقدم هو نفسه لنا أنه صاحب محل عطارة، ورغم أنه أصبح كفيفًا إلا إنه لا زال من أمهر العطارين، قالت أم العروس:
- الحاج محمد فقد نظره في الثورة، وياريت كان بفايدة و البلد اتصلح حالها.
ضحك الرجل قائلًا:
- بلاش سياسة يا أم أحمد، وبعدين ربنا لو أخد منك باليمين، بيديكِ بسخاء بالشمال؛ أخد نظري لكن عطاني كتير؛ الزوجة بنت الأصول اللي صبرت معايا، والذرية الصالحة خلقة وخلق، ده كفاية نعمة حفظ القرآن.
أثنت أمي خيرًا عليه وعلى أهل بيته، وتبادلوا الحوار بينهم، و أنا ما زلت ساكن كالصنم، لا أنطق إلا في أضيق الحدود، قاطع صمتي الرجل قائلًا:
- إيه يا عيسى، ساكت ليه؟ إوعى تكون مكسوف؟
رددت وقلبي يدق:
- لا أبدًا، هتكسف من إيه!
طلب مني الحديث عن نفسي وعن عملي وخططي المستقبلية، حاولت طمأنة نفسي وأخذت أتحدث عن عملي وحياتي؛ قلت أنني أعمل كمدير تنفيذي في شركة تسويق كبرى، ومن أمهر المسوقين فى مصر،
أخبرتهم أننا نشتري أراضٍ وعقارات، أسهم في البورصة، مزادات البنوك والمصالح الحكومية، لوحات فنية، أي شيء مربح نشتريه ونتاجر فيه،
بالإضافة إلى أننا نقوم للتسويق للغير وتحصل شركتنا على عمولة فى البيع، نظرت إليه وجدته صامت كالحجر، لقد تبادل الأدوار معي، لم يكن ينطق بكلمة حتى بعدما انتهيت من الكلام، رد بعد صمت قليل:
- هو أنا قابلتك قبل كدة؟
يا إلهي! ما بال هذا الرجل؟ هل تذكر صوتي؟ هل كشف أمري؟ حقًا لا يمكن لساحر أن يخدعه بحيلته، فكيف سأقوم أنا بخداعه؟!
أنكرت معرفتي به، وحاولت أن أسرق تفكيره لشيءٍ آخر، قلت له:
- ندخل في الموضوع على طول، أنا شاري ومستعد أجيب كل اللي تؤمروا بيه، من الإبرة للصاروخ
رد قائلًا:
- أنت بتعدي من عند جامع النصر؟
تبًا، لم تفلح حيلتي، ما زال يحاصرني، يجب أن أُعيد الكرَّة، رددت:
- أيوة، ساعات، بقول لحضرتك أنا مش عاوز منكم غير العروسة، هتكفل بكل حاجة من أول…..
قاطعني الرجل قائلًا:
- ممكن تقوم تقف؟
وقفت وسط ذهول و صمت من الجميع، طلب مني أن أذهب إلى آخر الرواق وأعود، فعلت ما أمرني به، كنت أعلم أنه يريد مقارنة خطواتي، كنت مضطربًا وخائفًا، كادت قدماي أن تتعثر مثل طفل يتعلم المشي،
وقفت أمامه أتصبب عرقًا، أنتظر نتيجة الاختبار، تبسم ابتسامة استهزاء قائلًا:
- عارف لما بتراعي حقوق ربنا، عمره ما هيخلي حد يدوس على حقك، شوف الصبح أنا كنت عامل إزاي، وشوف نفسك دلوقتي عامل إزاي، من لا يَرحم لا يُرحم، أتفضل يا أستاذ من غير مطرود، مبنديش بناتنا لناس قلوبها جاحدة مبتعرفش معنى الرحمة، أنا آسف يا ست الكل على وضعك فى الموقف دا، بس اللي زي ابنك ده اتبري منه قبل ما يحطك في دار مسنين ولا يسيبك في الشارع.
غادرت بسرعة البرق، لم أنتظر حتى أمي، توجهنا إلى المنزل و لم أنطق بكلمة، لم أرد على إهانات أمي،
كنت كالمُخَدَر، لا يتحرك لي جفن.
مرت ليلتها عليَّ وأنا صامت في غرفتي، ملقى على فراشي، لا أفكر غير في ملامح وجهها، وأتوعد لذلك الضرير.
عندما يتم رفضك في طلب الزواج، فأنت تشعر أنك مطعونٌ فى ذكورتك، و إذا كنت مُتيمًا مثلي، فأنت ستُطعن في جرحين؛ جرح الكرامة وجرح القلب.
مرت الليلة كما مرت، واتخذت عهدًا أنها ستصبح ملكي، ولن أجعل ما حدث لي يمر مرور الكرام.
في الصباح، توجهت إلى عملي، حاولت تجاوز صدمتي، لم أُخبرك كم يحبني أصدقائي في العمل، طبعًا لن تصدقني، ومعك حق أنا أمزح، أنا مكروه جدًا؛ يدعونني "حفيد أبو لهب"، عندما أدخل الشركة، كأن ملك الموت قد دخل عليهم، دخلت الشركة دون أن ألقي التحية كعادتي، استوقفني نداء ذلك الأبله البدين قائلًا:
- عيسى، جاي متأخر ليه؟
رددت وكلي ضجر:
- وأنت مالك يا فهمي، روح شوفلك بنت تتسلى معاها لحد ميعاد المرواح.
نعم، إنه ابن صاحب الشركة، ولكنه أبله، أحمق، لا يُجيد سوى النظر إلى مؤخرات موظفاته الإناث اللاتي يوظفهن بنفسه وفقًا لجسمهن، لا لدرجة علمية أو خبرة، كنت أشعر بكرهه لي، وحقده الدائم عليّ، ولذلك أعامله دائمًا باحتقار، سمعت مرة حديثه مع أبيه بالصدفة وهو يأتى بذكري، كان يشكو له إهانتي له دائمًا، وسخريتي منه ومن سمنته، وجعلي منه محط سخرية الجميع، كان يتساءل لماذا يبقي أبيه على شخص مثلي؟ وغد لا يحترم أحد مهما كان، رد عليه أبيه؛ ذلك الشيطان الذي أعتبر حقارته مثلًا يُحتذى به:
- عيسى ممكن يكون فيه كل العيوب، بس اللي بيعمله محدش يقدر يعمله، عيسى عامل ذي الزئبق، لزج وريحته مقرفة زي ريحة التوابيت اللي بيطلع منها، بس الجرام منه يكسبك ملايين، البشر زي خيل السبق، طول ما هي بتجري وتفوز بالسبق، أكلها سكر واهتم بيها، بس أول ما تكبر وتبقى زي عدمها، ادبحها وارميها للأسود ياكلوها.
لم يُحزنني قوله، فأنا أعلم أنه يُبقي عليّ لحاجته لي، ولا يأبى إن كنت أُهين ولده السمين ما دمت أُربحه كثيرًا، هو لا يحب غير نفسه، ولا يعرف غير مصلحته، أي سوء يمكنك أن تتخيل، هذا الرجل يفعله، أي شيء حقير وتقشعر منه الجلود؛ يتاجر فيه. الآن تعرف لماذا يتمسك بي؛ أنا من يسوق له تلك الحقارة، ووحدي أستطيع بيعها، طبعا هناك حقراء آخرون يعاونوننا، من يقوم بالتهريب، ومن يقوم بالتوصيل، ومن يقوم بالحماية، مافيا بمعنى الكلمة يا صديقي، وأنا أحد أهم ضلوعها.
دخلت مكتبي المرفه، وطلبت قهوتي بالبندق التي أعشقها، رن الهاتف؛ إنه ذلك الشيطان المتنكر في هيئة بشر، طلب أن أذهب إلى مكتبه على الفور، ذهبت إليه، وعندما دخلت مكتبه، طلب مني أن أُغلق الباب من الداخل، علمت حينها أن هناك صفقة مشبوهة جديدة سيخبرني عنها، فعلت ما طلب ثم جلست في الكرسي المقابل لمكتبه.
كان يبدو عليه التوتر على غير عادته، يُقلب في هاتفه، صامت وكأنني لست موجود، مللت ذلك الوضع،
لم أنتظر أن يتحدث فبدأت أنا الحوار قائلًا:
- شكل الموضوع كبير
نظر لي وقال:
- افتح تليفونك، هبعت لك لوكيشن.
فعلت ما قال، وسألته:
- دا عنوان إيه ده؟
قال لي:
- عايزك الساعة 2 بالليل تكون واقف هناك.
- ده عنوان في آخر الدنيا، والعربية لسه مجبتهاش من الصيانة.
رد بصوت مرتفع وبنبرة غاضبة:
- خد أي عربية من عربيات الشركة، اتصرف يا عيسى، المهم 2 بالظبط تكون هناك.
- ماشي يا ريس، هكون هناك، بس هنعمل ايه؟
رد وقد ازداد غضبه:
- عيسى، لما تيجي هتعرف، ودلوقتي روح مع الجروب اللي رايح يتفرج على كومباوند الرحاب،
وحاول تبيع وحدات على قد ماتقدر، خلينا نخلص من الكومباوند الفقر دا.
قلت وأنا أستعد للمغادرة:
- ماشي يا ريس، عايزني تاني في الشركة ولا أرجع على البيت؟
- لا، عايزك تروح تنام علشان تكون فايق بليل.
غادرت المكتب وفعلت ما طلب مني، انتهيت مع الفوج، وُفقت في إقناعهم جميعًا بالشراء، وهذا أكثر مما كان يريد، هذا ما أجيد عمله يا صديقي؛ الإقناع،
قليل من الثقة في شخصٍ ما، قد تعرضك للكثير من الخداع، لا تصدق كلام أمثالي ممن يُجيدون الكلام، ولا تثق أبدًا في مسوق ماهر مثلي، كلامنا مثل التنويم المغناطيسي، سيجعلك تفعل كل ما نريد.
عدت إلى منزلي، أمي لا تزال غاضبة مني، ولا تريد مخاطبتي، دخلت غرفتي، استلقيت فوق فراشي، نظرت إلى سقف الغرفة، أغمضت عيني، يا ويلي ماذا يحدث لي! إني أراها في مخيلتي، أرى وجهها الذي يكاد يشع نورًا، أشعر أن كل ذرة في داخلي تشتاق إليها، هل سُحرت؟ هل أصابني مس؟ هذا ليس أنا، لم أكن يومًا صاحب هوى، ولا في أرض الغرام عابر سبيل، هل عليّ الآن أن أؤمن بتلك الخرافة التي تسمى "حب من أول نظرة؟"
تبًا لذلك الضرير، أقسم أني سأجعله يتمنى الموت ألف مرة ولن يناله، خرجت من غرفتي مجددًا على عجالة.
أمسكت هاتف أمي أُخرِج رقم خالتي، قمت بالاتصال بها من هاتفي، أجابت خالتي:
- ألو.
صمتُّ قليلًا، فأنا حتى لم أكن أكلمها في الأعياد، أخذت نفسًا عميقًا ثم تحدثت:
- ألو، أزيك يا أحلى خالة في الدنيا، وحشاني موت.
صمتت خالتي، كنت أشعر بأنها مصدومة، كمن نجا أمام قطارٍ من الدهس، قالت:
- عيسى معايا ولا مين؟
- أيوة يا خالتي، مش عارفة صوتي، كدة برضه!
- لا إزاي، عامل إيه يا أوبا؟
ضغطت على أسناني كي أتحمل تلك الكلمة التي أكرهها، رددت وكلي اشمئزاز:
- حلو، حلو جدًا، بقولك يا خالتي، عاوز منك خدمة.
رددت بتردد:
- خير يا أوبا، أنت تؤمر.
- كنت عايزك تحكيلي شوية عن هدير.
- هدير مين؟
قلت لها بملل:
- العروسة يا خالتي.
- هو يا بني مش محصلش نصيب؟
- معلش يا خالتي هحاول أصلح الموضوع وربنا يسهل، يلا يا خالتي احكي احكي.
أخبرتني أنها طالبة في كلية الطب، وعضوة في إحدى الجمعيات الخيرية، والدتها زميلة خالتي في وزارة الصحة، وهي صديقة لابنتها، وطبعًا لم تنسَ أن تُذَكرني أنها قالت لأمي كل ذلك من قبل، أخبرتها أني قد نسيت ولم أخبرها بأنني لم أكن أهتم ولم أكن أصغي حتى لما تقول أمي.
سألتها عن رقم هاتف لها، ردت بأنها لا تعرفه، ولكنه مع ابنتها الشمطاء سارة، وهي صديقة لها على تطبيق "الفيس بوك"، يمكنني أن أخاطبها عبر رسائله، هذا ما كنت أبغي، وأخيرًا أفادتني خالتي في شيء.
اكتفيت منها، أخذت منها ما أريد، أنهيتُ حديثي مغلقًا الهاتف قبل أن ترد حتى السلام.
عليَّ الآن أن أفتح "الفيس بوك" وأبحث عن ملاكي داخل أصدقاء الشمطاء ابنة خالتي، تبًا لتلك البلهاء، إنها تخفي أصدقائها، أقسم أنني تمالكت نفسي قبل أن أذهب لها وأضع رأسها داخل مقعد الحمام.
عليَّ الآن أن أبحث داخل منشوراتها السخيفة لعل ملاكي قد يكون أثنى عليها بتعليق أو إعجاب. تبا! لماذا تستمر تلك العائلة في جعلي مثل ثور هائج! إنها مجنونة تنشر حالة كل خمس دقائق تقريبًا، لن يكون الأمر سهلًا.
بدأت بالتدقيق في منشورات الشمطاء، أصابني الضجر والملل، وأشعر بالغثيان، إنها تكتب كل شيء عن حياتها، حتى الأكل تنشر صوره، فقدت الأمل أن أعثر عليها في سلة القمامة هذه، قبل أن أخرج، وجدت أخيرًا منشورًا يروق لي، كانت قد شاركته الشمطاء،
كان يقول "كلما كان هدفك ثمين، كان الوصول أكثر صعوبة، كلما شعرت باليأس، تخيل شعورك عندما تحقق هدفك، ستعيد شحن إصرارك من جديد".
راقت لي تلك الكلمات، نعم ستصل حتمًا لهدفك، ولكن عليك أولًا التخلص من اليأس، فهو من سيُحيل بينك وبينه.
دخلت على حساب صاحب المنشور كي أقرأ المزيد من كلماته، وكانت أجمل مفاجأة، نعم ظنك في محله، كان الحساب لها، وكأنني وجدت جوهرة، كان شعورًا لا يوصف، لم أكن سعيدًا بنجاح مثل نجاحي فى العثور عليه، دخلت على معلوماتها، كنت أريد أن أعرف كل شيء عنها، موعد عيد ميلادها، اهتماماتها، أصدقائها، حتى الصفحات التي أعجبتها، المجموعات التي انضمت إليها، أريد أن أعرف كل شيء عنها.
كان الاهتمام بها كالإدمان، نشوة لا يمكن مقاومتها، وجدت إشارة من جمعية خيرية، صورة لمجموعة من الشباب، كانت هي من ضمنهم، كانت مثل لؤلؤة في السماء تتوهج، كم أعجبتني تلك البسمة على وجهها!
هل تعرف شعور الأب عندما يرى البسمة الأولى لطفله؟ كان هذا شعوري، كم هي بريئة! كم هي صافية ضحكتها!
أكملت في البحث عن صورها داخل صور الجمعية، كانت لها صورًا في إفطار جماعي في رمضان، وصورًا وهي تجمع الزكاة من المنازل من أجل الفقراء، وصورًا لها مع الأطفال الأيتام، تلعب وتمرح كأنها طفلة مثلهم، ماذا فعلت في نفسي! أية حماقة ارتكبت! كيف لشيطان بقرون وذيل مثلي أن يعشق ملاكًا بأجنحة مثلها! كي أرتبط بها إما أن تنزل إلى أرضي أو أصعد أنا إلى سمائها.
طبعًا لن أستطيع أن أجعل من تلك الغزال وحشًا شرسًا حتى تستطيع أن تعيش في غابتي، ولن أستطيع أن أجعل من مسخ مثلي طاووس جميل كي أعيش في جنتها، الحب بدون أمل مثل الموت إكلينيكيًا، ميت محسوب بين الأحياء، ولكني لن أفقد الأمل ولن أتخلى عنها، وأقسم أني سأكون معها مهما سيكلفني ذلك.
شعرت بالإرهاق، عليّ أن أنام كي أستعد لليلتي الطويلة مع الشيطان حسين، أعلم أنك تشتاق لتعلم ماذا حدث، لن أُطيل عليك أكثر من ذلك، كنت في الميعاد والمكان حيث أمرني، كان البرد قارصًا، غطى بخار أنفاسي زجاج السيارة، لم تمر سيارة على الطريق منذ فترة طويلة، تبًا لهذا الملعون حسين! إن قتلني أحدًا هنا فلن يشعر بي أحد.
فتحت مقعد السيارة، تمددت عليه أنتظره يأتي، بعد قليل وجدت من ينقر زجاج سيارتي، ليس هو، ولكنه سيد، أحد من يعمل معنا، أبله ضخم البنية، ولكن بدون عقل، ينفذ الأوامر فقط، تشاجرت معه في الماضي بسبب سخريتي منه، كاد يقتلني، عاقبه سيده على ذلك، فأنا دائما المدلل.
أنزلت الزجاج وكعادتي أسخر منه، قلت على طريقة الفنان سيد زيان:
- أزيك يا سس سس سس سيد، أمال معلمك مجاش ليه!
أنزل رأسه إلى الشباك وقال:
- انزل هنروح له أحنا بعربيتي.
لم يكن أمامي غير الموافقة على طلبه، وضعت يدي على سلاحي لأتأكد من وجوده، أخشى من هؤلاء الناس، إن لم تكن حريصًا معهم، ستدفع الثمن عمرك.
أمسكت بهاتفي أفعل شيئًا فيه، ثم نزلت إلى سيارة سيد، عندما ركبنا سيارته، أمسك بنظارة 3d قائلًا: - البس دي.
أمسكتها وتبسمت وقلت ساخرًا:
- والنبي معلمك هربت منه على الآخر، جايبني آخر الدنيا علشان يسمعني فيلم ثلاثي الأبعاد.
قال لي وهو يُلبسها لي عنوة:
- بطل قلة أدب واسمع الكلام من سكات واهدى وأرتاح كدة شوية لحد ما نوصل.
فعلت ما فعلته فى مقعد سيارتي، تمددت وبدأت النظارة في العمل، لم أكف عن السخرية من سيد المفتول العضلات، قلت له:
- ياسيد ما تغير الفيلم الأجنبي دا وشغل لنا حبة رقص كدة ولا حاجة، حلاوته في ال3D.
لم يكن يرد على سخافتي ولكني لم أمِل من السخرية منه طول الطريق، لا أعلم كم من الوقت مشينا، أو أين كانت وجهتنا، ولكن بعد عدة ساعات شاهدت فيهم أكثر من فيلم، نزع سيد بعنف النظارة من فوق عيني، صحت فيه غاضبًا:
- إيه يا عم الرخامة دي!
- وصلنا.
- طيب يا أخي لف بينا شوية أكون كملت الفيلم.
- هو أنت قاعد في سينما السيارات! انزل الريس مستنينا.
ترجلت من السيارة، وضعت يدي في ذراعه قائلًا:
- طب ممكن قبل ما ندخل نقابل الريس توعدني وحياة عيالك؟
- خير، عاوز إيه؟
- تشغلي الفيلم وأحنا راجعين، من وقت ما وقفته في مشهد بوسة جاي مش عاوزه يفوتني.
اشتاط غضبًا مني ودفعني بيده إلى الداخل قائلًا:
- ادخل.
أخرجت هاتفي، نظرت فيه ووضعته في جيبي، دخلت فيلا مليئة بالحراس في كل مكان، مدججين بالأسلحة كأننا في ثكنة عسكرية، كان حسين جالسًا على ما يدعونه قعدة عربي، حوله فتاتان وزجاجات الخمر وآثار من شرب الحشيش أمامه، عندما وقعت عينه عليّ، نادى بصوت مرتفع:
- جيسو حبيبي.
كان يبدو عليه أنه مسكور، رددت عليه:
- حسين باشا، كده برضه من غيري! خاربها أنت على الطبيعة وأنا مقضيها 3D؟
ضحك وقال للفتاتين:
- رورو، خدي شوشو واطلعوا فوق استنوني.
قلت ساخرًا وأنا أهز رأسي دلالة على عدم الرضا:
- ناس ليها رورو وشوشو وناس ليها سيد، منور يا عرب.
أقسم أنه لو كان بيده لاقتلع عيني بيده، ولكنه كلب مروض لن يهاجمني إلا بأمر سيده، أشار إليه سيده أن ينصرف، وأشار لي أن أذهب إليه وأمسك يده كي أُعينه على الوقوف، قال لي:
- تعالى يا جيسو هوريك صفقة العمر، أهم صفقة عملناها.
أثارني الفضول، ولكني صمت وذهبت كي أمسك بيده الممدودة، أوقفته وسرنا وهو يتكئ عليّ، قادني نحو مصعد يقف على بابه حارس؛ ليمنع الصعود أو النزول منه، نزل المصعد كثيرًا لأسفل، يبدو أنه هناك طابق على عمق تحت الفيلا، توقف المصعد وخرجنا منه، يقف الكثير من الحراس، وغرف تملأها الأشياء القديمة عديمة الفائدة، كان هناك غرفة مغلقة، وكعادة المكان على بابها حارس، أشار إليه حسين، ففتح الباب، دخلنا الغرفة، كان بها مجموعة من الفتيات، يبدو أنهنّ أجانب من ملامحهنّ، كنّ يرتدين ملابس فضفاضة، وتملأ وجوههنّ ملامح الخوف، وقفنّ خائفات عندما دخلنا، كانت الرائحة كريهة، والإضاءة ضعيفة، قاطع صمتي حسين قائلًا:
- إيه رأيك بقى في صفقة العمر؟
لم أكن أفهم عن أي صفقة يتحدث، كنت قلقًا من المكان وكمية الحرس والسلاح، حاولت كسر قلقي وطمأنة نفسي، رددت ساخرًا:
- إيه يا سحس، أنت عاوز على آخر الزمن تشتغل قواد، عاوزنا نفتح شبكة دعارة! دعارة لا يا سحس، مكنتش أحسبك كدة، وأنا دوري يبقى إيه، أقطع حجز للي داخل وأدي مقويات للي طالع!
رد حسين ضاحكًا:
- دعارة إيه يا بني اللي هنشتغل فيها! مسمعتش قبل كده عن الرقيق الأبيض؟
كنت قد سمعت يومًا عن تجارة النساء في دول شرق أوروبا مثل أوكرانيا، صربيا، روسيا، ألبانيا، و أوزبكستان، في معظم دول البلطيق تقوم المافيا بخطف النساء والأطفال للإتجار بهم، ويستخدموهم في شبكات الدعارة، وفي أعمال منتهى الوحشية، ولكن لم أكن أعلم أنهم يمكنهم أن يصدروهم للخارج أيضًا، ولا أعلم ماذا يريد هذا الشيطان مني، أيريد أن يجعلني نجسًا أتاجر في حرية البشر؟ قلت له مستنكرًا:
- وأحنا يا ريس مالنا ومال الرقيق الأبيض ولا الرقيق الأسود؟ هنعمل إيه بيهم بس؟
رد بضيق صدر:
- وأحنا كنا عملنا إيه في أي بضاعة بنجيبها؟ هنبيعهم طبعًا، أنت عارف دول يتباعوا بكام؟ البنت الواحدة أقل حاجة تتباع ب25 ألف دولار و الفيرجن ب40 ألف دولار.
قلت باندهاش:
- ودول حد هيشتريهم مننا يا ريس بالأسعار دي؟
- طبعًا، مين ميتمناش يشتري مزة حلوة من دول؟ شبكات الدعارة هتجري وراهم جري، الأغنياء الخلايجة أي حد يتمنى يكون عنده مزة حلوة من دول،
يا بني دي تالت تجارة بتكسب بعد السلاح والمخدرات، وبعدين لو حضرتك خبت ومعرفتش تبيعهم هنبيعهم في الخليج، الموضوع ده منتشر هناك، ولا نطلع بيهم على إسرائيل.
رددت بدهشة:
- إسرائيل! هي فيها تجارة عبيد! دول واجعين دماغنا إنها بلد الحريات وحقوق الإنسان.
رد ضاحكًا:
- ده وكر التجارة هناك، والحكومة تقريبًا في صفهم،
عاوزين ينشطوا السياحة الجنسية هناك، حجم التجارة هناك حوالي مليار شيكل في السنة، المهم ورينا بقى جدعنتك يا بطل، عاوزين نبيع دول ونجيب صفقة تانية.
- طاب وعمولتي هتبقى كام؟
- زي كل مرة، 5 %.
- انسى، المرة دي حصتي 20%.
وجه لي السباب وقال بعدها :
- عشرين عفريت لما يركبوك.
- يا باشا أنت عارف محدش هيخلص المصلحة دي على نضافة من غير علم البوليس غيري، وبعدين أنت قلت بلسانك دي صفقة العمر.
كان يعلم أنني الوحيد الذي يستطيع أن يُحضر مشتريين ثقة ليس عليهم غبار، كما أنني أوفر وأسلم من إعادة تهريبهم إلى دول أخرى، سكت قليلًا ثم قال:
- 8٪.
- 17 %.
- 10 ولم الدور واتلم.
- 15 وأنا المسؤول عن التسليم للزبون.
- هتبتدي من بكرة، عاوز أخلص منهم، أنا مش ناقص بنت تموت من الحبسة أخسر فيهم.
- اعتبرهم اتباعوا.
أعلم أنك يا عزيزي تنظر لي باشمئزاز، أنا أيضًا أنظر لنفسي بتلك النظرة، ولكن هل تعلم كم كان نصيبي في آخر صفقة سلاح قمنا بها؟ ستة مليون دولار، يمكنك أن تخمن كم يبلغ رصيدي في بنوك سويسرا، يومًا ما سوف أرحل من هنا، واتمتع بتلك الأموال ولن أعبأ أبدًا بنفاذها، مستعد أن أفعل أي شيء من أجل المال.
تركت حسين يمرح مع الفتاتين اللاتي تنتظرانه بالأعلى، وهممت بالخروج لسيد الذي ينتظرني ليعود بي من حيث أتينا.
عند خروجي من باب الفيلا قابلت صفوت أحد رجال حسين، ولكنه المفضل لديّ، شخص يمكنه أن يفعل لك أي شيء مهما كان خطرًا، أعطه مالًا وسينقل لك الأهرامات إلى أوروبا، يعتمد عليه حسين في كل الأمور، يمكنك أن تقول أنه ذراعه الأيمن.
وقفت لتحيته بالأحضان، فهو شخص مهم هنا، كان يصحبه بعض من رجاله يحملون ملابس وطعام يبدو أنه للفتيات، كنت أريد منه أن يسدي لي صنيعًا، لا أحد غيره يقدر عليه، حدثته عن مطلبي وأبرمت معه صفقة، يفعل لي ما طلبت وفي المقابل أُسدي له صنيعًا آخر أكثر قذارة، كنت سأوافق على أي ثمن يطلبه، هو الوحيد الذي يستطيع أن يفعل ما أريد وبكل شروطي.
كان يستعجلني سيد للرحيل، سلمت على صفوت، وقلت له وأنا أغادر:
- هبعت لك المعلومات كلها بكرة ونفذ وأنا هنفذ.
- اعتبره حصل يا جيسو.
ذهبت لركوب سيارة ذلك الأصلع الذي يشبه الدب في الجسم و الطفل في العقل، ركبت وقلت له وأنا أمسك النظارة:
- عارف لو فوت مشهد البوسة هخليك تسرح القرعة دي.
كاد يضربني لولا أن ناديت على سيده حسين.
نمت وأنا عائد في الطريق، أوقظني ذلك الأبله عندما وصلنا، سخفت عليه قليلًا ونزلت ركبت سيارتي.
لم أقل لك عندما أمسكت هاتفي قبل أن أنزل من سيارتي أنني فتحت تطبيق كي أعلم المكان الذي يقودني إليه، كنت متأكد أنهم سيعصبون عيني، فهم لا يأمنون أحدًا، علمت مكان الفيلا وأين يخفي حسين بضاعته، كانت سخافتي على سيد من أجل ألا أجعله يفكر بما أفعل، أقسم أنه كان تفكيره مسخرًا في ماذا لو أن تنقلب السيارة بي، ماذا لو قتلني وألقى بي في الصحراء! جعلته يجاهد كي يكظم غيظه خوفًا من سيده، نعم يا صديقي، لست سهلًا كما أبدو لك، أعلم أنك تقول ولم كل هذا العنقاء! ماذا سيفيدني ذلك العنوان! قد لا تفيدني تلك المعلومة الآن، ولكن من يعلم ربما غدًا تكون ذات أهمية، أنا لا أخشى سوى الغد وما يحمله الزمن مهما تبسم لك فحتمًا سينقلب عليك يومًا، فيجب أن تأمن غدره، قد لا أستطيع تغيير الماضي ولكني سأسخر حاضري لأحيا غدي أفضل.
ارتحت من سفري، ثم ذهبت إلى الميكانيكي كي أستلم سيارتي، كنت أتوعد له كما تعلم، أتمنى ألا يكون أحسن صيانتها تلك المرة كي أفسد عليه يومه. لم يكن موجودًا عندما وصلت، ولكن سيارتي كانت جاهزة، قمت بتجربتها، أحسن حقًا هذه المرة كأنها جديدة.
بعض البشر يجب أن يروا شَرَك كي ترى منهم خيرهم، قال لي أحد العاملين:
- باقي 500 جنيه من الحساب
رددت وأنا أتحرك بالسيارة:
- قول لمعلمك إني خصمتهم تمن المواصلات اللي خلاني ركبتها لما بوظ لي العربية
يجب أن يكفر عن ذنب تعكير صفوي في الأيام الماضية.

0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.